سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الدكتور اللواء حازم الراوي : أكتوبر والخارطة العسكرية الجديدة



في الوقت الذي يحتفل فيه الجيش المصري بالذكرى 43 لحرب أكتوبر ،  تشرين الاول ، وتحقيق واحدة من اكبر وأخطر عمليات عبور مانع مائي ، وتدمير واحد من اضخم الخطوط الدفاعية على قناة السويس ، ذلك المسمى(خط بارليف) ، تلك الحرب التي شارك فيها جيش
العراق الوطني العروبي على الجبهة المصرية بسلاح الجو ليحقق أول طلعة جوية ضد العدو الصهيوني عبر اجواء سيناء ، وليحمي دمشق من خطر وشيك لسقوطها بيد الجيش الصهيوني على الجبهة السورية بقواته المدرعة ..
في هذا الوقت العصيب الذي نستذكر فيه ونستحضر تلك المآثر العظيمة للجيوش العربية ومنجزاتها وكأنها حلم جميل ، لنستيقظ بعدها على أخطر كابوس مر على امتنا بعد احتلال العراق الذي كان يشكل السهم القاتل للعدو الصهيوني ، والبدء برسم الخارطة السياسية الجديدة لما اسموه الشرق الاوسط الجديد.
وبعد ما يقارب النصف قرن من اخر حروب العرب في فلسطين ، نجد أن الخريطة السياسية الاقليمية التي حددتها الصهيونية العالمية لعالمنا العربي ما زالت تخطو بخطواتها المرسومة على طريق هدفها في التقسيم والتقزيم ، تقاربا مع المشروع الصفوي الذي يحمل ذات الاهداف ، بل تنسيقا وتحالفا مشتركا بينهما. وبالرغم من كل الحشد الصهيوني وأدواته الاطلسية ، وكل الحشد الصفوي وأدواته الروسية والمليشياوية ، وبالرغم من كل الضحايا البشرية والخسائر المادية الهائلة التي تكبدها العرب في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا ، بل التي لا يمكن قياسها بأي معيار ، وبالرغم من كل المعاناة النفسية والقساوة والمرارة والشدة والحدة والتشريد والنزوح والقتل والتهميش ، ومرور أكثر من ثلاثة عشر عاما على بدء تنفيذ المشروع الصهيوني الصفوي ، إلا اننا ما زلنا نقف مذهولين من بعض ممن لم يستشعر الخطر الحقيقي لهذا المشروع لحد الان ، ليس على الأمة كاملة فحسب ، بل عليه هو ذاته كدول أو حكام أو اشخاص. والذين كان لا بد لهم ان يفيقوا من احلامهم ، ويتعاملوا مع الواقع المرير والتحدي الخطير.
وبغض النظر عن كل ذلك ، وبنظرة موضوعية الى كلا المشروعين ، فإنهما ما زالا يدفعان بكل قواهما ، وأساليبهما ، ووسائلهما ، لنيل الهدف الخطير المرسوم دون تحقيقه حتى الان ، ولعلنا كمؤمنين نثق أولا بأن قدرة الله تعالى أعلى وأقوى من كل قواهما ، وما دام الله سبحانه أوكل للعرب حمل راية الاسلام ، وما دام الله عز وجل أكرمهم بالقران العربي وبالنبي العربي وبلغة أهل الجنة ، فلا يمكن أن يتخلى عنهم ، حتى لو امتحنهم بأصعب وأخطر اختبار ، وهو ما نحن فيه الان. وهذا واقع حال قد يكون مرفوضا منا إلا أنه بكل الاحوال مفروضا علينا ، ولا بد من التكيف له والتعامل معه دون يئس أو قنوط وإحباط ، ذلك الذي تستهدفه الحرب النفسية الصهيونية والصفوية لتحقيق الانهيار النفسي والمعنوي لأمة العرب. وهنا لا ينبغي ان نتهم بأننا نكتب عبثا واستهلاكا دون قراءة الواقع الحقيقي والإطلاع العميق لحجم المأساة ، فبالرغم من كل ذلك إلا ان الله تعالى أشار لنا في كتابه العزيز الذي لا خلاف في نصوصه ، ( الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) . ( ان الله يدافع عن الذين آمنوا ) ، ( وما النصر إلا من عند الله ) .
وفي هذا المقال سوف لن نستعرض كافة المواقف والظروف والمعارك والجرائم التي تعرض لها العرب من كلا المشروعين الصفوي والصهيوني عبر هذه الحقبة الخطيرة من عمر العرب ، والتي جعلت اطرافا اخرى تدخل وتتدخل ويسيل لعابها لتتمكن من نيل بعض من مطامعها في ارض العرب ، بشعارات زائفة ، تدخل في مضمار كلمة حق يراد بها باطل ،  لزيادة الطين بله ، وإيصالنا الى قناعة بمبدأ ( ان بعض الشر أهون ) كما هو الحال في التدخلات الامريكية والفرنسية والتركية وغيرها  في العراق وسوريا على مساق ( ان كل يبكي على ليلاه )  . بل سنلقي نظرة على الخريطة العسكرية في منطقتنا خلال هذا الشهر ، اكتوبر ، والذي يبدو ان له دلالات ومعاني محددة لبعض الاطراف. وعلى سبيل المثال فان قرار الهجوم على الموصل بدعوى تحريرها من العصابة الارهابية داعش ، جاء متزامنا مع ذكرى الحصار والهجوم الصفوي الذي قاده نادر شاه ضد الموصل الحدباء في يوم الرابع من شهر اكتوبر من عام 1743م انتقاما وحقدا صفويا من فشل ذلك الهجوم انذاك. أما ما يجري اليوم من تدمير لمدينة حلب الشهباء عن بكرة ابيها فقد جاء متزامنا مع ذكرى حرب اكتوبر ، تخطيطا صهيونيا وانتقاما وحقدا مما اصابهم على الجبهة السورية من بواسل الجيش العراقي الذي افشل الهجوم الصهيوني على دمشق وباقي المدن السورية. ومن دلالات هذا الشهر ايضا ان اوباما والحزب الديمقراطي يسعيان لرفع مستوى الاصوات لصالح المرشحة الديمقراطية كلينتون على حساب ترامب وفق سيناريو اقناع الرأي العام الامريكي بان الوعد الأوبامي بالقضاء على داعش في الموصل سيتم قبل نهاية هذا العام ، فلم يعد هناك وقت اضافي ، فنرى الحشود العسكرية الامريكية تتدفق قرب الموصل .
وبنظرة سريعة الى الخريطة العسكرية الجديدة فأننا نجد فيها ما يأتي:
روسيا تنقل منظومة صواريخ اس 300 بمستوى بطرية الى سوريا بتاريخ 5 اكتوبر وترسل ثلاثة طرادات في الخامس والسادس من اكتوبر الى البحر المتوسط وأمريكا تهدد!
حلف شمال الاطلسي يخطط لشن ضربات جوية وصاروخية بصواريخ توماهوك ضد سلاح الجو السوري ومطاراته وروسيا تهدد!
المملكة العربية السعودية تجري مناورات عسكرية بحرية ضخمة تحت اسم (الخليج 1) ابتداء من يوم 4 اكتوبر في مضيق هرمز وإيران تهدد!
تركيا تحذر الحشد الشعبي من التدخل في معركة الموصل وتحشد قواتها في بعشيقة والعبادي يهدد‼
تركيا تتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي بزعامة مسعود البرزاني وتقاتل حزب العمال الكردستاني ppk شمال العراق وتتهم روسيا بتزويده بأسلحة مقاومة الطائرات !
تركيا تزج بقواتها في جرابلس شمال سوريا لمقاتلة وحدات حماية الشعب ، وهو الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي والذي تعتبره تركيا امتدادا لحزب العمال الكردستاني ، بينما تعتبره امريكا حليفا لها في محاربة داعش ! وروسيا تحذر تركيا في التمادي من زج قواتها شمال سوريا !
ووفقا لهذه الخريطة العسكرية الغريبة ، وهذه المعطيات المتناقضة فالاحتمالات الواردة قد تتمثل في وجود اتفاق ضمني خفي بين امريكا وروسيا يتم فيه تبادل الأدوار العسكرية بينهما لتحقيق المزيد من القتل والتصفية لأبناء جلدتنا لصالح الكيان الصهيوني. فبعد ان تصدعت رؤوسنا من اللقاءات المتواصلة ، بل اليومية بين وزيري خارجية امريكا وروسيا ، كيري ولافروف ، لمناقشة وضع الحلول للصراع الدموي في سوريا كذبا وزيفا ، يزداد سعير هذا الصراع على الارض دون التوصل الى حلول حقيقية بينما هما اصحاب الحل والقرار المباشر . أما الاحتمال الثاني فيتمثل في امكانية وقوع التصادم العسكري ، فليس هنالك في مسارح العمليات العسكرية التي يتواجد فيها هذا الكم الهائل من القوات المسلحة المتنوعة في تسليحها وعقائدها وأهدافها ما يمنع من وقوع خطأ عسكري أو عمل مقصود ،قد لا يمكن احتواءه سياسيا ، وكما تم احتواء اسقاط الاتراك لطائرة روسية مقاتلة اخترقت اجوائهم ، وعند ذاك يتحول الردع الى رد فعلي ، ويتحول استعراض القوة الى استخدام لها بالتصادم  المباشر؟
فتشتعل الحرب بين طرفين ، ومن ثم تتوسع لتشمل اطراف متحالفة اخرى. وكمثال على هذه الاحتمالات ، قيام القوات الايرانية بالهجوم على القوات السعودية التي تجري مناورات عسكرية بحرية حاليا في مضيق هرمز ، وما قد يؤول اليه الحال في استدعاء قوات التحالف التي شاركت في مناورات رعد الشمال بضمنها القوات الباكستانية والتركية وغيرها أو بعض منها. أو ان تتصدى منظومة الصواريخ الروسية اس 300 (وهي من اكفأ منظومات الدفاع الجوي في العالم على الاطلاق) لطائرات حلف شمال الاطلسي التي تنوي توجيه ضربات مباشرة ضد طائرات ومطارات النظام السوري والسماح لقوات المعارضة بالتقدم وتحقيق الانتصارات السريعة. خاصة انه لا يمكن ان يكون هدف ارسال هذه المنظومة الى سوريا هو لمجابهة قوات المعارضة أو داعش اللتان لا تمتلكان سلاح جو . أو ان تصطدم مليشيات الحشد الشعبي مع القوات التركية المتواجدة في بعشيقة  وتتطور الاحداث العسكرية الى تدخل ايراني مباشر. أو ان تصطدم القوات التركية مع قوات حماية الشعب في شمال سوريا التي تسندها القوات الامريكية ويتطور الموقف العسكري.

واذا ما عدنا الى التاريخ الحديث والمعاصر لنستطلع اسباب قيام كل من الحربين العالميتين الاولى والثانية لوجدنا ان اشتعال فتيل الحرب العالمية الاولى كان بسبب اغتيال ولي عهد النمسا وزوجته من قبل طالب صربي خلال زيارتهما الى سراييفو عام 1914م اضافة الى توتر العلاقات الدولية والصراع الفرنسي الالماني حول الحدود ، وتطلع بعض الاقليات الى الاستقلال ، واذا كانت الحرب العالمية الثانية قد قامت بسبب احتلال المانيا لبولندا وانعكاسات ذلك على العلاقات والتوترات الدولية ، فألا يستحق ما يجري الان في سوريا والعراق وخاصة في حلب والموصل ان تشعل الحرب العالمية الثالثة..
وسواءا اشتعلت هذه الحرب واخذت الاخضر واليابس فان ذلك لا يعني أهل العراق وسوريا وفقا للمثل العراقي الشعبي( اللي تبلل لا يخاف من المطر ) بعد ما أصابهما من عناء وشقاء . وبالطبع فان اكثر المتضررين من هذه الحرب ان نشبت سيكون الكيان الصهيوني الذي تدور رحاها على حافاته .
اما اذا خشيت هذه الاطراف المختلفة من وقوع هذه الحرب ، فعليها الصمت أولا  وأعطاء كل ذي حق حقه ،
والعدول عن اطماعها والانحسار في بلدانها دون الاعتداء أو الاطماع ، وترك الشعوب لتقرر مصائرها وعدم التدخل في شؤونها . وكل ذلك سيكون بمشيئة الله ورحمته ، وهو المستعان.

* اللواء الدكتور حازم الراوي . محلل عسكري استراتيجي.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018