سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أنيس الهمّامي : عن تجدّد المؤامرات الغربيّة الاستعماريّة في ليبيا





تتواصل الأحداث في ليبيا متسارعة وسط تعقيدات الملفّ اللّيبيّ الذي ميّزه خصوصا تعدّد أقطاب الحكم والمنبثق من رحم العدوان الامبرياليّ الأطلسيّ الأعرابيّ عليها منذ خمس سنوات بالإضافة لنفاق المجتمع الدّوليّ والقوى الكبرى الفاعلة واللاّعبين الرّئيسيّين على السّاحة اللّيبيّة حيث حرصوا جميعهم على اعتماد سياسة المخاتلة وذلك بأن تعاملوا واعترفوا بأغلب رؤوس التّنفّذ في ليبيا بطرق سريّة وأخرى علنيّة بشرط أن يضمن كلّ بيادق الاستعمار والصّهيونيّة مزيد تخريب ليبيا وإنهاكها وإغراقها في الاقتتال الدّاخليّ والصّراعات القبليّة وغيرها من الأزمات الأخرى..

لقد أحال العدوان الأطلسي ليبيا فريسة لمختلف الوحوش والطّامعين والنّاهبين، وصارت قبلة المجرمين والعابثين بحياة الشّعوب وومخرّبي الأوطان، كما أجاد دهاقنة العدوان على ليبيا تحويلها لحديقة خلفيّة للجماعات الأصوليّة والتّنظيمات الإرهابيّة لتعيث في ليبيا فسادا وإرهابا وتقتيلا..
وفي حقيقة الأمر لا يمكن بل لا يجب أن يحدّث الواحد نفسه بأنّ الأحداث الدّمويّة في طرابلس الغرب تزيد عن كونها نتيجة لتلك الجريمة الاستعماريّة الخسيسة والتي لاك فيها أصحابها علكة تحرير اللّيبيّين ووعدوهم كما غرّروا بالعراقيّين ذات غزو بربريّ وحشيّ، ووخيّلوا لهم أنّهم سيخلّصونهم من ديكتاتوريّة جاثمة على صدورهم ليرفلوا بعدها في نعماء الدّيمقراطيّة والحرّيات ويتلذّذوا بخيرات بلادهم وغيرها من الأحلام الورديّة التي سوّقها الإعلام والمرتبطون به.
لم يجن اللّيبيّون من هذا التّحرير الكاذب سوى الدّمار والخراب وبرك الدّماء، وازداد وضعهم سوء بل باتوا يتحسّرون على أبشع أيّام الدّيكتاتوريّة ويمنّون النّفس بمعايشة بعض مظاهرها.. ولقد أفاقت جماهير ليبيا على مدى فداحة ما ارتكبه الغرب الاستعماريّ وأذنابه.
إنّ الذي يحدث هذه الأيّام في ليبيا، والحرب الطّاحنة التي يشنّها الأمريكان والإيطاليّون وكلّ الحلف الأطلسيّ على الجماهير اللّيبيّة بتعلّة تحريرها ثانية من تنظيم داعش الإرهابيّ، ورغم كلّ ما يجلبه ذلك العنوان البرّاق والشّعار المخاتل من تسليم وقبول عند أغلب المواطنين البسطاء، ليس في جوهره إلاّ استمرارا في إثخان الجراح في الجسد اللّيبيّ المنهك.
فمن استقدم داعش لليبيا؟؟ ومن أطلق اليد الطّولى لعتاة الإرهابيّين وصعّدهم وسلّمهم مصائر شعبنا العربيّ فيها إلاّ الأمريكان وحلفاؤها؟؟
ألم تمنح أمريكا ومن معها للوافدين على ليبيا من كلّ صوب وحدب كلّ الحرّية في التّنقّل والتّنظّم والسّيطرة على مفاصل الحكم فوق أرض محروقة تجاوزت المقذوفات الحربيّة عليها ملايين الأطنان؟؟
ألم تكرّر الدّوائر الاستعماريّة في ليبيا نفس السّيناريوهات في الشّرق، فادّعت مرارا أنّ تدخّلها ليس سوى سعي لتنجي اللّيبيّين من مخاطر داعش، بينما تكتفي في الواقع بمراقبته بل والتّنسيق معه في أغلب الأحيان موكلة له كلّ الأدوار القذرة لتحقّق هي  - أي المعتدون  ودوائر العدوان - كلّ مصالحها من ضرب ليبيا؟
ألا تقتضي خطط الأمريكان فيما تقتضيه أن تكون ليبيا قاعدة نشاطات داعش وهو صنيعتها مع حليفيها الصّهيونيّ والصّفويّ، بعد أن يتمّ إنجاز الأدوار التي أٌنيطت بعهدته في الشّرق العربيّ على السّاحتين العراقيّة والسّوريّة خصوصا؟ 
فمن بين أهمّ الأهداف الكبرى التي حرّكت جحافل العدوان على ليبيا معاودة تقسيم الوطن العربيّ   ونهب مقدّرات ليبيا ناهيك عن تقسيمها لثلاث دويلات، وبالنّظر لتسلسل الأحداث على السّاحة اللّيبيّة سنخلص بيسر شديد إلى أنّ داعش شكّل ولا يزال الأداة المثلى لتحقيق هذه الأغراض.
فداعش هذا البعبع الذي خلقته الامبرياليّة الأمريكيّة المتغطرسة، استولى منذ بدايات انتصابه في ليبيا على أغلب المنشآت والحقول النّفطيّة، وتكفّل بتزويد السّوق السّوداء العالميّة بالمنتوج اللّيبيّ بأسعار منخفضة كثيرا مقارنة بأسعار النّفط العالميّة، كما انضبط انضباطا كلّيا للإملاءات الأمريكيّة فارتكب شتّى المجازر بحقّ اللّيبيّين وأحال ليبيا لأقاليم تتّضح حدودها على الأرض دون أن تعتمد رسميّا.
واتّخذ الأمريكان والطّليان والفرنسيّون والبريطانيّون من تنامي السّخط الشّعبيّ في ليبيا من ممارسات داعش وقرار شعبها  بمحاربته وصدّه وطرده من أرضها مطيّة لمعاودة التّدخّل باستخدام سلاح الجوّ وقوّات النّخبة في تلك الجيوش، وأوجدت رؤوس السّلطة المتناحرة في ليبيا والفاقدة لأيّة شرعيّة ومشروعيّة للغرب كلّ التّبريرات الاخلاقيّة والقانونيّة لذلك التّدخّل المتجدّد بعد أن أفاضوا في مناشدتهم لمساعدتهم في طرد داعش والرّكوب في المحصلة على الأهداف السّامية للجماهير اللّيبيّة.
إذ ينبغي لنا أن نذكّر بأنّ داعش مثلا قد طردت عناصره من سرت ولاحقتها جموع اللّيبيّين الوطنيّين، وانحسر تعداد التّنظيم الغادرإلى ما لا يزيد عن 300 عنصر فيها، وهذا الرّقم لا يحتمل بكلّ المقاييس العسكريّة أن تحشّد لمحاربته الجيوش وتستنفر الطّائرات الحربيّة لأزيد من ستّ دول كبرى.
إنّ ما يحدث في ليبيا يكشف عن الأطماع الاستعماريّة المتزايدة في الوطن العربيّ ولا ينفصل حتّى على مستوى التّفصيلات الثّانويّة عن الخطط المعدّة سلفا للأمّة العربيّة، وما ادّعاء محاربة داعش في بعض المدن اللّيبيّة رغم فرار أغلب عناصر التّنظيم منها إلاّ من أجل إحكام تلك القوى الغربيّة سيطرتها على موارد ليبيا من النّفط والغاز وغير ذلك من الثّروات، والسّير قدما نحو تقسيم ليبيا مع المحافظة على تهديد داعش للجوار اللّيبيّ خصوصا في مصر والجزائر وتونس.

أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام 
تونس في 26-08-2016

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018