سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

د نزار السامرائي: لله... والتاريخ والوطن


بضعة أنفار لا يروقهم أن يعتمد آخرون غير منطقهم في التعاطي مع الظواهر السياسية والاجتماعية وكأنهم قيمون على ما يدور داخل العقول وليس على سلوك الأفراد فقط، يفسر بعضهم موقفي من إيران بأنه محصور بما
أفرزته معاناة الأسر لعشرين سنة، وليس عن معرفة فكرية مبكرة وخبرة ميدانية بإيران ونواياها تزودت بها من خلال متابعة للإرث الثقافي الذي وقع تحت يدي مما أنتجه كتّاب ومفكرون من بلاد فارس ويحمل حقدا صارخا على العرب في معظم الأحيان وخجولا حينا، يذهب هؤلاء إلى تفسير موقفي من إيران على أنه ناتج عن حقد وكراهية لإيران الولي الفقيه وحقد على بلاد عانيت في معسكرات الأسر فيها ما لم تنجح هولويود في الإرتقاء على غاطسه أو اختراع قصة أو شيء من عالم الخيال يماثله لا على يد النازيين في الحرب العالمية الثانية، أو ما تعرض له أسراها في الحروب الأمريكية العدوانية في الهند الصينية أو شرقي آسيا، أو ما عاشته جمهوريات الاتحاد السوفيتي في الحقبة الستالينية أو الصين إبان الثورة الثقافية، وما درى أولئك أنني كنت معلقا سياسيا في المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون منذ 17 تموز 1968 وأهم ما كنت أتصدى لمعالجته "الخطر الإيراني" الذي أضعه في موقع يتقدم على كل ما عداه من أخطار أخرى بما في ذلك الخطر الإسرائيلي.
ومع أن التسامح ثقافة خاصة بالانبياء، ومن يمتلك ناصيتها هم أولئك الذين اختصهم الله سبحانه بصفات الكمال، إلا أن المرء لا يستطيع مغادرة دائرة الشعور بالخطر الأعظم والتدرج نزولا إلى الأقل وتفعيل خزين مرارة التجربة الخاصة مع قوم كرسوا جهدهم لنخر الإسلام من الداخل وتدمير الأمة التي حملت رسالته حتى أوصلته إليهم، ومع أن من حقي أن أحمل على إيران كل ما يمكن أن اتمكن من حمله من كراهية واحتقار ودعوات بالزوال ونزول الكوارث عليها من دون فاصلة، إلا أنني أردت أن أصوّب خطأ وقع فيه كثير من الأصدقاء وهو الظن أنني أكره إيران بهذه الدرجة بسبب معاناة الأسر مع أن من حق الإنسان أن يحمل بين أضلاعه كل عوامل الضغينة على من آذاه ويديم وهجها كلما خبت نارها.
لقد تطوعت لألوية المهمات الخاصة خريف عام 1981 عندما كنت مديرا عاما لدائرة الإعلام الداخلي في وزارة الثقافة والإعلام وكنت مكلفا برئاسة وفد العراق إلى مؤتمر اليونسكو الذي كان مقررا عقده في مكسيكو سيتي عاصمة المكسيك ربيع 1982 وهو ما كان يبيح لي عدم التطوع، لكنني أصررت على الاعتذار عن المهمة الرسمية والتمسك بشرف القتال ضد فارس الشر، لأنني ومنذ أن بدأت التعرف على ما يحيط بي من أفكار وممارسات وظواهر سياسية ودينية واجتماعية، تأكدت أن إيران هي العدو الأول للعرب كأمة والإسلام كدين سماوي، لأن إيران تحملهما مسؤولية سقوط إمبراطورية فارس المجوسية التي عجزت عن مواجهة الإسلام علانية فحشدت جيوش التقية للقضاء على الدين الجديد وهذا ما ظلت تفعله لأربعة عشر قرنا من دون يأس، فالأسر الذي حصل لي ولنحو من 80 ألفا من العراقيين أضاف حزما وإصرارا على تنمية الوعي بالخطر الفارسي فالوعي ذاك هو سبب للوقوع في الأسر وليس ناتجا عن محنته، هو نتاج وعي مبكر بالخطر الإيراني، وإن كان كان قد أضاف عندي عمقا فكريا لتفسيرات هذا الخطر على الأرض.
من أكثر ما كان يؤلمني أن بعض الأصدقاء من غير العراقيين بل وبعضهم من العراقيين، كان يتوجهون إلي بسؤال يتكرر بعدة صيغ... "ألم يكن ممكنا تجنب خوض الحرب مع إيران؟ هل تم توريط صدام حسين بهذه الحرب؟".
هذا السؤال يبدو وكأنه يخفي تفسيرا آخر للحرب، يستحيي القول لي بأنكم بدأتموها، ويتجاهل هؤلاء حقيقة أن وصول الخميني إلى السلطة في إيران في 11/2/1979 اقترن برفع شعار "تصدير الثورة" الذي يجسد نزعة التسلط والانتقام التي يمكن اعتبارها محركا لكل ما عاشته المنطقة من اضطرابات وفتن دينية ومذهبية، وبقدر دهشتي من استمرار البعض في طرح السؤال على الرغم من تحريك إيران لكل أدواتها في الوطن العربي والعالم الإسلامي وإنفاقها مليارات الدولارات على زرع الخلايا والمنظمات التابعة لسلطة الولي الفقيه، الفرق في نقطة واحدة وهي أن صدام حسين كان أكثر الزعماء العرب وعيا بالخطر الذي يمثله الخميني كشخص والمؤسسة الدينية في قم والمؤسسة السياسية في طهران على الوطن العربي، وليس عليه أو على نظام حكم البعث وإن كان من حقه ومن واجبه كقائد تاريخي أن يقود بلده نحو شواطئ الأمن والازدهار، وكان أكثرهم جسارة على التعاطي معه بفعل واع ومستكمل لشروط النجاح، وإلا هل سأل العربي نفسه ماذا جاء بإيران إلى إلى لبنان وزرع حزب "الشيطان" وهل لبنان بلد مجاور لإيران؟ أم أن إيران تريد التحول من دولة لها حدود سياسية إلى مشروع إمبراطوري يسعى للتحكم بالممرات الملاحية الدولية ويتصرف كصبي معتوه يرمي الحجارة في طرق كلها من زجاج؟ وما هي أهداف إيران من دعم الأقلية العلوية في سوريا على حساب الأغلبية الساحقة من الشعب السوري؟ وهل كان صدام حسين هو من يحكم سوريا؟ قليلا من الإنصاف.
وما هي دوافع إيران لبذل أقصى ما تمتلك من جهد وطاقة وخبرة ومال وإغراء لنشر التشيع في ليبيا القذافي حتى أوصلته إلى الحديث عن إحياء الدولة الفاطمية؟ وما هي أسباب إيران للتحرك في الجزائر والمغرب ومصر واستجلاب الطلاب للدراسة المجانية في "حوزاتها وجامعاتها" مستغلة ظروف الفقر المدقع الذي تعاني المجتمعات العربية نتيجة ظاهرة الفساد السياسي والمالي والإداري وإنشغال النظام الرسمي العربي بمواجهة الجماهير بدلا من التفاعل معها لعبور مرحلة تاريخية بكاملها بسلاسة وأمن، هل سأل مثقف عربي واحد نفسه بتجرد ... "لماذا تخوض إيران هذه الحرب الشرسة في سوريا والتي أجهزت على أكثر من نصف مليون سوري وشردت أكثر من نصف الشعب السوري ودمرت مدنا بكاملها حتى كأنها تعرضت لقصف بسلاح نووي، أما ما يجري في لبنان واليمن وإدخال المنطقة في حروب بالوكالة بعد أن ضمنت إخراج العراق من معادلة الأمن القومي العربي، بتواطؤ مؤسف ومحزن وغبي من جانب النظام الرسمي العربي استجابة لتحريض غربي بأن عراق صدام حسين القوي هو أخطر عليكم من إيران وإسرائيل فبلع النظام العربي الرسمي الطعم فصار ضحية لسوء تقديره وخطأ حساباته، هذا هو ما أطلق يد إيران بلا رادع خارجي مع إنعدام الرادع العربي والرادع الأخلاق الإيراني ما يمكن أن يعطي جوابا شافيا عن أن الحرب العراقية ضد إيران كانت هي الحرب الدفاعية التي لا بد من خوضها وهي وحدها التي أخرت المشروع الإيراني ربع قرن من الزمان"؟
بل هل فكر عربي واحد بما يحصل على امتداد الكرة الأرضية من نشاط إيراني مسكوت عنه أمريكيّا وروسيّا وإسرائيليّا؟ بل نشاط تزيل من أمامه بلدوزرات تابعة لتلك الأطراف كل ما يعترضه من صعوبات ومصدات؟ ولنأخذ ما جرى أو يجري في السودان ونيجيريا وماليزيا وكلها مجتمعات إسلامية تخضع لنشاط حركة التبشير الشيعي، في حين أن إيران تتعمد عدم التحرك على المجتمعات التي تنتشر فيها الديانات الوثنية، ألا يعتبر هذا السلوك دافعا لطرح أسئلة عن سطوة نزعة الهيمنة على المسلمين وكسبهم للتشيع على أساس بدعة "ولاية الفقيه"؟
إيران تستحق منا فضح مشروعها التوسعي الذي يزرع الكراهية ويصنعّها ثم يسوقها على سائر المجتمعات، وإيران تستحق من كل مضرر من سياستها اعتماد كل الأسباب الضامنة لاستعادة حق مستلب ووضع حد لتخدير الناس البسطاء والسذج من العراقيين خاصة تحت تأثير أفيون قم وطهران أفيون الفتنة الطائفية.
بعد خروجي من المستشفى أتقدم بأصدق ما أمتلك من مشاعر الامتنان لكل من هبّ لزيارتي في المستشفى وأنا تحت وقع السكتة الدماغية، أو سأل عني هاتفيا أو بعث لي برسالة أو زارني في منزلي بعد خروجي من المستشفى، ضارعا إلى الله أن يمن على الجميع بسلامة الأبدان والأوطان وأن يضع حدا لغربة الغرباء ومعاناة المشردين في جهات الأرض.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018