ردّا على تخرّصات ناصريّي الصّدف هذه الأيّام: بذاءات الصّغير محسن النّابتي عن التّيّار الشّعبيّ في تونس مثالا.
الجزء الثّاني
لقد تعامل ناصريّو الصّدف مع مسألة احتلال العراق بطريقة معيبة ومستهجنة، وتعمّق استخفافهم بالمأساة العراقيّة منذ عام 2011 تاريخ تسليم العراق للإيرانيّين، فأضحى متاحا ومشروعا لدى منظّريهم الموتورين من أمثال المتساقط معن بشور قلب الحقائق وتزوير التّاريخ وتزييف الحاضر. وكانت هذه الانحرافات مدروسة ومملاة من الرّاعي الإيرانيّ الرّسميّ لهؤلاء، لذلك أنكر هؤلاء واقعا لا مجال للتّعامل معه بازدواجيّة في المعايير، وتغاضوا بالتّالي عن حقيقة الاحتلال الفارسيّ الصّفويّ الخمينيّ المجوسيّ الإيرانيّ للعراق.
فالعراق محتلّ احتلالا إيرانيّا رسميّا لا يمكن التّذاكي حول إقراره وتثبيته، ولقد أكّد على هذا الواقع وشدّد عليه الأمين العام لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ عزّة إبراهيم في حواره الأخير مع جريدة القدس العربيّ في 18-10-2016 وفصّل فيه سياسات إيران وجرائمها في العراق حيث تذكي الحروب الطّائفيّة وتؤجّج الصّراعات المذهبيّة والعرقيّة والاثنيّة لتسهّل توغّلها وسيطرتها على العراق والانطلاق منه لبقيّة الوطن العربيّ وهي بذلك تخدم المخطّط والدّسيسة الامبرياليّة الاستعماريّة والصّهيونيّة الكبرى الهادفة لمعاودة تفتيت المفتّت وتجزئة المجزّئ وتشظية العرب وتوزيعهم على كنتونات مهترئة ضعيفة متناحرة ومتباغضة فيتيسّر للأعداء جميعهم شفط ثرواتهم وإقصائهم عن دورة الفعل الحضاريّ والإسهام فيها.
وحين يركن هؤلاء لخيانتهم للعراق وهو اللّبنة الرّئيسيّة في التّركيبة العربيّة طيلة التّاريخ بما له من تاريخ عريق ومخزون حضاريّ متميّز، وهي خيانة آليّة للعرب وللعروبة، وحين يتشبّثون بالقفز على هذه المسائل، فإنّما ينبع فعلهم ذاك من ارتباطهم الوثيق بإيران الأمر الذي يجبرهم على تجاهل ضلوع الفرس المباشر في جميع المصائب التي تلحق العرب، وهو فعل دنيئ ودور كارثيّ يتنزّل في اصطفافهم خلف الفرس لغاية التّسريع بإنجاح المخطّط الإيرانيّ من حيث يريدون التّسويق الكذوب لحيلة النّهوض بأمّة العرب وتحقيق مصالحها في إطار التّمترس خلف حجج مقارعة العدوّ الصّهيونيّ وهي الحجّة التي لم تعد قادرة على التّغرير بأحد لأنّه لا يستوي واقعا ادّعاء الجهوزيّة لقتال الصّهيونيّة من جهة وتزامن ذلك مع تخندق واضح مفضوح مع عدوّ لا يقلّ خطورة عن العدوّ الصّهيونيّ.
وفي هذا السّياق، يصرّ هؤلاء على التّمسّك بضرورة التّفرقة بين طبيعة الصّراعين العربيّ الصّهيونيّ والعربيّ الفارسيّ ويقدّمون الأوّل على أنّه صراع وجوديّ بينما يحصرون الثّاني في صراع حدوديّ.
إنّ هذه التّفرقة الميكانيكيّة السّطحيّة لا أساس لها من الصّحّة، حيث وإن يعدّ الصّراع العربيّ الصّهيونيّ صراعا وجوديّا مفتوحا لا نهاية له إلاّ بإنجاز مهمّة طرد الكيان الغاصب اللّقيط وتحرير فلسطين التّاريخيّة كلّ فلسطين من النّاقورة إلى أمّ الرّشراش ومن النّهر إلى البحر، وهو الأمر الذي لا يختلف حوله عاقلان، فإنّ حصر الصّراع العربيّ الفرسيّ في بوتقة صراع الحدود مغالطة كبرى وطمس للحقائق ولأخبار التّاريخ والحاضر بل وأيضا للمستقبل بالنّظر لمخططّات الإيرانيّين متوسّطة المدى وبعيدة المدى أي التّكتيكيّة المرحليّة المتحوّلة والاستراتيجيّة الثّابتة.
إذ ما الذي يقصده أصحاب هذه الطّرح وهذه التّفرقة وهذا التّأصيل الذي لا يرقى لمرتبة التّهريج؟ فهل أنّ طبيعة الصّراع وجوديّا كان أم حدوديّا يتحدّد بطبيعة العدوّ؟؟ بمعنى أدقّ هل نستسلم للسّمة الوجوديّة في الصّراع مع الصّهيونيّة فقط لأنّها زرعت في قلب الوطن العربيّ كيانا هجينا؟ وهل في المقابل نقتصر في حكمنا على طبيعة صراعنا مع أيّ عدوّ آخر من الأجوار الطّامعين الحالمين بابتلاع الأمّة وتذبيح أبنائها ونهب ثرواتها وطمس كيانها ومعالمه، بحصره في مربّع الصّراع الحدوديّ بناء على الاشتراك في الحدود؟
إنّ مثل هذه المقاربات لا ترقى في الواقع لمجرّد خواطر صبية مبتدئين لا في عوالم السّياسة وفي رحلة النّضال الشّاق الطّويل، بل في تلمّسهم لاكتشاف دنياهم. وإلاّ فكيف يقبل أصحاب هذا الرّأي القاصر والماكر أن يصنّفوا احتلال أربعة أقطار عربيّة كاملة وإطلاق اليد الطّولى للميليشيّات الطّائفيّة الإرهابيّة ولفيالق الجيوش والطّلائع الحربيّة الفارسيّة لتقتيل العرب وتسليط أبشع الممارسات التّعذيبيّة عليهم والتّنكيل بهم وتصفيتهم على الهويّة، وتوعّد البقيّة بنفس المآل، والتّبجّح بتطويع العرب قسريّا ورهنهم للوليّ الفقيه، في خندق مجرّد النّزاع الحدوديّ؟؟
قد نقبل في أسوأ الحالات وعلى سبيل التّسليم بمثل هذه التّحريفات والمغالطات، فنقول إنّ صراع الفرس مع العراق قد يصحّ فيه الطّابع الحدوديّ رغم إيماننا وإدراكنا لأنّ عداء الفرس للعراق إنّما هو من ضمن عدائهم لكلّ الأمّة العربيّة وما حرصهم على إضعاف العراق وتحييده وتخريبه إنّما لإدراكهم للثّقل العراقيّ في معادلة الدّفاع العربيّة، فما الذي يجمع بين الهضبة الإيرانيّة وبين اليمن مثلا أو بينها وبين سوريّة أو السّعوديّة أو البحرين؟ هل من حدود للفرس مع هذه السّاحات؟
فما يدفع الفرس في تعاملاتهم مع العرب وسياساتهم نحوهم هو تلك العقيدة العنصريّة الاستعلائيّة بلا استحقاق حقيقيّ ولا سند يقرّ بذلك، والنّزعة المتغطرسة القائمة على النّظرة الدّونيّة للعرب وتقزيمهم واستمراريّة الحكم عليهم بأنّهم مجرّد بدو رحّل وقبائل متناحرة متناثرة محكومة دوما بسيطرة الآخر عليها وضرورة تبعيّتهم للخارج وخصوصا الفرس، ناهيك عمّا استقرّ في دواخلهم من مركّبات نقص حضاريّة تجاه العرب لا تنتهي وهي التي يوقنونها ويدركونها أكثر من غيرهم ويتصرّفون بالتّالي في تعاطيهم مع العرب دوما بعقلية الثّارات والأحقاد.
هذا وتقوم ولاية الفقيه المتخلّفة، وهي المنظومة القائمة والحاكمة في إيران منذ استيلاء المقبور الخميني على ثورة الشّعوب الإيرانيّة في 1979 بدعم مخابراتيّ امبرياليّ أمريكي أوروبيّ صهيونيّ كبير، في أهمّ ما تقوم عليه على ضرورة ضمّ العرب لما يسمّى بالدّولة الإسلاميّة الكبرى وما يعنيه ذلك من إذلال وامتهان وإذلال وحملهم على التّشيّع الصّفويّ القسريّ والتّخلّي عن كلّ الموروث العربيّ الأصيل واستبداله بآخر فارسيّ أصفر.
وهو ما يفسّر طبيعة الاعتداءات الفارسيّة الإيرانيّة المتلاحقة على العرب والتّآمر على مصالحهم والتّخندق دوما مع أعدائهم.
فولاية الفقيه التي يستميت في الدّفاع عنها والتّرويج لها ناصريّو الصّدف وزمن المسخ هذا، هي عقيدة عنصريّة شوفينيّة شعوبيّة تقوم أساسا على تفوّق العرق الفارسيّ على غيره من الأعراق وخصوصا العرب، وهي تطمح لا للانتشار فقط في المحيط الإقليميّ وضمّه إليها وجبره على اتّباع أحكامها وتعاليمها، بل هي تمنّي النّفس بالسّيطرة على كلّ العالم والأمم والأقوام، وإنّما تخفي ذلك وتعوّل على تقيّتها السّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة أوّلا وتتحيّن توفّر الظّروف السّامحة ببدء تنفيذ تلك الأحلام.
وإنّه بمقارنة بسيطة بين أسس الصّهيونيّة العالميّة وغاياتها وتكتيكاتها واستراتيجيّاتها وبين نظيراتها الفارسيّة الصّفويّة الخمينيّة المجوسيّة، نتبيّن التّماهي منقطع النّظير بين العقيدتين الشّعوبيّتين الاستعماريّتين الاستيطانيّتين تماهيا على جميع المستويات.
وبالتّالي، فإنّ إنكار صفة العداء الوجوديّة الفارسيّة للعرب هو من باب ذرّ الرّماد في العيون والتّحذلق في مساعي إسقاط العداء عن معسكر الشّرّ والرّذيلة في قٌم ومشهد.
بل إنّ الصّراع الحدوديّ بطبعه يتحوّل ويرتقي لمرتبة الصّراع الوجوديّ ويتحقّق ذلك بتوفّر جملة من العوامل الأساسيّة، وكما بيّنا كثيرا في هذه الأسطر، فإنّ كلّ شروط وجوديّة الصّراع العربيّ الفارسيّ متوفّرة ومتعدّدة انطلاقا من الطّابع الاستيطانيّ لاحتلال الفارسيّ والسّمة العنصريّة ناهيك عن الثّارات والأحقاد وبقيّة الجرائم التي يضيق المجال لتفصيلها.
وتسقط، على ما تقدّم، محاولات استغباء الجماهير وتدجينها وحملها على التّسليم بفضل فارسيّ مسموم يترصّد أمّة العرب ويعمل على محو العروبة.
وبالعودة للصّراع العربيّ الصّهيونيّ، ورغم تشديدنا على أنّه صراع ممتدّ ومفتوح وهو الصّراع الأهمّ والأخطر، فينبغي هنا تحديدا إماطة اللّثام عن ذلك المخدّر المصنوع في أقبية ومخابر المخابرات الإيرانيّة ومغزاه أن يظلّ ذلك الصّراع شمّاعة تعلّق عليها التّنظيمات والهيآت التي يفترض أن تساهم بل وتتقدّم المساعي والجهود الجبّارة لرفع لواء الأمّة العربيّة، لتبرير غيره من الأخطار الوجوديّة المتصاعدة وتغفل بالتّالي طرفها عنها حتّى وإن فاقت في نتائجها وتداعياتها ومخطّطاتها ومراميها الخطر الصّهيونيّ.
فإسرائيل الشّرقيّة تحتلّ مساحات أزيد بعشرات المرّات ممّا تحتلّه أختها الصّغرى إسرائيل الغربيّة، وإسرائيل الشّرقيّة قتّلت وذبّحت في السّنوات الخمس الأخيرة مئات أضعاف ما قتّلته شقيقتها طيلة السّبعين عاما من انتصابها على أرض فلسطين، فكيف بعدئذ يصرّ هؤلاء على التّمسّك باختلاف طبيعة الصّراعين العربيّ الصّهيونيّ والعربيّ الفارسيّ الصّفويّ المجوسيّ؟
وكيف يسوّل فريق واسع منهم لنفسه أن ينتسب ولو ادّعاء للزّعيم جمال عبد النّاصر، ثمّ يتزامن ذلك مع استماتتهم في التّقليل من خطورة الطّابع الاستعماريّ الاستيطانيّ الشّعوبيّ المسكون بالثّارات والأحقاد عند الفرس بل ويفاخرون بعملهم كمرتزقة متقدّمين ضمن ميليشّيات التّقتيل الطّائفيّ سواء كانت مسلّحة أو مجرّدة؟
أمّا فيما يخصّ سوريّة، فعلى هؤلاء الذين يقيمون الدّنيا ويصدّعون رؤوس العالمين بصراخهم ونشازهم القاضيين بأنّهم المدافعون الأخيرون والوحيدون المعنيّون حصرا بالصّراع العربيّ الصّهيونيّ، وأنّ ذلك دافعهم للحضور بكلّ ثقلهم في سوريّة على اعتبار أنّها آخر قلاع الصّمود، فلا بدّ هنا من التّوضيح الصّريح بأنّ هذا الانتصار لسوريّة هو أيضا انتصار مغشوش ومخاتل، فهو ليس انتصارا لسوريّة كلّ سوريّة، بل هو انتصار للنّظام الأسديّ فيها وهو الحليف الاستراتيجيّ والتّاريخيّ للعدوّ الفارسيّ الإيرانيّ.
وبربط سريع وبرقيّ بين موقفي ناصريّي زمن المسخ هذا من الملفّين السّوريّ والعراقيّ نتبيّن حقيقة الولاء لغير الأمّة العربيّة وتقديم مصلحة الأعداء على مصلحتها القوميّة. ويظهر ذلك من خلال التّناقض الفارق حيث يعادون ثورة أحرار العراق على العمليّة الاحتلاليّة المنصّبة والباطلة ويسعون لتشويهها بشتّى السّبل، ويجرّمون بعض الأنظمة العربيّة بتهمة استقدامها لقواعد عسكريّة أمريكيّة، وفي نفس الوقت يمتدحون النّظام الأسديّ المجرم ويشيدون باستقدامه للجيوش الفارسيّة وخاصّة الرّوسيّة والسّماح للدّبّ الرّوسيّ باستخدام قواعد في طرطوس واللاّذقيّة وغيرهما.
إنّ المواقف لا تتجّزأ، ولا تتلوّن حسب الأهواء وحسب الإملاءات، فنحن إذا أدنّا مثلا دول الخليج لاستقوائها بالأمريكيّ وهو فعل مدان ولا ريب – ولا يمكن لأحد في الدّنيا قاطبة أن يزايد علينا في هذا الخصوص – فإنّ المنطق والمبدئيّة يجرّمان قطعا إشادتنا باستقواء الزّمرة الأسديّة بالرّوس والفرس بل وبالميليشيّات الطّائفيّة التي تعيث في سوريّة فسادا وتذبيحا وتشريدا.
ولا نعلم سرّ هذا التّغنّي المشطّ بالنّظام الأسديّ عند هؤلاء، ولا نعلم إن كانوا يعلمون حقيقة تشكّله وحقيقة مراميه وطبيعة المهامّ التي تعهّد بها لمن دعمه ورعاه ونصّبه؟
فبإطلالة سريعة على التّاريخ وما بالعهد من قدم، سيصدم المفتونون بالنّظام الأسديّ بحقيقة ظهور حافظ الأسد وكيف تمّ انتدابه من قبل بريطانيا لأسباب كثيرة وخطيرة في نفس الوقت لعلّ أبرزها:
1- خلق حالة نقيضة ومشوّهة للمشروع القوميّ الوحدويّ التّحرّري النّهضويّ الإنسانيّ لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ من داخل هياكله أو من فضاءاته بأكثر دقّة، بحيث ينقلب على الحزب ويدّعي أحقّية تمثيليّته والعمل باسمه ظاهريّا فقط بينما تكون الأهداف والغايات بالاستفادة من عامل القوّة والنّفوذ والدّعم الخارجيّ مغايرة تماما بل لا تخدم غير مصالح أعداء الأمّة، وبذلك تشقّ الخيمة القوميّة الجامعة والسّاعية لتوحيد العرب وتحرير أرضهم والسّيطرة على ثرواتهم وفق ما تنصّ عليه ثوابت حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ ومشروعه وخطّه النّضاليّ العامّ.
2-الحفاظ على أمن الكيان الصّهيونيّ الغاشم، وهي المهمّة الأسمى التي تعهّد حافظ الأسد بالقيام بها على أكمل وجه خلال لقائه السّرّي مع سفير بريطانيا في الأردن ومن ثمّ تحوّله لبريطانيا أين التقى وزير المستعمرات البريطانيّة عام 1965. وخلال هذا اللّقاء وعد الوزير البريطانيّ حافظ الأسد بتمكينه من حكم سوريّة ومساعدته على تثبيت حكمه فيها وطٌرحت عليه حزمة من الأوامر والثوابت التي لا ينبغي الحياد عنها، وكان ردّ حافظ الأسد أنّه على أتمّ الاستعداد للانضباط لكلّ ما تطلبه بريطانيا ما دام المقابل السّيطرة على دمشق والنّظام فيها.
إنّ أهمّ ما جاء في تعليمات وزير المستعمرات الصّارمة والدّقيقة هو "" إنّ " إسرائيل " وٌجدت لتبقى "".
وكان ردّ حافظ الأسد بالقبول والتّعهّد بالتقيّد بهذه المتلازمة الأعلى وهذا الأمر الأخطر، وهو ما تعكسه كلّ سياساته فيما بعد.
شكّلت هتان النّقطتان المحور السّياسيّ الأبرز بل الأوحد في أداء النّظام الأسديّ وقراراته وسياساته، ويتوضّح ذلك من خلال حلقة الغدر التي دشّنها حافظ الأسد ضدّ الحزب وضدّ الأمّة. فلقد تقدّم حافظ الأسد فصول المؤامرة على حزب البعث بالانقلاب عليه في ردّة شباط 1966 واختطافه ناهيك عن تشريد وملاحقة واعتقال مناضليه وقادته بل ووصل به الأمر حدّ الحكم بإعدام مؤسّس الحزب وأمينه العامّ ميشيل عفلق، ثمّ تجلّت بقيّة التّحريفات وضرب معالم النّظريّة القوميّة العربيّة الثّوريّة الأصيلة للبعث فغدا بعث حافظ الأسد - والبعث منه براء - بعثا فئويّا عائليّا طائفيّا في تعدّي صارخ على ثوابت البعث الأصيل ذلك الحزب الثّوريّ الانقلابيّ القوميّ الذي أسّس وحرّض جماهير الأمّة على الثّورة على ذاتها ومسبّبات وهنها وتخلّفها والقطع مع التّرسّبات الجاذبة للخلف من أنانيّة ونفعيّة وعشائريّة ومناطقيّة وجهويّة وقبليّة وإقليميّة وغير ذلك وهو ما تغصّ به منتوجات البعث ومواقفه وبياناته المعروضة وسياساته ونضالاته الموثّقة.
وهو ما يفسّر بالتّالي سبب تخندق النّظام الأسديّ مع العدوّ الفارسيّ في عدوانه الغادر على العراق عام 1980 بقيادة المقبور الخميني وكان ذلك أحد أهمّ حلقات الاستهداف المسلّح المباشر للحزب ولدولته ولمشروعه النّهضويّ الشّامل وهي المهمّة التي تكفّل بها كلا المجرمين الخميني وحافظ الأسد وسارا على ضوئها سويّا علاوة على ارتباط الأسد ونظامه بإيران من منطلقات طائفيّة صرفة حيّرت المتابعين وذلك لأنّ الأحرى بمن هو عربيّ أن يساند أيّ عربيّ آخر مهما بلغت الخلافات الدّاخليّة والاختلافات الثّنائيّة بينهما ويقف معه ضدّ أيّ عدوان أو تهديد خارجيّ وهذه من الأسس المنطقيّة والأعراف الأخلاقيّة والسّياسيّة والاجتماعيّة التي لا تحتاج لبرهنة أو تبيان.
بل إنّ المثير للانتباه حقّا في هذا الصّدد، أنّ طائفة الأسد العلويّة مكفّرة من قبل كلّ المراجع الشّيعيّة لحين قدوم خميني فقام بفضّ ورفع ذلك الحكم لتحقيق المهامّ الموكولة لهما من قبل أعداء الأمّة العربيّة بل وأعداء الإسلام أيضا، لأنّه ما من وهم أكبر من اعتبار ولاية الفقيه بقيادة الخميني جزءا من العالم الإسلاميّ لأنّ ما جاء به الخميني هو دين جديد لا صلة له بالإسلام ولا بهديه أبدا، وهو في الحقيقة دين الخميني وهو ما ينبغي التّأكيد عليه وشرحه وعرضه وتفصيله – وهذا ما سنعكف عليه في قادم الأيّام -.
ما أكثر صفحات الغدر والطّعنات التي وجّهها نظام الأسد للأمّة، ولعلّ من أشهر الحوادث معركة الجولان والتي يؤكّد من نجا منها من الضّبّاط والعساكر السّوريّين والعرب عن تسليمهم في صفقة خسيسة من طرف حافظ الأسد لقمة سائغة للصّهاينة وذلك بعد أن غيّر الخطط الموضوعة وعزل القطعات العسكريّة المتمركزة في الجولان وقطع عنها الاتّصالات والإمدادات اللّوجستيّة بكافّة أنواعها لتسقط بيسر في يد الصّهاينة، ولتستمرّ تحت قبضتهم لليوم.
هذا فضلا عن مشاركة النّظام الأسديّ في العدوان الكونيّ الامبرياليّ الجائر على العراق بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة فيما يعرف بحفر الباطن، لتتواصل مظاهر ضرب الثّوابت القوميّة العربيّة الثّوريّة الأصيلة طيلة سنوات الحصار ومن بعدها غزو العراق وما شهده من تواصل لصفحات الخيانة التي تلطّخ تاريخ الزّمرة الأسديّة دوما ويكفي الإشارة فقط لتسليم الأسد الصّغير لعشرات القادة عسكريّين وحزبيّين للعدوّ الأمريكيّ وهذا ملفّ ضخم وموثّق ومؤكّد لا سبل أمام مريدي هذا النّظام الخائن للتّشكيك فيه.
وبمناسبة الخوض في مسألة الجولان، ولتبيين أنّ لا صحّة للادّعاءات والتّرويج للنّظام الأسديّ على كونه نظام ممانعة ومقاومة بإسناد قويّ من إيران البغي والتّآمر، فإنّ النّظام الأسديّ لم يطلق منذ احتلالها رصاصة واحدة باتّجاه مغتصبيها ولم يصدر لا سياسيّا ولا ديبلوماسيّا ولا قانونيّا ما يشي بأنّه مهتمّ باستردادها.
ويظلّ هذا الحكم - مسألة الجولان - ساريا على النّظام الأسديّ برأسيه، الأب والابن.. فوريث أبيه - هذا الذي يحرق أرض سوريّة ويدقّ أعناق أهلنا هناك ويسحقهم سحقا بلا وازع أخلاقيّ ولا إنسانيّ، والذي يقدّمه ناصريّو الصّدف والحَوَل القوميّ على كونه بطلا قوميّا يجب الالتفاف حوله، لينطّوا بعدها لتبرير انغماسهم في المشروع الفارسيّ الشّعوبيّ على تلك الأسس بتعلّة أنّ لإيران الفضل في الإبقاء على هذا البطل وبالتّالي فإنّه من باب ردّ الجميل والاعتراف لأهل الفضل بفضلهم ، وفي ذلك السّياق ينضوي تحالفهم مع الفرس- لم يجرؤ على الرّدّ على إعلان الحرب الصّهيونيّ الذي أطلقه الإرهابيّ المجرم بنيامين نتنياهو من أرض الجولان قبل قرابة الثّلاثة أشهر حيث أكّد على أنّ اجتماع القيادة السّياسيّة والعسكريّة الصّهيونيّة في الجولان هي رسالة للعالم مفادها " أنّ على هذا العالم أن يدرك أنّ الجولان صهيونيّة للأبد، وأنّه لا تراجع عن ذلك ".
فكيف صمت نظام الأسد الصّغير وحليفه الفارسيّ الإيرانيّ وهما ضلعا المقاومة والممانعة الأبرزان وهما اللذان يتقدّمان للتّصدّي للخطر الوجوديّ الصّهيونيّ عن مثل ما صدر عن ناتنياهو؟ وكيف صمت معهما بقيّة نغول إيران ومندوبيها الموزّعين في الوطن العربيّ ومن بينها ما يسمّى بالجبهة العربيّة التّقدّميّة؟؟
ألم يكن من الأجدى أن توجّه سوريّة الأسديّة ومن معها كلّ ثقلهم وترسانتهم الحربيّة ومواردهم وطاقاتهم الماديّة والبشريّة للرّدّ على الصّهيونيّ بدل تدمير حلب والرّقّة ودرعا والغوطة وغيرها؟
-يتبع-
أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 24-10-2016