إن تأريخ العلاقات العربية-الفارسية علاقة دموية لم تهدأ النار المتأججة على الحدود بين الطرفين وعلى مدى خمسة آلاف سنه من الزمان أو التاريخ المكتوب. والتأريخ يسجل لنا أنه لم تخل فترة خمسة عشر عاماً متواصلة من اعتداء إيراني تجاه الأمة العربية وبالذات العراق، ما بين تعرضات حدودية، واحتلالات محدودة، وأخرى حروب دامية ومدمرة.
أول اعتداء كارثي سجله التاريخ كان عام (2322) ق.م. حين دخل العيلاميون
عاصمة الأكديين في اليوسفية الحالية، فدمروها، واستولوا عليها وخربوها وأحرقوها. ومنذ ذلك التأريخ "المكتوب" إلى يومنا هذا لم يكن هناك سلام حقيقي فالحرب مد وجزر هم يعتدون والعرب وعلى رأسهم العراق يدافعون وأطول فترة احتلال للعراق دامت ألف سنة إلا أنهم رغم طول فترات احتلالهم وسيطرتهم لم يستطيعوا إنهاء العراق أو طمس هويته العربية فبعد كل عدوان ومهما طال ينهض العراق كطائر العنقاء، ومنذ الأزل كان هناك تحالف استراتيجي بين فارس واليهود يستهدف العراق. دمر الفرس جميع المراكز الحضارية التي قامت في العراق على مدى التاريخ لم يوجد مركز حضاري في العراق إلا وكانت نهايته على أيدي الإيرانيين، وحتى مجيء الإسلام فحررهم من عبادة العباد وتحريرهم من المجوسية إلا أنهم لم يتحرروا من أحقادهم اتجاه العرب والعراق خاصة بل ازداد وتضخم حجم حقدهم وكراهيتهم للعرب ولم يغادروا عقد الإمبراطورية الزائلة، وأحلامهم بإعادتها وتوسيعها وهذا ليس حلم ابتدعه المقبور الخميني وثورته بل هو حلم كل حكام فارس منذ الأزل وتفاقمت منذ الحكم الصفوي مروراً بحكم الشاهنشاهية وانتهاءً بحكم الملالي.في العصر الحديث وتطور السياسة الدولية وظهور دول استعمارية جديدة هبط دور إيران وحدد نشاطها واستغلت من قبل الدول الاستعمارية كشرطي يستخدم لتخويف وردع العرب في حالة خروجهم عن طاعته واستغلوا أحلام إيران بإعادة إمبراطوريتهم العتيقة فاستخدمت من قبل بريطانيا وأمريكا في زمن الشاه وعندما ضعف تأثير الشاه بسبب حركات التحرر العربية وبزوغ فجر الحرية في العراق بقيام ثورة تموز المجيدة بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي انحصر حلم وتأثير إيران الشاه وخصوصاً أن الحزب رفع ومنذ نشأته شعارات التحرير لكل الأراضي المحتلة وعلى رأسها فلسطين والجزر والأحواز العربية، فقام الغرب باستشعار انحصار دور الشاه وانتهاء دوره كشرطي للخليج، فتم استبداله بمسرحية الثورة ضد الشاه وقدموا بالأكثر عداوة وحقد للعرب والمسلمين عامة وللعراقيين خاصة "الخميني" لقيادة إيران ومحاولة تنشيط دورها بأخطر ما يهدد أمتنا بل المنطقة كلها بحكمها دينياً ومذهبياً ورفع منذ بداية ثورته شعار تصدير الثورة مستغلاً بذلك فقر وأحلام الإيرانيين باستعادة الإمبراطورية الفارسية واستغلال السذج في المنطقة بأنهم حماة المذهب وحملة راية الإسلام فاعتدت إيران في سنة ثورتها الأولى على العراق لكنها جوبهت هي ومن ورائها بصمود أسطوري من قبل العراق وقيادته فردوهم خاسئين رغم الدعم المستمر لإيران في كافة المجالات في حرب ضروس استمرت ثمان سنوات انتهت بتجرع الخميني وإيران سم الهزيمة وصدم الغرب أيضاً بانهيار شرطيهم.
وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي وجدت الولايات المتحدة تحويل الصراع إلى المجال الاقتصادي وطرحت نظرية مركز الأرض وهى الشرق الأوسط، ودعت إلى الشرق الأوسط الكبير، ثم الجديد، وأدخلت فيه تركيا وإيران وإسرائيل في هذا المخطط.
فاحتاجت أداتها القديمة إيران لتعيد تسويقها واستخدامها فقامت بتمهيد الطريق لها بإضعاف العراق بحصار جائر دام ثلاثة عشر عام تخللها مجموعة اعتداءات انتهت بمعركة كبرى واحتلت أمريكا والدول المتحالفة معها العراق وسلمته لإيران لتثأر منه ويعاد إنتاجها كشرطي على المنطقة وتسهل مهمتهم في خلق شرق أوسط جديد فكانت بضاعة إيران للمنطقة نشر الطائفية ونشر الدمار في العراق وسوريا واليمن والبحرين وقبلها لبنان، وقد نجحت إيران في مهمتها من أقلمة الطائفية وحرق المنطقة وتمهيدها لاستغلالها من قبل الدول الاستعمارية بخسائر أقل إلا أن إيران يظهر أنها صدقت كذبة قوتها وتمكُنها وبدأت تستيقظ عندها الطموحات الفارسية حينما وصلوا للبحر الأبيض المتوسط وفرض سيطرتهم في حقبة زمنية قبل الميلاد، وها هو حلمهم يتحقق لهم بتدخلهم العسكري في سوريا بحماية أمريكا وروسيا لكنهم كانوا ومنذ أيام ثورتهم الأولى يعون أنهم لا يمكنهم السيطرة على المنطقة من دون القيام بنشر الطائفية والتثقيف لها لأن عدد سكانها محدود، وعدم امتلاكهم الموارد المالية الكافية لذلك سعت لامتطاء جواد المذهبية للوصول لأهدافها الاستراتيجية.
إلا أن هذا الطموح تعارض مع مصالح أسيادهم في موسكو وواشنطن فمهمتهم كانت فقط تمهيد الأرض لهم وعندها تنتهي مهمتهم فوقعوا بالإحراج لتصديقهم ما كذبوا على شعبهم والمتخلفين ممن تبعهم من الطائفيين، لتأتي الأحداث الأخيرة من الاتفاق النووي مع الغرب وأمريكا ولحقتها فضيحة صفقة الـ 400 مليون دولار التي سلمتها أمريكا لإيران ولتلحقها فضيحة استخدام روسيا لقاعدة جوية في همدان، كل تلك المؤشرات وغيرها تؤكد استخدام إيران من قبل الدول الكبرى كشرطي للمنطقة وكأداة رخيصة استغلت في تدمير المنطقة وابتزاز الأنظمة التي لا تزال قائمة والتلويح بعصا إيران لإخافتهم وحلبهم بطرق عده.
سيأتي الوقت وقد لا يكون قريباً جداً من انتهاء دور إيران في المنطقة ليعاد تسويقها بثوب جديد وإلى ذلك الوقت ستكون أكثر سعاراً وأكثر حقداً يتوجب على الشعب العربي مقاومتها والحذر من ألاعيبها وأن لا يفصلوا الحاضر عن التأريخ فصراعنا أزلي صراع حضارات وصراع الحق مع الشر، لكن مهما علوا ومهما تمكنوا فهم مهزومون فنحن أمة ستبقى حية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قد نضعف ونهزم في معارك لكننا كطائر العنقاء ينهض أبياً معافى ...
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله" حديث صحيح رواه الشيخان، وصدق رسول الله.
د. أبو مصطفى الخالدي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام