سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الورقة التي أعدتها لجنة الثقافة في المنظمة الشبابية لحزب الصواب، للمشاركة في الأمسية التي أقامها فرع المنظمة في مدينة مكطع لحجار يوم 27/ 08/2016 بمناسبة الذكرى الثانية لانطلاق أنشطة المنظمة على المستوى الوطني.




( مدينة مكطع لحجار التاريخ والدور الوطني)

 المدينة التي تبعد عن العاصمة نواكشوط حوالي 315 كلمتر على طريق الأمل عند خط العرض 17 شمال خط الاستواء، وخط الطول 13.5 غرب خط اغرينتش، الهاجعة في منطقة التقاء صحراء ومجابات  (أكان) الكبرى مع أودية وسهول آفطوط. أخذت المدينة ( مكطع لحجار) اسمها نسبة إلى مجرى مائي جرفت مياه السيول في داخله عن جلاميد صخريه بين حبيبات الرمال وكتل الصلصال الطينية وهي المكونات المهيمنة في تضاريس الجغرافيا المحلية للمكان، ويوجد موقعه الأصلي الدارس غرب المجال الحضري الحالي للمدينة. وشكل تاريخيا نقطة عبو
ر و ممرا إجباريا للقوافل القادمة من الشمال إلى الجنوب في الأزمنة الخريفية الرطبة التي تغمر فيها مياه الأمطار الموسمية المنهمرة من العُدوات والآكام المحيطة هذا الجزء من آفطوط، حيث تسترخي جداول مياه مصبات الوديان الجنوبية والشرقية، لتكون اساسا للزراعات البعْلية للحنطة والقمح والبطيخ والفول السوداني، وغيرها من الغلال الوفيرة التي يزرعها الفلاحون وعليها جل اعتماد قوت أهل البلد. كما تشكل الأراضي العشبية المفتوحة حوله والمروج الصحراوية الكثيفة مكانا مثاليا للرعي والحياة البرية الطبيعية، ويتقابل هذا الممر االصخري الواقع على تخوم آفطوط الشرقي مع طريق إجباري للقوافل يمتد في غور صحراء ( أكَانْ) وظل في الحقب والآباد التاريخية البعيدة نقطة عبور إجبارية أخرى للتبادل التجاري بين شمال هذا الجزء من الصحراء وجنوبه، وعرفت هذه الطريق باسم ( الزمالة) ، إما لكونها من أقدم طرق القوافل التجارية بين مناطق الإنتاج الزراعي في الوسط والجنوب ( كيهيدي، شمامه، الغبرة) وبين مناطق الشمال واسواقه      ( أطار، سبخة الجل، واد نون)، أو لكونها طريقا وعْرا لا يستطيعه غير البزّل من الجمال.
وعلى ربوع هذا الجانب من افطوط الذي يشكل إداريا ثلث مقاطعة البراكنة استوطنت وإليه رحلت مجموعات جهاد كثيرة وبرزت داخل فضائه الفسيح شخصيات قاومت الاستعمار واستبسلت ضد غزوه الثقافي والديني، وحول أطلاحه ويتوحه وغدرانه الممتدة في كل اتجاه انتشرت حواضن تدريس العلوم الشريعة واللغوية وزوايا صوفية شكلت ولا تزال أهم خنادق الدفاع عن العقيدة والهوية والشرف والمحتد على المستوى الوطني.
 بدأت أولى محاولات إقامة سدود لحبس المياه واستغلالها الزراعي في المكان، بعد موجات الجفاف الماحق في النصف الأول من القرن الماضي أثناء بحث السكان المحليين عن توفير أسباب الاستقرار غير بعيد من حقول (كيمى) التي تعتبر مياه هذه المنطقة من أهم روافد مجرى واده الكبير. و كيمي مع غيره من أودية آفطوط: واد كتشي، الواد لبيظ... وسهول شمامة هي التي كانت ـ وما زال باستطاعتها إلى اليوم ـ أن توفر سلة الغذاء لأجزاء كبيرة من الأراضي الموريتانية، وجمال هذا المكان الطبيعي والحياة الإنسانية المترفة حوله في الازمنة السابقة هي التي  تغنى بها القاضي وشاعر مدينة مكطع لحجار وعالمها الكبير لمهابة لد الطالب أميجن ـ على هيبته ووقاره ـ في أبياته السائرة:
بسقط اللوى من لم عود عهود ** على مثلها العين الجمود تجود
وأخرى بكيمي غير الدهر آيَها** وفي القلب آيٌ من هواه جديد
بعد إقامة السد الطيني تشكلت النواة الإدارية الأولى للمدينة مع بعض نقاط البيع :               ( حوانيت ريفية) ومدرسة ثابتة هي المدرسة رقم ( 1) التي افتتحت 1955، وسيشجع لاحقا موقع المدينة الاستراتيجي الذي يجعلها حلقة وصل بين ولايات عدة هي : كوركول ، لعصابه ، تكانت ، آدرار اترارزه، أن تغدو بسرعة مركزا للمراقبة الإدارية، سنة 1961 لتصبح سنة 1963  فرعا إداريا، ثم مقاطعة في سنة 1969 بعد إلغاء نظام الدوائر، على المستوى الوطني.
 ازدادت أهمية المدينة الإدارية ومركزيتها على المستوى الجهوي والوطني ونشاطها التجاري والتنموي بعد مرور طريق الامل داخل أبلامها الممتدة مع طول السد في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وساهم في ذلك أيضا النزوح الكبير لأحياء البدو الرحل من جنوب آدرار وتكانت للانتجاع غير بعيد منها، خصوصا بعد تقليص الحضور الإداري لولاية تكانت على حدود المقاطعة الشمالية والشمالية الغربية، بإلغاء مركز ( تمسوميت) الإداري، التابع لمقاطعة المجرية جنوب الولاية. 
تمددت المدينة، واتسعت أسواقها ونشاطاتها التجارية بعد أن وصلتها الكهرباء وتطور نشاطها التجاري والتبادلي كما سورت نفسها بتمدد سكاني ما زال في ازدياد مستمر من  تجمعاته: التاشوط، التومية، الكرامة، الصفا، كيمي (لخريزه)، طيبة لكراع، شلخت اسخيمات، لحنيكات، اجوت، لبيار إدميجن، دار السلام، الجزيرة، الزمور، البقيع ، لكليبات، إلى جانب البلديات الكبيرة الثلاث ومركز جونابي الإداري التابعين لها.
كانت مدينة مكطع لحجار في مقدمة المدن الموريتانية التي تعلقت نخبها في وقت مبكر وعلى قدر كبير من الكثافة والتواتر بأفكار وابتهاجات الاستقلال ومشروع الدولة الوطنية الحديثة، وتشكلت داخل فضائها ومدارسها وثانويتها أهم حواضن وبؤر الوعي السياسي الحديث، بمختلف مشاربه وأجياله، وتجليات طموحه، حين عاشت وهج الحلم واللحظات النشوى في قيام وطن تسوده قيم الحق والعدالة والمساواة، كما كانت نخب المدينة على المستوى الوطني العام في طليعة من تحمل سنوات السجن والتعذيب والمنفى في سبيل خروج بلادها من الأسوار الجحيمية للتخلف، والتحاقها بما تستحق من رخاء وأمن وعيش كريم، كما يقول فاضل امين رحمه الله:
أنا ما أردتُ سوى الحياة عزيزة ** أنا ما وردتُ سوى العقيدة مصدرا
أحببتُ للاشجار زهرا يانعا*** ولشعب هذي الأرض خبزا أوفرا
انا هكذا فهل الحياة جريمة ** أم ان حب الأرض اصبح منكرا
فرغم بساطة بنية مدينة مكطع لحجار الاقتصادية والإنتاجية في بداية عهد الاستقلال مقارنة مع مدن منجمية أو تجارية قديمة: روصو، أكجوجت، أزويرات، كيهيدي، بوكي ... فقد ساهمت في رفع السلوك المدني والحضاري العام ولعبت دورا طليعيا في نشر الوعي الثقافي وترسيخ مقدار المعارف المنتظمة،  وساهم أبناؤها على نحو فعال في مراحل البناء السياسي الوطني والقومي سواء على مستوى الحراك السياسي الموازي لنشأة الدولة الموريتانية وقوى الرفض الشبابي للاستعمار والنظام السياسي الوطني الأول في موريتانيا، الذي عبر عن نفسه في تجمعات سياسية وشبابية بدأت بحركة النهضة واستمرت حتى ظهور الاحزاب قبل حظرها في دستور 1961، أو على مستوى  السياق الحركي والنضالي للقوى الثورية والسياسية والفكرية التي نشطت في موريتانيا منذ  الستينيات واستمرت في الحضور السري القوي حتى الاعلان عن التعددية 1991.
وكما ساهمت مدينة مكطع لحجار تاريخيا في نشر الثقافة السياسية فهي قادرة اليوم على إعادة الروح  لدور النخب خصوصا المحلية منها في إعادة الاعتبار للالتزام السياسي باعتباره فعلا وطنيا مسئولا والمساعدة على خلق الإطار الفكري والثقافي لمجتمع مدني محلي يهتم بقضايا المجتمع الاساسية : المساواة بين المواطنين و العمل على إرساء مجتمع عصري تزول في داخله بالوعي المكثف الفوارق الطبقية المقيتة و العقليات الرجعية  وأخطرها الرق ورواسبه و مخلفاته، ويجعل هذا المجتمع من التكوين السياسي والمعرفي هدفا أساسيا لانتشال طبقاته المطحونة من براثن الجهل وغياب الوعي وتحمل المسؤولية، فلن تكون هناك حماية حقيقية للحرية و العدالة الاجتماعية إلا إذا وجد في المقابل عدد متنام من الناس يحظى بوعي اجتماعي جيد و يظهر استعداده لتحمل المسؤوليات.
كما أن من واجب هذه النخب المحلية أن تراعي خصوصية جهتها في إطار تعزيز سياسة اللامركزية الفعلية  وليست المعتمدة شعارا، بوصفها نهجا لتوسيع نطاق الممارسة الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة، والرفع من مستوى السياسات التنموية المحلية بوضع أسس سياسة فلاحية  للرفع من مردودية السياسات التنموية للمدينة  لتأخذ بعين الاعتبار التحولات المناخية والتدبير الجيد للثروة المائية، ووضع تصور متوسط وبعيد المدى للعمل بغاية تثمين الموارد المائية والاستغلال العقلاني لها سواء  ببناء مزيد من السدود أو الاستغلال الأمثل لما هو موجود منها،  ومحاربة التلوث الماحق الذي حول فضاء المدينة في السنوات الماضية من فضاء جميل قابل للاستثمار السياحي والترفيهي إلى فضاء تخنقه الجيف والأوساخ.
فكما كانت الحاجة كبيرة إلى دور جيل رواد العمل السياسي الوطني لدى الرعيل الأول من أبناء هذه المدينة تبدو الحاجة اليوم مضاعفة للجيل الجديد كي يلتحق الأبناء بالأجداد في معركة التنمية ومواجهة تحديات محلية ووطنية وقومية تزداد وتتعقد باستمرار، لذلك فإن رسالة شباب حزب الصواب اليوم إلى شباب مدينة مكطع لحجار هي أنه يتحتم عليهم أن يستعيدوا دور اسلافهم الريادي في نشر الوعي الوطني الصحيح، وأن يكونوا قادرين على توجيه كيانهم بأنفسهم وان يستعدوا لمسؤولياتهم المستقبلية تجاه المجموعة الوطنية.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018