سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مقالات من العدد 28 من مجلة صدى نبض العروبة - علي الامين/ العراق : ليبيا: تعددت المبادرات والوساطات وغابت الحلول



يحافظ الوضع في ليبيا على ضبابيته وتشعباته رغم تعدد المؤتمرات والمبادرات والمتدخلين سواء أكانوا عربا أم أوروبيين أم الأمم المتحدة ذاتها، فلم يطرأ تغيير يذكر في المشهد الليبي سوى الاختفاء المفاجئ لتنظيم داعش الإرهابي واندحاره بعدما تردد عن مطاردته وملاحقته في أغلب المناطق التي اعتبرت معاقل رئيسية له في البلاد.
وظلت ليبيا أسيرة الفوضى العارمة، وتآكلت الدولة واندثرت تماما كما اندثر مدلولها ومفهومها في نفوس الليبيين إثر ما خلفه العدوان الأطلسي الغاشم عليها، فغابت كل مقوماتها وانعدم حضورها ميدانيا لتحل محلها الميليشيات والجماعات الإرهابية المتطرفة التي استقدمت من أنحاء مختلفة من العالم ما خلف ترديا شاملا أفسد على الليبيين حياتهم وأحالهم إلى لاجئين في دول الجوار أو إلى فارين من جحيم الموت المفتوح إلى بعض المناطق الآمنة أو التي تتحكم في أمورها القبائل بما توفره لمنتسبيها وللمستنجدين بها من أمن وأمان وتعصمهم من حماقات المجرمين السفلة الذين خربوا البلاد وأنهكوها تماما كما شهده العراق وسورية من بعد وغيرهما.
وتعاظمت مظاهر انهيار الدولة كليا من خلال الازدواجية القيادية في ليبيا حيث تتواجد أكثر من حكومة، وأكثر من جيش ناهيك عن عشرات الميليشيات، ويدعي كل طرف أحقيته بتمثيل ليبيا وإدارة شؤونها، وبلغت سخرية القدر أن حظي أكثر من طرف بتزكيات متزامنة.
ومنذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، تناسلت وتكاثرت المبادرات والوساطات، والتأمت مؤتمرات عدة متباعدة زمنيا حينا ومتقاربة أحيانا أخرى في المغرب والجزائر وتونس ومصر وفي أوروبا كما تدخلت الأمم المتحدة مرارا، وتعدد موفدوها لليبيا وخيضت نقاشات مطولة مع جميع الفرقاء. إلا أن الفشل كان قدر جميع هذه المحاولات لتقريب وجهات النظر بل منها ما ساهم أحيانا في مزيد توتير الوضع وتفجيره باعتبار أن الأهداف الحقيقية للوسطاء كثيرا ما تتناقض والنوايا التي يطل بها هؤلاء عبر الإعلام والبيانات لليبيين وللعالم على حد سواء.
وفي الواقع، فإن آخر الوساطات شهدتها العاصمة الفرنسية باريس مؤخرا حيث شهدت لقاء تقريبيا بين حفتر والسراج، واشرأبت الأعناق صوب عاصمة الأنوار عساها تحمل في طياتها أملا في حلحلة الأمور خصوصا للوعود الكبرى التي روجت لها السلطات الفرنسية والتطمينات التي أكدتها ومفادها أنها وفرت كل ما من شأنه أن يذيب ثلوج الخلافات بين الخصمين الضيفين عليها.
لكن شيئا من انتظارات المتابعين لم يتحقق، فبمجرد انتهاء جولة المباحثات الباريسية تكشفت حقيقة عمق الخلافات الليبية الليبية واستحالة رأب الصدع فيها على المستوى المنظور.
إن جوهر القضية يختزل في عدم جدية الأطراف الإقليمية والدولية في الوساطات التي يعرضونها حيث من البديهي أن هؤلاء باتوا متمعشين كل حسب نفوذه وحسب سطوة المرتبطين به من استمرار الوضع على ما هو عليه وبما يدره ذلك من فوائد نفطية خصوصا، كما هو حال الأطراف الليبية التي يحرص كل طرف على الاستئثار بملذات السلطة في دولة شبه غائبة تنعدم فيها الرقابة وآليات المحاسبة وغير ذلك.
وليس من النبوغ في شيء التشديد هنا على أنه لا بارقة أمل لتغيير حقيقي في ليبيا ما لم ينتخي الوطنيون الحقيقيون فيها وينهضون لمهامهم الأصيلة في الدفاع عن دعائم الدولة الليبية وركائزها وأساسا شعبها وهو صمام أمانها وجيشها وهو درعها الواقي بعيدا عن مظاهر انتشار السلاح والفوضى، هذا بالإضافة لوجوب تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته السياسية والقانونية والأخلاقية باعتباره قد سكت عن الجريمة الفظيعة التي ارتكبها المتنفذون فيه بحق ليبيا وشعبها.
فلا مجال لإعادة الحياة بوتيرتها الطبيعية ونسقها المعتاد إلا إذا عوقب المجرمون والقتلة الذين ولغوا في دماء مئات آلاف الأبرياء الليبيين، ولا إمكانية لاستعادة ألق الحياة في ليبيا دون إجماع والتقاء وطني حول مشروع يتفق عليه أبناء البلد ويغلبون فيه مصالح ليبيا فوق كل المصالح الضيقة سواء كانت فردية أم حزبية أم جهوية أم قبلية.


للطلاع على اعداد المجلة زيارة موقع المجلة


 

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018