المصالح الوطنية والقومية فوق كل اعتبار وهي قيمة عليا لا تعلوها قيمة عند الحكومات التي تحترم سيادة أوطانها وأمن واستقرار شعوبها.
هذه هي العبرة التي يمكن التقاطها من معركة طرد داعش من مدينة جرابلس السورية الواقعة على الحدود التركية أمس.
لم يقم الأتراك وزناً لزيارة ثعلب الخارجية الإيرانية الماكر للعاصمة التركية وأغلق الأتراك أنوفهم حيثما كان هناك أثر للعطر الفرنسي الذي كان يلبسه السفير الإيراني ولم يتبخر كله بعد من الأرجاء التي تواجد فيها. ولم يلتفتوا إلى التخمينات والتنبؤات التي رافقت الزيارة وذهبت بعيداً في رسم لوحة تشكيلية مغرقة في الخيال والرومانسية وخاصة في ما يخص التدخل والرؤية التركية للحرب العالمية الدائرة رحاها فوق الأرض السورية وتجد امتداداتها المعروفة في لبنان والعراق وتركيا.
المصلحة القومية التركية تقتضي تقويض مخطط إقامة دولة أو فيدرالية كردية في شمال سوريا وعند المصلحة التركية تسقط المجاملات والتنبؤات بل وحتى بعض الحقائق التي تفرزها بعض السياسات التركية.
هذا هو الدرس يا عرب ولسنا هنا في وارد التغزل بالنظام التركي ولسنا من عشاق خطه المعروف للجميع لكننا نحاور العبر عل من يعنيهم الأمر يتعظون ويعتبرون. والمصلحة الوطنية والقومية التركية لم تتوقف ولا وهلة أمام نتائج وأتيكيت اللقاء بين بوتين وأردوغان الذي هو الآخر ما جف بعد ندى ورطوبة كؤوسه المتبادلة بأنخاب التقارب ورأب الصدع الذي تغنى به كثيرون وتقرحت له صدور ونفوس في نفس الوقت بعد حيث معروف أن روسيا تحتل سوريا عملياً. فتركيا يجب أن تضع بصماتها فوق خارطة اللعبة العالمية التي سميت ب (داعش) ما دامت داعش قد تحولت إلى صك غفران مارتن لوثر الشهير الذي لن يدخل الجنة إلا من يعلق الصك في صدره. هكذا زحفت الهندسة والدبابات والقوات الخاصة التركية لتمد الجيش السوري الحر بمكونات الاقتدار على طرد داعش من جرابلس لتكون بيد أمينة قدر تعلق الأمر بالأتراك ولا يعني تركيا أمر غير مصلحتها وأمن واستقرار شعبها شيء.
ولم ينس العقل التركي الفعال أن يحافظ على شعرة معاوية مع (داعش) وذلك عبر ترك المنفذ الغربي لجرابلس مفتوح ومنه خرجت جحافل داعش سالمة غانمة لتتمركز في مدينة الباب !!!!!
ولم تكن آثار الجروح التركية من يقين أنقرة عن تورط أميركا في الإعداد والمشاركة الفعلية في الانقلاب الأخير قد اندملت بعد حتى رأينا الطائرات الأمريكية والقوات التركية تنسقان الهجمات على جرابلس مع ملاحظة عدم قصف خط الانسحاب (الإرهابي) إلى منطقة الباب. وهنا أيضاً نقف بتمعن لنلقي الضوء على دور المصالح في تحريك الأحداث فوق أرضنا ودماءنا نحن العرب مع الإسقاط التام والتجاهل الكامل لاعتبارات (الدين والمذهب) التي تعمي بصائر الكثيرين من المحسوبين علينا وتغلق مسارات فعل العقل عند آخرين لحد العوق التام لحواس السمع والبصر.
أما نظام الأسد فهو سعيد بما يجري لمجرد الإعلان الصادر من أطراف الحرب الكونية التي تقتل الشعب السوري وتدمر قدراته وخيراته لمجرد الإعلان عن تراجع في الإصرار على رحيله إلى حقه في المشاركة في فترة انتقالية فقط لا غير. نظام لا يعنيه أن يكون الشعب ضده ويقاتله بإصرار منذ ما يزيد على أربع سنوات ولا أن تكون أرض البلاد السورية وما يجاورها قد صارت ساحة لمصالح إيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة وبريطانيا المشرئبة أعناقها للنفط وللغاز والتأثير الدولي.
جرابلس .. مدينة سورية عربية أحتلتها عناصر داعش لتحولها مثلها مثل الفلوجة والرمادي وتكريت والموصل إلى ساحة صراع دولي يهدر دم العرب خاصة والمسلمين عامة وتتكرس فوقها مصالح دول الإقليم والدول الكبرى ومارس نظام سوريا لعبة البقاء السلبي المدمر مع اللاعبين دون أي اعتبار للمصلحة الوطنية ولا القومية.
جرابلس كشفت وجه تركيا المستميت من أجل منع الأكراد من الاقتراب من حلم الدولة وقطعت الطريق أمام أميركا وروسيا وبريطانيا اللاعبين على هذا الحبل ومنحت إيران فرصة تنفس الصعداء هي الأخرى لأن الأمر الكردي يعنيها جداً.
فهل سيتعظ العرب أو بقايا أنظمتهم من الدرس الذي قدمته أمس جرابلس؟
أ. د. كاظم عبد الحسين عباس
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام