من وقائع مهرجان تأبين الرفيق المغفور له بإذن الله القائد المناضل الدكتور عبد المجيد الرافعي نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الإشتراكي وأمين عام حزب طليعة لبنان العربي الإشتراكي
كلمة الرفيقة المناضلة ليلى الرافعي بمناسبة ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيل فقيدنا الحبيب الغالي الدكتور عبدالمجيد الرافعي التي ألقتها أمس في قصر الاونيسكو في بيروت
نص الكلمة:
كلمة الرفيقة المناضلة ليلى الرافعي بمناسبة ذكرى مرور أربعين يوماً على رحيل فقيدنا الحبيب الغالي الدكتور عبدالمجيد الرافعي التي ألقتها أمس في قصر الاونيسكو في بيروت
نص الكلمة:
وجهاً لوجْه يقابِلُنا غِيابُه، ويَسْتَوطِنُ الفِقْدانُ فينا، متمكِّناً مِنَّا بمدى الحاجةِ إليه، قائداً وزوجاً، وقبلَ ذلكَ حيثُ فرحُ البداياتِ رفيقاً وحبيباً.
صفحةٌ بحُلْوِها ومُرِّها تَختصِرُ صِفاتَ الرجلِ الإنسان. بل هي ممتلِئَةٌ بكلِّ ما هو عام يَنتسِبُ الى دورِ هذا القائد، وبكلِّ ما هو خاص يُستَدَلُّ به، على تَسَاكُنِ الأَخلاقِ والصِدْقِ والتضْحيةِ والحبِّ عندَّ المناضِلِين الكبار.
هذا هو رفيقُ دربي الدكتور عبد المجيد الرافعي.
يومَ التَقَيْتُه للمرَّةِ الأولى وتَبَادَلْنا القراءَةَ في الوجوهِ والقُلوبِ والوِجدان، كان عبد المجيد مشروعَ عزْمٍ وسَعي، لا يدفعُه إلى العطاءِ سِوى زَخْمُ المناضلين، وحقُّ مدينتِه وأهلِها على جيلِه الواعد. كان يعتقِدُ أنَّ هذا الدورَ هو رسالةٌ، لا يُحْتَسَبُ قادِرٌ حُرٌ كريمٌ من لا يعملَ بموجَبِها. وما زال صوتُه في أذني يردِّدُ أبياتَ زهير بن أبي سلمى ”وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ ... عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمِ“.
في مثلِ هذه اللحظة التي أَشْعُرُ بأنَّها تَنطوي على الزَمَنِ الأَطْوَلِ من العمر، المليءِ بالخاصِّ والعام، والتي جمَعَتْ بيني وبينَ صاحِبِ الذِكرى وبين حُضُورِكُم التَكْريميّ، تَحْضُرُني وصاياهُ التي لم يُبَلِّغْها بل قدَّمَها سيرةَ حياةٍ وإلتزام، يُلازِمُني طيْفُه الذي يُجافي الطغيان، علَّه بذلك، كما عوَّدَني، يَضْبِطُ إيقاعِي من التردداتِ العاطفية ومن طغيانِ الأحاسيس، وأنا أتحدَّثُ إليكم وأنقُلُ لكم تحياتِه التي كما اسْتَبْقاها معي تَرَكَها وديعةً مع رِفاقِه وفي عيونِ أطفالِ مدينتِه الحبيبة طرابلس وجميعِ الأطفالِ المُعَذَّبين المُشَرَّدين في مُدُنِنا العربية، الذين يمضُغون الليلَ والأَلمَ، وبدايةً مع أطفالِ فلسطين وحجارةِ فلسطين وسلاحِ فلسطين، حيث هناك ابتدأتْ واكتملتْ العلاقةُ في آن، بين عبد المجيد الطيّب الرافعي وعبد المجيد القائدِ المناضلِ نائب الأمينِ العامِ لحزب البعث العربي الإشتراكي.
من صُلْبِ واقعِه البيئي والعائلي، صَمَّمَ عَمارةَ إلتزامِه بقضايا أُمَّتِه، فَغَدَتْ عصيةً على كُلِّ العواصِفِ التي ضَربَتْ في عُمْقِ الوَعْيَيْن القومي والوطني.
ليسَ إعتزازاً مُبالَغاً فيه أنْ يَشْهَدَ من عاشَ في دارِه، في قلبِه، في عقلِه ووجدانِه، وفي ليلِه ونهارِه، أنَّ التقلباتِ التي لامستْ البعْضَ وأخذَتْ البعضَ الآخرَ إلى حُفَرِ الإرتدادِ ومَضَارِبِ الإنشِقاق، لمْ تَفُزْ بِزاويةٍ واحدةٍ مِن زوايا وعيِه، في أكثرِ الظروفِ قساوةً وأبرزِ الأحداثِ انقلاباً، بل في كلِّ مرَّةٍ كان يَزدادُ رفيقُ دربي وِلْفاً ومَوَدَّةً واصْطِفافاً مع الشرْعِيَّتَيْن القوميةِ والوطنيةِ في حزبنِا. ولم يَستدِلْ يوماً على هذا الإصطِفافِ إلاّ من خلالِ قَناعَتِه ومَبادِئِه وحيثُ كان فِكرُ وتوجيهاتُ القائدِ المؤسِّسِ الأستاذ ميشال عفلق دليلَ الخياراتِ التَاريخية.
ويَومَ اغتيلَ العراقُ ورئيسُه صدام حسين معاً، وكان الحَدَثُ مُدَوِّياً، قَفَزَتْ مشاعِرُ الرفيقِ عبدَ المجيد إلى مَرتَبةِ الإعتزازِ الأعلى بما كانَ عليه طيلةَ حياتِه من إلتزام، ولا سِيَّما إخلاصُه لفَرادَةِ وشَجاعةِ هذا القائِدِ القومي.
يوم استُهْدِفَتْ التجربةُ اللبنانية لا سِيَّما الجوانِبَ الخَلَّاقَةَ منها، لم يكن لبنانُ في وعيِ الحبيبِ عبد المجيد مُقْتطَعاً جغرافياً أَنْتَجَتْه تفاهماتُ نِهايةِ الإستعمار القديمِ ليسَ إلاّ. بل كانَ قدْ أَصْبَحَ لبنانُ في عُمْقِ إيمانِه، لا سِيَّما بعدَ نُشوءِ الدَوْلةِ العربيةِ الحديثة، أَصْبَحَ تجرُبةً وطنيةً عزيزةً على أهْلِه وتستحِقُّ معنى الهوية، فتَصَرَّفَ من خلالِ دورِه في المؤسَّسَةِ القيادِيةِ لحِزبِه على قاعِدَةِ هذه القناعةِ، حيثُ أَلْزَمَ نَفْسَه بِالهمِّ اللّبناني وباللُّبنانيين طيلةَ فَتْرَةَ غِيابِه القَسْري وكانَ فخَوراً بما اسْتَطَاعَه على هذا الصَعيد.
وعندما فَرض الإصطفافُ على عبد المجيد الرافعي ورفاقِه خياراتٍ محدَّدَة خلالَ الحرْبِ اللبنانية لم يَتَردَّد ومِن داخِلِ هذه الخيارات من مُقاومَةِ المؤامرةِ التي توزَّعتْ أَدَواتُها وقواها على ضَفَّتيْ الصراع. لقد كان إيمانُه عميقاً بأن العروبةَ التي لا تحمي لبنانَ الواحدَ الموحَّدَ غيرَ جَديرةٍ بالرهانِ الحضاري والثقافي حيثُ أنَّ هذا الرهانَ كان المادةَ العقائديةَ لحزْبِنا، حِزبِ فقيدِنا الغالي.
أيُّها الأصدقاء، أيُّها الأحباء، أيُّها الرفاق، عليَّ أنْ أعودَ الى واجبي، واجِبِ الشُكرِ الذي تقْتَضِيه كلمةُ العائلة، وإنْ كُنْتُ لا أرغبُ للحظةٍ واحدة في أنْ أقولَ ما يُحتَّم، أنَّ عبد المجيد قد غابَ ولن يعودَ جَسَدُه لِيُعانِقَ روحَه وإرادَتَه وتَعاليمَه الباقيةً فينا. لكنَّ أحكامَ القَدَرِ ومَشيئةَ الخالِقِ أقوى مِنّا جميعاً.
إنني إذْ أتقدَّمُ بجزيلِ الشُكرِ، بِاسمِ رفاقِ الدكتور عبد المجيد الرافعي وأهلِه وأصدقائِه ومحبِّيه وباسْمِي شخصياً، من كلِّ الذين شاركونا العزاءَ من لحظةِ غيابِه حتى الآن، وأَخُصُّ بالشكرِ الحاضرين من السادةِ الرؤساءِ وممثليهم والسادةِ الوزراءِ والنوابِ والخطباءِ الذين تحدَّثوا عن فقيدِنا الغالي مُعبِّرِين عن تقديرٍ عالٍ وعاطفةٍ صادِقة ولا سِيَّما الذين جاؤوا من خارج لبنان.
الشكرُ للإعلامِ اللّبناني بكلِّ مؤسَّساتِه، وأخُصُّ الإعلامَ المكتوبَ وسائِرَ الكُتّابِ الذين كتبوا المقالاتِ والتحقيقاتِ وعبروا عن الوفاءِ لعبد المجيد وللحقيقة، بمهنيةٍ عالية، وأخُصُّ في هذا المجالِ الدورياتِ التي تصدُر في مدينة طرابلس، ولا سِيّما تلك التي أَصدرَتْ أعداداً خاصةً عن فقيدِنا الغالي.
وفي النهاية، لا يَسَعُني إلاّ أنْ أَسْتَجِيبَ لإشارةِ عبد المجيد من عَلْيائِه وأُقَدِّمُ التَحيَّةَ إلى شهداءِ أُمَّتِنا العربية، وأَخُصُّ بالتحيةِ شهداءَ فلسطينَ والعراق وسوريا ولبنان، ولا سِيّما شهداءَ الجيش اللبناني.
التحيةُ إلى أبناءِ طرابلسَ العزيزةَ حبيبةَ عبد المجيد، وإلى أحيائِها الشعبية التي أَحَبْ والتي تناوبت على نقلِ جثمانِه الطاهر.
إلى نساءِ طرابلسَ اللواتي نَثَرْنَ الورودَ والأرُزَّ ورَوَيْنَ لأبنائِهنَّ وأطفالِهِنَّ سيرةَ عبد المجيد.
تحيةٌ إلى كلِّ من شارَكَنا يومَ الوداعِ من سائِرِ المناطِقِ اللُبْنَانِية، من الجنوبِ إلى البِقاعِ ومن بيروتَ إلى جبلِ لبنان.
شكراً إلى كلِّ الذين أقاموا مجالِسَ العَزاءِ وأَحْيوا فعالِياتِ التكريمِ والتحيةِ لفقيدِنا في أستراليا وأوروبا والعواصمِ العربيةِ وأُخِصُّ بالتحيةِ أبناءَ الأرضِ المحتلة.
تحيةٌ إلى البعثيينَ الشرفاء داخلَ التنظيمِ الحزبي وخارجِه في لبنانَ والوطنِ العربي.
والتحيةُ إلى روحِك الطاهِرة. وعداً وعهداً لم بمتابعة المسيرة قائدي .
شكراً لكم جميعاً