سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

د. نزار السامرائي - الكتلة السنّية في عراق ما بعد الاحتلال "الجزء الأول"



ربما لم نعرف نحن العراقيين معنى حقيقيا لمصطلح المعارضة
لا في أجهزة الإعلام ولا في برامج الأحزاب ولا في الدراسات الجامعية، بل عرفناه ليس من تجربتنا بل من تجارب خارجية، من القسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية "إذاعة لندن" التي كانت المصدر الرئيس للأخبار التي يتعامل معها العراقيون
ويعطونها مصداقية لا مزيد عليها، ويكفي أن ينقل كبار السن خبرا ما ثم يشفعه بكلمة "قال راديو لندن" حتى يصبح من المسلمات في الشارع السياسي العراقي.
أذكر في مقتبل عمري وعندما سمعت مصطلح "حكومة الظل" في بريطانيا ، أنني سألت أبي عن معنى هذه الكلمة، وأذكر أنه قال هي حكومة لحزب المعارضة في بريطانيا، وهي صورة أولية عن الحكومة التي سيشكلها حزب المعارضة عند وصوله إلى الحكم في أول انتخابات في البلاد ويفوز بها، ولأنني مشبّع بثقافة المشرق العربي السياسية، سألته بحسرة لماذا لم يتم اعتقال أعضاء حزب المعارضة وإحالتهم إلى المحاكم؟ لم أقتنع حينها بإجابته ولم أعد أذكرها ولكنني وجدت أن تلك المعارضة تجاوزت كل الحدود المعروفة في العراق حينذاك. 
صحيح أن الأحزاب السرية مثل الحزب الشيوعي وحزب البعث، كانت نشيطة في العراق منذ عقد الأربعينيات في القرن الماضي وأنها كانت "معارضة" للنظام الملكي، وصحيح أيضا أن انتشار المدارس في بغداد وما جاورها أضاف بعدا آخر لمدارك العراقيين وأن تلك الموارد هي التي بلورت بدايات الوعي السياسي والفكري لدى المواطن العراقي الذي كانت بغداد تجسد صورة العراق الصغرى فيه، صحيح كل ذلك ولكن الأحزاب لم تكن تصل إلى كل بيت، وكذلك حال الكليات التي كانت محصورة في نطاق من يتواجد فيها من أساتذة وطلاب، باستثناء ما تم تأسيسه من مؤسسات ثقافية سياسية وفكرية مثل ما قام به الدكتور عبد الرحمن البزاز عميد كلية الحقوق في مطلع خمسينيات القرن الماضي، وهو نادي فكري ثقافي سياسي باسم نادي البعث، وهذا النادي لا صلة له بحزب البعث العربي الاشتراكي وكان يحاول نشر الثقافة القومية والوعي السياسي في الوسط العراقي المثقف، لكن هذه الفعاليات لم تتمكن من الوصول إلى ذات المكانة التي تحتلها إذاعة لندن العربية.
لهذا كان الراديو هو الجهاز الرئيس لمصادر المعلومات، ولم يكن غير راديو لندن في ذلك الوقت، وكان ينافسه زمن الحرب العالمية الثانية راديو برلين باللغة العربية وصوت يونس بحري المدوي "هنا برلين حي العرب"، ثم في مطلع خمسينيات القرن الماضي أضيفت إذاعة صوت العرب لتنقل ثقافة سياسية متصادمة مع ما يحمله راديو لندن الذي تميّز بالمهنية الحيادية في أسلوب العرض مما جعله يحافظ على أعلى نسبة من المستمعين في العراق.
اللافت أن جميع الرواد في تدريس القانون الدستوري والعلوم السياسية في الكليات العراقية قبل تأسيس جامعة بغداد عام 1959، وما بعدها ومع أن معظمهم من خريجي المملكة المتحدة وفرنسا لم يتقربوا من بحث مفهوم المعارضة السياسية وشروط تأسيسها وواجباتها وحقوقها السياسية والقانونية وكأن تلك المقاربة اختراق لحصون لا يجوز لهم كشف ما خلفها من أسرار وخفايا، ولهذا بقي العراق يعيش ومنذ عهد الاستقلال عام 1921 يعيش نظاما يضيق صدره بأية معارضة مهما كان عددها.
فما هو تعريف المعارضة؟ (يعني مصطلح (المعارضة) في السياسة في الاستعمال الأكثر عمومية أية جماعة أو مجموعة أفراد يختلفون مع الحكومة ولو أن المصطلح يمكن أن يصف المعارضة المتعلقة بالقضايا في إطار تشريع واحد أو اقتراح سياسة. ويطبق المصطلح على نحو أكثر تحديدا على الأحزاب في المجلس النيابي التي تختلف مع الحكومة وترغب في الحلول محله) ، بمعنى أن المعارضة ليس بالضرورة معارضة لنظام الحكم القائم وإنما للحكومة فقط وهذا قطعا يجعل من قبولها ليس أمرا مقبولا فقط وإنما سيكون مطلوبا لممارسة دور الرقابة الدستورية على سلوك الحكومة.
بعد أكثر من أربع عشرة سنة من الاحتلال الأمريكي الإيراني للعراق، يبدو المشهد السياسي العراقي مزدحما حد الضيق بكل ألوان الكتل السياسية والتي لا يستطيع المراقب المحايد أن يؤشر من هي الجهة الخارجية التي تقف وراء كل واحدة منها من دون استثناء.
ويستوي في ذلك الشيعة والسنة والعرب والتركمان والأكراد، ولكن اللافت أن هذه القوى الداعمة متناقضة حد التصادم بين مشاريعها في العراق وما تعلّقه من آمال على مستقبل العملية السياسية فيه، لكن هذا ليس أسوأ ما في المشهد، بل هناك قضية معقدة ربما أكثر سوء من سابقتها، وهي أن خطا فاصلا بين من يسمي نفسه معارضة ومن يسمي نفسه شريكا في الحكم، فمبدأ الشراكة لا يستقيم في مقاصده مع مبدأ المعارضة أبدا، فالمعارضة عادة لا تتيح فرصة لمن يجلس على مقاعدها أن يكون مشاركا في الحكم نهارا ومعارضا آخر الليل، ويجب أن يعرف المواطن من يحكم ومن يعارض، ولمن يعارض ولماذا؟، هل هي معارضة للسلطة أم للنظام؟ لأن الفارق شاسع بين الأمرين بكل تأكيد ولا يجوز ممارستهما معا من أجل الحصول على امتيازهما معا.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018