سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

بقلم: أسعد الخوري كاتب سياسي - عبد المجيد الرافعي: التغيير في الزمن الصعب!



نبض العروبة المجاهدة للثقافة والاعلام

في زمن عبد الناصر وميشيل عفلق وصلاح البيطار وأكرم الحوراني وسواهم من عمالقة السياسة والوطنية وأعمدة الدعوة إلى القومية العربية، أطل الفتى الطرابلسي عبد المجيد الرافعي مستقيمًا كرمح عربي، طارحاً أسئلة كبيرة تحتاج إلى أجوبة مقنعة وحاسمة وقاطعة.

كانت الساحة اللبنانية، كما الساحات العربية، على مرجل القضايا القومية الكبرى من فلسطين إلى الجزائر إلى ثورة مصر وضباطها الأحرار، كانت طرابلس في موقع التأثير والتقرير وليست في موقع "ردّة الفعل" فقط كانت المدينة تحتاج إلى قيادات على مستوى فكرها القومي الثائر، ونضالها السياسي الملتهب بالجرأة والحيوية. جاء عبد المجيد الرافعي حاملاً مبضع الطبيب الإنساني بيد، ومبضع السياسة التقدمية والإصلاحية باليد الأخرى. وقد تجاوبت طرابلس تلقائياً وعفويًا مع "ابنها البار" إلى جانبه.
كان النضال على مستوى القضايا الكبرى، نضال اجتماعي وسياسي وقومي لا يهادن ولا يساوم. هو من طينة وروح طرابلس وأحيائها التي تضج بالرفض والثورة على التخلف والفقر والبطالة والتهميش.
ذلك، أنه في اللحظة التي سأل فيها الفتى الصغير عبد المجيد، والده الشيخ محمد الطيب الرافعي عن "ظاهرة" انتشار صور ابن طرابلس المناضل فوزي القاوقجي التي تغطي حيطان المدينة وواجهات محلاتها وزواريبها وأزقتها، أدرك هذا الفتى أن هناك قضية قومية عربية اسمها "فلسطين"، وانه يقع تحريرها على عاتق جيل عربي كامل. 
هكذا بدأت "مسيرة" عبد المجيد الرافعي مسيرة العرق والجهد والبذل والتضحية. هو "اعتنق" طرابلس وأهل مدينته الحبيبة التي سحره عبق نضالها ومواقفها وإصرارها الدائم على مناصرة القضايا القومية الكبرى من فلسطين إلى الجزائر وصولاً العمل الدؤوب من أجل وحدة لبنان ووحدة أبنائه.
"حكيم طرابلس" سخر كل طاقاته الطبية لخدمة المرضى، خاصة الفقراء منهم، فاستوطن وجدان أهل الفيحاء بأعماله الاجتماعية ومسيرته الإنسانية. هو الطبيب الذي لم يترك مريضاً لم يداوه في الأحياء الشعبية سواء في التبانة، أو جبل محسن والرفاعية والزاهرية... حمل هموم الفقراء والمساكين ودافع عن قضاياهم. كان همّه الفيحاء، وأهلها الطيبين، يعمل ويسعى لتكون طرابلس في المكان الذي يليق بها وبدورها العريق في لبنان ودنيا العرب. 
في عزّ نضاله السياسي عام 1960 أسقطته السلطة بعدما تم إعلان فوزه بالمقعد النيابي عن طرابلس. كانت جماهير المدينة تحتفل بنجاحه ونجاحها، وتملأ الشوارع والأزقة بهدير شعاراتها الوطنية. عندما فوجئت بأن السلطة لم تتحمل فوز "طبيب الشعب وحكيمه.
وكان على الرافعي أن "يعض على الجرح" وينزل إلى الشارع الملتهب، لتهدئته، "والقبول" بتزوير مفضوح فرضته سلطة لبنانية تناهض إرادة ا الناس وحقهم في الاختيار والتغيير.
في السبعينيات، امتلأت شوارع طرابلس بشعارات مثل: "طرابلس ليست مزرعة" و"لن ننتخب خشبة". وقد جسد الطرابلسيون شعاراتهم صناديق الاقتراع عام 1972 حيث أعطوا مرشحهم عبد المجيد الرافعي 17517 صوتاً، عندما خرق لائحة الرئيس رشيد كرامي وتقدم عليه بأكثر من 500 صوت.
حكايات عبدَ المجيد الرافعي مع الفيحاء تكاد لا تُحصى ولا تُعد.
حكايات جميلة ورائعة ومعبرة واستثنائية "بحلوها ومرّها".
إحداها قصة التظاهرة الطلابية في طرابلس ضد الفرنسيين.
يفتخر الرافعي بمشاركته في تظاهرة نظمها مع رفاقه طلاب بعض المدارس في طرابلس حيث هتفوا ضد الاستعمار الفرنسي. مرت التظاهرة الطالبية في منطقة التبانة حيث شاهدوا شاحنات يملأها جنود فرنسيون وسنغاليون. هتف الشباب: "تسقط فرنسا"، "يسقط الانتداب" يسقط الاستعمار".
تابعت التظاهرة باتجاه الميناء حيث كانت هناك ثلاث دبابات يقودها جنود سنغاليون وإلى جانب كل سائق يجلس ضابط أشقر اللون (فرنسي).
الضابط الفرنسي يشير بيديه لتخفيف السرعة عند دخول الدبابات بين المتظاهرين. وحين صارت الدبابات وسط المتظاهرين على مقربة من الطالب عبد المجيد الرافعي وبعض رفاقه، أعطى الضابط الفرنسي إشارة بدهس المتظاهرين وبإطلاق النار عليهم.
يروي الرافعي: كنت أشبك ذراعي بذراع ابن صفي وصديقي أمين هاجر، الذي أصيب بجراح بليغة في ذراعه وساعده، وقد "عطر" دمه كتبي وثيابي، واستطعنا إيصاله إلى المستشفى. وكنت قد شاهدت طالباً تحت الدبابة الأولى، وفتى مرت فوقه الدبابة الثانية فمزقت ثيابه، لكنه لحسن الحظ، خرج سليماً. وبعد أيام ابيض شعر هذا الفتى واسمه أحمد ظافر الخطيب.
قصائد كثيرة يمكن أن تتلوها طرابلس لابنها الطيب عبد المجيد، بما في ذلك قصائد نادرة ومعبّرة كتبها "طبيب الفقراء" بحسه الإنساني المرهف، وبعضها موجه إلى رفيقة عمره ومسيرته الطويلة السيدة ليلى بقسماطي الرافعي.
كانت الفيحاء تنام دائماً ملء عينيه. دائماً في ضميره وقلبه ووجدانه. خارج لبنان يسأل عن أحيائها وحاراتها وأهلها الطيبين بكثير من الودّ والمحبة والإيمان... والابتسامة التي تطبع دائماً وجه هذا القائد اللبناني والقومي بامتياز.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018