سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مقالات من العدد 28 من مجلة صدى نبض العروبة - سعاد العبيدي : التدخل الايراني في العراق : أهدافه ومخاطره

         ﷽



بعد احتلال العراق عام 2003 لم يعط الكثيرون ايران حجمها الحقيقي والدور الذي يمكن أن تضطلع به في العراق، فانصرفت الأعين عن الدور الايراني بسبب الانشغال بالدور الأمريكي كقوة احتلال مباشر ، وقد استغلت طهران هذا الوضع ومدت نفوذها بقوة داخل العراقي حتى أصبحت هي اللاعب الأبرز على الساحة العراقية ، ربما أكثر من الدور الأمريكي أحيانا .. لقد شهدت العلاقات العراقية - الايرانية تأريخا طويلا من التقارب
والصراعات ، وان ظل الصراع هو السمة الغالبة في علاقاتهما في فترة ما قبل احتلال العراق .. وقد تفجر الوضع بين البلدين عام 1980 وشنت ايران هجوما واسعا على العراق امتد لقرابة الثماني سنوات .. لم يؤد الغزو الأمريكي للعراق فقط الى اسقاط نظامه الوطني ، بل أدى الى اسقاط الدولة العراقية ومؤسسات الحكم فيها بشكل كامل تقريبا ، وبالأخص المؤسسة العسكرية العراقية ، وحلت سلطات الاحتلال محل تلك المؤسسات لضمان مسيرة شؤون البلاد ، وقد أعطى هذا الانهيار المؤسسي العراقي الفرصة لايران من التدخل ومحاولة التأثير في عملية اعادة البناء المؤسسي والدولاتي بحيث تضمن على أقل تقدير عدم مجيء حكم معادي اذا لم تستطع ايجاد حكم موالي ، وفي سبيل ذلك تدخلت ايران بثقلها في العراق واستخدمت أهم وأخطر أدواتها في العراق وهي التأثير في الطائفة العراقية الموالية لها ومليشياتها المسلحة.. وقد تدخلت ايران بشكل كبير بعد الغزو الأمريكي للعراق في موضوعين أساسيين : الأول يتمثل في استغلال الأخطاء التي وقعت فيها الادارة الأمريكية لعملية نقل السلطة الى العراقيين خلال الفترة الانتقالية ، والثاني يتمثل في العملية الانتخابية العراقية ، ولا نكاد نرى دليلا على مدى التوغل الذي قامت به ايران في العراق أوضح من اضطرار الولايات المتحدة للتباحث معها حول مستقبل العراق، وذلك في ظل الصدام القوي بين واشنطن وطهران بسبب برنامج طهران النووي آنذاك فيما يظهر على أنه اعتراف ضمني من الولايات المتحدة بعدم قدرتها على تحييد ايران في الشأن العراقي .. أما في عملية نقل السلطة فقد أدت الطريقة التي اتبعها الأمريكان في هذا الشأن الى ترسيخ المحاصصة الطائفية والعرقية بين المكونات العراقية .. فالحاكم المدني للعراق (بول بريمر) أنشأ مجلس الحكم الانتقالي من المعارضين العراقيين البارزين للنظام الوطني ، ولكنه جاء بمجلس طائفيا ، وقد تلقفت ايران تلك التطورات الناتجة عن الأخطاء الأمريكية في نقل السلطة ودعمت الشخصيات الموالية لها وسارعت بالاعتراف بها وتوطيد العلاقات معها ، وهو ما أعطى لطهران موطأ قدم في العراق في كل الحكومات تقريبا ، حيث عملت على ترسيخ القاعدة التي بدأتها الولايات المتحدة بتعزيز النهج الطائفي في اقتسام السلطة ، وذلك من خلال قيامها بجهود واسعة في ازالة الخلافات العالقة بين التيارات الموالية لها من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد : الأول يتمثل في الحفاظ على أغلبية تأتي بحكومات حليفة لايران ، والثاني في كسب ولاء مختلف التيارات الموالية لها .. وذلك الذي خول ايران في لعب دور في اعادة تأهيل الجيش العراقي والتنسيق معه وتوقيع العديد من الاتفاقيات الأمنية ، واستكملت ايران تنفيذ ستراتيجيتها في العراق من خلال محاولة التحكم في العملية الانتخابية العراقية عن طريق حلفائها العراقيين أنفسهم .. وأول الانتقادات جاءت على خلفية استبعاد عدد كبير من المرشحين البارزين قبيل انتخابات 2010 بموجب قرارات هيئة المساءلة والعدالة ، التي تهتم بتطبيق العزل السياسي الذي أُقر بحق أعضاء البعث السابقين ، بعد ما قيل أنه جهود قيادات بارزة مرتبطة بطهران ، وتواصل الدور الايراني بعد انتهاء الانتخابات لتتدخل في مرحلة تشكيل الحكومة ، واتضح ذلك بعد توافد قادة سياسيين عراقيين الى طهران .. ولم تسلم الشؤون الخارجية للعراق من التدخلات الايرانية شأنها شأن التدخلات في الشؤون الداخلية ، فقد اعترضت على الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة المتعلقة بتحديد وضع القوات الأمريكية وانسحابها من العراق ، ولهذا اضطر المالكي آنذاك للذهاب الى طهران في محاولة لطمأنة نظام طهران والتعهد بأن ينص الاتفاق النهائي على منع الولايات المتحدة من مهاجمة ايران انطلاقا من الأراضي العراقية .. وبعد أحداث الموصل عام 2014 تلاقت مرة أخرى المصالح الأمريكية - الايرانية .. وعلى هذا الأساس تغاضت واشنطن عن الدور الايراني غير المسبوق في العراق والذي شمل تمويل ودعم المليشيات وارسال مستشارين عسكريين وجنود الى داخل العراق ، وهو الدعم الذي أثار حفيظة المواطنين العراقيين المناهضين لايران وبعض البلدان المجاورة خصوصا في الخليج العربي ، وقد دافعت الحكومة عن هذا الدعم في وجه منتقديه .. ولعبت ايران دورا كبيرا في المعادلة الأمنية في العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 بل وقبل الغزو أيضا عن طريق دعم واستضافة مليشيات معارضة من أجل الضغط على العراق ، ثم توسعت بعد الغزو الأمريكي في التقرب من التيارات الموالية لها وأجنحتها المسلحة .. كما داومت طهران في تدخلها بهذا الشكل بذريعة أسباب دينية تتضمن حماية المراقد المقدسة ،  وأبقت طهران على حلفاء استراتيجيين يمكنها الاعتماد عليهم في أوقات الضرورة، وربما حان وقت الضرورة ذاك عند ظهور(تنظيم داعش) ، اذ يصعب تخيل قدرة الجيش العراقي وحده على التصدي لهم دون مساعدة قوات (الحشد الشعبي) التي تمثل المليشيات الموالية لايران ، فربما كانت ايران مضطرة لمواجهة مباشرة مع التنظيم المتشدد في حال لم يكن لها حلفاء الضرورة هؤلاء، وقد تأكد الدعم الايراني لقوات الحشد الشعبي تلك بعد اعتراف وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي بالدعم الكبير الذي تلقاه هذه القوات من ايران .. ويوجد في العراق العديد من المليشيات الصفوية والتي تحصل على أكثر تجهيزاتها وعتادها من ايران ، ومن أبرز هذه المليشيات فيلق بدر الذي أنشأ في الثمانينات والذي يحارب ضمن قوات الحشد الشعبي ويمثل جزء رئيسي فيها ، وجيش المهدي وهو الأداة العسكرية التابعة لزعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، وقد أنشأ بعد الغزو الأمريكي للعراق .. وينتشر عدد أخر من المليشيات وثيقة الصلة بايران مثل عصائب أهل الحق وحزب الله العراقي ، ويبقى الشيء المؤكد أن هذه الفصائل قد سببت حرجا كبيرا لايران كونها قامت بارتكاب جرائم بحق السكان في الأماكن التي تم دخولهم اليها كون طهران الداعم الأول لهذه المليشيات وكون قائد فيلق القدس - أحد كتائب الحرس الثوري الايراني - قاسم سليماني موجودا هناك .. وأثبتت الوقائع على الأرض قتل قيادات كبرى في الحرس الثوري الايراني في العراق مثل الجنرال حميد تقوي وصادق ياري وظهور قائد فيلق القدس قاسم سليماني ، مما يؤكد بلا شك حجم التواجد الايراني في العراق ، وبالاضافة الى ذلك فقد انتشر فيديو على موقع اليوتيوب تحت عنوان " أول دليل على وجود قوات البيسيج الايرانية للقتال في سامراء" لأشخاص يتحدثون الفارسية ، وكل تلك الاشارات تؤكد وجود قوات ايرانية داخل العراق .. وتمثل التحركات الايرانية في العراق مصدر خطر كبير بالنسبة الى البلدان العربية وخصوصا المملكة العربية السعودية نظراً لتاريخ العلاقات الحافل بالصدامات والصراعات بين الطرفين والذي هو في أساسه مذهبي .. وجاءت الحرب الأمريكية على العراق واسقاط نظامه الوطني لتزيل الحاجز بين السعودية وايران ، اذ لطالما لعب العراق وقيادته الوطنية دورا مهما في حماية الخليج في مواجهة ايران .. ومع سيطرة ايران على المركز العراقي في بغداد بعد وصول حكومات صديقة وموالية لايران أصبحت للعراق مكانة كبرى لدى ايران في المنطقة ليس فقط على المستوى السياسي ، ولكن أيضا على المستوى الديني، ونتيجة لتلك الأهمية فأنه لا يبدو أن ايران تنوي تفويت أي فرصة في العراق سواء حالية أو قادمة ، بل ان الأحداث التي تشهدها المنطقة تدفع ايران باتجاه ايلاء العراق اهتماما أكبر، فسيطرة تنظيم داعش على أجزاء كبيرة من العراق أثبتت أهمية العراق الأمنية بالنسبة الى ايران كونها لعبت دور حاجز لرد خطر هذا التنظيم عنها ، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالأزمة في سوريا ، فان عدم قدرة ايران على حسم الحرب بعد أكثر من 4 سنوات من مختلف أشكال الدعم لحليفها الأسد، وكذلك أزمة انخفاض أسعار النفط وأزمة التدخل الخارجي في اليمن بقيادة سعودية ، كلها اشارات تؤكد عدم امتلاك ايران رفاهية التخلي ولو جزئيا عن مكاسبها في العراق .. وفي مقابل هذا فان استمرار السياسات الطائفية التي ينتهجها حلفاء طهران في بغداد قد تؤدي الى سيادة حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد لفترة طويلة ، ومن ثم يتكرر مشهد استغلال داعش للانتفاضة العشائرية ضد المالكي والتي جاءت ردا على فض المالكي لاعتصاماتهم المناهضة لسياساته الطائفية ، ويبدو أن ايران على وشك الحصول على موافقة ضمنية من الولايات المتحدة على نفوذ ايراني في المنطقة ضمن صفقة حل البرنامج النووي الايراني ، ويثير ذلك الاتفاق التوقعات بزيادة النفوذ الايراني في المنطقة بعد رفع الحصار الاقتصادي عنها ، وذلك ما يثير مخاوف عربية من "عصر ايراني قادم" قد تمثل العراق نقطة انطلاق له ، وتجد تلك التخوفات دعائمها في التحركات الايرانية الواسعة في المنطقة سواء في سوريا أو لبنان أو اليمن .. لقد لعبت ايران دورا واسعا في العراق منذ الغزو الأمريكي ، سواء في الساحة السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية ، حتى أنها دعمت المليشيات الصفوية العراقية وتدخلت في تشكيل الحكومات العراقية ، وقد أدى ذلك الدور الى مشاحنات طائفية واسعة بين مكونات الشعب العراقي وأدخلت البلاد في حالة من عدم الاستقرار وغياب الأمن ، وجاء ظهور داعش في العراق ليدفع الى دور ايراني أكثر قوة ، خصوصا في الجانب الأمني والعسكري ، وبرغم التصريحات الايرانية والعراقية الرسمية النافية لوجود قوات عسكرية ايرانية في العراق ، الا أن المؤشرات على الأرض تشير الى عكس ذلك .. وعلى مستوى الآثار التي يخلفها الدور الايراني ، فعلى المستوى الاقليمي زاد من تعقيدات الساحة خصوصا مع حساسية الخليجيين لأي تحرك ايراني في المنطقة ، كما أن الموقف الأمريكي بدأ أقل تحفظا من الموقف الخليجي خصوصا مع ظهور داعش على الساحة وصعوده على رأس قائمة الأخطار التي تهدد الولايات المتحدة، ويبدو أن ايران مستمرة في نهجها، بل وربما يزداد ذلك الدور في ظل الاتفاق النووي المتوقع مع القوى الكبرى.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018