ينبع مفهوم العولمة في الإسلام من مبدأ العالمية الذي ورد في القران الكريم والسنة المطهرة. فبالرغم من أن الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم بعث للناس أجمعين على عموم جغرافية الكرة الأرضية ، وكما أكدها الله تعالى في محكم كتابه الكريم في قوله عز وجل (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). (الأنبياء 107) وقوله تعالى (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا).(سبأ 28)
إلا أن العامل الأساسي الذي يختلف عن العولمة الأمريكية الراهنة ، يكمن في أن الإسلام الحنيف لا ولم يفرض على الآخرين النموذج الإسلامي قسرا ، وكما في قوله تعالى(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).(يونس 99) وقوله سبحانه(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي).(البقرة 256)
فبعد ظهور الحضارة العربية الإسلامية في القرنين السابع والثامن الميلادي ، تجلى العامل الإنساني في حسن خلق التعامل ، بل أن الله تعالى قدم هذا الخلق حتى على أهم ركنين من أركان الإسلام ، وهما الصلاة والزكاة ، كما في قوله تعالى ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ (البقرة: 83).
كما تجلت العلاقات الاقتصادية بين أوربا الغربية الكاثوليكية والعالم الإسلامي بشكل لا يشكل الدين فيه حجر عثرة أمام التبادل التجاري وحرية تنقل الناس من المسلمين والمسيحيين واليهود آنذاك. فقد عرف دار الإسلام نوعا من العولمة الذي تعني حرية حركة الناس والبضائع والأفكار على نحو أصدق من عولمة الرأسمالية العالمية التي نشهدها اليوم. فارتكزت قيم الإسلام وتعاليمه على الاحترام المتبادل بين بني البشر وعلى احترام كرامة الإنسان بغض النظر عن الدين والعرق واللون ، وكما في قوله تعالى( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾.(الإسراء : 70)
كما ارتكزت هذه القيم والتعاليم على المساواة بين البشر. فكانت عولمة الإسلام ، إن صح لنا هذا التعبير تؤمن بمبدأ الحرية والمساواة في فرص العمل لجميع الناس دون استثناء ، وكان الشرط الوحيد يتمثل بالكفاءة والتميز. بل الأكثر من ذلك كله أن الإسلام كان أول من نادي بحقوق الإنسان وطبقها تجسيدا ، ولعل المبادئ سبق وان تم تصديرها للناس يعاد تصديرها إلينا الآن. ولذا فقد أعطى الإسلام كافة الحقوق لغير المسلمين وساوى بينهم وبين المسلمين في كافة الحقوق. وغير المسلمين هم الذميون والمستأمنون. والذميون هم الأقليات كما يوصفها القانون الدولي اليوم من أصحاب الديانات الأخرى الذين يعيشون في بلاد الإسلام ، ويقيمون فيها إقامة دائمة ، فلهم في حكم الإسلام ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين . أما المستأمنون فهم الجاليات الذين يقيمون في بلاد الإسلام إقامة مؤقتة لمصلحة ما ، فلهم من الحقوق الأساسية حرمة المال والنفس والدم والعرض والدين مثل حقوق الذميين بما يحفظ الأمن والنظام العام على جميع المواطنين. ولهم حرية التعامل المباح والنشاط الاقتصادي مع المسلمين بمختلف أنواع المعاملات المباحة.
ويشهد التاريخ أن الشريعة الإسلامية كانت قد أكدت في أوج عظمة حكمها لأغلب بقاع الأرض، على بقاء أصحاب الديانات الأخرى على عقائدهم ، وعدم إجبارهم على اعتناق الإسلام ، بل فرض حسن التعامل معهم ، فلا يُفرِّق ديننا الحنيف بين المسلم وغير المسلم في هذا التعامل.
ومن أمثلة الرعاية الإسلامية لغير المسلمين وكفالة حقوقهم الاجتماعية ، ما أشار له الخليفة الصديق رضي الله عنه في كتابه إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه في عقد الذمة لأهل الحيرة بالعراق ، وكانوا من النصارى بقوله: "وجعلت لهم: أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنيا فافتقر ، وصار أهل دينه يتصدقون عليه ، طرحت جزيته ، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله". أما الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ففي كتابه لمن بعده يقول: "وأوصيته بأهل ذمة المسلمين خيرا أن يوفى لهم بعهدهم ويحاط من ورائهم ". كما أن الفاروق رضي الله عنه كان يؤكد على حرية ممارسة العبادات كافة، بل الحفاظ على دور عبادتهم وتحريم الاعتداء عليها وتجريم هدمها أو تخريبها، ولعل الوثيقة العمرية مع أهل بيت المقدس( ايلياء) أفضل دليل. وقد جاء في هذه الوثيقة ما نصه(بسم الله الرحيم الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين ، أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم، وأموالهم، ولكنائسهم، وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود).
www.alssadaa.net