دكتور عباس: اعزائي مشاهدي قناة المستقلة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلا بكم إلى حلقة نقاش ضيفي فيها المناضل والكاتب والسياسي العراقي الأستاذ صلاح المختار، أهلا وسهلا بك يا أبا أوس
صلاح المختار: أهلا مرحا دكتور عباس.
د. عباس: يا أستاذ صلاح صار فترة ليست بالقصيرة أخر لقاء معاك واليوم حدثت تطورات كثيرة في الساحة لذلك اسمحلي أن أستمزج آراءك وأفكارك السياسية وتحليلاتك الموضوعية في موضوع ما يجري في منطقتنا وأبدأ من هذا المحور الذي هو محور العراق: كيف تفسرون ظاهرة مبايعة رموز تدعي إنها رموز سنيه لإيران مثل خميس الخنجر والدكتور أياد علاوي و(سليم) الجبوري رئيس مجلس النواب الذي أعاده السفير الإيراني إلى المجلس بعد أن كانت هناك محاولة لطرده وعزله منه؟
المختار : شكرا جزيلا دكتور عباس لإتاحة هذه الفرصة للتحاور وتبادل وجهات النظر حول واحدة من أهم وأكثر المواضيع حساسية وخطورة في هذه المرحلة .للإجابة على هذا السؤال علينا أن نميز بين مفهومين : المفهوم الأول : النفوذ " نفوذ دولة من الدول على دولة أخرى "والمفهوم الثاني : الاحتلال " احتلال دولة لدولة أخرى " ، حتى عام 2011 كان المحتل للعراق هو الولايات المتحدة الأمريكية ، لذلك كانت تتحكم بمفاصل الدولة التي دمرت وبقيت هياكل وتحدد من يشارك في العملية السياسية ومن لا يشارك مع وجود نفوذ إيراني في داخل العراق وبقرار أمريكي وبسماح أمريكي لإسرائيل الشرقية (ايران) بأن تمارس هذا النفوذ ، ولكن بعد عام 2011 حينما انسحبت القوات الأمريكية وبقيت أمريكا تمارس دورها وتأثيرها في العراق عن طريق المخابرات تحول النفوذ على مستوى الدولة وظواهر المجتمع العراقي إلى الدولة المحتلة الجديدة وهي إسرائيل الشرقية "إيران" .
طهران ما إن انسحبت أمريكا وقامت باستلام العراق من أمريكا رسميا حتى بدأت تتغلغل في كافة مفاصل الدولة " في الجيش ،في الإدارات الحكومية ،في الوزارات ،في دوائر الجنسية ، دوائر الوثائق الرسمية للمواطنة العراقية ، في الاقتصاد العراقي " في كل مفاصل الدولة العراقية تغلغلت إيران تغلغلا لم يسبق له مثيل وأصبحت تتحكم بمجريات الأمور على المستوى الحكومي في العراق ولم يعد هناك أحد ينافس إيران في هذا الدور داخل العراق .أمريكا كانت تراقب وكانت تشجع وتدعم التغلغل الإيراني لسبب بسيط أصبح واضحا الأن وهو إنها أرادت أن تبرء نفسها وتغسل وجهها من دماء ملايين وآلاف العراقيين الذين قتلوا واستشهدوا بعد الغزو على يد القوات الأمريكية ومن تعاون معها وإضافة لتخريب وتدمير العراق عمدا ومنهجيا .
أرادت أمريكا أن تحول المسؤولية منها إلى المحتل الجديد وهو إسرائيل الشرقية، وبنفس الوقت حينما تحملها وزر الجرائم التي ارتكبت منذ عام 2003 فإنها كانت تريد أن تبدو بمظهر المنقذ للعراق من الظلم الواقع عليه من المحتل الجديد! فنحن بإزاء احتلال إيراني كامل للعراق باركته الولايات المتحدة ودعمته الولايات المتحدة من اجل إكمال المخطط الأصلي وهو تدمير العراق دوله ومجتمعا وأنسانا. الأن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى هذا الواقع نظره استحسان حتى هذه اللحظة رغم كل النقد الذي وجهته لطهران.
رموز العملية السياسية بكافه انتماءاتهم الطائفية والعنصرية أدركوا الآن أن مفاتيح الحل والربط على المستوى الحكومي بيد خامنئي ورجله قاسم سليماني ولهذا من كانوا مرتبطين بالولايات المتحدة الأمريكية تصوروا بأن العصر الأمريكي أنتهى أو على وشك أن ينتهي في العراق وأصبحوا يتقربون من طهران ويقدمون الولاء لطهران وينقلون البندقية من كتف إلى كتف آخر لأجل أن يبقوا في الحكم أو أن ينخرطوا في الحكم إن لم يكونوا قد اشتركوا بعد في الحكم خصوصا الوجوه الجديدة مثل هؤلاء الذين ذكرت أسماء بعضهم، فعملية مبايعة إسرائيل الشرقية تأتي في إطار اقتناع هؤلاء بأن لا مجال لمواصلة سرقاتهم ونهبهم لأموال العراق ولتدمير العراق وللحصول على مكاسب معنوية إضافة إلى المكاسب المادية إلا بإرضاء قاسم سليماني وهي بالتبعية تعني إرضاء خامنئي كي يعينوا في المناصب العليا أو ينخرطوا في جهاز حكومة المنطقة الخضراء هذا هو السبب الرئيس لهذا الوضع، ولهذا فإن علينا أن نتخلى عن ترداد مصطلح (النفوذ الإيراني) في العراق ، وهناك من يستعمل هذا المصطلح حتى بعد عام 2011 رغم تغير الواقعة العراقية وإثبات أن ما هو موجود في العراق احتلال إيراني وليس نفوذ إيراني لأن النفوذ يعني وجود دور لدولة ما لكنه محدود ومقيد بإجراءات. والدور الإيراني في العراق مفتوح ويتحكم قاسم سليماني نيابة عن خامنئي في كل مفاصل الدولة العراقية وكذلك السفير الإيراني.
سؤال : أستاذ أبو أوس تبدو سورية والعراق قد خلطت في الأصل الأوراق فيهما يعني لو تلاحظ أمريكا وروسيا في سوريا تعقدان صفقات مع إسرائيل حول مستقبل سورية رغم تصاعد الخلافات بينهما كما يشير إلى ذلك عدد من الملفات التي تظهر على الساحة في أمور كثيرة أيضا .أيضا في العراق تبدو أمريكا كأنها تدعم الحشد الشعبي فقد ذكرت تقارير أنها كانت تغطي تقدم هذا الحشد بالطيران في مناطق البعاق مثلا أو عدد من القرى التي تقع على الحدود السورية حتى الأن لم نسمع فعل أو نقرأ عن فعل حقيقي فيما يخص تصريحات ترامب عن خطورة هذه الميليشيات التي تنضوي تحت ما يسمى بالحشد الشعبي فما الذي يجري بالفعل يا أستاذ صلاح ؟
المختار : أسمح لي أولا أن أتناول الدور الأمريكي بعد وصول ترامب إلى الإدارة : ترامب ليس واضع الاستراتيجية الأمريكية العامة الخاصة بالعراق وبالوطن العربي وبالعالم هناك أجهزه أمريكية والتي اصبح البعض يسميها في السنوات الأخيرة ب(الدولة العميقة) هي التي تتحكم بالسياسة الأمريكية وفي من يصل إلى البيت الأبيض والى الكونغرس والى حكام الولايات ومن يبقى في الأعلام ، هذه السياسة لم تتغير لا في عهد ترامب ولا في عهد أوباما ولا في عهد بوش ولا في عهد من كان قبلهم الذي يتغير هو التكتيكات حتى التغيرات في التكتيكات لا يقوم بها الرئيس وإنما من يمثل تلك الدولة العميقة كما تسمى أحيانا.
إذن أمريكا ليست دوله عالم ثالثيه تضع اليوم خطة وتحدد هدفا ثم تتخلى عنه بعد سنه أو خمس سنوات أمريكا تعمل على استراتيجية عمرها على الأقل ربع قرن تخطط من الأن إلى ربع القرن القادم وخططت لما يجري الأن منذ أكثر من خمسين عاما وبشكل خاص بدأ هذا التخطيط يتخذ شكلا عمليا بعد تنصيب خميني حاكما على إيران وبدء مرحلة جديدة التي حققت انقلابا استراتيجيا في العالم ، فأمريكا أصلا ودافعا تعمل على تقسيم الأقطار العربية ليس فقط لصالح إسرائيل الغربية أي الكيان الصهيوني وإنما لصالح الاحتكارات الأمريكية التي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة والتي تعاني من تراجعات وخلل بنيوي خطير ، فإدارة ترامب الأن وهي تطلق التصريحات تلو التصريحات التي تعد بها بضرب إسرائيل الشرقية أو تقليم أظافرها لا تمثل الموقف الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية ولهذا رأيناها مازالت تغازل حكومة طهران حتى هذه اللحظة رغم كل التهديدات ومازالت تدعم الحشد الشعوبي في الموصل وغير الموصل ومازالت تسخر القوة الجوية الأمريكية والمخابرات الأمريكية وقوات النخبة الأمريكية لدعم حكومة المنطقة الخضراء التابعة لإسرائيل الشرقية لأن هناك تطابقا حتى هذه اللحظة بين الأهداف الاستراتيجية العظمى بين طهران وواشنطن .
فليس غريبا أن تتخذ إدارة ترامب هذه الخطوات التي تبدو متناقضة لأن التصريحات الرسمية تنتقد إسرائيل الشرقية لكن الواقع يؤكد بأن الولايات المتحدة لم تتخذ خطوة واحدة كبيرة لإضعاف إسرائيل الشرقية ودفعها للخروج أو لتقليل دورها في الأقطار العربية. إذا أمريكا تعمل وفق مخطط إمبريالي واضح وصريح لم يتغير من الناحية الاستراتيجية وإن تغيرت التكتيكات، أما روسيا فروسيا الحالية ليست الاتحاد السوفيتي، روسيا الحالية دولة إمبريالية وهنا يجب أن أوضح معنى مصطلح الإمبريالية: أصل مصطلح الإمبريالية اللغوي يعني التوسع وسياسة العظمة ولكن هذا المصطلح أتخذ بعد أن أصدر "لينين" كتابه (الإمبريالية اعلى مراحل الرأسمالية) تعريفا آخر وهو السيطرة عن طريق رأس المال.
روسيا الأن بصفتها دولة رأسمالية ناشئة جديدة تحاول أن تتقاسم العالم مع الولايات المتحدة فهي وإن كانت قزما على المستوى التكنولوجي والاقتصادي قبل النهوض الأخير لها فإنها عملاق عسكري ضخم يهدد أمريكا بإبادتها عشرات المرات .ولهذا تشعر روسيا بأن من حقها أن تتقاسم قيادة العالم مع أمريكا وعدم السماح لأمريكا بالانفراد بهذه القيادة ، فدخول روسيا في أوكرانيا وفي سوريا وفي مناطق أخرى هدفه ليس اكثر من الضغط للحصول على مكاسب إمبريالية بدليل أن " بوتين " لدية علاقات استراتيجية وينسق باستمرار مع " نتنياهو " رئيس الوزراء في إسرائيل الغربية ولا تبتعد السياسة الإسرائيلية عن السياسة الروسية تماما كما لا تبتعد سياسة ترامب الأمريكية عن سياسة إسرائيل الغربية اتجاه العرب ، هناك شبه إجماع ، الاختلاف في التفاصيل بين روسيا وأمريكا حول ما يجري في المنطقة وهذا يتجلى في سوريا
ففي حين أن قوات سوريا الديمقراطية أنشأت وطورت قوتها وأصبحت قوة حقيقية بفضل قرار أمريكي بعد أن كانت مجرد مجاميع سياسية ضعيفة فإن روسيا أيضا تدعم هذه القوة وإن كانت بطريقة أو بأخرى تحاول كسب تركيا وعدم معاداة العرب بالتظاهر بأن دعمها لقوات سوريا الديمقراطية أقل من الدعم الأمريكي! وهنا يجب أن نتوقف: روسيا ترى أن نفوذها فيما يسمى " الشرق الأوسط" يجب أن يعزز عن طريق البقاء والحصول على موطأ قدم في سوريا، العراق بالنسبة لروسيا محرم عليها العراق أمريكا ترى انه حصتها ولا تسمح لروسيا بالدخول إلى العراق إلا تحت المظلة الأمريكية ولهذا نرى أن أمريكا لازالت تنفرد بالتأثير على العراق وتمنع روسيا من لعب دور فعال ورئيسي فيه.
في سوريا روسيا تلعب دورا مهما وقسمت سوريا الأن عمليا ويهيئ لتقسيمها رسميا في المؤتمرات الدولية القادمة بين روسيا وأمريكا وتركيا وإيران وبعض الفصائل السياسية الجديدة التي نشأت بعد عام 2011 في سوريا فالمخطط إذن مشترك ، مخطط أمريكي إسرائيلي لا تقف روسيا ضده لأنه يخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ويعطيها الفرصة لأن تحصل على مكاسب استراتيجية مثلا في سوريا وغير سوريا ونرى روسيا الأن أخذت تتغلغل في ليبيا وفي مصر مستغلة بعض أخطاء السياسات الأمريكية في المنطقة فهذا التلاقي هو عبارة عن صراع على الوليمة ، صراع بين أطراف إمبريالية ليس من بينها حركة تحررية أو تدعم حركات التحرر مثلما كان الأمر أثناء الحرب الباردة . يتبع.
ملاحظة: شكرا جزيلا للرفيقة علياء الناصري من اتحاد شباب العراق في المهجر التي قامت بتفريغ النص المكتوب من النص الصوتي المسجل.