ما الذي تخبئه امريكا لنا في نينوى ومابعدها ؟
صلاح المختار
معركة نينوى ستقدم لنا عملا يشبه ما جرى في ديالى وصلاح الدين والانبار ومحيط بغداد وهو عمل مكمل له لكنه اخطر واوسع خصوصا في مجال التغيير السكاني للعراق . فما الذي يجب ان نتوقعه من امريكا في نينوى وما بعد نينوى ؟
1- اولا وقبل كل شيء يجب الاستبعاد الكامل لخطيئة – وليس خطأ - الاعتقاد بان امريكا تعارض خطة اسرائيل الشرقية القائمة على تدمير عروبة ووحدة العراق ، فالمخطط الذي يطبق الان وضع منذ اكثر من قرن وهو مخطط تقسيم الاقطار العربية ، والدعم الصهيوغربي لاسرائيل الشرقية خصوصا منذ نصب الغرب خميني حاكما عليها ، يعود اساسا لتشبعها باحقاد على العرب مقترنة بنزوع امبراطوري جامح هدفه الاهم غزو الاقطار العربية . وبما ان استقرار الغزو لن يتحقق الا بعد التدمير المنظم لوحدة الاقطار العربية وهويتها فان الاهداف الستراتيجية تصبح مشتركة بالكامل بين الثلاثي الاشد خطرا وهو اسرائيل الشرقية واسرائيل الغربية وامريكا . واي فهم اخر للعلاقات بين هذه الاطراف وتصور وجود خلاف بينهم ، على الاقل حول مصير العرب ، موقف ساذج.
2-معركة الموصل لن تكون الا تكملة مضخمة لمعارك ديالى وصلاح الدين والانبار ومحيط بغداد ويبقى الهدف الاهم للثلاثي الشرير هو انهاء عروبة العراق ، لان العراق هو المصد الاساس للتوسع الفارسي في الاقطار العربية ، ولهذا فما لم تنهى عروبة العراق ويحول الى كيانات عرقية طائفية متناحرة وهو ما تضمنه دستور الاحتلال فان باقي اهداف المخطط الثلاثي في الوطن العربي ستفشل ، هذا الثلاثي يربط مباشرة وبحتمية لامفر منها بين اكمال تدمير العراق وتوفير الفرص المثالية لتقسيم الاقطار العربية الاخرى .
وبما ان محافظات صلاح الدين والانبار وديالى ومحيط بغداد قد شهدت تنفيذ الخطوة الاساسية فيها وهي هز التلاحم الشعبي فان معركة الموصل هي التي ستضمن نتائجها اكمال المخطط الثلاثي ، اي تحويل الاهتزاز الى تشرذم ، اما اذا فشل الهجوم على الموصل فان كل ما انجز في محافظات صلاح الدين والانبار وديالى ومحيط بغداد سيفقد زخمه وتتعزز اللحمة العراقية بصورة لم يسبق لها مثيل وهذا ما تدركه امريكا واسرائيل الشرقية ولهذا فمعركة الموصل بالنسبة لهما معركة الحسم الرئيسة في العراق فاما ان ينهار المخطط الصهيوامريكي - فارسي او يتقدم نحو سوريا ومن ثم نحو السعودية .
3-وبناء على الحقيقة المذكورة نلاحظ ان امريكا تعزز تعاونها مع اسرائيل الشرقية في العراق لدرجة انها تجعل من تعاونها مع قاسم سليماني وترحيبها بدخوله شمال العراق مجددا مع قوات ايرانية كبيرة وتوليه قيادة الحشد الشعوبي في معركة الموصل اهم من تعاونها مع تركيا العضو في النيتو! لماذا ؟ لعدة اسباب اهمها ان وجود دور تركي في المعارك الارضية سوف يحبط الهدف الاهم للمعارك الحالية وهو التدمير الكامل لنينوى كمحافظة عربية اصيلة وتهجير سكانها الاصليين واستبدالهم بسكان اخرين غرباء .
تركيا ليس من مصلحتها كدولة وضع نينوى في قبضة الاستعمار الايراني ، ولا من مصلحتها تقسيم نينوى الى ست محافظات او اكثر لان ذلك سوف يخدم عدة اطراف في مقدمتهم تنظيمات تركية انفصالية ستعزز موطأ قدمها في شمال العراق وتوسعه ، كما ان التغييرات المنظورة في المخطط تهدد سكان نينوى خصوصا العرب والتركمان بمخاطر مميتة وهذا ماترفضه تركيا في هذا الظرف ، فوضعت في الخلف في هذه المرحلة الاطماع التوسعية لاطراف تركية في الموصل وكركوك وحلب لسبب واضح جدا وهو انها هي بالذات وضعت تحت تهديد التقسيم كما اثبتت تجربة الانقلاب الفاشل المدعوم امريكيا اضافة للدعم الامريكي الشامل والقوي للجماعات الكردية الانفصالية المسلحة في سوريا واصرار امريكا على اشراكها في الترتيبات الاقليمية وتقرير مصير سوريا ومنحها منطقة واسعة لتحكمها مباشرة ، وهو موقف لا تفسير له الا ان امريكا تهيأ لتقسيم تركيا وسوريا والعراق .
4- ان اصرار تركيا حتى الان على المشاركة الارضية في معركة الموصل يعود اساسا لهدف دفاعي في المقاوم الاول فما لم تنجح تركيا في منع وصول الحشد الشعوبي الى الموصل فان معركة الموصل ستتخذ طابعا خطيرا جدا يهدد وحدة تركيا والسعودية وكافة دول الخليج العربي ويمهد لانتقال مخاطر التقسيم صوب مصر والسودان ودول المغرب العربي لان التخطيط هو تكرار كوارث المشرق العربي فيها . ان سيطرة اسرائيل الشرقية على نينوى وبأشراف امريكي مباشر يؤدي الى انقلاب ستراتيجي خطير اخر في المنطقة كلها يدفع ما يسمى ب( الشرق الاوسط )الى مطحنة حروب اقليمية مدمرة ، وهو ما تريده امريكا تحديدا مثلما تريده روسيا لاسباب مختلفة .
وهذه الحقيقة تفسر سر تقسيم الادوار بين روسيا وامريكا في عملية التدمير الشامل والمبرمج لسوريا بواسطة روسيا واسرائيل الشرقية وباتفاق مباشر بين بوتين ونتنياهو ، وتدمير العراق بواسطة امريكا واسرائيل الشرقية وبخلفية انتقام مزدوج : صهيوني من بابل ودلالاتها وفارسي من القادسيتين الاولى والثانية ، ومجرد وجود اسرائيل الشرقية كعامل مشترك في تدمير كل من العراق وسوريا مع امريكا وروسيا في ان واحد ، وبوجود نتنياهو خلفهم جميعا ، يؤكد لنا مرة اخرى ... واخرى ... واخرى بان القومية الفارسية تستخدم من قبل الغرب والشرق لتدمير القومية العربية بالدرجة الاولى . لهذا اسخروا من الترويج المخابراتي لفكرة امكانية حرب نووية بين الكبار .
5-ولكي تزداد خطورة الحروب الدائرة الان وتتسع الحروب القادمة اكثر ويسهل انتشارها يعطي الغرب والصهيونية تسمية اخرى مزيفة لهذه الحروب ، وهي (الحرب بين السنة والشيعة ) والسبب هو ان حروب القوميات سوف توحد العرب ، كل العرب بكافة اديانهم وطوائفهم ، ضد الفرس حتما لكن طرح الامر على انه صراع طوائف واديان يضمن تفكيك العرب وتحويلهم الى شيعة وسنة ومسيحيين ومسلمين وصابئة ويزيديين وعلويين ودروز وغيرهم ويجعلهم في حالات تناحر دائمة وقاتلة وبذلك تتخلص اسرائيل الغربية من اي تهديد مشروع ومطلوب من اصحاب اهل الحق في فلسطين وهذا هدف سوبرستراتيجي للصهيونية وللغرب .
وتأكيدا لما سبق كنا نرى العرب حتى الثمانينيات موحدين تشدهم رابطة العروبة وليس هناك تمييز طائفي اما في عصر الطوائف والاعراق الذي زرعته الصهيونية الامريكية بالتعاون مع الخمينية فقد ظهر التشرذم والتناحر بين العرب ، وبناء عليه فان الدرس التاريخي المهم يؤكد بان القومية توحد والطائفية الدينية تفرق .
كما ان تصوير الامر على انه صراع سني شيعي وتركي كردي سوف يفكك تركيا ايضا على اسس طائفية وعرقية بدل توحدها ضد الخطر الخارجي وهذا هدف مركزي امريكي صهيوني فارسي ، لهذا ورغم الانكشاف الكامل للاهداف القومية الفارسية واثبات ان الدين والطائفة ليسا الا غطاء للتوسع الاستعماري الفارسي فان اسرائيل الشرقية تواصل استخدام الغطاء الطائفي بينما الغرب الاستعماري بحكامه وكتابه وخبراءه وجنرالاته يؤكد بانه صراع طائفي رغم يقينه انه ليس سوى صراعات قومية قديمة وجدت قبل نشوء امريكا بالاف السنين .
وفي مقال يقدم دليلا مضافا على صحة كل ما ذهبنا اليه عنوانه (دعم أمريكي روسي لحرب اقتلاع السنّة) قال فيه البرفيسور إيال زيسر، المحاضر في جامعة "تل أبيب" وأبرز المستشرقين الإسرائيليين إن كلا من الحكومة العراقية ونظام بشار الأسد، وبتوجيه إيران ودعم من الولايات المتحدة وروسيا يسعيان لإحداث تغيير ديموغرافي يطال السنّة في البلدين ويقلص عددهم بشكل جذري. وقال زيسر إن الغطاء الذي تمنحه روسيا للميلشيات الشيعية لتنفيذ جرائم حرب في سوريا، والغطاء الذي تمنحه الولايات المتحدة لنفس الميلشيات في العراق يدلل على أن طرد السنّة من المنطقة يحظى بدعم القوتين العالميتين.وأشار زيسر إلى أن استكمال الحرب على الموصل يعني أن المزيد من ملايين السنّة سيتحولون إلى لاجئين في الأردن ولبنان وتركيا وبقية أصقاع العالم. وشدد زيسر على أن ما يتم في العراق وسوريا هو "تطهير عرقي بكل ما في الكلمة من معنى لكن العالم يرفض تسمية الأمور بمسمياتها"... (الموقع بوست - عربي21 - صالح النعامي الثلاثاء, 25 أكتوبر, 2016 ) .
هذا التفسير الاسرائيلي لما يجري وان كان صحيحا في تحديد ان امريكا وروسيا تتفقان مع اسرائيل الشرقية على تهجير ملايين العرب الا انه يستخدم تسمية طائفية انسجاما مع هدف المخطط الصهيوامريكي - فارسي وهو التدمير المنظم للهوية القومية العربية بواسطة فتن طائفية مصطنعة لكن الصهيونية اليهودية تؤكد انها وراء ما يجري الان من تهجير للعرب في العراق وسوريا وغدا في اقطار اخرى بصفته امتدادا وتكملة لتهجير الفلسطينيين في عام 1948 ولكن هذه المرة الاداة هي الصهيونية الفارسية مدعومة من امريكا وروسيا مباشرة ورسميا .
6- ما تريده امريكا تحديدا هو تحويل كل قطر ربي الى (جمهوريات وامارات مدن قزمة ومجهرية) كل مدينة او محافظة تصبح دولة مستقلة شكليا متناحرة مع باقي الدويلات. ومن لا يصدق هذا عليه منذ الان ان يعد كفنه والا لن يجد من يدفن بقايا جثته ، السذج لا مكان لهم بين الخبثاء الاذكياء وعدونا الثلاثي شديد الخبث والذكاء . ومن يعول على حل امريكي فيه الحد الادنى من الايجابيات يخدع نفسه فامريكا ليست دولة الواق واق تضع الهدف ثم تنساه ، ان ما يطبق الان خصوصا في سوريا والعراق ، وهما مفتاح قلب العالم الجيوبولتيكي ، هو نتاج مقررات قبل اكثر من قرن ( خطة بنرمان ) ولم تحيد عنه بريطانيا اولا ثم تولت امريكا القيادة وواصلت تنفيذه . وللنجاة من هذه الكوارث فان اول خطوة هي انهاء الاوهام القاتلة بالاعتماد على امريكا والعمل على اساس انها عدو رئيس هو الاشد خبثا وقدرة وتأكيد ان اسرائيل الشرقية هي الاداة الاخطر بيد الصهيونية الامريكية . ومن هذا الموقع يتم التفاوض او التحاور معها والزناد على اليد . ومن يخدع العرب بالتعويل على رئيس قادم لا يعرف ان رئيس امريكا مدير تنفيذي وليس حتى مدير كامل الصلاحيات وان من يقرر في النهاية هي (النخبة الحاكمة) من وراء الستار والتي لا تتراجع الا عندما تهزم في ساحات الصراع وهزيمتها ممكنة بكل تأكيد .
امريكا وحش كاسر هو الاخطر في تاريخ البشرية في نزعته المرضية لافتراس الاخرين رغم انه متخم وشبعان ، والسلاح الاهم بيده اسمه الخمينية فاقتلوها تضمنوا تجريد الوحش الصهيوامريكي من مخالبه الاكثر خطورة ، ودحر الخمينية مرهون بكسبنا معركة نينوى والا فان معارك مابعد نينوى ستكون اخطر بالنسبة لنا ولتركيا ايضا .
Almukhtar44@gmail.com
28-10-2016