سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مقالات العدد التاسع من مجلة ألق البعث / تصدرها نبض العروبة المجاهدة للثقافة والاعلام



افـتـتـاحية الألـــق

حــمــايــة الــعــقــيــدة

  لا أظن أننا نبتعد كثيرا عن الواقعية اذا عملنا مقاربة بين الحياة بمعناها العضوي وبين العقيدة. فمثلما تقتضي الحياة توفير عوامل للديمومة والبقاء فان العقيدة هي الأخرى لا تعيش بدون عوامل حماية ومقومات ادامة. والحياة في صورة الانسان خلقا وتناسلا قد اكتملت في أبهى صورها وبأرقى مكونات مظهرها وبقاءها والعقيدة هي الأخرى تعبير عن حالة راقية من الانتاج العقلي الناضج المتكامل. وللحياة أهداف وغايات نبيلة في معناها وأطارها العام وكذا العقيدة تكتنز أهدافا حياتية للفرد وللامة .
  وكما الحياة تقتضي حماية وعناية وحصانة ومناعة وتأطير وتعميق مفاهيم وأهداف وغايات باستمرار, فان العقيدة هي الأخرى تستدعي ذات عوامل الديمومة والبقاء والحصانة والمناعة .

   والعقائد تعبر عن أهداف بعينها وتسعى لتحقيق غايات محددة للأفراد والتجمعات والامم والشعوب وبالتالي فهي نتاج بشري متنوع ويتراوح بين ما هو صالح ويستمر صالحا يخدم معتنقيها وبين ما هو  طالح يتعارض ويتقاطع مع اخرين أفرادا أو تجمعات أو أمم وشعوب. وقد خبرت البشرية عقائد بشرية مختلفة من أشهرها العقيدة الرأسمالية الليبرالية الغربية والعقيدة الاشتراكية وعقائد قومية عديدة تعتنق بعضها الراسمالية تقليدا والاشتراكية تقليدا أو كتسمية فقط مع ادخال تغييرات جوهرية عليها لتتناسق وتتماهى مع البيئة الاجتماعية والدينية للشعوب والامم التي تعتنقها وتجعل منها وسيلة وغاية. 
   تهتز الصورة الايجابية للحياة اذا لم تكن في مجرياتها اليومية تعبيرات وتطبيقات للعقائد. فالعقائد تمنح الحياة قدرا من الوجاهة والرزانة وتقدم أهدافها وغاياتها النبيلة الاخلاقية وتجعل لها اطارا من المثالية والسمو والرفعة وتنقيها من الابتذال والرخص وخفة الوزن.
   العقائد, الدينية منها والوضعية, هي رسائل سماوية أو وضعية أرضية دنيوية, وفي كلتا الحالتين سواءا كانتا منفصلتين أو بينهما وشائج لا تأخذ العقيدة مدياتها ولا تنفتح على البشرية بإشراقات ايجابياتها والق فعلها الا بأن يحملها ايمانا وتطبيقا انسان رسالي. بهذا المعنى فالعقائد ترتقي بالإنسان فعلا وسلوكا وتعاونه على الاقتراب من المثالية التي أرادها له الله سبحانه والاقتراب من الكمال الذي يرضي ذاته الانسانية ويرفع من مكانته عند الله سبحانه وعند البشر.
  ان حماية الحياة كما ارادتها العقائد الربانية هي دليل ومرشد لكل ما هو مرتبط بحماية العقائد الوضعية التي ينتجها العقل البشري. والشرط الحاسم لتوفير سبل الحماية هو أن تكون العقائد السياسية صالحة بالمقاييس العامة من حيث كونها ايجابية, نافذه بانسيابية سلمية الى حاجات الناس ومعبرة عن أهدافهم وغاياتهم الفردية والجمعية, مولودة من رحم الوطن وحاملة لمبادئ الاستقلال والحرية والتنمية والتقدم , عابرة بجدارة لمحددات ومقيدات الالفة والتجانس الانساني المجتمعي والوطني والقومي و لا تتعارض مع مقومات وعوامل ومتطلبات الايمان الذي تفرضه العقائد الربانية بل تتجانس معها وتستمد منها الاخلاق والوضوح والتعايش الانساني السلمي.
  ان حماية العقائد لا تتم بحمل السلاح, ولو ان هذا الطريق قد يفرض حاله تحت ظروف ومعطيات معينه, انما تتم بقدرة العقيدة على جذب الناس وتأطيرهم ليشكلوا بأعمدة الكم العددي والنوع المعبر عن الخصال الرسالية.. والمبادئ والاهداف والغايات النبيلة المنبثقة من حاجات الانسان والوطن كفيلة بان تحول العقول الى أسيجة حماية للعقيدة وتحول الاجساد الى متاريس مقدسة لتأمين ديمومتها وبقاءها كرديف للحياة.
 على هذا.. فان عقيدة البعث عصية على الفناء, هازئة بالاجتثاث شامخة بالصمود لأنها عقيدة حياة.
وحياة تكللها العقيدة تاجا وشرفا وامانة وعطاء لوحدة حملة الرسالات وحريتهم وازدهار الحياة في أرجاءهم.

طــمــوح الــبــعــث

القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق

المعرفة لا تكون صحيحة الا اذا امتحنت بالعمل، فالعمل يغنيها ويصححها. ان نضال الأمة العربية نضال طويل لم يبتدئ مع حركة البعث ولن ينتهي معها. وكل ما في الامر ان هذه الحركة خرجت من حاجات امتنا في مرحلة معينة لتستفيد من التجارب السابقة، ولترفع مستوى النضال إلى الحد الذي يتكافأ مع عظم قضيتنا وعظم أهدافها ومع عظم الاخطار المحدقة بها، ومع روح هذا العصر، فكانت محاولة صادقة نرى اليوم أنها أثمرت بعض الثمار.
ان طموحنا كبير، طموحنا هو طموح الانسان وطموح كل شعب اصيل شاعر بشخصيته مقدر لمعنى وجوده الانساني، طموحنا لا يقتصر على دفع الاخطار والتخلص من الاعداء ومن ظلمهم الذي لحق بنا زمنا طويلا. طموحنا لا يقف عند حدود السلبية والرفض والتخلص وانما هو في أعماقه طموح ايجابي بناء في أن نعمل وان نسترجع من جديد تجاوبنا الصادق مع الحياة، وان تساهم في بناء الحضارة ونساهم في اخصاب القيم الانسانية وفي الدفاع عنها وفي تجسيدها تجسيدا صادقا في حياتنا وسلوكنا.
عندما طلع علينا الاستعمار مؤخرا بنظرية الفراغ، قائلا ان بلادنا فيها فراغ يستدعي ان يملأ بالاستعمار والاحتلال، خطر لي -بالمقارنة- ان الفراغ قائم فعلا ولكن ليس في شعبنا وبلادنا، وانما في هذا القسم من العالم الذي مسخ القيم وزيفها ووصل في النفاق الى حد التناقض مع ما يدعيه من مبادئ. ويخطر لي دوما ان ثمة في العالم فراغا مخيفا، ولا يستبعد أن تكون أمتنا من بين الأمم التي ستطالب بأن تملأ هذا الفراغ في وقت أقصر مما نظن. ان حضارة المستعمرين تنذر بالانهيار والفشل طالما انها تتجنى على الشعوب الضعيفة مثل هذا التجني، وتغالط وتكاد لا تعرف أنها تغالط، أي ان الزيف امتزج في نفوسها واذهانها إلى حد انه اصبح طبيعيا فيها ومن صميم مفاهيمها. من يعيد الى هذه القيم التي أفرغت من معناها ومحتواها في الغرب.. من يعيد اليها الحياة والدم الا الشعوب التي عانت الظلم، وعانت تجربة الألم الى الأعماق؟ فكأن القدر يهيئوها لان تحتل مكانها قريبا وان تكافأ على آلامها بأن تظهر هذه المبادئ والقيم الخالدة التي لا غنى للانسان عنها، والتي لا تستقيم بدونها الحياة. لعل القدر يهيئ شعوب افريقيا وآسيا وكل الذين عانوا الظلم الخارجي والداخلي، ان يخرجوا من هذه التجربة بثمرة يانعة لا تقتصر فائدتها عليهم فحسب، وانما تشع على الانسانية كلها. لذلك قلت ان طموحنا لا يقف عند حد اخراج المستعمرين من أرضنا، وايقاف المستغلين في الداخل عند حدودهم، ولا يتوقف عند حد تأمين الحرية والرخاء للشعب، وانما هي كلها وسائل لكي تنطلق عبقرية هذه الامة نحو الابداع، نحو المساهمة الجدية في حمل الاعباء الانسانية.
وهذا في الواقع ما كان ينفرنا من الحركات الوطنية السابقة. وهذا ما أشعرنا بأن ثمة واجبا علينا وان ثمة مهمة جديدة لنا، فأنتم تعرفون في أي مستوى كانت تحيا وتعمل الحركات في مختلف اقطارنا العربية، في أي مستوى مقلد سطحي سلبي.
يأخذون على الاستعمار أشياء كانوا هم أنفسهم يرتكبونها يوميا، ينادون بالحرية لا ايمانا منهم بالحرية ولكن دفعا لتهمة الغرب الموجهة الينا باننا لا نقدر معنى الحرية، ينادون بالمساواة والرقي وغير ذلك لا عن قناعة، ولا عن معاناة وتجربة عميقة لهذه الأشياء، وانما في المظهر والاعلان لدفع التهمة. اذن لم تكن تلك الحركات اصيلة، لم تكن تنبع من الشعب، ولم تكن تعبر عن حقيقته وامكانياته لأنها لم تكن تعتمد عليه ولا تثق به.
ولعلكم سمعتم أكثر من مرة أولئك الزعماء والسياسيين في أحاديثهم الخاصة: "الشعب لا يفهم، لا يعي، لا يقدر"، وفي خطبهم يشيدون به ويمتدحون فضائله ويستغلون غروره.
الثقة الحقيقية بالشعب هي أعمق من تلك، تبدأ بالصدق، أي ان يكون المناضلون صادقين في عملهم وواثقين من أنفسهم، وبعد ذلك لا بد أن يكسبوا ثقة الشعب لان امكانيات شعبنا غزيرة وعميقة، ولكن اكثرها دفين ومغمور.
كنا اذن نشعر بأن مرحلة جديدة يجب ان تبدأ، وان تظهر فيها الامة العربية على مستوى جديد غير المستوى السلبي الذي كانت عليه في الماضي، غير مستوى التشكي والتظلم والمواربة والتستر بعناوين المبادئ لكي ترفع عنها التهم الموجهة اليها من الاعداء. مرحلة جديدة تقف فيها أمتنا لتواجه مصيرها وجها لوجه.. تواجه حقيقتها بصراحة وجرأة، ولا تعبأ باستعمار ولا أجنبي. الأصل انها موجودة، ولكن تريد ان يكون وجودها صادقا وعميقا، و لا تتلكأ عن رؤية أخطائها ونواقصها لأن هذا أول دليل على نضجها وبلوغها سن الرشد. والواقع ان المرحلة الجديدة التي بدأناها لم تغفل قيمة الشعب في خوض المعركة ضد الاستعمار، فقد وجهنا انظار الشعب إلى نفسه وإلى أمراضه. و هذا تشجيع للشعب وثقة فيه لم تكن الحركات السابقة تجرؤ عليها، بل كانت تداريه وتداجيه. لذلك لم يكن يثق بها ولم يكن يمشي وراءها الى آخر الطريق.
أما مرحلتنا فكانت تنظر الى الاستعمار بأنه نتيجة اكثر منه سببا، نتيجة لما يشوب مجتمعنا من نقص ومن تشويه. وأعتقد بأن هذا ما يجب ان نلح عليه وأن نزداد جرأة في المضي فيه، وأن نعتبر اننا دخلنا النطاق العالمي، ونقوم بدورنا الذي تجاوز حدود وطننا وحدود قوميتنا، وانه يجب ان نواجه هذا المستقبل الايجابي بثقة وتفاؤل واقدام. قد يبدو لكم كل ذلك الآن شيئا طبيعيا وسهلا يسيرا، ولكن عندما بدأنا حركتنا قبل خمسة عشر عاما كانت هذه اللغة صعبة الفهم وصعبة التقبل، لان الجو الذي خلقته الحركات السابقة التي قامت على الهواة والمحترفين، وعلى المترفين الذين كانوا يتسلون بالسياسة لا على المناضلين الصادقين، كان جوا مزيفا حجب عن الشعب حقيقة قضيته، فلم يكونوا يريدون أن يسمعوا ان قضيتنا مرتبطة بقضية الانسانية كلها. ولم يكونوا يتقبلون ان تكون مرحلة نضالنا ضد الاستعمار مرتبطة بالنضال الاشتراكي في الداخل، ولم يكونوا يفهمون ويستسيغون أن قضيتنا في كل الاقطار العربية هي قضية واحدة، ويجب توحيد النضال، وأن تنسجم خطوطه، وأن التجزئة التي فرضت على بلادنا هي مصطنعة وعارضة، وأن في أعماق الشعب ما هو كفيل بأن يجلو الصدأ ويزيل الزيف ويظهر حقيقة أمتنا وأنها أمة واحدة. وها نحن بدأنا نشاهد الصدأ يجلى والحقيقة يبرز وجهها ناصعا، عندما اتخذت مصر طريقها السوي إلى العروبة بعد أن كانت مضللة مدة طويلة، وكادت تفقد بذلك حركة النضال العربي اكبر وزن واكبر ثقل. هذا الذي يراه الكثيرون وكان يراه الساسة القدماء كمعجزة ليس لها تفسير، كنا نؤمن بأنه آت لا ريب فيه، وان حقيقة مصر العربية ستظهر في يوم من الأيام.
تسمعون أيضا اصواتا ناشزة تقول: ان ما حصل الآن من ائتلاف وتقارب بين أجزاء الأمة العربية هو شيء حسن ولكنه ليس شيئا اصيلا وليس شيئا محتما وأن ظروفا معينة اقتضته، هي ظروف الكفاح ضد الاستعمار، وانه لا يغير شيئا في حقيقة الاقطار، الاقطار التي تؤلف وطننا الواسع، فلكل قطر تاريخه وماضيه وشخصيته وظروفه، وان القومية العربية شعار لمرحلة!
هذه آراء مستوردة لا تنبع من صميم القضية وفيها تناقض، اذ ان هذه السرعة التي تم فيها الانسجام وانجلاء الوعي العربي بين أقطارنا تدل على أن ثمة حقيقة كانت كامنة ولم تتطلب جهدا كبيرا حتى تظهر وتكشف عن نفسها، في حين أنه لو لم تكن هذه الحقيقة قائمة موجودة، لو لم تكن مقومات الامة موجودة في شعبنا العربي كله، لاستحال ان يظهر هذا الانسجام بين أقطار كانت متباعدة في أكثر الاشياء، وانه كان يكفي ان تزال طبقة من السياسيين المحترفين حتى تعلن هذه الحقيقة عن نفسها وتفرض نفسها فرضا. وهذا التجاوب ما كان يتم لو لم يكن مستندا الى واقع حي.


آذار 1957...


 ٨ شباط ثورة البعث والشعب أسقطت الدكتاتوريه بتلاحم قوى الشعب
أ.د . كاظم عبد الحسين عباس / العراق

 مــدخــل :
  يتفق كل الكتاب الذين تناولوا ثورة شباط المباركة من ضفة التعاطف والتفهم وليس من ضفة العداء الحزبي الضيق على انها ثورة شعبية , قومية عروبية وحدوية مثلت مخاضا مهما لإرادة الامة وتطلعات شعبنا . وأبرز سماتها الاخرى كانت سمة التلاحم والتفاعل التاريخي الطبيعي العفوي بين الشعب وبين القوات المسلحة الباسلة في ساعات التنفيذ التاريخية وتميزت مرحلة التخطيط للثورة بالدقة الفائقة والكتمان الشديد حتى فاجأت العالم بأسره وليس فقط سلطة الشعوبية الدكتاتورية ومن أمتطى ظهرها ليقتل الشعب ويدمي جبهة العراق. لقد كانت السرية التي أحاطت بمرحلة التخطيط عنوانا لارادة انسانية للرجال لا تقهر سجلها التاريخ بحروف من نور. وفي الوقت الذي كان فيه المنفذون للثورة, مدنيين وعسكريين, شجاعا بواسل يمتلكون خواص الاقدام والجسارة فان خارطة التنفيذ لم تقتصر على عناصر الحزب في بغداد بل شملت رجال شجعان من محافظات أخرى. وتمييز الجميع بالاندفاع البطولي والاستعداد التام للتضحية وهم ينقضون على مواقع سلطة قاسم وعلى أوكار أعوانه. 
  مشهد أجمالي: منطلقات نظرية
 حزب البعث العربي الأشتراكي, هو حزب الثورة العربية, حزب التغيير الذي ينسف مكونات التخلف والعبودية ويزيل قوائم الأمية والجهل ويقوض معالم الانحطاط في حياة العرب وينقلهم وينتقل بهم ومعهم الى عالم الانتاج والحرية والاستقلال الناجز سياسيا واقتصاديا, عالم الحداثة والتمدن والعلم والتكنولوجيا. 
  الثورية تتلازم مع الجسارة والأقدام والشجاعة مثلما هي صنو المرؤة والحكمة والعلمية والرؤى الواضحة لما هو قائم من مكونات وعوامل وأسباب الثورة وما هو بديل ضروري وحاسم ومتغير مطلوب. الثورية تعني البطولة كما تعني العقل الراجح وتعني المحبة للشعب وللأمة تماما كما تعني العداء التام لكل ما هو رجعي ومتخلف ومسبب للفاقة والفقر والجهل عند الشعب والامة. 
  الثورية, مشروع أمة تحمله امالها وتطلعاتها وتركن عليه في التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بما يثمر عن انتاج الحالة الجديدة المشرقة بالرخاء والازدهار وسيادة الامن والقانون ودولة المؤسسات. 
  وطبقا لهذه الارهاصات وقواعد الانطلاق والخصال والمواصفات وهواجس الفعل العظيمة التي ترتبط بالثورة وبحزب الثورة فان تاريخ العرب الحديث ومنهم تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي طافح بالعمل الثوري على صعيدين مترابطين هما منحى أو صعيد مقارعة الانظمة المشاركة في تكريس الظلم والاستلاب لشعبنا وعلى صعيد اخر أكثر أهمية هو اشراك الشعب في العمل الثوري من جهة والعمل على تثويره بإدخال عوامل ومقومات الثورة لجسد الشعب فكريا وثقافيا من جهة أخرى.  
  فالبعث وسع قواعده الثورية الباسلة في العراق وفي سوريا وفي السودان وفي لبنان وفي الاردن وفي اليمن وموريتانيا وتونس وزرع قواعد ثورية مناضلة في الخليج ومصر والمغرب العربي ومنها الجزائر. من جهة , ومن جهة أخرى , فان العرب قد عرفوا البعث ثائرا عبر ثوراته التي فجرها في العراق وفي سوريا والسودان وعرفوه ثائرا في تحالفات ميدانية مهمة في اليمن وفي أقطار عربية أخرى وعرفوه حزب الوحدة الذي يسعى لتحقيقها بكل السبل والطرق عبر وحدة مصر وسوريا والعراق التي قدم من أجلها تضحيات عظيمة وعبر تحالفات عربية مختلفة صممت لتكون أنوية فاعلة للوحدة العربية كحلم ثوري شعبي عربي جربها نظام البعث في العراق مع سوريا رغم مرارة التعاطي مع نظام الردة الأسدي وفي مجلس التعاون العربي كنموذج تاريخي هام اخر. 
  ان ثورة شباط في العراق عام ١٩٦٣م التي جسدت أعظم صورة للصلة الثورية بين الحزب وبين الشعب مثلت أيضا صورة توحد الارادة بين الشعب وبين الحزب ووحدة التشخيص والتحليل والمتابعة المفضية الى الخلاص. فلقد كان لثورة البعث الشعبية أهداف تغور في أعماق الارادة الوطنية من حيث انهاء الحكم الفاشل الدكتاتوري الذي سرق روح ثورة تموز ١٩٥٨وانحرف بها من مسارها الجمهوري الى الفئوية والتخبط والتفرد المقيت المتمثل بحكم الزعيم الفرد المنعزل تماما عن العراق وتطلعاته. وكان للثورة (العروس) مشاريع تنمية تنفذ بخطط مدروسة وعلى مديات زمنية محددة تتضمن تغيير الواقع المعاشي للمواطن والواقع الاقتصادي للبلد عموما عبر السيطرة الوطنية الكاملة على خيرات البلاد من نفط ومعادن وعبر تثوير قطاعات العمل والبناء والزراعة والصناعة واشراك الشعب في عمليات البناء والتنمية بكل مساراتها. 
  كان لثورة شباط أهداف عظيمة في تأسيس جيش عراقي عربي قومي عقائدي وتسليحه بأحدث الاسلحة وتطوير قدرات صنوفه المختلفة ليكون ذراع العراق والامة الضارب ليس في حماية أمن وسيادة العراق فقط بل وفي رفد الامة بعوامل القوة والاقتدار على مواجهة أعداءها وأولهم الصهيونية المدعومة بلا حدود من الامبريالية الغربية المجرمة. وكان ثوار شباط من الضباط المستقوين بالله و بالشعب وبعلاقة حزبهم المعروفة بالشعب يمتلكون الرؤية الكاملة والنافذة لتحقيق غاياتهم في المجال العسكري وما تتطلبه عوامل وحيثيات بناء القوة في الجيش. 
  لان ثورة شباط (عروس الثورات) كانت بلا منازع تمثل ارادة شعب العراق وكل قواه السياسية الخيرة ولأنها كانت مشروع تطور وتقدم حقيقي يقلب حال العراق من سيئ متخلف فقير بائس الى نقيضه, لأنها ثورة وثيقة العرى بالشعب ولم تنطلق بأساساتها وعوامل تنفيذها الا من حضن الشعب فلقد تكالبت عليها وبسرعة كل قوى الشر داخليا وخارجيا.. ولأنها شعبية أصيلة فقد كانت قوى الردة قد صممت فعلها المعادي للثورة على أساس تقويض البيئة الشعبية التي تحتضن الثورة وتحميها وتغذيها واتبعت اسلوبا خبيثا في تحريك تناقضات سياسية أججت الشارع العراقي بأدواتها الدموية وفتنها البغيضة حتى تمكنت من أجهاض الثورة وهي لما تزل تصوغ ملامح ومشاهد التغيير الثوري الذي تفجرت من أجله. 
 ان ثورة الثامن من شباط (رمضان) المباركة ورغم كل ما أحاط بها من تهويش وتهويل ومشاكل خططت لها قوى العمالة والخيانة وأدوات الردة ستبقى نموذجا مشرقا في تاريخ البعث الثائر وستبقى علامة فارقة لنموذج الثورات الشعبية الاصيلة. وسيبقى البعث يفتخر بها وبسفرها وبنموذج الصلة الحية التي حققتها مع شعب العراق الابي في مرحلة الاعداد للثورة وما تلاها . 
موجبات تفجير الثورة:
 تفجر الثورة عادة بعد أن تتراكم عوامل تفجيرها بشقيها, العامل السلبي المتمثل بتراكم التناقضات والممارسات السلبية وطغيان الانظمة وتراجع لدور الجماهيري في الصلة مع الدولة وانهيار جسور العطاء المتبادل, والعوامل الإيجابية المتمثلة بجاهزية واستعداد قوى الثورة لإنجاز مهامهم.
    تمادى عبد الكريم قاسم كثيرا في النأي عن أهداف ثورة الاستقلال والجمهورية, ثورة الرابع عشر من تموز ١٩٥٨, وأسقطها في واحدة من أخطر ممارسات الدكتاتورية والتفرد الاجرامي البغيض من جهة وأنجرف برعونة وحماقة وفوضوية دموية الى تسليط جهة حزبية معادية لعروبة العراق على أبناء العراق وطلائعه الوطنية والقومية فمارست تلك الجهة جرائم دموية بشعة مستظلة بتأييد وأسناد معلن وصريح من رئيس الوزراء الزعيم عبد الكريم قاسم. سجل تاريخ العراق الحديث وقائع تستحي منها الوحوش تتضمن تعليق الرجال في دكاكين القصابين وتقطيعهم كما الذبائح وهم أحياء والشنق في الشوارع على أعمدة الكهرباء والسحل في الشوارع وكانت بغداد والموصل وكركوك وغيرها شاهدة على مسيرة كسر العظام ونزف الدم التي دشنها بعض الشيوعيين ثم حولوها لاحقا بعد أن شبعت بطونهم بدماء العراقيين الاحرار والقوميين الى تهمة جاهزة ضد البعثيين والى يومنا هذا لكي يتبرئوا من أبشع صفحة سوداء سجلتها السياسة وقواها في العراق وكانت سببا للكثير من الاضطرابات وللماسي اللاحقة. لقد شهدت ساحة العراق تحت سلطة قاسم جرائم غير مسبوقة تمثلت بمطاردة الاحرار والقوى الوطنية وزج الكثير منهم ومن أبناء الشعب في السجون والمعتقلات وأخطر من هذا شهد العراق موجات أحكام بالإعدام لضباط أحرار ولمدنيين من الاحزاب الوطنية والقومية التي عارضت وناهضت سياسة عبد الكريم قاسم وخاصة أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي وكوادره وقيادته. لقد قدم عبد الكريم قاسم نفسه على انه شعوبي أصيل وحاقد على العروبة وكل ما يمت للعروبة بصلة وغلبت على سلوكه وشخصيته سمات التهور وعدم الاستقرار. 
 كما شهد العراق في حقبة حكم قاسم تراجعا كبيرا في فرص التطور والتنمية وانفصام شبه تام عن أهداف ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ المباركة التي تضمنها بيانها الاول ولم يجن شعبنا ما يعزز ثقته بالنوايا الحسنة للثورة وتوقها لرفع مستوى معيشة المواطنين وتحريك الاقتصاد وتحرير ثروات الوطن . حتى الانجازات الضئيلة التي انتظرها العراقيون بصبر وقدموا من أجلها التضحيات كإنهاء الاقطاع وتمليك الارض للفلاحين قد غطى عليها نعيق بوم الموت والاقتتال والاستهداف السياسي الذي جر الشارع الى مواجهات دموية لم ينته تأثيرها المفجع لا من ذاكرة العراقيين ولا من تشنج أو خراب الصلة بين الاحزاب المتقاتلة هذا فضلا عن الثغرات العديدة التي تضمنها قانون الاصلاح الزراعي . 
هذا بعض ما جرى:
أن أهم الأسباب والموجبات التي دفعت الحزب والتحالف القومي العربي والوطني للتفكير بالخلاص من الطاغية عبد الكريم قاسم هي:(١) 
كان حاكماً فردياً دكتاتورياً طبعت الرعونة جل اجراءاته ومن بينها تمكين  العناصر الشيوعية والشعوبية من السيطرة على مقاليد السلطة واستخدامها استخداما تعسفيا لاضطهاد الشعب والتضييق على الحريات الخاصة والعامة. حصل كذلك اعتقال وعزل وإحالة على التقاعد لكل الضباط اللذين كان لهم دور رئيس في انجاز ثورة تموز ١٩٥٨وملاحقة  كل الأحزاب القومية والوطنية والثورية التي قاتلت الاستعمار وساهمت في إسقاط النظام الملكي وتحرير العراق من التبعية البريطانية. قامت السلطة الشعوبية بإعدام كل الضباط الأحرار وسجنهم وتعذيبهم عن طريق المحكمة المهزلة التي سميت زورا وبهتانا باسم  محكمة الشعب. الأقدام على مجازر بشعه وحشية في الموصل وكركوك والتي كانت بإشراف السلطة آنذاك وبتدخلات أجنبية. لقد حاولت السلطة والقوى التي تحركها عزل العراق عن الأمة العربية والتقوقع على نفسه. هذا فضلا عن سخط الشعب على النظام ورفضه شعبياً وعربياً وحتى عالمياً دفع القيادة الثورية الوطنية بالعراق للتفكير في انجاز ثورة تخرج العراق من هذا المأزق الكبير الذي يعيشه العراق والشعب العراقي.
   لقد سبق ثورة رمضان المباركة أحداث جسيمة مهدت للثورة وحشدت الشعب ضد الدكتاتورية والممارسات الحزبية العدائية والشعوبية منها ثورة الشواف عام ١٩٥٩والتي حدثت كرد فعل عليها مجازر الموصل وكركوك وبغداد التي تضمنت السحل والاعدامات. وسبقها أيضا محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم والتي شارك ضمن مجموعتها الجسورة الرفيق القائد الشهيد صدام حسين رحمه الله وانتفاضة البنزين ألتي استشهد فيها الرفيق البطل مؤيد الملاح. ومن بين الاحداث التاريخية التي سجلها تاريخ العراق بحروف من نور هو انتفاضة البنزين التي رتب مجرياتها حزب البعث العربي الاشتراكي والاضراب الطلابي العظيم الذي بدأ عام ١٩٦١ ولم يتوقف الا بعد تفجير الثورة وقد ذكر الرفيق المناضل والمفكر القومي الاستراتيجي صلاح المختار بعض التفاصيل التي كان شاهدا عليها وشارك فيها بما في ذلك مجريات قيام الثورة (٢).
نتائج باهرة عراقيا وقومياً: 
    ليسجل التاريخ لعروس الثورات رغم قصر عمرها شواهد ومنجزات عديدة مهمة وخطيرة يرى الكثير من أهل الرأي انها كانت السبب الرئيسي وراء وأدها مبكرا. ومن بين ما نقرأه ان انعكاسات الثورة وتداعياتها قد استدعت تحرك الاسطول السادس الامريكي ووصوله الى السواحل العربية في البحر الابيض المتوسط وتمركز عند السواحل اللبنانية بعد ظهور وتنامي المد القومي للثورة في العراق ونفاذ تأثيرها في هذا الخط العقائدي الوحدوي التحرري الى سوريا حيث تفجرت ثورة ٨ اذار١٩٦٣ القومية الوحدوية التحررية  في سوريا . ولم تلبث ثورتي البعث في العراق وسوريا طويلا قبل الافصاح عن روحهما العربية التواقة للوحدة التي يحلم بها كل العرب فاعلن ميثاق ١٧ نيسان ١٩٦٣ للعمل الوحدوي المؤسس للوحدة بين أهم ثلاث أقطار عربية هي العراق وسوريا ومصر والتي تمتلك معظم مفاتيح المنطقة جغرافيا وتاريخيا وتقف على مؤهلات القوة في الاقتصاد والعسكر والموارد البشرية. 
    أن الزمن القصير الذي لم يتجاوز تسع أشهر لهذه الثورة كان حافلاً بالمآثر والانجازات الثورية العظيمة التي هزت عروش الحكام العرب آنذاك الخونة والمرتبطين بالاستعمار مصيرياً كما أقلقت أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وإيران الشاه العميل فكان التآمر مكثفاً ومشتركاً لكل هؤلاء بالتعاون مع كل من ضربت مصالحه الثورة في الداخل العراقي وحتى على مستوى دول الجوار في الوطن العربي.
الحرس القومي:
  تشكيل شعبي باسل كان الهدف الاساسي من انشاءه هو ايجاد قوة شعبية ضاربة تعمل على توثيق صلة العمل الثوري بين ذراعيه وهما المدني الشعبي وذراعه العسكري فالحرس القومي هم أبناء الشعب من البعثيين أعضاء وانصار ومؤيدين وموالين وكان للتسمية دلالاتها المعبرة عن منهج البعث عموما وعن روح عروس الثورات خاصة في رفع راية القومية العربية وفي اعتماد الكفاح المسلح طريقا لتحقيق أهداف الامة التي تمر عبر تحرير الارض العربية السليبة وفي مقدمتها فلسطين الحبيبة. 
  كان للحرس القومي دور باسل في تنفيذ صفحات الثورة(٢)وفي السهر والتضحيات الجسيمة على حمايتها طيلة شهور عمرها القصيرة. 
   وتعرض الحرس القومي الى حملات عداء وتشويه ركزت على الاخطاء التي رافقت تجربة تأسيسه وكان معظمها أخطاء يمكن تسويغها لو كان الذين مارسوا عمليات التبشيع يقفون على أرضيات تقييم وتقويم موضوعية حيث ان معظمها ناتجة عن حداثة التجربة واندفاع الرجال في مهمات حماية الثورة التي تكالب عليها الاعداء من الداخل ومن الخارج. ان الاخطاء التي وقعت بها تجربة الحرس القومي هي نتاج ردود افعال في الاعم الاغلب ونتيجة الامتدادات لدموية الفترة التي سبقت الثورة وطبعت العلاقات بين القوى السياسية وكان المحرض والدافع لها سوء تصرف عبد الكريم قاسم وتشجيعه على الاحتراب الدموي ودفعه لمجاميع من الشيوعيين لمقاتلة الاتجاهات الوطنية والقومية ومن يمثلها وخاصة حزب البعث العربي الاشتراكي. 
 الحرس القومي كان محاولة وطنية لحماية عروبة العراق من الشعوبية والوقوف بوجه محاولات ايران الشاهنشاهية المتكررة للتدخل في شؤون العراق وبث الفتن وادارة ملف الشعوبية مع عملاءها وخلاياها الارهابية والتي توسعت في ظل التخبط الفردي والدكتاتوري لعبد الكريم قاسم واجواء الفوضى والاحتراب وانعدام الثقة بين القوى السياسية . وكانت تسميته بالحرس القومي مقصودة لإظهار نوايا انشاءه ورسائل للعرب لتأكيد الهوية القومية العروبية للحراك الشعبي في العراق بخطوطه المدنية والمسلحة. ولم يكن قط من بين أهداف تأسيس واطلاق تلكم التجربة العتيدة أية نية ولا تصور لتوجيه ظلم ولا تعسف ولا الاعتداء على أرواح العراقيين لأي سبب كان بل على العكس كانت من بين أهداف التشكيل النضالي حماية ارواح العراقيين وصيانة حقوقهم على عكس ما روجته أجهزة الاعلام المعادية وما حاولت قوى الردة والرجعية والعداء للعروبة افتعاله من حوادث. 
 لقد كان تجربة الحرس القومي فتية مثل عروس الثورات واستهدفت مثلها وتم الاعتداء عليها وهي في بدايات الاعلان عن نفسها ونقدها لا يثير في البعث ومناضليه أية هنات ولا حساسيات فلكل تجربة ايجابياتها وسلبياتها.
الجدير بالذكر ان الحزب ومناضليه ومنهم تشكيلات الحرس القومي قد قاتلت الردة قتالا بطوليا في شوارع بغداد وحاراتها وأزقتها. لقد أريد للحرس القومي أن يكون حارس الثورة الأمين وبالتالي حارس أهداف الامة. وبوسعنا ان نرى اليوم معظم الانظمة تمتلك (حرسا) وفي نفس الوقت تهاجم الحرس القومي.!!!!
نهاية وبداية: 
  في الوقت الذي يتفهم به أي باحث منصف وموضوعي التحركات المريبة والعدوانية لأساطيل الامبريالية وتواجدها العسكري في عدد من الاقطار العربية بهدف أجهاض ثورة ٨ شباط القومية الوحدوية التحررية وما انتجته من تفاعلات وحدوية سريعة مع سوريا ومصر وخاصة بعد ولادة توأمها في القطر السوري الشقيق وتكالب القوى الشعوبية والرجعية في الداخل العراقي ضد الثورة والحزب بما في ذلك المواجهات الشرسة في بغداد ومحافظات أخرى, فان عروس الثورات لم تمت فلقد ولد من أحداثها وتجربتها وافاقها وتوقها وغاياتها القومية الوطنية النبيلة ثورة البعث العراقية المجيدة في ١٧-٣٠ تموز ١٩٦٨م التي استحضرت بها قيادة البعث كل حيثيات ووقائع عروس الثورات وانضجت الثمار التي قيم البعث انها لم تكن ناضجه وتجذرت المسارات التي كانت بحاجة الى تجذير ورسمت خطط حماية الثورة بكفاءة وتحوطات واسعة ومتكاملة فجاءت ثورة تموز وما انجزته للعراق وللبعث وللامة مفخرة عراقية وعربية وانسانية سيظل العراق يسطرها في كل الاسفار . 

هـــوامــش :
١-شبكة ذي قار( المنصور) ، المجاهد اللواء الركن القائد الميداني جيش بلال الحبشي الجهادي.
٢- شبكة ذي قار : لمحات من ثورة رمضان عام ١٩٦٣. الاستاذ صلاح المختار   ٧-٢- ٢٠١٨


 بدر الدين مدثر: علامة فارقة قومية سودانية
الاستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس/ العراق 

يعني استدعاء بعض الرجال في موسم الرحيل اطلالة ذات دلالات بعيدة في مسارها الافقي وفي مسارها العمودي لانها تعني من بين ما تعنيه استحضارا لصفحات سفر طبعت بحروف من نور في جبين الأمة وحفرت اثارها تتحدى العاديات وتنازل كل المتناقضات والمتضادات ليس في ساحات ممهدة للمنازلة فقط بل والأهم والأعمق في الدلالة انها تنازل في ساحات أخرى تعتريها العتمة ويسيطر عليها جنوح الميزان وانحناء كفته لجهة الظالم المتسلح بكل طاقات الباطل والشر والحقد . فبدر الدين المدثر لم يكن أسما يتلألأ في مسارات أشراق الأمة على أبناءها من ساحتها المحررة في العراق بعد أن انسل من بين بيادر البر والشعير وحقول الغذاء وأضرع البياض الواعدة برغد العيش للامة من أرضها السمراء المعفرة بالحناء والعود ونسيم النيل الى حيث الروابي الطبيعية والمصنوعة بين الرافدين وحيث بغداد تفيض بالعشق المشتاق الى صدر الرسالة وغزوات النبي وصحوة الامة بل تجاوز بعفوية الثوار ما بين محطات الخرطوم المزدحمة بالسجون والقهر والتحدي الذي يليق بالبطولة وبين عرس العروبة في بغداد وهي تبني وتزرع وتصنع وتتعالى لتعانق نموذج البعث القومي الوحدوي التحرري وتواصل صامدا حتى ودعها وهو يفتح صدره للموت في ربوعها والشهادة على ضفاف نهريها ..غير ان الله سبحانه اراد له أن يغادر اليه من حيث ولد في أرض الزرع والضرع وأن يبكيه رفيق دربه وعشير اماله واحلامه ونضالاته القومية المنحوتة في صدر الزمن صدام حسين وهو أسد أسير بيد من صاغ مفردات مواجهة العروبة وتطلعها للوحدة والحرية والنماء مع طاغوت تكون من ثلاثة أرباع العالم وهو يسعى لوأد الحلم القومي لبغداد التي تمكنت من تزويق ذاك الحلم بنظام مثل الامة التي نريد والعروبة التي نتمنى . 
بدر الدين المدثر.. أسم في صفحات المجد الذي صاغه البعث في العراق.. رجل من رجال الامة الذين هاجروا الى خيمتها المصنوعة في أفياء النخيل وبساتين البرتقال ودبكات الكرد وحفلات الاعياد في ساحات المراقد المقدسة حيث المزمار (المطبج) يحرك أجساد (الجوبي) وحيث نغمات العشق الصادق تحني الظهور بكبرياء لم ولن ينقطع. 
بدر.. هو البدر السوداني الذي قاتل في بغداد لتتكون الأمة. هو البدر الذي سطع بسمرة معشوقة في ساحات قادسية صدام مع الف زول وزول ممن أشرقت بضحكاتهم وجراحهم مصانع وحدة الامة ومصيرها المشترك وأمنها المترابط وجوعها وشبعها ..رخاءها وانكفاءها .. مخاضها الاتي بالولادة ومخاضها المذبوح ظلما. بدر.. هو واحد بارز من الذين رسموا خطوط الوصل بين ساحة الجهاد في أم درمان والنجف وبين ساحتها في الموصل والقيروان. 
لذلك بكاه البطل الذي لم تبكه جيوش دول ولا حروبها ولا حصارها.. بكاه صدام حسين وهو الذي لا تبكيه العاتيات ولا تهز له طرف جفن أساطيل الجنوح المتجنح بالرذيلة. 
قائد في السودان يتحدى الطغيان ويكسر جدران السجون والمعتقلات ويطير بأجنحة العروبة حين استدعته بغداد ليصير أبنا اخر من أبناءها المولودين من بطن سوريا والاردن ولبنان والبحار القريبة والبعيدة  وطرابلس الغرب ونواكشوط. وقائد في بغداد يصنع فجر الأمة ويصوغ مفردات منهج مشروعها القومي ويعضد التحدي ويقوي عضد العراق المتصدي ويعلي سياج الامن القومي. 
بدر الدين المدثر .. علامة فارقة في سفر الامة وهي تكافح بجلد وصبر ومطاولة لم يعرفها تاريخ الامم والشعوب لتنال حريتها ووحدتها وعز أبناءها. هو واسمه المطبوع على صفحة الشمس العربية برهان لا يدنوا منه غبار الازمنة الرثة على وحدة الامة وصفاء روحها واندماج أطرافها. 
بدر الدين المدثر غادر قبل اثني عشر عام غير ان مبادئه لم ولن تغادر…لقاءه بشعبه وأمته لم ولن ينقطع .. معاني حياته وجهاده ونضاله باق كينبوع ينز عذبا زلالا في جدب العروبة وفي خضرة ربوعها على حد سواء. بدر هو البعث الذي لخص الامة تاريخا وحضارة وتطلعا ومن بعانق البعث ينتصر وهو حي وينتصر وهو في غياهب رحمة الرحمن لأنه الصدق والطهر والنقاء والاخلاص والمروءة والوفاء . بدر ورفاقه يعرفون الطريق الى الله وسلكوه ويعرفون الطريق الى الحق فاعتنقوه ما جذبتهم وجاهة ولا غرتهم غطرسة ولا غلبتهم سلطة… هم مصير أمة وحلمها الأزلي وهم جند انعتاقها وزراع خبزها وكفاح أهلها. 
يخطئ من يظن اننا نتغنى بإنسان مجردا عن قيمة هي أعظم من الانسان الا وهي مبادئه وقيمه وعقيدته التي نذر نفسه لها فصار رمزا للإنسان الرسالي الذي يغذي انتشاره بعث الامة ويبث تربيته ويروج لصورته وينشد لدوره الذي ينقذ الامة من حقبة الانحطاط ويديم مقاومتها حتى تتغير كفة الموازنة كما وعد الله المؤمنون النصر طال الزمن أم قصر. 
تحية لروح فقيد البعث والعروبة عموما والسودان الحبيب خصوصا الرفيق الغائب الحاضر بدر الدين المدثر وتحية للبعث الذي أنجب رجال المواقف البطولية والاخلاص السرمدي لمنهج الامة وحقوقها وامال أبناءها . وسلام عليه يوم ولد ويوم يبعث حيا مع الاولياء والصديقين والشهداء. 



التفكير الايجابي البناء 
رفيق من الفرات الأوسط 

   لم تكن فكرة تبعيث المجتمع فكرة ضيقة تقتصر على كسب الشعب مع وجود الحق التام للحزب في أن يعمل على كسب الشعب مادام الكسب معتمد على الاقناع والتواصل المباشر بين مناضلي الحزب وبين الشعب وما دام الايمان راسخا بأن أهداف الحزب هي أهداف الشعب . لقد كانت الفكرة هي توعية الشعب وزيادة ادراكه لذاته الانسانية ولغاياتها التاريخية اسوة بكل شعوب الارض. 
 كان الهدف من التبعيث هو تشكيل الطلائع القومية الوحدوية التحررية المؤمنة بحق العرب بالحياة المتنامية والتطور والخروج من شرانق الفقر والجهل والأمية والتخلف . لم تكن فكرة التبعيث كما تصورها البعض عملا حزبيا ضيقا يحاصر القوى الاخرى ويضيق عليها فرص الكسب والتوسع بل كانت تعني تأطير الشعب ضمن مسارات الوحدة الوطنية ورفض الفرقة بأي مذهب من مذاهبها القبلية أو الدينية . فمن المحال لحزب أن يضم كل الشعب الى صفوفه مهما تعاظمت إمكاناته التنظيمية . ان نشر البعث كمبادئ وأهداف كان كاللقاح الذي يطعم به الانسان ضد الامراض والاوبئة ويتحصن جسده ويتعافى من العلل والسقم . فشعب العراق تجاوره وتحاذيه عقائد قومية استعمارية ويحتك بها ويحتاج الى الحصانة وهو يتعاطى معها أو يقابل سيلها الذي كان يتحين به الفرص ليجرفه.
  لقد أدت جهود البعث الجبارة في توعية الشعب وجعله قريبا من الحزب بصيغة أنصار ومؤيدين وأصدقاء الى نتائج نلمسها الان بعد غزو العراق وأحتلاله. فلولا البعث المزروع كأيمان بالوطن والامة وقوميتنا الانسانية لانتشرت الطائفية كما الهشيم تأكله وتنتشر به النيران ولغطست عروبته في موج المد الفارسي والتركي والامريكي الصهيوني.
  ان فشل العملية السياسية الاحتلالية هو ناتج عن بعثية الشعب فكرا ومبادئ وليس كتنظيم فقط. وايصال الجيوش الغازية الى حالة الهزيمة التي لا تحتمل واضطرارها للهرب هو ناتج من نتائج تبعيث المجتمع لان العراقيين الذين قاوموا قد قاوموا بروح وطنية زرعها البعث وغذاها وبروح قومية تتحسس أهداف الغزو الاجرامية ضد عروبة العراق.
  لو لم يكن العراقيون بعثيون تنظيميا وبعثيون عقلا وتفكيرا ومبادئ لانهارت وحدتهم الوطنية ولتكسرت لحمتهم الوطنية وذابت عرى الصلات بين الطيف المتعاضد كشدة الورد عربا وكردا وتركمانيين وايزيديين وشبك وغيرهم. ولولا المبادئ العظيمة التي تسلح بها شعب العراق لتحققت كل أهداف الغزو والاحتلال التي تمثلت وبوضوح تام بنشر الفتن البغيضة وقبول ذل الاحتلال والتنكر والخروج من فضاء العروبة . 
  لقد كان التبعيث ثقافة ووعي 
 وثبات وصمود وتحدي
 واستنارة واهتداء لوحدة الوطن والامة 
 وليس انتماءا حزبيا من النوع الذي نعرف نماذجه في بلاد العرب والعجم الا وهو الانتماء الشكل المظهري الذي يحصل اليوم وينفرط بعد حين قصير بل كان انتماءا تنظيميا عميقا متجذرا وانتماءا وطنيا ينير الافق ويحصن الذات ويثورها. 
 يا أحرار العروبة 
أيّها المقاتلون والمناضلون في عراق الصّمود والتّحدّي
بالرّغم ممّا تعرّض له حزبنا من قتل وتشريد واضطهاد، إلاّ أنه صمد في ساحات المواجهة، وقاد جنبا إلى جنب مع بقيّة فصائل المقاومة، والملايين من أبناء شعبنا العراقيّ العظيم لطرد الاحتلال وإلحاق الهزيمة به، وهو اليوم بعد أن ضمّد جراحه وأعاد تنظيم صفوفه وفق متطلّبات المرحلة يواصل النّضال على جميع الجبهات وفي كلّ الميادين من أجل تحرير العراق من الغزو الإيرانيّ المباشر.
ولقد خاب ظنّ الأعداء، فالحزب الآن في العام الرّابع عشر من الغزو الأمريكيّ الفارسيّ وهو أقوى على المستوى الشّعبيّ داخل العراق وخارجه، وفي الوطن العربيّ الكبير، وأكثر تلاحما وتفاعلا حيث أدّت التّحدّيات غير المسبوقة التي واجهها وفي مقدّمتها حملة اجتثاث البعث إلى تعزيز بنيانه وتفعيل إرادته، واستنفار قواه، وقد حصل ذلك على قاعدة الحكمة التي تقول إنّ نيران الأزمات تُصلِّب عود القوى المناضلة بدلا من القضاء عليها.
الرفيق القائد عزة ابراهيم
الأمين العام لحزب البعث العرابي الاشتراكي

في التّحرّي والتّدقيق حول ماهيّة الرّفيق
أنيس الهمّامي / تونس

شاع استخدم مصطلح " الرّفيق " على الأفراد الذين يتوافقون على جملة من الأفكار والقيم وينتظمون في جماعات أو أحزاب أو هيئات مختلفة ويتقاسمون مجموعة من المبادئ التي يعتنقونها ويتعاهدون فيما بينم على التّمسّك بها والمحافظة والسّير عليها، كما يتشاركون في الرّؤية والتّحليل وقراءتهم للواقع حسب طبيعة الحلقة التي يتواجدون فيها سواء كانت فكريّة أو سياسيّة أو غير ذلك.
ولقد التصق هذا المصطلح حتّى يكاد ينحصر استخدامه في الأحزاب السّياسيّة وخاصّة اليساريّة والاشتراكيّة منها، فنجده شديد التّداول بين أعضاء ومنتسبي الأحزاب الماركسيّة والأحزاب القوميّة.
وبإحالة المصطلح على السّاحة العربيّة، فإنّنا سنجد له فيها مرادفات أو ما يقابله في الأحزاب الأخرى وعلى رأسها تلك الحركات الدّينيّة والأحزاب الليبرالية حيث يعوضّ فيها الرّفيق بالأخ، بل إنّ هناك أحزابا يمكن أن تسمّى بالعرضيّة أو الهامشيّة لكون لا ينبع وجودها من مشروع حقيقيّ يراد تكيسه على أرض الواقع، لا تورّع أعضاؤها عن إصباغ صفة " الزّميل " على بعضهم البعض.
إلاّ أنّه وفي الحقيقة، وفي عصرنا الرّاهن، فقد مصطلح الرّفيق مدلولاته وخبت قدسيّته وذهب بريقه للحدّ الذي غدا فيه مجرّد ترف تطغى عليه المجاملة حينا والتّملّق أحيانا والحسابات النّفعيّة أحايين أخرى.
فالرّفيق، سواء كان شخصا أو مصطلحا، هو في الضّمير النّضاليّ الثّوريّ ذلك المرء الذي يحرص طيلة حياته على البقاء أهلا لتلك الصّفة، فيسخّر ذاته وطاقاته وممتلكاته كافّة في سبيل الفكرة التي اعتنقها ويذود عنها وعن أهلها من رفاقه، ويبذل قصارى جهده في سبيل مزيد إشعاعها وتوسّع مداها وتألّق مغزاها، فيكون أوّل العاملين على تثبيتها وإبرازها في أبهى حللها وأصلب تمظهراتها وأجلّ رهاناتها، وهو أيضا متى تعلّق الأمر بالمصطلح شامة الأحرار وديدن الأصلاء وناموس المبدئيّين، وانضباط كلّي للفكرة والمشروع وما يضمن ديمومتها وتحقيق أهدافهما، واستعداد لا متناهي للتّضحية والفداء. 
بلى، قد يكون هذا التّعريف أو التّقديم موغلا في المثاليّة حتّى ليكاد يتّخذ منحى طوباويّا، إلاّ أنّ الصّرامة لازمة وضروريّة لأبعد حدّ في التّنصيص بمنتهى الوضوح والتّشديد على تحديد تعريفات الرّفيق شخصا ومصطلحا، وتتضاعف الحاجة للحزم الكبير في ذلك خصوصا متى تعلّق الأمر بتناول المسألة في البيئة العربيّة لتزداد المهمّة جسامة إذا كان المجال مخصّصا للأحزاب التّقدّميّة والثّوريّة ذلك أنّ المسألة القوميّة العربيّة على قدر كبير من التّعقيد ما يفرض على طلائعها ونخبها أعلى درجات الانضباط والصّلابة كشروط لا استغناء عنها ولا حياد لتحمّل مقتضيات مهامّها الثّوريّة ورسالاتها النّضاليّة الكفاحيّة الجهاديّة.
حيث وبالنّظر لما تعيشه الأمّة العربيّة من منعطف خطير وغير مسبوق في تاريخها كلّه، وحيث تتكالب عليها الأمم وتتهافت عليها طغمة الأعداء من كلّ صوب وحدب، وحيث تلامس علامات تخلّفها وأمارات وهنها ودلالات تردّيها وانسداد الآفاق فيها مرتبة مفزعة، فإنّ تخليصها ممّا تعانيه وتَوْقِيَتها وتحصينها من التّهديدات الجدّيّة التي تؤكّد كلّ المؤشّرات أنّها قد تنتهي بها للاضمحلال وللتّفكّك الشّامل والاندثار الكلّيّ، لهو مهمّة حصريّة لنخبها الطّلائعيّة الثّوريّة حصرا.
وتتوزّع هذه المهمّة المصيريّة وينقسم دورها العاجل إلى أقسام عديدة تكاد تشمل مختلف جوانب الحياة من الفكريّ إلى الاجتماعيّ فالاقتصاديّ والتّثقيفيّ مرورا بالتّربويّ والتّعليميّ وصولا إلى الكفاح المسلّح وهو أعلى مراتب النّضال وأبلغ الدّلائل وأقواها تعبيرا عن استمرار نبض الأمّة، ولا تفرض هذه الشّموليّة نفسها في تلك المهامّ من باب المبالغات في التّقدير بل إنّها تنبع من استحقاقات عاجلة لا تحتمل تسويفا ولا ترقّبا أو تهاونا، وانطلاقا من هذه الأرضيّة، يصبح بالتّالي المرونة والتّساهل في تحديد مقاييس الرّفيق مصطلحا وشخوصا خطأ جسيما وإضرارا بالمصلحة القوميّة من جهة وبأساسيّات العمل الثّوريّ ومطالبه بل ويرتقي للارتداد عن المهامّ الموكولة والمنتظرة من الرّفيق، وعليه يكون لزاما الإصرار على ضبط شروطه ومواصفاته ومعانيه ومدلولاته بمنتهى الإلزاميّة من جهة والدّقّة والتّقنين من جهة أخرى.
فمن نافلة القول وعطفا على ما تقدّم إنّ كل هذا الاعتناء بهذه الصّفة أو المفهوم " الرّفيق "، يتماهى مع متطلّبات المرحلة والمنعطف التّاريخيّ الذي تعيشه أمّتنا وهو بذلك يتجاوز الفنطازيا الاستعراضيّة واللّعب بالمفردات والمفاهيم والمصطلحات ويتعدّى حدود النّقاشات الفكريّة العقيمة متى لم تنبع من أرض الواقع ولم تلامس الإحداثيّات الزّمانيّة والمكانيّة ومتى لم ترتقي لتلبّي انتظارات الأمّة واستحقاقات الوطن وآمال الجماهير ورهاناتها لتخليصها من عاديات زمنها وقد بلغ من الجور ما لا طاقة لها بمزيد تواصله واستمرار نزيفه.
فطرحنا هذا، لا يمكن أن يٌقْرأ على أنه من باب التّنظير في شيء، ولا يقبل بالقدر ذاته أن يؤوّل على أنّه يهمّ حزبا أو مجموعة أحزاب بعينها.. بل إنّه ووفقا لتقديراتنا ولمراقبتنا الدّؤوبة للنّضال السّياسيّ في وطننا العربيّ وتقييمنا لأداء العمل الحزبيّ بشكل أخصّ وأوسع وأوضح، فلقد سجّلنا تراجعا شاملا على هذا الصّعيد يشي به تدنّي قيمة النّخب السّياسيّة وتردّي مؤهّلاتها فكريّا وثقافيّا وحتّى عسكريّا، وليس من المبالغة في شيء إن ادّعينا بل وزعمنا أنّ مقارنة بسيطة بين القيادات السّياسيّة في الوطن العربيّ لحدود أواخر سبعينات القرن الماضي وبين مثيلاتها فيما بعد ستبعث في دارسها فزعا وهولا ورعبا حقيقيّا.
إنّ الشّرط الأساسيّ والرّئيسيّ من شروط ارتقاء الإنسان لمرتبة المناضل ثمّ منها إلى الرّفيق هو أن ينذر نفسه للفكرة والمشروع النّضاليّ الثّوريّ الذي يحمل بين ظهرانيه واقعا وممارسات لا رئاء وادّعاء وتظاهرا، وأن يكون وفيّا للمبادئ متمسّكا بها عاضّا عليها بالنّواجذ وهذا ما يحتّم عليه أن يصبح شديد الانضباط والإخلاص والتّفاني في خدمة المجموعة، تلك المجموعة الصّغيرة أو النّواة التي ينطلق منها للمجموعة الأكبر وهي الجماهير في كلّ الحلقات، فلا تثنيه عن عزمه انتكاسة مرحليّة أو هبوط طارئ ولا تلين إرادته مهما ادلهمّت الخطوب واشتدّت الضّربات التي يتعرّض لها سواء في شخصه أو بيئته التّنظيميّة أوّلا ولا حتّى في بيئته المجتمعيّة  الجماهيريّة الواسعة ثانيا، كما يجب أن يلبيّ الواجب النّضاليّ ولا يتقاعس فيه بل أن يبادر ليكون مثال التّضحية والتّوثّب والتّحفّز الدّائمين، ولا ينبغي له بحال من الأحوال أن يغادر خصال الصّدق ومناقب الرّجولة والشّجاعة وسخاء النّفس والصّبر على الأذى والمشاقّ والمكابدة.
وهذا، ويبقى من بين أهمّ ما يجب أن يتحلّى به الرّفيق هو المواظبة المتواصلة على إبقاء جذوة الفكرة – العقيدة التي اقتنع بها وآثر الانخراط في هديها متّقدة وهّاجة وإعلاء رايتها وضمان توسّعها، ولا يكون ذلك إلاّ عبر التّقيّد الحرفيّ بالوسائل الكفيلة على تحقيق ذلك المبتغى، وهو ما يعني ضرورة الالتزام المسؤول والواعي والمتجدّد بمقتضيات وآليّات العمل التي انطلقت منها أساسيّات الفكرة تنظيما وتعاليم.. ذلك أنّه وبكلّ وضوح، سيكون من العبثيّة بمكان أن يدّعي أحدهم ههنا أنّ الفكرة يمكن أن تخلو من الضّوابط والأطر المؤدّية إلى ديمومتها وتطويرها وبسطها لمن يفترض أنّها جاءت لتغيّر واقعهم وتذهب آلامهم وتحقّق آمالهم وتدرأ عنهم المخاطر.
ومن خلال ما سبق، سيكون لزاما علينا التّأكيد على أنّ مصطلح الرّفيق لا يمكن أن يظلّ وساما يوشّح صدور كلّ من حمل الفكرة وحتّى من آمن بها لزمن مهما طال أو قصر، بل إنّ أعلى التّضحيات وأرقاها ليس بمقدورها أن تبقي على تلك الصّفة على من تخلّى عن مقتضيات الفكرة وغادر أطرها مهما كانت الأسباب والتّبريرات والظّروف.
فإذا سقط الالتزام والتّفاني في خدمة الفكرة والدّفاع عنها وصدّ ما يتهدّدها بقاء وتطوّرا واتّساعا وانتشارا، سقط ادّعاء الانتماء لها وما يترتّب عنه. ولا يعني هذا أنّ ذلك السّقوط أبديّ إلاّ في حالات الرّدّة أو الخيانة، حيث يمكن تداركه وتصويبه بمعالجة أسبابه وبواعثه معالجة صارمة وحاسمة، إلاّ أنّ التّدارك ليس مطلقا أو عشوائيّا ولا انتقائيّا أو مزاجيّا، بل إنّه مقنّن خاضع لضوابط دقيقة وتقاليد معروفة.
إنّ التّحرّي والتّدقيق في ماهيّة الرّفيق تأخذ بالاعتبار مدى التّمسّك بالفكرة ومقتضاياتها وحجم الدّفاع عنها والارتقاء والاعتزاز بها والذّود عنها، وهو ما يجعل المرء يٌخلع عنه مصطلح الرّفاق متى أدمن التّقاعس والتّكاسل وبثّ ما من شأنه ضرب الفكرة أو التّشكيك فيها وفي معتنقيها لغايات في نفس صاحبها، وهو شرف يحرم منه العاملون على خرق الصّفوف وتفريقها والإضرار بالجسم الملتفّ حول تلك الفكرة، ذلك أنّه لا يبرّر مجرّد اعتناقها لبرهة احتفاظ صاحبها باستحقاقات حملها إلاّ إذا تدارك وتجنّد لتصويب أخطائه ومعالجة أمراضه.
فالفكرة الثّوريّة غير منقطعة في الزّمان، ولا تحتمل الرّغبة بها حينا والرّغبة عنها أحيانا، ولا هي بمحتملة للفعل المناسباتيّ والعمل الموسميّ. إنّها عمل دؤوب وسعي حثيث لا تراخي فيه ولا تخاذل، وبقدر مرونتها وطابعها التّشاركيّ فهي صلبة شاقّة وحاسمة لا تلتفت في مسيرتها لمن تساقط منها أو اعتقد أنّه بمجرّد أن يتخلّف عنها فرد أو مجموعة أفراد أو تمرّدوا عليها، فسيخبو بريقها وستنتكس مساراتها، ذلك أنّها لا تحتاج من انضمّ إليها واقتنعوا بها بقدر ما يحتاجونها هم.
ولكن، لطالما طلعت علينا أصوات بصرف النّظر عن قلّتها أو كثرتها، من بين جنبات كلّ فكرة وإطار، تدّعي أنّها لا تتمرّد على هديها وإنّما تدعو لتنقيتها وتطويرها والرّقيّ بها وتكييفها مع متغيّرات الزّمان والمكان، ولكن كلّما سألهم من يشاركونهم تلك الفكرة أن يأتوا بزعمهم ويعرضوه للدّرس والتّصويب والإثراء والتّهذيب، أحجموا واتّهموا مطالبيهم بالتّكلّس والجمود وحبّ التّفرّد والتّعالي عن الإنصات للرّأي المخالف، ومثل هؤلاء إن تابعتهم وحرصت عليهم، نفروا منك وسعوا لحصارك واتّهامك بما ليس فيك، ليداروا حقيقة أنّهم غير صادقين في دعواهم ولا جادّين فيها، بل إنّ أفضلهم قد يقدّم لك طرحا مجترّا غثّا هزيلا سطحيّا ومسيئا لهم أيّما إساءة قبل الإساءة للفكرة ونواميسها وضوابطها.
فهل يجوز بعد هذا أن يَهِب كلّ من مرّ بخيمة الفكرة ومهما دام 

مروره بها، نفسة شارة القيادة والرّيادة والزّعامة نيشانا أبديّا؟

وهل بمسوّغ له أن يظلّ رفيقا للأبد؟ وهل يحقّ له أن يطمئنّ 

لقعوده وجحوده وتنكّره للفكرة بمجرّد أن يسوّق لذلك الفعل 

المذموم ويزوّقه ويحبّبه لبعض الضّعفاء والجبناء والمتكاسلين 

والنّفعيّين والمتضخّمة ذواتهم بلا استحقاق فعليّ؟




الثابت الزماني والمكاني في مبدأ تصدير الكراهية الإيراني
باباه ولد التراد/ موريتانيا


في زمن الخليفة العباسي المأمون ظهر في ولاية (مازندران) رجل فارسي اسمه "بابك "، من طائفة مجوسية
تدعى (خرميه) ، وكان هدفه الأساسي هو استعادة السلطنة الفارسية، وقد طفق هذا الرجل ينشر عقيدة التناسخ ، ويهدم قواعد الأخلاق من أساسها ، وعندما كثر أتباعه اعتصم في قلعة (بذر) المنيعة، وأخذ يغير في بعض الاحيان على القرى والبلاد المجاورة ويقتل الرجال ويأسر النساء، ويرتكب الفواحش، وينشر تعاليمه، وينفث سمومه بين العرب المسلمين لتجرئتهم على مخالفة أحكام الدين الإسلامي بغية أن تنحل الرابطة التي بين المسلمين، حتى لا يجد الساعون لإعادة المجد الفارسي أمامهم معارضين أشداء ، وقد استمر هذا الرجل عشرين سنة على هذا النهج القذر إلى أن تم القضاء عليه من طرف الخليفة المعتصم عام 223 ، لكن الخليفة لم يستطع أن ينزع ما بذره "بابك " واتباع الديانتين الفارسيتين "الزرادتشية" و"المانيشية " من الشرور في أفئدة العوام وضعاف النفوس.
 لذلك فقد ظهرت في  سنة 260 " جماعة القرامطة " كنبتة خبيثة من الجذور السامة التي غرستها الديانات السابقة والمذاهب الاثني عشرية والإسماعيلية ، حيث تشير أكثر المصادر إلى أنّ مؤسّس مذهب القرامطة حمدان بن الأشعث الملقّب بقرمط، دخل في بداية حياته في مذهب الإسماعيلية الباطنيّة ، وورث عن أبيه كره الإسلام وأمل القضاء عليه وتأسيس دولة فارسية على أنقاضه تقوم على أساس الدين المجوسي، وقد مكث القرامطة عهداً من الزمن يبثّون عقيدتهم الباطنيّة بين العوام والجهلة، فلمّا اشتدّ ساعدهم ووجدوا أنّ الفرصة سانحة للخروج على دولة الخلافة أعلنوا تمرّدهم وارتكبوا جرائم شنيعة ضد الإسلام وأهله ، وتوجوها بفعلتهم المنكرة  في عام 317هـ ، حين أغار القرامطة علي المسجد الحرام وقتلوا من فيه وسرقوا الحجر الأسود وغيبوه 22 سنة.
وفي هذه الفترة الحالكة من حياة الأمة نشطت جماعة أخرى "باطنية" خطيرة، تعتقد أن القرآن يحمل تأويلا باطنا لا يعلمه أحد غيرهم، وقد اختارت هذه الفرقة طريق الدسائس السرية وبذلت جهودا حثيثة لإحياء أساطير وخرافات قديمة تكتمها عن المبتدئين، وقد انتخبت لتنفيذ هذا المخطط (عبد الله بن ميمون بن القداح) الذي يعلم كنه الأخطار التي تظهر أمام من يريد نشر مذهب الباطنية، وكان عالمًا بمذهب (زرادشت)، ومن أشهر خطبه البذيئة ما يلي:  (إن المسلمين فتحوا بلادنا، وأزالوا دولتنا، إن الانتصار عليهم في الحرب والقتال أصبح مستحيلاً ، وإنما النافع في جهادنا لهم أن نقطع أواصر الاتحاد التي بينهم، ونشوش عليهم أمورهم، ونوقعهم في بحر الارتباك، فحينئذ ننال منهم ما نبغي: نحرف الإسلام بتأويل نصوصه، ونمجس المسلمين من حيث لا يشعرون ليخربوا بيوتهم بأيديهم , إذ بهذا وحده يمكن أن تدال الدولة للفرس ويعيدوا دينهم ودولتهم إلى سابق مجدها).
ومنذ أكثر من قرن ادعى حسين مرزا عباس المولود بنواحي "مازندران" بإيران، سنة 1233هـ النبوة، ثم أدعى الألوهية المطلقة، وزعم أن بهاء الله تجلى في وجهه، وأنه لذلك كان يسدل على وجهه نقابًا عندما كان يمشي في الطريق لئلا يرى الناس ذلك البهاء. تعالى الله عما يشركون. وزعم كذلك أن شريعة الإسلام قد نسخت بمبعثه في إيران، ولقب نفسه بالبهاء، وإليه تنسب طائفة البهائية التي انتشرت في أنحاء إيران والعراق، والعديد من الدول الأخرى، ومن أبرز كتب هذه الطائفة كتاب "الأقدس" الذي تعتقد هذه الجماعة الضالة أنه ناسخً للقرآن والتوراة والإنجيل، إضافة إلى كتابين آخرين هما الإيقان، وكتاب الألواح المباركة.
وبعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 عملت إيران بشكل مباشر على مبدأ تصدير الثورة إلى سائر الأقطار الغربية حيث يقول الخميني في الذكرى السنوية لانتصار الثورة 11/2/1980:(إننا نعمل على تصدير ثورتنا) ، وعندما تعذر على بلاده ذلك لأسباب كثيرة معقدة ومركبة ، من بينها الحرب مع العراق ، بدأت إيران تشعر بـ " العصبية والتوتر" ، وأنشأت تبعا لذلك منظمات ومليشيات  مهمتها الأساسية نشر الأفكار والمعتقدات الفارسية، واستخدمت لهذا الغرض أسلوب وطريق إيقاظ الجيوب الطائفية، ودفعها إلى التنابذ مع محيطها ، وعزلها اجتماعيا وثقافيا من جهة ، وإلحاقها سياسياً واقتصادياً بالمركز الإيراني ، من جهة أخرى، مع الحرص الشديد على عدم انسلاخ هذه الجيوب عن محيطها بشكل تام ، بما يتيح لها التأثير بشكل دائم في الدول التي تعيش داخلها، تحت غطاء المواطنة وحقوق الأقليات ، وذلك لكي تبقى إيران قادرة على التأثير داخل كل بلد من دون أن تضطر إلى المواجهة المباشرة المكلفة وغير الضرورية.
ومن أشد المظاهر وضوحا للمد الإيراني القيام بتشكيل مليشيا موالية لها وخلق زعامات ومرجعيات لتفكيك بنية الدول العربية مثل ما حصل في العراق التي احتلتها إيران عن طريق المليشيات التابعة لها وسوريا ولبنان اللتين يعيث فيهما حزب الله فسادا مع ما هو حاصل في اليمن، وما هو متوقع في الخليج العربي حيث بدأت الاصوات الطائفية هناك تعلو لدرجة الدعوة إلى الانفصال في مناطقهم خصوصاً في البحرين والكويت والمنطقة الشرقية من السعودية ، ولم تكتف إيران بالتحرك على المواقع التقليدية للشيعة داخل المشرق العري ، بل إنها توسعت غربا ، حتى وصلت المغرب الأقصى.
وبعد أن أصبح المذهب الرسمي لإيران هو المذهب "الشيعي الاثني عشري"، بوصفه مستودع ثقافتها وتقاليدها، ووعيا ذاتيا لقوميتها الفارسية وجسرا لدولتها الحديثة ، حيث ورد في الدستور الإيراني أن المذهب الجعفري الاثني عشري سيبقى هو المعتمد لأن المادة (12) "تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير" كما ينص على ذلك الدستور الإيراني. فإن الخميني قد طفق ينشر ويصدر معتقداته ويمليها على المسلمين ويزرع بواسطتها الفتن وذلك من خلال كتبه التي زادت على الخمسين مؤلفًا عجت كلها بالكراهية والزيغ، حيث يقول في كتابه كشف الأسرار، ص (123) :
" إننا لا نعبد إلهًا يقيم بناءً شامخًا للعبادة والعدالة والتدين، ثم يقوم بهدمه بنفسه ، ويُجلِس يزيد ومعاوية وعثمان وسواهم من العتاة في مواقع الإمارة على الناس، ولا يقوم بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبيه ".
كما أنه يقول في كتابه  "الحكومة الإسلامية "، ص (52) "إن للإمام مقامًا محمودًا، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل "، وهذا يعني أنهم يعتقدون أن أئمتهم أفضل من الرسل ، كما أنه تلميح واضح إلى تأييد ما قال شاعرهم:
ضل الأمين وصدها عن حيدر   تالله ما كان الأمين أمينا
وبما أن هذا يعتبر غيضا من فيض، فإنني سوف أكتفي بالاقتباسين السابقين فقط، احتراما لديننا الإسلامي، ولمشاعر القارئ الكريم الذي أعلم أنه لا يحب حديث الذين يؤذون الله ورسوله.
ومع أن مبدأ تصدير الثورة مرفوض ـ على الأقل من طرف الغالبية السنية. فقد اعتمدت إيران الأساليب الصفوية لفرض التشيع ، والتعامل بوحشية مع أهل السنة حيث أنشأت حدود العداء بين الشيعة الإثني عشرية والسنة على الرغم من أن الخلافات الفقهية موجودة منذ زمن بعيد ومعترف بها من قبل كلا الطرفين .
وبذلك أصبح لا يوجد من هو أشد بغضا وكراهية لمذاهب أهل السنة وعلمائهم من الشيعة بعد بغضهم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي مدينة كاشان الإيرانية وعلى غرار الجندي المجهول يوجد قبر وهمي لأبي لؤلؤة الفارسي المجوسي قاتل عمر بن الخطاب ،  حيث أطلقوا "باب شجاع الدين" على أبي لؤلؤة لقتله الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، وقد كتب على جدران هذا المزار الموت لأبي بكر الموت لعمر الموت لعثمان ، ومعلوم أن الفاروق فتح بلاد الفرس ، وكسر شوكتهم في معركة القادسية أثناء الفتوحات التي حصلت في عهده ، لذلك فليس من الغريب حسب رؤية الحاقدين إذا كان الإيرانيون يحتفلون في 9 ربيع الأول من كل سنة بمقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على طريقتهم الجبانة ، حيث يصنعون دمية يسمونها عمر ثم يتم لعنها وطعنها ثم إحراقها.
وإذا كانت الحرب التي شنتها إيران على العراق سنة 1980 بعد عام فقط من قيام الثورة الإيرانية ، قد تعد بحسب البعض واحدة من أهم نتائج تصدير الثورة ، التي اعتبرها العرب تخريبا لبنيتهم الاجتماعية لما في المد الإيراني من بعد طائفي خطير ، حيث ظهرت بعض القضايا التي لم تعرفها المجتمعات العربية من قبل كتعبير السني والشيعي ، إلا أن هذا المد الإيراني في تلك الفترة لم يكن على ما هو عليه الآن من القوة ، لأن قادسية صدام حسين شكلت عملياً جدارا قوياً في طريق هذا المد ، مع وقوف بعض القوى التي تشتكي اليوم من الخطر الصفوي ، إلى جانب إيران في ذلك الوقت .
ونظرا إلى أن الخميني يرى أن التعامل والتعاون مع أعداء الإسلام واجب إذا كان في ذلك مصلحة لمذهبه ، واستشهد في هذا المجال ببطولات الوزيرين ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي !، اللذين تعاونا مع "هولاكو" من أجل احتلال بغداد وتدميرها سنة 1258م، فإن إيران قد تعاونت وتعاملت مع إسرئيل وتلقت منها الكثير من الدعم خلال الحرب العراقية الإيرانية ،حيث اتضح أن حجم مبيعات السلاح الاسرائيلي لإيران وصل إلي عدة بلايين من الدلارات ، عندما انكشفت فضيحة "إيران غيت " سنة 1986  .
وقد كانت المعلومات عن هذا الجانب شحيحة قبل أن ينشرها الكولونيل "أوليفرنورث "مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض والمسؤول الأول في ترتيب التعاون العسكري بين إسرائيل وإيران في مذكراته الصادرة سنة 1991 بعنوان " تحت النار".
كما أن دراسة أعدها مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية حول تاريخ العلاقات “الإيرانية– الإسرائيلية”   أكدت أن التعاون بين العدوين اللدودين للعرب ظل قائما بعد قيام ثورة الملالي في العديد من المجالات ، أهمها التسلح حيث كانت إسرائيل المصدر الأول لسلاح إيران في الفترة من 1980 إلى 1985، مع أن الروابط الاقتصادية لم تتوقف بين البلدين ، حيث تستورد إيران من إسرائيل بصورة غير مباشرة قطع غيار للمعدات فيما تستورد إسرائيل النفط الإيراني بطريق غير مباشر من أوروبا.
ويؤكد الكاتب الأمريكي بارسي في كتابه " التحالف الغادر": أن الاتصالات المكثفة لإسرائيل مع الجيش الإيراني هي التي مهدت الطريق لإسرائيل لتنفيذ ما عرف باسم "عملية أوبرا" التي تمت في يوم 7 تموز 1981، حيث قام سرب من ثماني طائرات إسرائيلية من طراز  F-16S وست مقاتلات من طراز F-15S، وكان الهدف من هذه العملية هو تدمير المفاعل النووي العراقي الذي يعمل بالبلوتونيوم،  وبفضل الصور والخرائط الإيرانية التي قدمتها لإسرائيل عادت جميع الطائرات سالمة إلى دولة الاحتلال ، وفقًا لصحيفة صنداي تليجراف في لندن، حيث كان ذلك قد تمّ التنسيق له قبل شهر واحد بين مسؤول إسرائيلي كبير وبين ممثل للخميني في اجتماع عقد في فرنسا.
وفي هذه الأثناء انكشف إلى حد بعيد تصدير السلاح الإسرائيلي إلى إيران ففي 18 يوليو1981 أسقط الاتحاد السوفيتي أنذك طائرة أرجنتينية تابعة لشركة “أروريو بلنتس”، وهي واحدة من سلسلة طائرات كانت تنتقل بين إيران وإسرائيل محملة بالكامل بأنواع السلاح وقطع الغيار، تنقل خلالها 360 طنًا من الأسلحة الإسرائيلية يتطلب شحنها 12 رحلة.
وإلى جانب تزويد إيران بالسلاح في حربها مع العراق أبرمت 

"إسرائيل" صفقة تسمح للفنيين "الإسرائيليين: بتدريب الجيش

الإيراني في إعادة تجهيز إيران لوجستيًا، وتأمين العتاد وقطع

الغيار للأسلحة الأمريكية الصنع التي لدى إيران، ويوضح الكاتب 

الأمريكي بارسي أن بعض المستشارين الإسرائيليين زاروا جبهة 

القتال الإيرانية ليقيموا القدرات والحاجات التي لدى الجيش

الإيراني.



البعث حركة عقائدية
هاجر دمق /تونس


والعقيدة هي حصيلة الدراسة العلمية للتاريخ للقوى الفاعلة فيه، وصاحب العقيدة مضطر إلى أن يطور عقيدته ـ أي قوانينه ـ مع تطور التاريخ.
1- فالبعث عقائدي، ولكنه ليس مذهباً جامداً.
البعث ينطلق من أن العالم بشكل عام والتاريخ بشكل خاص حركة دائبة.
والحركة هي نتيجة تصارع قوى، وليست مجرد تصاعد مستمر.
2-  البعث حركة نضالية:
نضال البعثي نابع من وعيه للتاريخ، ومن كونه قوة فاعلة فيه، لا متفرجاً على أحداثه.
ونضاله عقائدي، بمعنى أن نضاله ليس أعمى، بل يسترشد بتجارب الإنسان الماضية، فيدرك غايات نضاله، ويدرك وسائل نضاله، ويستعملها، والنضال عندهم يعمّق معنى العقيدة ويوضّحها ويطوّرها.
وواجب الحزب الأول تنظيم الشعب، وتعبئته حول العقيدة التاريخية السليمة، واستنفار قواه وتحريكها ثورياً من أجل المشاركة الفعالة في الثورة.
3-  البعث حركة ثورية:
الثورة هي رفض لوضع، وانفتاح على نقيضه.
والثورة تستهدف بناء مجتمع عربي موحد، تسوده علاقات اجتماعية تقدمية، ويختفي فيه الاستغلال الطبقي، وتتفتح فيه طاقات الجماهير.
من خلال ثورتها على وضع تاريخها تحقق ثورة في ذاتها، فتحقق ذاتاً جديدة، مبدعة خلاقة، منصهرة في حركة التاريخ.
4-  البعث حركة جماهيرية:
كل ثورة لا تكون الجماهير أداتها ثورة ناقصة ثورة فوقية.
كل ثورة لا يكون الجماهير غايتها ثورة محرفة ثورة كاذبة.
5-  البعث حركة قومية:
في النضال ضد الاستعمار الواضح الهوية يجب أن تتضح هوية المناضل.
يؤمن بوحدة الأمة، ووحدة اللغة والتاريخ والأرض كانت الأساس الذي بنيت عليه وحدة الأمة العربية.
6-  البعث حركة اشتراكية:
الاشتراكية مصير حتمي.
الاشتراكية ليست مجرد نظام اقتصادي يتحقق في مستقبل الأيام، إنها قبل ذلك وعي على القوى الفاعلة في المجتمع، ووعي على مكان هذه القوى من المعركة القومية.
الإيمان بالاشتراكية إذن ليس إيماناً بالمستقبل، بل هو إيمان اليوم، إيمان في قلب المعركة.
7- البعث حركة إنسانية:
البعث حركة عربية لا عالمية، قومية لا أممية، ولكنه حركة تقدمية، ترفض الاستعمار، والتخلف فكرياً ونضالياً.
لذلك فالبعث يعي معنى التحالف الطبيعي بينه وبين جميع قوى الثورة والتقدم والاشتراكية في كل أنحاء العالم.
8- البعث ثورة شاملة:
الهدف الأساسي للبعث هو تحريك قوى التاريخ التقدمية في الوطن العربي تحريكاً ثورياً يحقق من خلال النضال ضد الاستعمار والتجزئة والتخلف.
خلق أمة عربية واحدة تضمها دولة عربية واحدة، في مجتمع اشتراكي متقدم، تستعمل فيه الجماهير كل طاقاتها، وتتمتع بحرياتها.
ومن هنا كان شعار البعث: وحدة، حرية، اشتراكية.
وملخّص عقيدة حزب البعث ما يلي:
1- يجعل حزب البعث الاشتراكية ديناً، والعلمانية اللادينية مسلكاً ومنهجاً.
2- يجعل حزب البعث الرابطة بين العرب رابطة الدم والقرابة واللغة والتاريخ والأرض، ويلغي تماماً رابطة الدين والتقوى بحجة أنها تمزق الأمة.
3- يدعو الحزب إلى تحرير الإنسان العربي من الرجعية والخرافات والغيبيات، ويريدون بذلك الإسلام.
4- يرى حزب البعث أن الحركات الإسلامية والمؤسسات الإسلامية والشخصيات الإسلامية والتي تدعو إلى تطبيق شرع الله والدول التي تحكم بالإسلام عقبات يجب التخلّص منها من أجل بناء المستقبل العربي.
5- يرى حزب البعث أن الوحدة العربية حقيقة حتمية لا بدّ من تحقيقها بالانقلاب والثورة والعدوان العسكري، والاحتواء التنظيمي للشخصيات السياسية والعسكرية المؤثرة، أو الشخصيات ذات النفوذ الثقافي والمكانة الثقافية، وبناء على حتمية الوحدة العربية عنده فإنه يرى أن الوحدة الإسلامية حلمٌ وهراء، وأسلوب عدائي ضد القومية العربية.
6- يرى حزب البعث أن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم وشخصياته البارزة إنما هم شكل من أشكال التعبير عن القومية العربية.
7- يرى حزب البعث أن الإسلام مجرد قيم روحية وشعائر عبادية لمن أراد ذلك.
8- يقول حزب البعث: إن العروبة هي ديننا نحن العرب من مسلمين وغيرهم؛ لأن العروبة وجدت قبل الإسلام والمسيحية، ويجب أن نغار عليها كما يغار المسلمون على قرآن محمد، والنصارى على إنجيل المسيح.
9- يترسم حزب البعث الخطوات الماركسية في الأفكار والممارسة، والخلاف بينهما أن الماركسية أممية، وأما البعث فقومي، وما عدا ذلك فإن الأفكار الماركسية تمثل العمود الفقري في فكر الحزب ومعتقده.
10- يرى الحزب أن الحدود بين أجزاء البلدان العربية يجب أن تزول، وتقوم دولة العرب الواحدة بحكومة واحدة على أساس بعثي، وعلى قيادة علمانية.
11- كان الحزب ولا يزال واجهة انضوت تحته كل الاتجاهات الطائفية المعادية للإسلام درزية ونصيرية وإسماعيلية ونصرانية، وأخذ هؤلاء يتحركون من خلال حزب البعث بدوافع باطنية، يطرحونها ويطبقونها تحت شعار الوحدة والحرية والاشتراكية والقومية والثورية والتقدمية.
12- لافتة حزب البعث هي: "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، ويعنون بالرسالة الخالدة أن الأمة العربية ذات رسالة تظهر بأشكال متجددة متكاملة في مراحل التاريخ، وأنه مرة عبّرت عن نفسها بشريعة حمورابي، ومرة بالشعر الجاهلي، ومرة بعبقرية محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الإسلام لا يعدو أن يكون نبتة ظهرت في أرض القومية العربية.



أيّها الرّفاق المناضلون
لقد خرجت عقيدة البعث الإيمانيّة التّقدّميّة التّحرّريّة الإنسانيّة من بين أمواج الأعداء المتلاطمة لأنّها فهمت النّاس وطبائعهم وخصوصيّاتهم وتقاليدهم وأعرافهم وقيمهم، ولبّت احتياجاتهم وعبّرت عن تطلّعاتهم وفي مقدّمتها الإيمان بالله الواحد الأحد، وحتميّة تحقيق العدالة الاجتماعيّة لكلّ الناس دون تفريق وتمييز وإنهاء كلّ أشكال الاستغلال والتّمييز الطّبقيّ والعنصريّ والدّينيّ والطّائفيّ وإنهاء التّفرّد والتّكبّر والتّعالي إلى الأبد.

الرفيق القائد عــزة ابراهيم
الأمين العام لحزب البعث العرابي الاشتراكي





*العوده الى الفكر*
(ثورية وانقلابية البعث بريئه ومتبرأه من''ثورات وانقلابات الفوضى الخلاقه الاستعماريه الشعوبيه الرجعيه''!!)-١


جمال علي عبد المغني/اليمن


على افتراض انها (ثورات حقيقيه)وعلى افتراض انها جاءت (من اجل تغيير الواقع الفاسد) كما يقول اصحاب ثورات الفوضى الخلاقة انفسهم بأنهم جاءوا بثورات من اجل تغيير الواقع الفاسد!!
فإنه مع هكذا افتراضات تظل هذه الثورات بعيده وغير متطابقة بل ومتناقضة مع مفهوم الثورة والانقلابية (التغيير) الذي يحمله وآمن به البعث!!
مشكلة بعض الرفاق انهم عاطفيون بالبعث اكثر من كونهم اصحاب عقيده ! واصحاب سياسه اكثر من كونهم اصحابهم رساله!! ودعاة ''تغيير'' اكثر من كونهم انقلابيون!!
مشكلتنا اليوم هي الابتعاد عن الفكر -كما في حالة النظام الداخلي-!!لم نعد نقرأ كثيراً لم نعد نتزود من ادبيات وفكر البعث ما ينقذنا من الانحطاط السياسي والتناقض بين الفكر والممارسة!
لم نعد نقيد انفسنا بخطوط البعث  العريضة!
-البعث يا هؤلاء يجُبّ ما قبله من الافكار ويحجب ما سواه منها!!
البعثية هي ايمان والتزام..
البعث هو ما وقر بالقلب وترجم بالفعل وصدق بلسان البعثي!
البعثية هي التقيد بخط الفكر وليس خط السياسة!
البعثية هي ثوابت وليست متغيرات....الخ
••الاحظ من خلال بعض النقاشات هنا وهناك خلط مفاهيم غريبه مع قاموس البعث خصوصا مسألة (التغيير)لابأس اننا نتحدث ونكتب عن التغيير وفق التعبير الدارج في كثير من المناسبات لكن لايجوز اطلاقا ان لانعرف معنى ومفهوم التغيير بعقيدة البعث والذي لن يكون غير(الانقلاب)!!
••استطاع الاستعمار ان يفرض من (قاموسه الثوري) المعاكس والمضاد ما يغير ويحرف به المفاهيم لكن من الطبيعي ان يكون البعثي ذو حصانه مبدأيه بما يحمله من افكار وادبيات لا يمكن ان ينخدع (بثوره وتغيير) خارج حدود بل ومناقض لثوريته وانقلابيته التي يفترض بل ويجب ان تكون من بدايات تشكيل قناعه فكريه للانتماء الى البعث!!
لذا لابد ان نعود الى الفكر للتزود منه والتحصن به ورفع الوعي الانقلابي!! خصوصا بعض المفاهيم التي تستهدف اليوم ويجاريها للأسف بعض رفاقنا البعثيين بلا(استقلال ايديولوجي)ومنها الانقلاب-الثورة-ولو برؤوس اقلام للتذكير بها وبأهمية العودة الى الفكر!!
*١-الانقلاب:-*
التغيير في البعث لن يكون الا الانقلاب وبمفهومه والانقلابية بالبعث *هي التغيير الحاسم في مجرى الحياه*
*الانقلاب هو اليقظة الحقيقية يقظة الروح العربية*
*الانقلاب هو الطريق الى الغاية المنشودة لكنه ليس طريقا من بين الطرق بل هو الطريق الوحيد اما ان تعيش الامه العربية على الانقلاب او تعيش على الانحطاط*
-ينظر البعث لنفسه ولانقلابيته ان يخلق *امة الانقلاب قبل ان يحقق انقلاب الامه*
ثمة مسألة اخرى تتعارض-بعثيا-مع دعاة التغيير السطحي-والمتضامنين البعثيين معها للأسف- حيث ان نظرة البعث الجذرية تعتبر الانقلاب *من اجل بناء مستقبل جديد يختلف عن الحاضر اختلافا جوهريا واذا كانت معالم التغيير مرسومه من الماضي فإنه يكون (رجعه)اي رجعيه!!*
لنعود الى الافتراضات السابقة ولنثبت نقضها من فكر البعث فمن يدعون انهم جاءوا لتغيير الواقع الفاسد ها هو الرفيق القائد المؤسس رحمه الله يرد عليهم بقوله *(نناضل ونكافح الاوضاع السياسية والاجتماعية الزائفة والفاسدة لأمن اجل ازالتها وتبديلها بل لكي تعود للأمه وحدتها في هذا النضال!!)*
*(نحن لا نحارب الاوضاع الراهنة لأنها فاسده فحسب بل نحاربها لأننا مضطرون ان نحارب ولابد ان نحارب ولابد للأمه ان تستكشف في نفسها بقايا القوى الصادقة وان تستخرج من اعماقها كنوز الحياه الكامنة)*
التغيير-الانقلاب-في عقيدة البعث لا يعتبر الخلل والنقص هما بالدولة فحسب فالدولة هي آلة-جهاز-جسم لا روح فيه وحتى لو تم ازالة الحكومات الفاسدة وجاءت مكانها حكومات قوميه او قويه غيورة على المصلحة فإن الانقلاب لن يتحقق لإن التبديل السطحي لا يمس الروح!!
-ينظر البعث الى التغيير بأنه *(معالجة امه)* وما كل النواقص التي تعتري الدول والأنظمة الا نتيجة النقص الاساسي في حياة الأمه!!
••ثمة من يتباهون ايضاً انهم اكثريه دايما عند وفي (ثوراتهم)!ويدعون الى الاصلاح والتغيير على اساس اكثريتهم وهذه لوحدها تكفي ان تكون تناقضا مع البعث
*فمن خصائص المرحلة الانقلابية ان تكون قيادة المرحلة الثورية بيد الأقلية لأنه لو كانت اكثرية الشعب قادره على وعي مشاكلها وتنظيم صفوفها واحداث التغيير لما كانت الامه بحاجه الى انقلاب!!*
-من جهة اخرى فالحركة الانقلابية هي نقيض الحركة الإصلاحية التي يرفض اصحابها كل تغيير وتبديل عميق!!
..... يتبع!

 القومية العربية أو العروبة في مفهومها المعاصر

 د. اياد حمزة الزبيدي/ العراق

القومية العربية أو العروبة في مفهومها المعاصر هي الإيمان بأن الشعب العربي شعب واحد تجمعه اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافية والمصالح وبأن دولة عربية واحدة ستقوم لتجمع العرب ضمن حدودها من المحيط إلى الخليج.
إيمان العرب بأنهم أمة قديم وربما من الصعب معرفة بداياته فكان يظهر افتخار العرب بجنسهم في الشعر العربي، وفي عهد الإسلام تجسدت القومية بشعور خلال العهد الأموي.
في العصر الحديث جسدت هذه الفكرة  بأيديولوجيات مثل الحركة الناصرية وحزب البعث الذين كانا الأكثر شيوعاً في الوطن العربي خصوصاً في فترة أواسط القرن العشرين حتى نهاية السبعينيات  والتي تميزت بقيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا وشهدت محاولات وحدوية أخرى كثيرة. اكتسبت القومية العربية مداً جديداً شعبياً نتيجة ثورات الربيع العربي وظهور تيار شعبي يدعو لوحدة عربية يقودها الشعب وليس الأنظمة المتسلطة التي ركبت موجة القومية دون أن تنجز شيئاً يذكر في هذا الاتجاه.
يؤمن القوميون العرب بالعروبة كعقيدة ناتجة عن تراث مشترك من اللغة والثقافة والتاريخ إضافة الى مبدأ حرية الأديان.
    الوحدة العربية هدف القوميين العرب:
تعريف الوحدة العربية والذي ساد في حقبة الستينيات وحتى الثمانينيات كان يتبنى الوحدة الاندماجية وبعد فشل الأحزاب والقادة الذين رفعوا شعار الوحدة الاندماجية بات القوميون يطرحون مفهوماً جديداً للوحدة العربية يعتبر قريباً من المشروع الأوربي  أي الدعوة للانصهار في كتلة ذات سياسة خارجية موحدة وذات ثقل اقتصادي كبير يقوم على التكامل الاقتصادي والعملة الموحدة وحرية انتقال الأفراد والبضائع بين الأقطار المختلفة بالإضافة لتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك للوصول إلى اتحاد عربي مع المحافظة على خصوصيات اجتماعية أو ثقافية قد توجد في بعض المناطق العربية.
التسمية :
يجري اصطلاحاً استخدام العروبة بمعنى مرادف للقومية العربية لكن هناك من يقول بالفرق بين العروبة والقومية العربية. وهناك من ينادي بفك الازدواج بين العروبة والقومية العربية للمساعدة في توضيح المقصود من حيث المعنى اللغوي والسياسي ومن هؤلاء الكاتب حسن العلوي حيث وصف العروبة والقومية العربية بالتوأم الوهمي.
فالعروبة انتساب إلى العرب وتعني فقط الانتساب المجرد عن المعنى السياسي فمن الممكن للإسلامي  أن يكون عروبيا وللماركسي أن يكون عروبيا لأن العروبة مجردة من المعنى السياسي  فهي شعور  بالانتماء لا أكثر.
أما القومية عند البعض فتعني القوم  المنحدرين نسباً من صلب جد واحد ومع التطور التاريخي انسلخ مصطلح القومية عن جذوره اللغوية فأصبح معناه قريبا من معنى الأمة وأصبح ذا دلالة سياسية .
افتخار العرب بنسبهم في الشعر:
برز اهتمام العرب وتفاخرهم بنسبهم في الشعر والأدب. ومن الأمثلة على ذلك ما ورد على لسان جرير :
سيروا بنى العم فالأحواز منزلكم ... ونهر تيري فلم تعرفكم العرب
وفي العصر العباسي اشتهر بيت البحتري :
نحن أبناء يعربٍ أعربُ الناس  لساناً وأنضرُ الناس عوداً
وهو من أشهر ما كتبت العرب في افتخارها بنسبها.
رافق الاعتزاز بالعروبة الحركات الوطنية الهادفة للانعتاق من الاستعمار  ومن الأمثلة ما قاله الشيخ أحمد الشارف محمسا الليبيين ضد الاستعمار الإيطالي :
لا غروَ أن يـدَّعـي اللـيبـــــــــيُّ أن له
مـا للعـروبة مـن مـجـدٍ ومـــــــــن حسب
لـديـه مـن لغة القــــــــــــرآن معجزةٌ
تلـوح كـالـدرّ والـيـاقـوت والـذهــــــب   
العرب ما قبل الإسلام:
اعتز العرب قبل الإسلام بنسبهم  وانتمائهم وآدابهم وخاصة الشعر.
صدر الإسلام:
كان حمل العرب لرسالة الإسلام أعظم حدث مر في تاريخهم  وهو ما جعلهم أمة متحدة ذات توجه واحد وكيان سياسي موحد بعد أن كانوا قبائل تقتتل فيما بينها وتدين بالولاء لإمبراطوريات تسيطر على الأجزاء الشمالية من الوطن العربي آنذاك وهما الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية .
كان فضل العرب في الإسلام واضحا وهناك أحاديث شريفة كثيرة (ولو أن بعضها ضعيف) تقول بفضل وافتخار النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأصله ونسبه. وفي هذا  يلخص الشيخ محمد صالح المنجد هذا الرأي في موقع الإسلام سؤال  وجواب  رأي شيخ الإسلام ابن تيمية:
" الذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم وسريانيهم، رومهم وفرسهم ، وغيرهم . وأن قريشا أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم، فهو أفضل الخلق نفسا وأفضلهم نسبا.
أفرد علماء كثر كتبا خاصة تتحدث عن فضل العرب ونذكر منها " فضل العرب والتنبيه على علومها " للإمام ابن قتيبة، و "محجة القرب في فضل العرب" للإمام العراقي  و "مسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب" للشيخ مرعي ألكرمي و"خصائص جزيرة العرب" للشيخ بكر أبو زيد.
ويلخص الشيخ محمد صالح المنجد هذا الرأي في موقع الإسلام سؤال وجواب:
"ومن المقرر أيضا في السنة النبوية أن العروبة مفضلة على غيرها من الأجناس، فقد اختار الله سبحانه وتعالى النبي محمدا صلى الله عليه وسلم من العرب وجعل القرآن –الذي هو الرسالة الخالدة– عربيا، واتفق أهل السنة والجماعة على أفضلية العروبة على غيرها من الأعراق والأنساب " .. ويضيف: فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وضع ديوان العطاء كتب الناس على قدر أنسابهم  فبدأ بأقربهم نسبا إلى رسول الله صلى عليه وسلم  فلما انقضت العرب ذكر العجم هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين  وسائر الخلفاء من بني أمية وولد العباس إلى أن تغير الأمر بعد ذلك ".
منذ القرن التاسع عشر:
مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين أو عصر القوميات كما يسميه البعض أصبحت القومية العربية القوة السياسية الأولى والمحركة للجماهير  في بلاد الشام والعراق.
 يقظة العرب الحديثة (وصعود القومية العربية):
بدأ بفترة الجمعيات الأدبية والعلمية أي من سنة 1847 إلى 1868.  كانت العودة  القوية للقومية العربية في القرن التاسع عشر ردة فعل على سياسة جمعية الاتحاد والترقي القمعية للعرب والتي عملت على تتريكهم وإخفاء وجودهم الثقافي. في ظل فشل الرابطة الإسلامية والقمع المتزايد  والأزمات الاقتصادية، التف عرب المشرق حول القومية العربية للانعتاق من النفوذ التركي. " في مطلع القرن العشرين كانت كل أقطار الوطن العربي تحت سيطرة الاحتلال الأوربي ما عدا أقطار المشرق، فقد كانت ما تزال أجزاء منه ضمن دولة الخلافة ولم تلبث الحركة القومية التركية (الطورانية) ممثلة في قيادتها (جمعية الاتحاد والترقي) أن ألغت فعليا دولة الخلافة  من حيث هي دولة مشتركة بين أمتين العربية والتركية  وحولوها إلى دولة تركية تحكم العرب وتحاول سلب خصائصهم  القومية بتتريكهم، وحيث بدأ الهجوم بدأت المقاومة وبدأ الدفاع عن القومية العربية حيث بدأ الهجوم على القومية العربية.
كان من رواد حركة القومية العربية مفكرون عرب من أمثال: قسطنطين زريق وساطع ألحصري والأستاذ المفكر الرفيق المؤسس أحمد ميشيل عفلق  وعبدالرحمن عزام ومحمد عزة دروزة  وزكي الارسوزي. وقد تجلت القومية العربية في أوجها بالثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف  حسين من مكة لكن الآمال المعقودة على الحصول على دولة الوحدة تقوضت بأسرها بعد عقد فرنسا وبريطانيا اتفاقية سايكس – بيكو والتي قسمت إرث الدولة العثمانية وبخاصة المشرق العربي .  
البدايات الفكرية في العصر الحديث ..
 أول إرهاصات القومية العربية كانت في بلاد الشام بعد حملة محمد علي  والتدخل الأوربي الذي تبع ذلك . في البداية كانت مطالب القوميين العرب محدودة بالإصلاح داخل الدولة العثمانية ، واستخدام أوسع للغة العربية في التعليم والإدارات المحلية وإبقاء المجندين العرب في وقت السلم في خدمات محلية . طرأ تشدد على المطالب إثر ثورة عام 1908 في الآستانة وبرنامج التتريك الذي فرضته حكومة جمعية الاتحاد والترقي (والمعروفة بتركيا الفتاة).
إلا انه حتى ذلك الوقت لم يمثل القوميون العرب تياراً شعبيا يعتد به حتى في سوريا معقلها  الأقوى آنذاك فمعظم العرب كان ولائهم لدينهم أو طائفتهم أو قبيلتهم أو حكوماتهم المحلية. 
عقائد الجامعة  العثمانية والرابطة الإسلامية  كانا منافسين قويين للقومية العربية :  كانت أبرز الحركات القومية آنذاك متجسمة في جمعيات ومواد مثل جمعية العربية الفتاة  والجمعية العلمية السورية والمنتدى الأدبي والجمعية القحطانية  وجمعية العهد وغيرها .
في عام 1913 اجتمع بعض المفكرين والسياسيين العرب في باريس في المؤتمر العربي الأول.
وتوصلوا إلى قائمة من المطالب للحكم الذاتي داخل الدولة العثمانية وطالبوا كذلك ألا يُطلب من المجمدين العرب في الجيش العثماني أن يخدموا خارج أقاليمهم إلا في وقت الحرب.
تزايدت المشاعر القومية خلال انهيار السلطة العثمانية. ساعد القمع العنيف للجمعيات السرية في دمشق وبيروت من قبل جمال باشا وإعدامه للكثير من الوطنيين في عامي 1915 و 1916 على تقوية المشاعر المضادة للأتراك. وفي نفس الوقت قام البريطانيون كمن جانبهم بتحريض حاكم مكة الشريف حسين على الثورة العربية خلال الحرب العالمية الأولى ز هزم العثمانيون ودخلت القبائل العربية الموالية لفيصل ابن الشريف حسين دمشق عام 1918. حينها شهدت القومية العربية أولى محاولاتها لإقامة المملكة العربية بقيادة الملك فيصل الأول.
يعتبر عزيز السيد جاسم أن رسالة الفكر القومي العربي هي مواصلة النمو والتطور والحماية من الركود والتخلف والتراجع. كان مسيحيو سوريا أكثر تحرراً من زملائهم المسلمين في النظرة إلى طبيعة الدولة الحديثة فلم يكن  لديهم هذا الالتباس مع الإسلام وهذا ما تجلى في فكر بطرس البستاني  واليا زجي وأسهمت الأحداث الطائفية في لبنان وسوريا (1860-1861) بالانتماء ألمواطني على أساس القومية بعيداً عن التعصب الديني او المذهبي .
شكل منتصف القرن التاسع عشر بداية واضحة للضعف العثماني  فقد خسرت تركيا الحرب مع روسيا  واقتحمت فرنسا عددا من ولاياتها . بدأت الحركات القومية الانفصالية في بلد اليونان ووقع المغرب العربي تحت الاحتلال الفرنسي  وانفصلت مصر عن الدولة وشهدت بلاد الشام العديد من الانتفاضات الشعبية الفلاحية والحرفية . بدأت حركة من الإصلاحات داخل تنظيمات الدولة بهدف مواجهة هذه التحديات.
جاء الفكر القومي منذ لحظته التأسيسية ردة فعل على انهيار الرابطة الإسلامية نتيجة الأزمة الحضارية الشاملة للإمبراطورية العثمانية وصعود الأفكار والمشاريع القومية خصوصا في الجزء الأوربي من تلك الإمبراطورية قبل أن يفكر العرب في إيجاد الأطروحات والمسوغات الفكرية لمشروعهم القومي. لم يفكر العرب بداية في الانفصال عن الدولة العثمانية حيث سبقت  الحركة القومية حركة إصلاح  اتجهت إلى إنقاذ الإسلام السياسي من التخلف الذي ظهر في المواجهة مع الغرب (حركة التنظيمات). حاولوا أن يبلوروا هويتهم القومية من اجل تحسين سبل المشاركة مع العثمانيين بوصف العرب أصحاب مساهمة أساسية في الحضارة لأنهم قدموا للشعوب الأخرى رسالة  الإسلام. سعى العرب حتى مرحلة متقدمة لأن يشكلوا دولة اتحادية وطالبوا باللامركزية السياسية والاتحاد الفيدرالي مع الأتراك. هذا على الأقل ما كانت عليه الأمور حتى المؤتمر العربي الأول في باريس عام 1913. ولعل خير تجسيد لذلك حركة المفكرين العرب الإصلاحيين  وكذلك المسلمين من جنسيات مختلفة كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وشكيب أرسلان.
جاء العرب إلى الفكر القومي من باب إحياء الإسلام ذلك أن العرب اعتبروا دائما أن لهم الفضل الأكبر في الحضارة الإسلامية.  واعتقدوا أن الإسلام السياسي غير العربي ساهم في التقهقر والتخلف ورأوا وجوب إحياء التراث العربي كمقدمة لمشروع النهضة. وليس مصادفة أن أول مهمة  للإحياء العربي كانت متجهة إلى إحياء اللغة العربية وآدابها فلم يكن العرب يفكرون في أنهم يمتازون عنصريا على غيرهم من الشعوب التي شاركتهم في الدين الإسلامي.
لذلك نجد أن الفكر القومي العربي غالباً ما ركز على التراث اللغوي وبالتالي على المرجع اللغوي الأساس والحاضن للثقافة العربية أي "القرآن" الكريم.
جاءت يقظة العرب القومية كمحاولة لإحياء الإسلام السياسي وليس للانفصال  عنه ظلت هذه الملابسة قائمة حتى ألان بل إن العرب لم يفكروا في الانفصال عن الدولة العثمانية  ولم يقطعوا حبل اتصالهم الديني بها إلا في فترة متأخرة مع انهيار الدولة العثمانية وسيطرة الاستعمار الأوربي (حركة الشريف حسين 1916). كان الاهتمام بلغة الضاد هو الأول لاستنهاض العروبة كما كانت العودة إلى نقاوة الإسلام الأول إذانا بالحديث عن الدور العربي في الإسلام.
وفي تلك  الفترة اشتغل المؤرخون على فكرة التاريخ الواحد لسوريا ومنهم المطران الماروني يوسف الدبس و سعى جرجي زيدان إلى إحياء التراث العربي من خلال سلسلة رواياته التاريخية ، أما نجيب عاز وري الكاثوليكي فقد أسس عصبة الوطن العربي في عام 1904 واصدر مجلة عام 1907 تعني بمسألة الاستقلال العربي ويعتبر كتابة الأكثر أهمية " يقظة الأمة العربية " المنشور عام 1907 والذي يتحدث فيه عن أمة عربية مكونة من مسيحيين ومسلمين ووجوب إقامة دولة على أسس دستورية وليبرالية.
إن عبد الرحمن الكواكبي مثلا (1849-1903) الذي كتب "طبائع الاستبداد و أم القرى" علق بصورة أساسية تخلف الإسلام بسبب غياب الدولة المستندة إلى سكة العدالة يدعوا إلى نقل السلطة إلى أولئك الذين قدموا رسالة الإسلام بصفته النظام العادل.
لكن مع ظهور الحركة القومية التركية وصعود " تركيا الفتاة " والنزعة الطورانية تطور موقف غالبية المثقفين العرب باتجاه بلورة المشروع القومي وقد كانت بداية هذا المسار المؤتمر العربي الأول الذي انعقد في باريس عام 1913. 


حزب البعث .. أصالة وتجدد
سعاد العبيدي/ العراق


كانت انطلاقة حزب البعث العربي الاشتراكي في السابع من نيسان عام 1947 قد بشرت بميلاد عهد جديد ، فسرعان ما انتشر في عدة أقطار عربية  كحزب قومي عربي يسعى الى خلق جيل عربي جديد مؤمن بوحدة أمته ورسالتها الخالدة ..‏ ونظرا لاتساع القاعدة الجماهيرية للحزب في الأقطار العربية فقد تم في عام 1954 عقد أول مؤتمر قومي للحزب وتأسيس القيادة القومية له .. وفي عام 1958 كان حزب البعث من أبرز الداعين الى الوحدة بين سوريا ومصر معبرا في ذلك عن عمق مشروعه القومي ...‏
لقد أسس حزب البعث نظاما اجتماعيا متكاملا شمل مختلف نواحي الحياة، وبقي مواكبا للتغيرات كمواكبته لكفاح الشعب العربي منذ بداية الأربعينيات...
ومثلت المؤتمرات القومية والقطرية  روح التجدد التي أطلقها مؤتمره التأسيسي الأول عبر قرارات واجراءات تتماشى مع متطلبات كل مرحلة ، فمكنت الحزب من توسيع  قاعدته الشعبية والسعي الى تطبيق أفكاره رغم الاحباطات  التي تعرض لها الواقع العربي في أكثر من مرحلة ...‏
واستطاع حزب البعث ضم فئة الطلبة والشباب الى صفوفه وبث قيم الخير والعلم في نفوسهم باعتبارهم من الشرائح المهمة في المجتمع ، وأكد على الدور المهم الذي تقوم به المرأة في المجتمع ، وعمل على مجابهة كاملة وجذرية لجوانب التخلف في المجتمع العربي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية‏ .. وبقيت الوحدة مطلبا للجماهير على امتداد الوطن العربي ، فيما تمثل الحرية الهدف الثاني للحزب هدفا للحياة وجوهرا لها حيث لا حياة للإنسان بدونها ، وتبقى الاشتراكية مفهوما يجري مراعاة خصوصية الشعوب وتطلعاتها عبرها ...‏
لقد أثبت حزب البعث قدرته على تعبئة الجماهير ورص الصفوف ، وتوحيد الطاقات من أجل النضال نحو أهداف الأمة العربية ، ومواجهة العدو الصهيوني .. واتصفت ايديولوجية الحزب بالعلمية والثورية وتحليل الواقع العربي الراهن، ورفض الاستسلامية والنظريات الجاهزة ، والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى ...
 ومع بدء الهجمة الامبريالية الصهيونية الصفوية الشرسة على العراق تابع الحزب نضاله على مختلف الجبهات الجهادية والثقافية والفكرية والاجتماعية وقدم قوافل الشهداء دفاعا عن وحدة وسلامة العراق .. فلم تتمكن القوى الشر  المتآمرة من فك صفوف الحزب رغم حملات التشويه والتضليل ومحاولات الاساءة.. و بعد أكثر من أربعة عشر سنة على الاحتلال الغاشم فانه جدد قوته واستمر في مسيرته لتعزيز قوة المقاومة الوطنية...‏
ويؤكد الحزب اليوم بقيادته ومناضليه التزامه بخيارات الشعب وترسيخ مفاهيم التطوير والتجديد والكفاح المستمر،  والمضي بجدارة الى تحقيق الذات العربية وانجاز تطلعاتها الحضارية والقومية العادلة في بناء المجتمع العربي الموحد،  والوقوف في مواجهة محاولات تفتيت العراق وسوريا واليمن واضعافها، ودعم القضية الفلسطينية، باعتباره الحاضن الأساسي للمقاومة وللمشروع الوطني والقومي لتعود أكثر قوة وتصميما على تجاوز الأزمة، والمضي في نضالها من أجل تحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية.‏






التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018