سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

بدعة «اجتثاث البعث» عار في جبين الديموقراطية الأميركية
وتكرار التلويح به دليل على أن البعث يمثل الخطر الأوحد على كيان الاحتلال
حسن خليل غريب في 2/ 2/ 2015
مع اعترافنا بحقوق كل الألوان التي خلقها الله على هذه الأرض في العيش بحرية وكرامة والحق بتقرير المصير، فألون البشر الأربعة كلهم خلق الله، ولأجلهم جميعاً زرع في الإنسان غريزة الحرية والمساواة، فلا «فضل لعربي على أعجمي إلاَّ بالتقوى». ولا فضل للون على آخر إلاَّ بمقدار ما يقدمه للإنسانية من منافع. ولهذا فإن البعثيين ليسوا «هنوداً حمراً» كما ليسوا من «العرق الأسود»، لكي تخضعهم إدارة الرأسمالية الأميركية لإرادتها وتوظفهم خدماً في بلاط أباطرتها الرأسماليين.
وخلافاً لإرادة الله في خلقه، تكوَّنت الإيديولوجية الأميركية على تفضيل اللون الأبيض ونصَّت على أنه من واجبات البشرية كلها أن تخضع لسلطة لونهم المفضَّل، وتتناوب على خدمته. وإن هذه الإيديولوجية تستند إلى ما جاء في كتب التاريخ نقلاً عن لسان كبار مؤسسي أميركا. وعن ذلك سننقل بعض ما جاء في كتب التاريخ الأميركي، على ألسنة بعض قادتهم، ومن أهمها الشواهد التالية:
-في العام 1855، قال أحد أشهر الأطباء الأميركيين: «إن إبادة الهنود الحمر هو الحل الضروري للحيلولة دون تلوث العرق الأبيض. وإن إصطيادهم إصطياد الوحوش في الغابات مهمة أخلاقية لازمة لكي يبقى الإنسان الأبيض فعلاً على صورة الله».
-كما أن الرئيس أندره جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولاراً، هو الذي رفع شعاره الشهير «اقتلوا الهنود واسلخوا جلودهم، لا تتركوا صغيراً أو كبيراً ، فالقمل لا يفقس إلا من بيوض القمل».
وعلى مكاييل تلك الإيديولوجية، التي قال عنها فرنسيس فوكوياما، الفيلسوف الأميركي، أنه على أعتابها سيكتب اللون الأبيض الأميركي «نهاية التاريخ»، صدر القرار الأميركي الأول «اجتثاث البعث» الذي أعلنه بول بريمر، حاكم العراق بعد الاحتلال، في الأول من أيار من العام 2003، ولم يكن من المستغرب أن الإعلان جاء مترافقاً مع إعلان جورج بوش، الرئيس الأميركي الذي في عهده تم احتلال العراق، في خطاب النصر الذي أطلقه من على متن أحد البوارج الأميركية. وكان يراد من ذلك القرار تطبيق إيديولوجيا القتل الأميركي بحق البعثيين الذين لم يتنازلوا عن أرضهم وقرارهم الوطني أمام إملاءات الإمبراطور الأميركي الأبيض. وهو قرار شبيه بالقرارات التي أصدرها مسؤولون أميركيون سابقون بحق الهنود الحمر حينما أصدروا أحكاماً بسلخ جلودهم.
وهنا، نتساءل: لماذا اجتثاث حزب البعث وليس غيره؟
إذا كان الهنود الحمر، أصحاب الأرض الأميركية الأصليين، قد شكَّلوا عائقاً في وجه موجة استيطان الأوروبيين البيض، فصدرت الأحكام بقتلهم وسلخ جلودهم، فإن حزب البعث لأنه يشكل العائق الأساسي في وجه موجة الاستيطان الثانية التي غزت العراق واحتلته، فكان لا بُدَّ من استئصاله، أي كان لا بُدَّ من اجتثاثه.
فقرار اجتثاث البعث في القرن الواحد والعشرين، هو شبيه بقرار استئصال الهنود الحمر في القرن الخامس عشر. وأما الفرق بينهما فهو أن قرار استئصال الهنود الحمر كان العامل الأول الذي أسهم في تكوين الإيديولوجية الأميركية وأكسبها الطابع الوحشي، فكانت الأكثر عنصرية في التاريخ البشري، وكان من السهل تطبيقها لأنها كانت بعيدة عن أنظار الرأي العام العالمي حيث إن هذا الرأي لم يكن موجوداً منذ خمسة قرون. فكان المستوطنون الأوربيون هم الجلاد البعيد عن المحاسبة والمساءلة.
وأما قرار اجتثاث البعث، الذي جاء بعد اكتمال تكوين إيديولوجية الجريمة الأميركية، وإن كان يحمل عناصر تلك الإيديولوجية وأركانها الأساسية، فإنه جاء في زمن مختلف وخصم مختلف.
وأما الزمن فهو وجود التشريعات الأممية والإنسانية، ووجود شهود عليها في حدها الأدنى على الرغم من سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على مؤسسات القرار الرسمي فيها.
وأما الخصم فهو مختلف عن الهنود الحمر لأنه قوي المراس ومتجذِّر الأسس في وعي الجماهير على مستوى العالم بشكل عام والعرب بشكل خاص. هو خصم، منذ اعتناقه عقيدة البعث، أقسم على أن الاستعمار آفة يجب اجتثاثها مهما بلغت العوائق والتحديات والتضحيات.
إن حزب البعث، ليس من الهنود الحمر الذي يسهل على الولايات المتحدة الأميركية، ومن كل ما يجاريها ويساعدها على اقتراف جرائمها في العراق، وهو ليس من اللون الأسود الذي يرغمه الأميركيون على خدمة اللون الأبيض الأميركي خاصة والغربي عامة، فلون البعث إنساني يدافع عن كل الألوان طالما هويتها إنسانية، ولن يركع أمام كل جرائم أميركا، ولن ترهبه قرارات الاجتثاث والتجريم مهما تذاكى عملاؤها وشركاؤها في إخراجها وتزويقها بكافة خدع الديموقراطية.
لم يكن اختبار البعث بالشيء الجديد، بل تجاوز البعث الاختبار الأقسى والأشد هولاً، على الرغم من تضافر قوة أميركا «الشيطان الأكبر» مع (إسرائيل) «الغدة السرطانية»، مضافاً إليهما قوة النظام الإيراني الذي يزعم زوراً أنه يحارب ذلك «الشيطان» ويزعم أنه سيقتلع تلك «الغدة»، هذا ناهيك عن كل الدول التي هربت من العراق بعد بقائها فيه أشهراً معدودة، حينذاك لم تتردد بالهروب عندما استشعرت بخطر (البعث) الداهم الذي حوَّل أرض العراق إلى ما يشبه (جهنم الحمراء) تحت أقدامهم. وإذا كان الآخرون قد تناسوا الدرس فإننا سنحيلهم إلى ما قاله جاك شيراك، الرئيس الفرنسي في تلك المرحلة.
وأما الآن،
وبعد أن تلطى الأميركيون وكل دول التحالف الذي شكلوه في العام الماضي، تحت قبعة «محاربة الإرهاب».
وبعد أن تخفَّى الإيرانيون تحت قبعة ما زعموا أنه حرب على «التكفيريين»،
فإن بنادقهم وطائراتهم و«حشدهم الشعبي المتمذهب»، تصوَّب ضد الإرهاب وضد التكفيريين بالشكل، ولكن أعينهم بالفعل مصوَّبة ضد البعث، فلماذا؟
بعد قرار بريمر،
وبعد مشروع قانون المساءلة والعدالة،
وبعد قانون المادة 4 إرهاب،
وأخيراً وليس آخراً بعد مشروع «قانون تجريم البعث»،
كلها قرارات وقوانين لم تأت تحت عناوين مكافحة الإرهاب ولا مكافحة التكفيريين، بل جاءت نهاراً جهاراً تحت عنوان البعث اجتثاثاً ومساءلة وإرهاباً- ليس لسبب إلاَّ لأن البعث يشكل العصا التي تقرع على رؤوسهم، وتضرب أقفيتهم، وتزرع الرعب في نفوسهم، لذا جاؤا بتقليعة جديدة هو إصدار الحكم بحق البعث وتجريمه من أجل اقتلاعه من نفوس العراقيين، ولكنهم بئس ما فعلوا. فإن البعث والشعب العراقي أصبحا يمثلان الثورة الحقيقية ضد الإرهاب والتكفير، بما يعلنانه من حق بتحرير بلدهم من كل آثار العدوان وشروره ومآسيه. وهما بالحقيقة، البعث والشعب العراقي، يقاتلان من أجل اجتثاث «الإرهاب الأميركي»، و«الحركة التكفيرية للنظام الإيراني».
ماذا يعني استمرار استصدار القوانين والقرارات المتتالية لـ«اجتثاث البعث»؟
إن دلالات الاستمرار لا تخرج عن كونها من أهم مظاهر قوة البعث، لأنه على الرغم من كل أنواع الجرائم التي ارتكبها التحالف الثلاثي بحق البعثيين، منذ احتلال العراق حتى الآن، يدل كل قرار جديد أو مشروع قانون أن البعث ما زال حياً يؤرق مضاجع كل من يريد اجتثاثه. والاستمرار باستصدارها ليس لضعف دبَّ في حركته بل لأن حركته النضالية ما تزال مستمرة ولم تضعف، وإنما الضعف يدبُّ في أوصال أعدائه، وإلاَّ لما كانوا يأبهون به لو كان ضعيفاً، أو ميتاً لأن الضعيف أو الميت لن يشكل خطراً على أحد.
فليطمئن البعثيون والقوميون في الوطن العربي وفي الخارج على أن حزبهم ما يزال بخير على الرغم من كل الصعوبات التي تحاصره، وعلى الرغم من كل الجرائم التي تُرتكب بحق مناضليه.
وإننا ننتظر من كل حركات التحرر في العالم أن لا تنسى إكليل العار الذي يتوِّج جبين كل أميركي سكت عن جرائم إدارته، وكل عربي فقد الأمل وأصابه اليأس بالتحرير وانحاز إلى جانب أعداء العراق، كما يكلل العار جبين كل إيراني أو من يتعاطف مع النظام الإيراني ساكتاً عن جرائم ذلك النظام بحق البعث والبعثيين. وللجميع نرفع النداء التالي: إلى متى تسكتون عن فعلة الأميركيين والإيرانيين الذين يستعبدون العرب وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟ وإلى متى تجهدون النفس لاستعباد البعثيين وقد تخرجوا من مدرسة حزبهم الذي دعاهم للموت في سبيل الحرية؟
وإذا كانت الإيديولوجيا الأميركية تعمل على قتل الناس كأنهم بعوضاً فنقول لهم: لقد تجاوز الزمن مرحلة حلم فيها الأميركيون أن التاريخ قد انتهى عند حضارتهم التي تستعبد الناس من أجل برميل من النفط يصب ثمنه في جيوب الطبقة الرأسمالية. وانتهى الزمن الذي حلموا به أنهم سيكتبون التاريخ على هواهم. وليعلموا أن الذي منعهم من تحقيق ذلك الحلم هم البعثيون عندما جابهوا مع حلفائهم طوابير الاحتلال، ومنعوهم من التلذذ بإعلان النصر، وألحقوا الهزيمة بأميركا، آلة عسكرية واقتصادية.
وإذا كانوا لم يقتنعوا، فإن الجواب يأتيهم من البعث الذي يؤرق مضاجعهم حتى الآن، وهو يمثل بفكره ونضالاته أمل الأمة في التحرر من الاستعمار.
وإنه بناء على ما جرى لهم بالأمس القريب، وطالما البعث حتى الآن يتعرض إلى تهديد من هنا، أو تهديد من هناك. باجتثاث من هنا، أو اجتثاث من هناك. بتجريم من هنا أو تجريم من هناك. فليتأكدوا أن البعث قوي قوة الصخر العربي، وستتحطم على صخوره كل موجات الإرهاب الأميركي، وكل موجات التكفير الإيراني. وسيرحل عن أرض الرافدين كل الأفاقين المستعمرين الآتين من شرق الوطن العربي أو من غربه. ولكن البعث سيبقى راسخاً قوياً مقتدراً عميق الجذور في عقول العراقيين وضمائرهم ليغسل العار بإخراج آخر طائرة أميركية من سماء العراق، وإخراج كل معتد آثم من جنود (فيلق القدس) وقادته.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018