ردّا على تخرّصات ناصريّي الصّدف هذه الأيّام: بذاءات الصّغير محسن النّابتي عن التّيّار الشّعبيّ في تونس مثالا.
(الجزء الثّالث)
إنّنا حين نستدلّ بالتّاريخ وحقائقه الثّابتة، وخصوصا فيما يتعلّق بالمسألة القوميّة العربيّة وهي مسألة شائكة ولا ريب، فإنّنا نروم بذلك غايات نقدرّها على غاية الأهمّيّة. ولعلّ من أهمّها تذكير
من زاغت به القدم بما يمنعه من مغبّة الاستمرار فيما هو فيه، وتحذير من باب النصّح لمن اختلطت عليه الأمور وتشابكت فنرفع عنه اللّبس عبر تنقية ذهنه وتنحية ما ضخّه له اللّئام والمكلّفون بمهامّ خلط الأوراق عند العرب وخاصّة شبابهم في مثل هذه الحقبة العصيبة والمتلاطمة الأمواج ومتسارعة التّقلّبات والأحداث وترافق كلّ ذلك باشتعال حرائق مفجعة في أغلب سوح الوطن العربيّ الكبير، ويبقى سنام هذه الغايات تعرية المشاريع التّصفويّة التّدميريّة للعرب وللعروبة وانخراط زمرة من الخونة والمتساقطين والمأجورين والمرتزقة المنخرطين في أحد أكثر الأخطار الوجوديّة فداحة على الأمّة ومصالحها القوميّة الاستراتيجيّة العليا ومن بينها الخطر الصّفويّ الفارسيّ الإيرانيّ والزّحف الأصفر الدّاهم.
وتقتضي تعرية هذا المشروع العودة للتّاريخ حتما والغوص في أخباره والرّبط بينها وبين الحاضر ومن ثمّة تفكيك طلاسم الأحاييل الشّيطانيّة التي يتذرّع بها نغول إيران في تونس وفي الوطن العربيّ ويشرعّون بالتّالي لما يخطّونه من خيانة وتآمر كبيرين، خصوصا وأنّ فريقا واسعا من بين هذه النّغول المنبطحة للعدوّ الإيرانيّ والسّابحة في فلك ولاية الفقيه يدّعي كما أسهبنا في توضيحه الاقتداء بالزّعيم جمال عبد النّاصر وبالتّالي تأكيده على أنّه فريق قوميّ عربيّ تقدّميّ.
وبالرّجوع لما صدر عن الصّغير محسن النّابتي عن التّيّار الشّعبيّ في تونس من تطاول على حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ تاريخا ونضالات وقيادة وكادرا متقدّما بذلك المستوى المقزّز الموغل في الرّداءة والفقر الأخلاقيّ والمعرفيّ وضحالة المستوى الثّقافيّ بشكل يجعلنا نتساءل عن كيفيّة طفوق أمثاله ليحتلوّا مواقع قياديّة في أحزاب من البديهيّ أنّ دورها يحتّم عليها الدّفاع عن المصلحة القوميّة والوطنيّة والارتقاء بالواقع السّياسيّ خدمة للجماهير، بل يدفعنا عجزه عن التّفاعل بموضوعيّة وبأخلاقيّات سياسيّة وإن في حدودها الدّنيا مع مقال نشره الرّفيق عثمان بن حاج عمر القياديّ بحركة البعث القٌطر التّونسيّ وبالجبهة الشّعبيّة حول العرّاب نجاح واكيم وزيارته لتونس الأخيرة والتي بدفع من النّظام الأسديّ وأوليائه في طهران يعرض بموجبها مقترح أن تحتضن تونس مؤتمرا دعم العصابة الأسديّة والحلف الفارسيّ الغادر بادّعاء دعم سوريّة تماما كما فعل راشد الغنّوشي رئيس حركة النّهضة والمنصف المرزوقي الرّئيس التّونسيّ السّابق ذات يوم واحتضنا مؤتمر ما يسمّى بأصدقاء سوريّة بدفع أمريكيّ غربيّ خالص، ويجبرنا على البحث في دوافع تكفّله بلعب دور المحامي أو النّاطق الرّسميّ عن أحد عرّابي المشروع الصفويّ نجاح واكيم ذاك.
بل إنّنا لا نرى رابطا موضوعيّا واحدا يجبر أمثال الصّغير محسن النّابتي هذا عن قرن الرّدّ والدّفاع عن أحد أسيادهم بالنّظر للارتباط العضويّ المباشر بينهم جميعا وبين منظومة الملالي ونظام ولاية الفقيه في طهران بضرورة المسّ من حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وهو أكبر الأحزاب العربيّة على الإطلاق وأوسعها انتشارها وأغزرها عطاء وأعلاها تضحيات منذ تأسيسه في 7 نيسان – أفريل 1947 لليوم بتلك الصّفاقة والحقد الدّفين، إلاّ من باب مزيد خطب ودّ الأسياد اللّئام المجرمين في طهران والتّسابق بين النّغول القذرة والبيادق الحقيرة لتأدية فروض الطّاعة والتّأكيد على الجهوزيّة العالية لتبييض الوجه الأسود للفرس الصّفويّين وذلك خطبا لودّ أقطاب الإرهاب الدّوليّ ونيل رضا الجهات المانحة بينهم والبقاء في دائرة الأضواء الصّفراء الرّخيصة الوالغة في الدّمّ العربيّ ولوغا فاق كلّ حدود التّصوّر.
لقد سخر محسن النّابتي هذا – وهو بفعله ذاك لا يعبّر عن موقف شخصيّ وإنّما يسوّق موقف حزيبه وبقيّة حلفائه من أضلاع ما يسمّى بالجبهة العربيّة التّقدّميّة بزعامة أحد عرّابي المشروع الصّفويّ نجاح واكيم – واستهدف قيادة الحزب استهدافا لئيما وتعدّى على حرمة البعث تعديّا مجانيّا يشي بمنسوب عالي وكبير من النّذالة يسبح في بركها الآسنة العفنة بل ويتفاخر بذلك في تناوله السّطحيّ مسألة مخاطبة الرّفيق القائد الأمين العامّ عزّة إبراهيم للملك سلمان.
هذا ولقد حاول الصّغير محسن النّابتي التّطاوس بطريقة ساذجة حينما تعمّد الظّهور بمظهر الحريص على البعث وهو ما دفعه لاستنكار ما قد يعدّه وأمثاله من أنصاف الجهلة ومن المتسكّعين على أبواب الأعداء تغيّرا في سياسات حزب البعث وتحريفا لمبادئه. ولكنّه فشل فشلا ذريعا في إخفاء حقده على البعث بكلّ تاريخه وبجميع مراحله وبمختلف قياداته بل وملاحم صموده وذوده عن مصالح الأمّة بشكل لا ينافسه فيه أحد ولا يبلغ مبالغه طرف أو جهة سياسيّة كانت أم غير ذلك.
إنّ من بين ما أخبث ما تنطوي عليه هذه البهلوانيّات السّمجة التي يقدم عليها أمثال هذا المبتدئ والدّخيل على القوميّة وثوابتها وأخلاقيّاتها، أنّهم إنّما يتوسّلون من تخرّصاتهم تلك، الإساءة المتعمّدة للرّفيق القائد عزّة إبراهيم أمين عامّ حزب البعث، وتتنزّل الإساءة بل واستهداف الرّجل الرّجل ضمن دوائر التّكليفات والمهامّ الإيرانيّة الفارسيّة الصّفويّة وكذلك الأمريكيّة وحتّى الصّهيونيّة وهي في أسوأ الحالات تماهيا مع سياساتهم مجتمعين وذلك لأنّ الرّجل الرّجل قد أعيى أجهزة مخابرات هذا الثّالوث الإرهابيّ وفشلت في الإطاحة به وهو أوّل المطلوبين لديها في العالم بعد استشهاد رفيق دربه وعمره الطّويل الرّفيق القائد شهيد الحجّ الأكبر صدّام حسين.
ومن المعلوم طبعا أنّ استهداف الرّفيق القائد عزّة إبراهيم أمين عامّ حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ هو استهداف لكلّ الحزب قيادة وكوادر ومناضلين، بل إنّه استهداف للأمّة العربيّة كلّها باعتبار أنّ الرّجل يقود أكبر وأشرس وأعظم مقاومة في التّاريخ ويتوقّف على نتائج فعلها مصير الأمّة كلّها لقرون قادمة، وهي المقاومة التي تحارب على أكثر من جبهة وتطارد أكثر من عدوّ، وهي التي مرّغت أنف أكبر ترسانة حربيّة في العالم في التّراب وجرّعتها مرارة الهزيمة كما جرّع العراق ونظامه الوطنيّ بقيادة حزب البعث المقبور الخميني السّمّ الزّعاف.
فعزّة إبراهيم ليس مجرّد قياديّ في حزب عاديّ، بل إنّه ليس مجرّد اسم أو صفة أو عنوان، بل هو أكبر دلالات وأوسع أبعادا من كلّ ما يتصوّره وما لا يتصوّره بيادق الفرس وعرب الجنسيّة كلّهم.. وعلى الجميع أن يعي أنّ الرّجل حادي ركب المجاهدين الفرسان الأشاوس الشّجعان الأصلاء الذين يقاتلون تحالفا دوليّا جشعا ظالما يزيد عديد أضلاعه عن السّتّين، وهو أيضا يسطّر الخطط علاوة على فعله الجهاديّ المبدع الخلاّق وكلّ ملاحم الصّمود المبهر ويصيغ الاستراتيجيّات والتّكتيكات الحربيّة والسّياسيّة والفكريّة لتعزيز صمود الأمّة ولتوضيح معالم خلاص جماهيرها ومناعة ترابها حاضرا ومستقبلا.
بل إنّ عزّة إبراهيم هو التّعبيرة القوميّة العربيّة الثّوريّة الأصفى والأرقى والأعلى، وهو ضمانة امتداد حزب البعث ورسالته الخالدة ومواقفه الرّياديّة وتاريخه الكفاحيّ الرّساليّ الوضّاء الحافل بطولات وثباتا وأصالة، وهو استمرار لما بدأه رفاق دربه في المقاومة وفي الحزب منذ فجر التّأسيس ليوم النّاس بدءا من مؤسّس الحزب ميشيل عفلق وصولا لشهيد الحجّ الأكبر صدّام حسين رحمة الله عليهما.
وعليه فإنّ محاولات التّذاكي وذرّ الرّماد في العيون عبر مساعي خبيثة من قبيل اقتطاع أحداث منعزلة هنا وهناك، هي محاولات مأجورة ومكشوفة للطّعن والتّشكيك في الرّجل.
ولكن، وربّ ضارّة نافعة، فإنّه ما من إساءة صدرت منذ احتلال العراق لليوم لحزب البعث ولقيادته إلاّ وارتدّت لصدور مطلقيها وعرّت إمّا جهلهم أو خسّتهم وعمالتهم وحقدهم على الحزب وبالتّالي حقدهم على الأمّة وتنكّرهم لها.
إنّ أغرب ما في ادّعاءات هذه الشّرذمة المنبتّة، هو هذا التّناقض الكبير في المواقف والأحكام على نفس المسائل. إذ لو كانوا موضوعيّين ومنصفين بل ومحايدين، أما كان حريّا بهم أن ينحنوا للذّكاء السّياسيّ والقدرة الفائقة على المناورات والجرأة والمباغتة والاقتحاميّة التي طبعت أداء الرّفيق عزّة إبراهيم منذ استشهاد رفيق دربه شهيد الحجّ الأكبر صدّام حسين بدل التّعكّز على سفاسف الأمور للإيغال في الإساءة لحزب البعث؟
ألا يدّعي هؤلاء أنّهم ثوريّون؟
فما دام الحال كذلك، ألم يعلموا أنّ ميزة الأحزاب الثّوريّة الأصيلة قيامها أساسا على النّقد والنّقد الذّاتيّ وذلك للبناء والتّطوير والاستمرار؟
فلماذا إذن استكثروا على البعث أن يعترفوا له بالسّبق في الوفاء لمبادئه ومبادئ الثّوّار؟
وإنّنا لا نعلم كيف يطالب أمثال هؤلاء - بل ويعيبون من خلال قصورهم أو من خلال تعمّدهم تشويه البعث والتّشديد على أنّه ديكتاتوريّ - الحزب بالتّطوير والمرونة، وحين يقدم على خطوات جريئة شجاعة الأحقّ أن تكون دافعا للتّثمين والإشادة، يتّخذون مطالبتهم تلك مطيّة لمزيد التّشويه والتّجريم والشّيطنة؟
لقد استند شانئو حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وقيادته منذ سنوات على توظيف بعبع داعش، وباركوا على ضوء ذلك كلّ الجرائم التي ارتكبها الفرس الصّفويّون والأمريكان معا بحقّ شعب العراق، وفي الحقيقة فإنّ ذلك يندرج فقط في باب المناورات وحلقات التّحذلق الطّويلة من أجل إخفاء الارتباط الوثيق بينهم وبينه إيران التّوسّعيّة الشّعوبيّة الحاقدة، حيث لم تختلف مواقفهم من العراق وما يشهده قبل ظهور داعش وبعده كما أكّدنا على ذلك كثيرا.
فهؤلاء، لم يفوّتوا مناسبة واحدة تهجّموا فيها على حزب البعث ليس باعتباره حزبا فقط بل كحالة جهاديّة ثوريّة كفاحيّة مقاومة متصاعدة ومستمرّة ورصينة، ليتعمّدوا الرّبط بين ذلك الفعل المقاوم الجبّار وبين داعش.
ليس من بدّ من التّذكير ههنا بأنّ داعش تزامن ظهوره مع العمليّات المباغتة النّوعيّة التي سّطرتها عبقريّة المقاومة العراقيّة بقيادة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ في أوائل جوان 2014 وأحداث تحرير الموصل وصلاح الدّين والرّمادي من براثن ميليشّيات العمليّة الجاسوسيّة القذرة المنتصبة في العراق برعاية الاحتلال المركّب للعراق، ويتعمّدون التّغاضي المتعّمد على حقائق الأرض وعلى أنّ الهدف من بروز داعش يتمثّل في الحدّ من تقدّم المقاومة العراقيّة الباسلة وتشويهها وشيطنتها في سعي لإنقاذ عملاء المنطقة الخضراء من جهة وفي خلق الإرباك والتّشويش على جماهير الأمّة عبر ترهيبهم وبالتّالي ابتزازهم ومساومتهم وجبرهم على القبول بهذا الواقع السّيئ لئلاّ يواجهوا الأسوأ، كما كان القصد من ذلك التّقليص قدر الإمكان من جماهيريّة المقاومة وتنفير الدّاعمين لها. وإنّ هذه القراءة لا تزيد عن كونها حقائق تثبّتها مجريات الأمور يوما بعد يوم. إذ وبالعودة لتلك الأحداث يتأكّد قولنا من خلال إيعاز نوري المالكي لميليشيّاته المسمّاة بالجيش العراقيّ بالانسحاب وإخلاء كلّ أماكنها ومقرّاتها في المحافظات العراقيّة الغربيّة وترك أسلحتهم ليسطو عليها شركاؤه في التّنظيم الإرهابيّ داعش.
إنّ داعش ومهما بلغت الحرب الإعلاميّة التي تشنّها الدّوائر الامبرياليّة والصّهيونيّة والفارسيّة ضراوة، يبقى في حقيقته تلك الصّنيعة المخابراتيّة المشتركة بين ثالوث الشّرّ والإرهاب الدّوليّ الأمريكيّ الصهيو صفويّ، وفي الحقيقة فإنّ نشاطات داعش والمهامّ الملقاة عليه لا في العراق فحسب، تدلّل على ذلك تدليلا عقليّا ومنطقيّا لا فرصة معه للتّدجيل في إنكاره، حيث وكما الحال في العراق، فإنّه تكفّل في سوريّة بضرب ثورة الشّعب العربيّ في سوريّة وشكّل حليفا متقدّما للنّظام الأسديّ المعادي لشعبه وأمّته والذي فاقت جرائمه كلّ حدود التّخيّل، ناهيك طبعا عن التّوظيف المبتذل لبعبع داعش في بقيّة أصقاع الدّنيا.
وجد إذن قوميّو هذا الزّمن الأمريكيّ في داعش ضالّتهم لضرب المقاومة العراقيّة الباسلة، بل وضرب الفكرة المقاومة بالأساس لأنّ من بين مجالات المقاومة العربيّة سواء كانت مسلّحة أو سلميّة جماهيّريّة هي الملاحم التي تترصّد ضرورة المشروع الفارسيّ الصّفويّ الشّعوبيّ وتتعقّبه، وبما أنّ هؤلاء المتساقطين محاميل من بين محاميل أخرى كثيرة لهذا التّغلغل، فإنّهم انبروا متجهّمين ساخطين متبرّمين من كلّ فعل أصيل يسعى للذّود عن العرب والعروبة ومصالحهما الحيويّة والمصيريّة بل والوجوديّة.
وعلى هذه الأسس مثلا تجاهلوا تماما اعترافات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة السّابقة والمرشّحة للانتخابات الرّئاسيّة الحاليّة عن الحزب الدّيمقراطيّ في كتابها " خيارات صعبة " والذي تقرّ فيه بأنّ الإدارة الأمريكيّة هي من أسّست داعش لهدف معاودة تقسيم الوطن العربيّ وذلك للسّيطرة نهائيّا على أهمّ مصادر الطّاقة في العالم ولضمان أمن الكيان الصّهيونيّ وحسم الصّراع العربيّ الصّهيونيّ للأبد ناهيك عن تحجيم النّفوذ الرّوسيّ والصّينيّ في هذه المنطقة بالغة الحساسيّة في قلب العالم. كما تحدّثت تقارير كثيرة عن اشتراك أو انخراط الفرس في رعاية داعش وصناعته ودعمه، وتواترت اعترافات من مسؤولين كبار في المخابرات الفارسيّة خصوصا من الذين انشقوّا عن الملالي ونظام ولاية الفقيه فثبّتت ذلك.
إلاّ أنّ هؤلاء المتحاملين على حزب البعث وقيادته - ودوما لا نعني بالبعث ذلك الحزب الرّائد لركب المقاومين العرب الشّجعان الأصلاء فقط بقدر تناولنا له باعتباره حالة متقدّمة وتعبيرة ثوريّة عن الطّاقات التي تزخر بها الأمّة وأحد أهمّ أوجه مفاجآت الأمّة لنفسها مجدّدا كما كانت ثورة الجزائر العظيمة – يصرّون على الهروب من هذه الحقائق وازدرائها انضباطا لتعليمات الجهات الرّاعية لهم وخصوصا الفرس.
بل إنّهم وفي سياق الإنكار والتّجاهل والقفز على هذه المعطيات مجتمعة، تتعرّى حقيقة مقاصدهم كلّما عالجناهم بالسّؤال الذي بات يشكّل كابوسا مرعبا لرعاة داعش والمنتفعين حقيقة من وجوده:
لماذا أفلح داعش في ضرب أعتى دول العالم وأكثرها تحصينا وجهوزيّة وحيطة أمنيّة كفرنسا وألمانيا وأمريكا، وغيرها من دول العالم، ولكن ولحدّ هذه اللّحظات ظلّ الكيانان الصّهيونيّ والفارسيّ الصّفويّ في مأمن منه رغم التّسويقات الإعلاميّة لخلاف ذلك؟ بل ما تفسير فلاحه في أن يطول دولا قصيّة بينما يعجز عن إطلاق رصاصة واحدة نحو إيران وفلسطين المحتلّة رغم التّماسّ المباشر حدوديّا بينهما وبين مركز فعله وتأثيره؟
وتزداد حجج هؤلاء الدّسّاسين تصدّعا وضعفا كلّما تواترت التّقارير الإخباريّة الموثّقة التي تتحدّث عن كذب الرّوايات العسكريّة سواء الأمريكيّة وحلفائها أم الرّوسيّة حيث يدّعي الجانبان تعهّدهما بمحاربة داعش ولكنّ كلّ القصف العشوائيّ والمركّز وبكميّات من الذّخائر والأسلحة المتطوّرة وشديدة الفتك لم يقلّم أظافر الدّواعش لأنّهم ظلّوا دوما خارج الاستهداف الذي خصّت به حصريّا جماهير شعبنا العربيّ في العراق وسوريّة، بل إنّ الإعلام يورد فيما يورد تأكيدات موثّقة على تسليح الدّواعش من الأمريكان والفرس ونقلهم في طائرات أمريكيّة من وإلى سوريّة والعراق حسب تركّز القصف وحسب ما تتطلّبه الأدوار المنتظرة.
إلاّ أنّ الغريب في كلّ هذه المتاهات هو حرصهم على إلصاق تهمة الدّعشنة بحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ ذلك الحزب النّاهض لأكبر ملحمة مقاومة في تاريخ الأمّة والإنسانيّة قاطبة، وهو ما يبرز خصوصا في الاعتماد على ذلك التّقرير الاستخباراتيّ الذي أوردته صحيفة دير شبيغل الألمانيّة والتي ادّعت فيه أنّ كبار قيادات داعش هم من مسؤولي الجيش العراقيّ السّابق وقيادات حزب البعث. ورغم تفنيد مزاعم هذا التّقرير، حيث أصدرت الجهات القياديّة في الحزب والمقاومة العراقيّة الباسلة تكذيبا رسميّا لما جاء فيه، وذلك بأن نشرت أسماء القيادات العشرة الأولى في داعش وأرفقتها بتسلسل الشّجرة العائليّة لكلّ فرد منها زيادة عن الأسماء الحركيّة وغيرها من الإحداثيّات، ووضّحت بإسهاب انعدام أيّة صلة لهؤلاء المجرمين بحزب البعث ولا بقيادات الجيش العراقيّ الباسل، فإنّ الحاقدين على الحزب والطّامحين لتشويهه وضربه لم يتّعظوا ولم يمتلكوا الشّجاعة الكافية للتّعامل الموضوعيّ مع ذلك والتّدبّر في تلك الحقائق. هذا وتستمرّ محاولات تشويشهم على حزب البعث في هذا الشّأن تحديدا بتجاهل متعمّد لمواقفه الرّسميّة من داعش في بياناته سواء كانت بيانات القيادة القوميّة أو تصريحات الأمين العامّ عزّة إبراهيم وحواراته مع وسائل الإعلام العربيّة وغيرها.
وفي رحلة تعقّب الإساءات المتلاحقة والنّاضحة بعداوة هي في الحقيقة ليست جديدة لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ من طرف ناصريّي الصّدف وناصريّي زمن المسخ هذا، تستوقفنا محاولاتهم الدّائمة لاقتطاع بعض التّصريحات خصوصا للأمين العامّ عزّة إبراهيم وخاصّة رسائله لملوك وأمراء ولرؤساء عرب وغير عرب، ويطلقون العنان للخيال فيهم ليكيدوا للرّجل ومن خلاله لحزبه ومناضليه ولعموم جماهير الأمّة العربيّة.
ففي هذه الأثناء، يركّزون تركيزا ملفتا للنّظر على تصريحات أو رسائل الأمين العام لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ لملك السّعوديّة، فيعمدون لتصوير أمر تلك الرّسالات بمثابة الردّة أو الحياد عن الخطّ النّضاليّ العامّ، وهو بكلّ تأكيد زعم سخيف ومردود على أصحابه بل ودليل يضاف لجملة الأدلّة التي تبرهن على أنّ محاولاتهم تلك إنّما هي تكليف رسميّ ومهمّة ثابتة من جملة مهامّ التّشويه والتّشويش على الحزب وهي شروط الانتفاع بدعم أسيادهم خصوصا من الفرس.
لقد أكّدنا مرارا وتكرارا، ووضّحنا في ردود سابقة كثيرة على أنّ ما لا يريد هؤلاء استيعابه، أنّ عزّة إبراهيم بل وحزب البعث أمانة عامّة وقيادة قوميّة وقيادات أقطار وكلّ البعثيّين في الوطن العربيّ وفي المهجر إنّما يتصرّفون دوما وفق المصلحة العربيّة الاستراتيجيّة العليا وهم الوحيدون من بين كلّ العائلات السّياسيّة في الوطن العربيّ سواء كانت عقائديّة أو مناسباتيّة أو انتخابيّة أو ليبراليّة أو قٌطْريّة، الذين يصيغون مواقفهم واستراتيجيّاتهم بمنتهى الانضباط للحاجيّات العربيّة الملحّة دونما الارتباط بأيّ محور من المحاور أيّا كان نوعه وهذا ركن ثابت وأصيل راسخ من ثوابت الحزب لم يحد عنه الحزب منذ التّأسيس لغاية اليوم وفي كلّ الظّروف، وموقف الحزب واضح ومتقدّم جدّا سيّما موقفه ومعارضته ومحاربته لحلف بغداد منذ أواخر أربعينات القرن الماضي..
وعزّة إبراهيم تحديدا، لا يتصرّف كأمين عامّ حزب فقط، بل إنّه يسلك سلوك رجل الدّولة الخبير المجرّب المحنّك، وتقتضي تلك الصّفة – وهي صفة تعكسها مواقفه وقراءاته وأفكاره وممارساته وليس بالادّعاء – أن لا يقتصر في مواقفه على جانب واحد من جوانب المسؤوليّة، وإن كان يكفيه فخرا وحسبه شرفا لا يطاله غيره إلاّ من البعثيّين الأصلاء المجاهدين، أنّه يقود ويشرف ويخطّط ويشارك بأكبر ملحمة وطنيّة وقوميّة وتحرّريّة وجهاديّة عربيّة وإنسانيّة في التّاريخ كلّه بالنّظر للمدى الزّمنيّ المستغرق وخصوصا للفوارق الشّاسعة بين المعتدين وجبهة الصّد وقلعة الصّمود الوحيدة سواء من حيث الإمكانيّات الماديّة أو التّقنيّة أو اللّوجستيّة أو العسكريّة. وهو ما يستوجب ضرورة الانفتاح والمرونة الدّيبلوماسيّة والتّواصل مع المحيط، وحيث تعذّر الاتّصال إلاّ ببعض الأجوار نظرا لأنّ العراق يجاور العدوّ الفارسيّ المتآمر والمحتلّ له، فلم يبق له إلاّ أن يخاطب العرب وخصوصا من هم خارج الارتباط الوثيق والتّحالف الاستراتيجيّ مع العدوّ الإيرانيّ كما الحال مع النّظام الأسديّ ، ومخاطبة هؤلاء العرب ليس لمجرّد المخاطبة بل لحثّهم على الانخراط في المشروع المقاوم الرّياديّ الفذّ الذي تقوده المقاومة العراقيّة الباسلة باعتبار أنّها المحدّد المصيريّ لما سيكون عليه العرب، كما يتقصّد من ذلك توضيح مخاطر المشروع الفارسيّ القاضي بالتّغلغل والتّمطّط داخل الوطن العربيّ الكبير وأنّه لن ينجو منه أحد، وهي رسائل تفيض بتشريح ضرورة التّنبّه لهذا الزّحف الأصفر وصدّه ولجمه وتقليم أظافره ناهيك عن التّحذير من مغبّة السّماح أو التّغافل عمّا تعتزمه منظومة التّآمر في قٌم ومشهد من إذكاء فتيل الاقتتال والاحتراب الطّائفيّ والتّصارع الإثنيّ والعرقيّ.
وإنّ التّركيز على رسائل عزّة إبراهيم للنّظام السّعوديّ هو مأخذ آخر يرتدّ لصدور المتحذلقين والمسيئين لحزب البعث غيلة وحقدا وائتمارا بأوامر أولياء نعمتهم، حيث وفي سياق تخندقهم مع العدوّ الفارسيّ وانخراطهم في كلّ مساعيه التّخريبيّة، أفاقوا هتين السّنتين فقط وانتبهوا لطبيعة النّظام في السّعوديّة، وتذكّروا الآن وفقط مشاركتها كما كلّ النّظام العربيّ الرّسميّ في العدوان الكونيّ على العراق.
لماذا الآن يا ترى فقط أضحت السّعوديّة العدوّ الأولّ لهؤلاء؟
لقد غدت السّعوديّة خطرا في تقدير هؤلاء الذين يدّعون أنّهم من روّاد القوميّة العربيّة، بل الخطر الأكبر. وفي حقيقة الأمر، فإنّ هذه الحملات الخسيسة والمغرضة التي تتعرّض لها السّعوديّة ليست سوى خدمة مجانيّة للعدوّ الفارسيّ الشّعوبيّ، حيث يسعى نظام ولاية الفقيه في إيران لخلخلة أمن السّعوديّة وإلحاقها ببقيّة الأقطار العربيّة الأخرى، وتجنّد إسرائيل الشّرقيّة لهذا الغرض عشرات المعمّمين الطّائفيّين ليبثّوا نوازع الفتنة في بلاد الحجاز تمهيدا لضمّ القطيف والشّرق الجزيريّ – نسبة للجزيرة العربيّة – كلّه لولاية الفقيه في إطار ما يعرف بالدّولة الإسلاميّة الكبرى.
ولا نعلم إن كان يعلم هؤلاء حقيقة غايات إيران من ذلك أم لا، ومهما يكن الأمر فعليهم بل وعلى العرب الأصلاء قبلهم أن يدركوا أنّ ما تتعرّض له السّعوديّة من تكرّر الهجمات الإيرانيّة سواء من خلال استهداف مقرّاتها الدّيبلوماسيّة أو الحملات الإعلاميّة التي لا تنقطع أو من خلال دعم الحوثيّين وتهيئة الظّروف لهم لا لمجرّد قضم اليمن بل لاتّخاذ أرض اليمن منطلقا للإطباق على السّعوديّة من الجنوب في انتظار تهيئة الظّروف والسّيطرة على العراق وخصوصا فضاء النّخيب ليكون منطلق الهجمات الشّماليّة عليها.
هذا وإنّ القول أو التّسليم بمجرّد تقسيم السّعوديّة وقضم جزء واسع منها وضمّه للدّولة الإسلاميّة الكبرى التي تقوم عليها أدبيّات ولاية الفقيه المتخلّفة الشّعوبيّة وبرغم صحّته فإنّه يبقى لوحده مجانبا للصّواب بل وقراءة عرجاء مبتورة.
فالمخطّط الإيرانيّ الفارسيّ العنصريّ يقوم فيما يقوم عليه، وتحديدا في استهداف السّعوديّة، على مساعي إيران لانتزاع الثّقل الرّوحيّ والدّينيّ الذي تتوفّر عليه السّعوديّة وهو ما يتّضح في محاولات إيران تشكيل ثقل موازي له وتعمل على تأثيثه وتأسيس معالمه بالطّعن في المقدّسات والتّشكيك فيها برمّتها واستبدالها بأخرى وهميّة كقرآن فاطمة وما تسميّه بالعتبات المقدّسة، ناهيك عن التّهديدات المتعدّدة بضرب الكعبة بالسّلاح النّوويّ والذي أطلقه أكثر من جنرال فارسيّ في تماهي مثير مع دعوات صهيونيّة سابقة لا تخفى على أحد.
وحريّ بالتّذكير ههنا - ولتفنيد كلّ الادّعاءات القائلة والمبرّرة لهذا التّحالف الغادر مع إيران الذي يستمسك به ناصريّو الصّدف وزمن المسخ هذا -، بأنّه ما من مغالطة أكبر من القول إنّ إيران جارة وشقيقة إسلاميّة، لأنّ إيران لا تدين بالإسلام العربيّ المحمّديّ وهو إسلام كلّ المسلمين في العالم، بل إنّها تدين بدين الخميني، ذلك الدّين القائم على الشّعوذة والدّجل والأكاذيب والأباطيل ومختلف السّخافات. بل إنّ الخميني يشدّد طيلة حياته على ضرورة الحقد على العرب وضرب وتقويض أسس وتعاليم ومنهج دينهم وعليهم أن يستعدّوا لقيادة الفرس لهم في هذا المجال ويعتبر أنّ لا إجحاف أكبر من أن يقود كلّ الأقوام الإسلام من عرب وكرد وأتراك فيما يتخلّف الفرس عن ذلك.
هذه وقائع الحال، وهذه مبرّرات استهداف السّعوديّة من قبل ناصريّي الصّدف، وهذه كذلك أسباب تركيزهم على شيطنة الحزب وقائده الأمين العام عزّة إبراهيم من خلال تجريم انفتاحه على السّعوديّة وغيرها. واللّافت للاهتمام أنّ هؤلاء وفي إطار انحرافهم سلوكا ومواقف، تعمّدوا المزج بين السّعوديّة أرضا وشعبا ومركزا روحيّا هو الأكبر في العالم بأسره والأقدم أيضا، وبين النّظام فيها، وهو تمشّ يقوّض أسس القوميّة وركائزها وتعريفاتها البسيطة.
وينجلي هذا الزّيغ بمنتهى الدّقّة في المواقف المخزية والمهينة التي صدرت عن هؤلاء من التّحرّشات الأمريكيّة المتنامية ضدّ السّعوديّة والتّهديدات الجدّية لها من طرف إيران وأمريكا، فلقد انتشى القوم انتشاء مريبا بمناسبة قانون جاستا الذي يشقّ الإدارة الأمريكيّة نفسها ويكاد يعصف بأقطابها، وهلّلوا له معتبرين إيّاه عقابا من الآلهة للسّعوديّة.
هكذا إذن وبكلّ ميكانيكيّة تفتقر لأدنى مقوّمات التّحليل والموضوعيّة، ينكر هؤلاء الذي انتحلوا كلّ الصّفات على من يتحرّك فوق كثبان من الجمر الملتهب ووسط جحيم العواصف الهوجاء التي لا تهدأ، أن يحاول شقّ صفّ العدوان والغزو والحصار والتّعتيم، وبدل الانتصار له ينتصرون لأعدائه ويخذلونه ويعينونهم عليه..
وهكذا تعامل عرّابو المشروع الصّفويّ مع حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ دوما، وهكذا تجرّؤوا على قائده وأمينه العامّ عزّة إبراهيم.. بل إنّهم لم يرعووا عن ركوب المحاذير القوميّة كلّها سواء في تونس أو في الوطن العربيّ الكبير، وسلكوا مسالك خونة لئام آخرين كمنصف المرزوقي وسهام بن سدرين وغيرهما من خدم المشروع الأميركيّ، فما الفرق إذن بين هؤلاء وبينهم؟ بل ما الفرق بين التّرويج لمشروع أمريكو صهيونيّ وبين الانغماس في مشروع فارسيّ صفويّ لا يقلّ عنه كارثيّة؟
إنّ التّركيز المفرط في تناول رسائل ومواقف أمين عامّ حزب البعث، دسيسة أخرى وخزي جديد ينضاف لمجاميع الرّدّة والتّحريف والتّبشير بولاية الفقيه بلسان عربيّ وبأسماء عربيّة وبدعاوى قوميّة تقدّميّة. ويتجلّى ذلك بوضوح كبير في تجاهل هؤلاء لرسائل كثيرة عديدة توجّهت بها قيادة البعث ممثّلة في أمينه العامّ منذ سنوات لجهات مختلفة غير عربيّة كثيرة أهمّها على الإطلاق تلك الرّسائل للشّعوب الإيرانيّة بيّنت لهم فيها مدى الضّرر الذي تلحقه بهم ولاية الفقيه ونظامها القائم في الهضبة الإيرانيّة قبل أن تسلّط بطشها على الأمّة العربيّة والعراق خصوصا، كما توجّه برسالة للشّعب الأمريكيّ وأخرى للرّئيس الأمريكيّ أوباما وقدّم خلالهما عرضا متكاملا لسلسة جرائم الإدارة الأمريكيّة بحقّ العرب والعروبة والعراق على وجه التّحديد وقدّم إحصائيّات دقيقة لعدد القتلى الأمريكيّين وجردا للخسائر الماديّة المتولّدة عن الخطيئة الكبرى التي أقدمت عليها عام 2003 باحتلال العراق ناهيك عن الخسائر الجمّة التي لحقت بأمريكا كدولة وكشعب من حيث ضرب مصداقيّتها وتلطيخ سمعتها في وحل العار والغطرسة والكذب وتكشّف طابعها الإرهابيّ ما أدّى لنقمة عالميّة عليها غير مسبوقة على الصّعيد الشّعبيّ والجماهيريّ لا على النّطاق العربيّ فقط وإنّما في كلّ أصقاع الأرض.
يتجاهل هؤلاء إذن، كلّ ذلك الحراك الدّيبلوماسيّ المتميّز والخلاّق، ويركّزون على رسائل للسّعوديّة، ويتجاهلون كلّ هذه الحقائق.
وليس من فائدة في التّشديد على أنّ ذلك الفعل المشين إنّما يتماهى مع تعليمات الفرس.
-يتبع-
أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 24-10-2016