بات السؤال ضروريا الآن، وبات الرد الإيجابي ضروريا أيضا، فالمقاومة العراقية العقائدية والفكرية والسياسية - ومختلف أشكال التعبير عنها - بات عليها التقدم لمواجهة إيران في داخلها، والعراق وحده شعبا ومقاومة هو المرشح والقادر– بل صاحب الحق - على القيام بهذا الدور من بين جميع الدول العربية باعتباره بلدا تحتله إيران، تقتل شعبه وتفكك
وطنه.
والعراق إن فعل ذلك وإن نجحت قواه الوطنية في تعبئة وطنية بهذا الاتجاه، سيفتح الباب لتوسع الرؤية والفكرة والحركة لتصبح إيران في موقع الدفاع لا الهجوم، ولتسهيل الفكرة – مع التحفظ على قدر من المقارنة - فالأمر ليس فعلا غير مسبوق، إذ فعلها الشعب الفلسطيني حين تقدم واقتحم الأرض المحتلة في عام 48، أو حين نقل المعركة إلى الأرض التي يسيطر عليها الخصم، متفاعلا مع الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال منذ عام 48، ومتقدما بمقاومته لتفكيك كيان الخصم وتجمعاته السكنية وليجعله في موقع الدفاع لا الهجوم فقط، وليهدد بقاءه وجعل مواطنيه يطرحون سؤال الوجود على سكانه، وهذا هو الأهم.
وأمر الموقف الايجابي من التقدم إلى داخل كيان الخصم الإيراني المحتل، لا يأتي كفكرة نظرية دون تهيئة أو قفزا على الواقع داخل إيران، بل هو يأتي – إن جرى -تأييدا ودعما والتحاما مع من يقاوم النظام الإيراني بكل الطرق، وعلى ذات الأرضية التي تجري عليها المقاومة العراقية التي تدافع عن استقلال وطنها.
فالآن تجري معركة بين الحكم الإيراني المحتل لأراض عربية، والشعب العربي الأحوازي، كما تقاوم الكتل السكانية من البلوش إلى الكرد إلى التركمان، وهناك جماعات ومجموعات عسكرية ناشطة تنشد التحرير والحرية.
كما تجري في إيران حالة صراع حقيقية بين قوى داعمة لخطة واستراتيجية احتلال وتفكيك الدول العربية، وتيارات أخرى تنشد توجيه طاقة السياسة والاقتصاد لتطوير المجتمع الإيراني، ولا شك أن الفعل العراقي في داخل إيران سيلعب دورا كبيرا في تغيير معادلات الداخل الإيراني في هذه المرحلة بشكل خاص.
والأهم أن مثل تلك الاستجابة هي ما يدفع معركة العراق إلى أطر هجومية، بدلا من الدفاع على الأرض العراقية، وأول ما سيحدث هو أن توقف ايران استباحتها للحدود مع العراق، وهو ما يحد على المدى الطويل من وضعية الدعم الايراني لميلشياته داخل العراق – والدول العربية - والأهم أنه يعيد تشكيل المشهد العراقي الداخلي متفاديا تمكين ايران من ترسيخ وضعية الفتن والاضطرابات في داخل العراق، الذي كان أحد جوانب قلق المقاومة الوطنية العراقية ما بعد انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي.
لقد اشتعلت في العراق أعمق وضعية مقاومة في مواجهة الاحتلال الأمريكي، هي مقاومة سطرت نهرا من التضحيات ضد المحتل الأمريكي، وهي مقاومة جرت ضد هذا المحتل الذي كان الأساس والأصل والتمهيد لوجود الاحتلال الإيراني، وهي مقاومة جرت على الأرض العراقية وحققت انتصارا لم يكتب التاريخ كامل أبعاده بعد، وكان الأهم فيه أن أفشل الشعب العراقي محاولات إيران اشعال حرب أهلية شاملة بين مكونات الشعب العراقي خلال حرب التحرير تلك.
وفي تلك المرحلة كان التدخل الايراني متلخصا في العمل عبر العملاء والمرتزقة والتابعين له وعبر الأجهزة الاستخبارية ..الخ، لكن العراق أصبح من بعد واقعا تحت الاحتلال العسكري الايراني المباشر، ووفق نمط من الاحتلال الاستيطاني وهو الأشد وطأة وتخريبا للمجتمع العراقي، ومع ذلك ظلت المقاومة العراقية تحصر رد الفعل على هذا الاحتلال في داخل الأرض العراقية، خاصة وقد تحولت إلى نمط الثورة السلمية الديموقراطية في مواجهة العملية السياسية ومشروع الاحتلال وسلطته، وهي لم تتحول إلى نمط حرب التحرير المكافئة للاحتلال الإيراني المباشر.
لقد تخطت وضعية الاحتلال الايراني الفكرة والحالة التي كانت قائمة من قبل، على محاور واسعة وعديدة وصارت القوات الايرانية على الأرض العراقية بطريقة أو بأخرى، وإذا كانت الدلالة الأهم في المواجهة، أن اشعل الشعب العراقي مظاهرات تهتف بطرد ايران – من ذات المكون السكاني العراقي الذي راهنت ايران على خديعته - فقد جاء رد الفعل هذا تعبيرا عن ولوج ايران مرحلة الاحتلال العسكري المباشر والسيطرة على نخب الحكم وأجهزة الدولة.
وفى ذلك يمكن القول بأن المقاومة العراقية قد تحررت من "قلقها" من احتمالات إثارة الفتنة الداخلية جراء انجرار البعض خلف إيران في العراق، ومن قبل ومن بعد، فإذا تصاعد السؤال حول كيفية مواجهة الاحتلال الايراني، فقد فتح الطريق اقليميا – على الأقل - الآن للمواجهة على الأرض الايرانية، عبر إعلان مواجهة الاحتلال الايراني للأرض العربية ومحاربة الطائفية.
هذا التوجه هو ما يحقق تعميقا للهوية الوطنية العراقية، على أساس مواجهة احتلال يزرع الفتن الطائفية، وباختصار إذا كانت المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي قد جرت في مواجهة قوات الاحتلال على الأرض العراقية، فينبغي أن تختلف استراتيجيتها وتوجهاتها في مواجهة المحتل الايراني، في تلك المواجهة ينبغي أن يكون حفز كل الجهود في داخل ايران، ضمن مشروع المقاومة العراقية.