ما هي الشروط المطلوب توفرها لتحرير العراق من الغزو بكافة اشكاله ؟ استنادا لتجربة المقاومة العراقية في الفترة بين عامي 2003 و2011 يمكن تأكيد الحقائق التالية لضمان طرد امريكا من العراق :
1- تجربة المقاومة العراقية اكدت بصورة حاسمة بان امريكا يمكن الحاق الهزيمة العسكرية بها ليس فقط في حرب العصابات بل حتى في حرب كلاسيكية ، ومعركة الفلوجة الاولى في عام 2004 تؤكدان ذلك اذ صمدت الفلوجة في معارك حرب كلاسيكية وليس حرب عصابات ومنعت فيها امريكا من تحقيق اي تقدم بل سجلت المقاومة العراقية تقدما كبيرا على حساب القوات الامريكية رغم التفوق الامريكي الهائل.امريكا بالاصل دولة ظاهرها القوي جدا غير باطنها المنخور جدا بنفس القدر ، ففي ذروة قوتها التي تستحق ان توصف بالماحقة وهي كذلك فعلا ، هزمت في حرب فيتنام ، ولم تكسب حربا واحدة ضد حركات التحرر .
وثمة اسباب جوهرية لهزائمها المتكررة حتى حينما تحقق نصرا اوليا كما حصل في بداية غزو العراق ،ابرزها انها دولة مواطنتها مصلحة وليس هوية قومية فالامريكي لاتوجد لديه هوية قومية لانه مهاجر او عائلته وجاء لاجل العيش الرغيد وليس للموت وعندما يتعرض للموت يفقد رجولته ويتحول الى باحث عن الحياة باي ثمن وهنا نرى اخطر ثغرات الجيوش وهي فقدان المعنويات والتي بدونها لا انتصار مهما تفوق ذلك الجيش .
اما الحقيقة الاخرى فهي ان امريكا شركة كبرى وليست دولة عادية ولم تصل بعد للدولة الوطنية ولهذا فان سايكولوجيا الشركة ،وليس الامة والوطنية ، هي التي تتحكم بالقرار الحربي الامريكي، وعندما تصل الخسائر مرحلة تهديد الاستقرار الاقتصادي الداخلي بنقل الحرب الى داخل امريكا بصيغة وجود قتيل او معوق في كل حي امريكي تصبح الحرب ازمة داخلية امريكية خطيرة وعندها تضطر الشركة لاعادة النظر في مواصلة الحرب وتتقبل حتى الهزيمة ،وهذا ما حصل لها في فيتنام ثم في العراق . ويمكن الاشارة الى واحد من ابرز مظاهر العجز الامريكي عن خوض حروب طويلة وشاملة هو استبدال الجيوش النظامية بنظام خصخصة الجيوش ،مثلا شركة بلاك ووتر ، اي الاعتماد على المرتزقة فمنذ العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991 حيث جند عشرات الالاف من المرتزقة من طالبي الجنسية او الجرين كارت للقتال لتجنيب الجيوش الخسائر الهائلة والتي لا تستطيع تحملها لفترة طويلة في حرب شاملة برية وجوية ، وهؤلاء لايسجلون كقتلى للجيش الامريكي ، مما يؤكد هشاشة قوة امريكا وامكانية تفجير فقاعتها .
من هنا فان من يريد مواجهة امريكا يجب ان يضع هذه الحقيقة في مقدمة جدول اعماله وان يعد العدة لحرب طويلة مكلفة جدا ولكنها ستنتهي باجبار امريكا على الانسحاب وترك العراق كما حصل في عام 2011 . وما يعزز فرص النجاح هو ان امريكا الان في مرحلة الشيخوخة ولم تعد شابة وذات حيوية وهي تواجه ازمات بنيوية داخلية خطيرة جعلت اقتصادها يوصف من قبل خبراء امريكيين ب(الفقاعة الضخمة) والتي يمكن ان تنفجر في اي لحظة .
بالاعتماد على حرب العصابات بالدرجة الاولى يمكن اجبار امريكا على زج قواتها في الحرب وليس المرتزقة فقط كقوة صد وهجوم وهو ما سوف يجبرها اما على التفاوض وفقا لشروط المقاومة او على الانسحاب الذليل لانها لا تستطيع توفير العدد المطلوب من المقاتلين ولا صنع معنويات تسمح لهم بالقتال في بيئة معادية وفي مواجهة مقاومة شرسة كالعراقية ،ولا تتمكن من تحمل تكاليف حرب هائلة الثمن ماديا وهي تعيش مرحلة تدهورها الاقتصادي وتفكك مجتمعها اكثر مما مضى .
2-بخلاف مرحلة هزيمة امريكا في العراق والتي تميزت بخضوع كافة الدول للابتزاز الامريكي نرى ظاهرة جديدة لعبت المقاومة العراقية الدور الاساسي في بلورتها وهي بروز اكثر من طرف دولي واقليمي يتحدي امريكا مباشرة بعد ان ثبت انها فقاعة كبيرة مع ان ذلك كان حتى عام غزو العراق 2003 غير ممكن ولا يجرأ احد على تحديها بل كانت الاغلبية من الدول تحاول استرضاءها لانها كانت في ذروة عنجهيتها واستكلابها ، بعد هزيمة امريكا امام المقاومة العراقية انتقلت روسيا من مغازلة امريكا الى تحدي امريكا في كل مكان تقريبا وما الساحة السورية الا مثال واحد على ذلك .
كما ان الصين تصعد مواجهتها لامريكا. وفي ميادين التكنولوجيا نرى ان روسيا والصين وكوريا الشمالية تربك امريكا في مجال المعلوماتية ،وهي مجال التفوق الامريكي حتى بضع سنوات ، حيث انتقلت روسيا الى الهجوم التكنولوجي على امريكا ، وبرز الهكرز الروس والصينيين والكوريين الشماليين كفرسان لساحات الاختراق الحقوا هزيمة مريرة بهكرز امريكا ، بينما كان الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية تلهثان خلف امريكا تكنولوجيا ، وما التحقيقات الامريكية حول اتهام ترامب بان روسيا كانت سبب فوزه في الانتخابات نتيجة تدخلها الالكتروني ودعايتها ضد كلنتون الا مثال واحد فقط .
لقد فقدت امريكا عنصر الانفراد في استخدام ارقى التكنولوجيا وتنافسها الان روسيا والصين وغيرهما حتى في التكنولوجيا العسكرية والفضائية ، بل انهما تهددان الامن القومي الامريكي بتكنولوجيا المعلوماتية ، وهذه ظاهرة تدل على انتهاء عصر احتكار امريكا لاهم المصادر الحديثة للتفوق العسكري وهي المعلوماتية. واحتدام التنافس الامبريالي بين امريكا من جهة وروسيا والصين من جهة ثانية يسمح بالكثير من المناورات لحركات التحرر الوطني ، مثلا نظام بشار بقي في الحكم فقط بسبب التدخل الروسي والايراني .
لقد انتهت مرحلة الابتزاز الامريكي للدول وبدأت مرحلة تتوفر فيها امكانية عقد تحالفات مصلحية واحيانا بصورة متناقضة وغير مفهومة وهو ما نراه انموذجيا في سوريا من خلال التحالفات المتغيرة والغامضة بين تركيا وروسيا واسرائيل الشرقية واسرائيل الغربية وامريكا والتي تدوخ من لا يستطيع تفكيك خيوطها المتداخلة . وبهذا المعنى فان المقاومة العراقية يمكنها التعاون مع اطراف دولية واقليمية بمرونة عالية جدا ، وليس كما كانت اثناء وبعد غزو العراق، من اجل محاصرة امريكا وطردها وهي حالة كانت معدومة عندما انطلقت المقاومة العراقية واعتمدت على نفسها فقط في دحر امريكا .
3-سقوط كافة المشاريع البديلة لمشروع الحركة الوطنية العراقية خصوصا المشاريع الطائفية والعنصرية ومشاريع احزاب الفرد الواحد وهي الصيغة المخابراتية الامريكية الاهم ، ومشاريع الانظمة العربية كلها ، والتراجع الواضح للدور الاوربي واقتران ذلك بتنامي الوعي السياسي لدى اوساط تشكل الاغلبية خصوصا ادراك ان انتقاداتها للنظام الوطني في العراق قبل الغزو وربما بعده كانت عبارة عن نظرة مثالية لما يجب ان يكون عليه النظام السياسي خصوصا انه يجب ان يخلو من الاخطاء ،وهذه النظرة ثبت انها خاطئة لان اي نظام ومهما كان صحيح البنيان والاشخاض لابد ان يرتكب اخطاء كبيرة او صغيرة ما دام البشر هم صناعه وقادته والبشر خطاءون واخطاء نظام البعث كانت طبيعية خصوصا في بيئة التحديات التي واجهته ، ولهذا رأينا الاغلبية الساحقة تعيد النظر وتعبر عن قناعتها بان الحل الوحيد لازمات العراق مرهون بعودة البعث واعتبار اخطاءه طبيعية وان عليه تصحيحها وليس اجتثاث البعث .
هذا التغيير المعبر عنه حتى من خلال فضائيات تبث من داخل العراق يؤكد بان المشروع الوطني للحركة الوطنية العراقية والذي طرحه البعث يشكل القاسم المشترك بين الاغلبية الساحقة من العراقيين في كافة محافظاتهم ، وهو ما يرعب كل من امريكا واسرائيل الشرقية اللتان كثفتا من حملاتهما لشيطنة البعث وباساليب جديدة.
4-انكشاف اا هداف الحقيقة الايرانية والتركية امام جماهير الشعب العربي،فالمصلحة القومية لكل من تركيا واسرائيل الشرقية هي المحرك وليس اي شعار اخر وهذا يساعد على توحيد صفوف العرب يتبع .
Almukhtar44@gmail.com
19-2-2018