فالولايات المتحدة وشركائها من لوبيات ومافيات ومؤسسات الصهيونية والنظام الايراني المتستر بعباءة مهلهلة مزيفة للدين حين قررت غزو العراق واحتلاله لا بد وبديهي أن تضع خططاً لمرحلة ما بعد الغزو والاحتلال وتقويض مؤسسات الدولة العراقية كلها وخاصة الأمنية. ومن بين ذلك منظومة الأمن التي تحمي قوات الاحتلال وشركائها القادمين تحت مظلتها وتحمي المنظومة السياسية التي قررت
طرحها كبديل للنظام الوطني المذبوح وأمن البلاد برمتها.
أجد نفسي كعراقي غير قادر على هضم فكرة ان الأمريكان يتعمدون هذه الفوضى الأمنية وان الادعاء بما سمي بالفوضى الخلاقة إن هو الا تبرير لفشل القوات الغازية في حفظ أمنها وفي حفظ أمن موظفيها من المرتزقة الذين تعاقدت معهم في مؤتمر لندن ليستلموا واجهة السلطة المدنية التي تدير كل خيوطها وشباكها وحبالها الإدارة الأمريكية وشركائها. ولا أجد نفسي مقتنعاً ان الامريكان يتعمدون نشر القتل والتدمير والبغضاء لتحقيق مشروع تقسيم العراق بل ان هذا التوجه الامريكي القائم عملياً الآن إن هو إلا تعبير عن فشل الأمريكان في ضبط الأمن وفي السيطرة على الشعب العراقي فلجأوا إلى أعتماد تكتيكات خبيثة مخابراتية إجرامية للانتقام من الشعب العراقي لأنه لم يخضع لسلطة الاحتلال ولأنه قاومها بشراسة وأثخن جسدها بجراح عميقة ونافذة .
لقد كان بوسع أميركا أن تؤسس الأقاليم في العراق في الشهر الأول لدخولها المشؤوم وان تسلم سلطتها لضباع الديوثية من كل الأطراف التي لم تجد حرجاً وطنيا ولا دينيا ولا أخلاقيا من العمل تحت سلطة الغزاة. ولكونها لم تفعل ذلك لكي لا تكون هي المدانة في تمزيق العراق المحتل فانها ضمنت الاقاليم في الدستور لتترك أمر تطبيقها مثله مثل إلغاء بعض فقرات الدستور ومثله مثل انتهاج سياسة المحاصصة الطائفية وغيرها من التوجهات والوسائل التي هي في حقيقتها هروب الجبان الخبيث اللئيم ليترك اللائمة تقع على شركاءه ووضع هؤلاء الشركاء في وسط حقول الغام التعايش معها وتفجيرها كلاهما مهلكان على حد سواء.
لقد فجرت مقاومة شعبنا للغزو والاحتلال ولعمليته السياسية الغارقة بالاجرام كل توقعات وحدس الأمريكان وعرت زيف وكذب وتضليل شركاء مؤتمر لندن من حملة الجنسية العراقية كأحمد الجلبي وعلاوي والدعوة والمجلس والحزب الإسلامي والباججي وغيرهم من ان شعب العراق كله ينتظر لحظة الخلاص من نظامه الوطني وان شعبنا سيتعاون مع الغزاة وعبيدهم .
واذا أردنا وضع خط رجعة لحسابات إضافية فأن الاحتمال الاخر هو أن الاستراتيجية الامريكية قد صممت على مستويين :
الأول : هو أن يستكين العراقيون ويقبلون بالغزو وكل ترتيبات الاحتلال فتمضي الخطة في انتاج عراق خاضع سليب الارادة تابع ذليل وضعيف متهالك لا وزن له ولا تأثير على عكس عراق ما قبل الغزو تماماً.
الثاني: هو أحتمال أن تحصل مقاومة تعرقل المشروع الأمريكي فيتم حينها تفعيل الألغام المنصوبة في طيات الدستور وستكون مرتكزاتها جاهزة من فتن طائفية وعرقية وفساد وإرهاب بعناوين وهويات متضاربة .
لقد فشلت أميركا فشلاً ذريعاً في العراق من الناحية العسكرية اذ لم تتمكن من عام ٢٠٠٣ وحتى هروبها عام ٢٠١١ من ضبط النظام على كيلومتر مربع واحد من أرض العراق وأضطرارها للهرب هو ناتج الاقرار الامريكي العميق بأزمة القوات والادارة الامريكية لان الاخفاق في تحقيق الأمن كانت مردوداته الاولى خلال تلك السنوات وبالاً وكوارث على الجندي والالة الأمريكية . ولعل من عايش تفاصيل الأحداث يتذكر تهالك أحمد الجلبي وضباع حزب الدعوة على مسك الملف الأمني في العراق والمطالبة المستمرة إعلامياً لتسليم هذا الملف الى أحزاب السلطة . وكان لتلك المطالبات دلالات هامة أولها ان المقبور الجلبي وبدر والدعوة كانت غير مكتفية بجرائم القوات الامريكية والبريطانية والبولونية وغيرها من مخابرات الكويت والشركات الأمنية وتريد إطلاق يدها في قتل العراقيين واعتقالهم وأغتصاب أعراضهم وتهجيرهم.
[3:20 PM, 7/10/2016] زنتوت: إن الإجرام المتوحش الذي لم ير الكون له مثيل بعد انسحاب أميركا من الشارع العراقي وبكل أنواعه من إبادة طائفية وحروب اصطنعت تحت ذريعة الإرهاب فتركت العراقيين يغرقون في دماءهم في ديالى وكركوك وصلاح الدين والأنبار والموصل وحزام بغداد والتفجيرات الإجرامية ببغداد وباقي محافظات العراق بدون استثناء هي تعبير عن تلك النزوة والهوس الذي كانوا يعبرون عنه في مطالبتهم باستلام الملف الأمني. لقد كان رهانهم في تحقيق الأمن مبني على استخدام القوة الغاشمة والمفرطة في قتل الشعب بطرائق تقليدية وأخرى مبتكرة وقد تمكنوا فعلاً بحماية أمريكا ودعمها غير المحدود للأحزاب الإيرانية والمليشيات تمكنوا من تحويل العراق إلى جحيم وغابة للفناء الوحشي ولكنهم لم يحققوا الأمن لأن التقديرات الخاطئة التي قدموها لأسيادهم قبل الغزو هي ذاتها التي تعكزوا عليها في توجهاتهم وخططهم الأمنية المتمركزة على نظرية إخضاع الشعب بالقوة الغاشمة.
لقد ظن أقزام السلطة المحكومة بالاحتلال المركب أن القوة الغاشمة المفرطة هي القانون السحري لضبط الأمن وإخضاع العراقيين عن طريق الإرهاب والخوف. ورغم أنهم خلقوا السلطة الأكثر إرهاباً وتخويفاً في تاريخ العراق والمنطقة كلها إلا أنهم لم يفلحوا في ضبط الأمن لأن المعادلة الأمنية في العراق لا تحكمها قوة السلطة والعراقيون لا يحكمون بالنار والحديد قط بل يحكمها ضبط الثوابت الوطنية والقومية والمبادئ الأخلاقية لبلد سيد مستقل ذو عزة وكرامة ويحكمها مسار المزاج العراقي السيد الذي يعشق الحرية في وطن ينتمي لأمة سيدة حرة لها دورها الموقر إقليمياً وعالمياً ولها كلمتها المسموعة وتاثيرها النافذ في المنظومة العالمية ومؤسساتها.
إذن ..
لن يعود الأمن للعراق إلا بزوال الأحتلال وخروج الدول الغازية وأولها ايران وبقايا أميركا وبريطانيا وسيجد من وظف واستثمر في الحقل الطائفي نفسه معزولاً ومنبوذاً لأن السلاح الطائفي لا يدوم وستنفذ مأونته إن عاجلاً أو آجلاً وبعد أن تدفع المذهبية خسائر باهظة دون أن تحقق أياً من أهدافها الأستراتيجية المعروفة لأن العراق لا يمكن أن يحكم كهنوتياً وان دور الشرائح العراقية المثقفة والواعية والنخب يتنامى كلما زاد نزف الدم في ساحة الحكم المذهبي ومعاركه المفتعلة لتحقيق مساحة زمنية أوسع نسبياً للبقاء لا غير. وسيجد المحتلون ومرتزقتهم أن الزمن والتكاليف الباهظة ليس لها من نتيجة منظورة في الأفق المنظور وما يليه قليلاً إلا في الارتقاء بنضال الأحرار وتوحيد صفوفهم وترصين مقاومتهم المسلحة والمدنية وصولاً إلى ترجيح كفتهم وإنجاز مهامهم في التحرير والاستقلال.
ا.د.كاظم عبد الحسين عباس
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام