سينتهي حتما قانون حظر البعث سيّء الصّيت والسّمعة هذا – وهذه المسلّمة ليست من قبيل الإنشائيّات ولا الأماني – لأسباب عديدة ومتنوّعة، ولكن يبقى أهمّها على الإطلاق أنّ هذا القانون إنّما هو استنساخ فارسيّ صفويّ لقانون الاجتثاث الأمريكيّ.
وإنّه وبالنّظر لفشل الأصل، فلا يعقل أن يتصوّر بعض من أخذتهم العزّة بالإثم وباركوا هذا القانون العنصريّ الطّائفيّ، أن يحالف التّوفيق النّسخة المستوحاة من الأصل. فما بالك والحال يتعلّق بنسخة مشوّهة رديئة تنضح ثارات وعنصريّة، علاوة على كونها نسخة حبلى ببواعث الشّفقة على تلك الأنامل المرتعشة التي خطّت بنود هذا القانون البائس.
فجوهر هذا القانون ينبع أساسا من قانون بريمر، ولكنّه نقل للعربيّة بروحه الفارسيّة المفضوحة.
وللتّأكيد على حتميّة مصير هذا القانون الخائب، لا بدّ من استذكار بعض جوهر قانون الاجتثاث الأصليّ. فالاجتثاث وكما تنصّ عليه تعريفاته اللّغويّة وحتّى الاصطلاحيّة والقانونيّة والسّياسيّة والإجرائيّة فيما بعد، جاء وفق سياقاته التّاريخيّة والخطط الاستراتيجيّة المدمّرة التي حرّكت حشود الغزاة والمتكالبين على العراق ظاهريّا فيما كانت تقع عيونهم على ما هو أبعد منه وأهمّ حيث كان حجر الزّاوية في مخطّط تفتيت الوطن العربيّ وإغراق الأمّة في سلسلة من الفوضى العارمة التي وصفتها الإدارة الأمريكيّة المجرمة بالفوضى الخلاّقة – وهي واقعا هلاّكة - تكون النّزاعات الطّائفيّة والحروب الأهليّة متنها الأهمّ ومحملها الأبرز، جاء إذن ليضرب قلعة العرب ودرعهم الأشدّ تحصينا بعد تتالي الضّربات والحصار عليه ليسهل بالتّالي ذبح العروبة ووأد الحلم الذي لم يبرح الوجدان العربيّ الأصيل يوما والقاضي بحقّ العرب في توحيد أقطارهم ولمّ شتاتهم ولملمة جراحهم الغائرة التي خلّفتها الحملات الاستعماريّة المجرمة والمتعاقبة.
اتّخذ الاجتثاث عنونا ظاهرا وبارزا حيث خصّ حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ رأسا وهي المغالطة الكبرى والخديعة التي لا تنطلي على صاحب ذرّة واحدة من العقل والبصيرة، مستفيدة من حملة تجييش الرّأي العامّ العراقيّ والعربيّ والدّوليّ وتعبئته ضدّه التي نفّذتها كبريات منابر الإعلام المنخرطة في حملة العدوان البربريّ على العراق وهو الذي صوّره دهاقنة الغرب الاستراتيجيّين على أنّه نتيجة السّياسات الدّيكتاتوريّة لنظام البعث في العراق. ولكن ألم يكن المراد من خلال اجتثاث البعث اجتثاث الوعي القوميّ العربيّ كاملا؟ ألم تكن الخطّة الحقيقيّة تقضي بإزالة العقبة الأهمّ والأقوى التي تحول دون سلب إرادة العرب وشفط خيراتهم وإعادتهم للعصور الحجريّة كما تحدّث ساسة أمريكيّون كثر قبل ذلك، ليتسنّى للغزو والغزاة تعبيد الطّريق أمام المخطّطات الاستراتيجيّة القاضية بتقسيم الوطن لدويلات متناثرة مبعثرة لا سيادة لها ولا كلمة ولا نفوذ، وفي المقابل إنشاء ما يسمّى بإسرائيل الكبرى حتّى تكون حامية أهمّ منابع الطّاقة في العالم؟
إنه وفي سبيل ذلك، أباح الاجتثاث ملاحقة البعثيّين وفصلهم من وظائفهم وتجريدهم من أبسط حقوقهم ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم وتشريدهم وتقتيلهم، وكان ذلك أملا في إخماد صوت الشّرفاء واغتيال ضمير الأمّة والعروبة.
لكن ورغم ما تعرّض له حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وقيادته وكوادره ومناضلوه من وحشيّة وما كابدوه من معانة مأساويّة، ظلّ البعث ورجالاته متخندقين في سوح الجهاد والمقاومة يقبلون على الموت ساخرين بالمعتدين الظّالمين صابرين محتسبين ديدنهم إمّا نصر أو شهادة.. وانهارت على صخرة جلدهم وثباتهم وأصالتهم وغيرتهم وحميّتهم وهبّتهم الشّجاعة جميع المؤامرات بما فيها الاجتثاث، ما اضطرّ الأمريكان للفرار من المستنقع العراقيّ في مرحلة أولى، ثمّ لتتوالى اعترافاتهم بعجزهم وبخيبتهم في مسعاهم المذموم القاضي باجتثاث البعث، لتبلغ تلك الاعترافات عصارتها من خلال طلب الأمريكان في عديد المناسبات التّفاوض مع حزب البعث لا فيما يخصّ العراق فحسب، بل وفي كلّ المسائل القوميّة والإقليميّة.
يتوجّب ههنا التّأشير إلى أنّ اجتثاث البعث لم يقتصر على قطر العراق وتنظيم الحزب فيه، بل كان المستهدف حزب البعث العربيّ ذلك الحزب القوميّ المنتشر في كلّ ربوع الوطن العربيّ كاملا.
وفي الحقيقة لا بدّ في هذا الإطار التّشديد على أنّ أحد أهمّ عوامل نجاح البعث في تقويض الاجتثاث، علاوة على الأداء البطوليّ والملحميّ للحزب في العراق وقيادته لأكبر وأسرع وأشرس مقاومة في تاريخ البشريّة، صمود فروع الحزب في الوطن العربيّ والتفافها حول قيادة الحزب وإسناد كفاحها الوطنيّ والقوميّ والإنسانيّ في العراق بشتّى الطّرق.
إنّنا إذ نذكّر بهذه الحقائق، فإنّنا نتساءل عن مدى حمق جماعة العمالة في المنطقة الخضراء، وما الذي صنعوه بأيديهم من خلال خطوتهم العنصريّة المخزية الجديدة التي ستنضاف لسجلّ عارهم وجرمهم الثّقيل؟؟ ألم يستوعبوا الدّروس وما بالعهد من قدم؟؟
هل حقّا يحسبون أنّهم بطائلي ما عجز عنه أسياد أسيادهم – أي الأمريكان -؟
وهل يعتقدون أنّ البعثيّين الذين قاوموا أعتى ترسانات الفتك والتّدمير والتّقتيل في العالم، ورابطوا في خنادق الجهاد، سينصاعون لقوانين تصدر عن جماعة من البلهاء والبيادق الصّغار؟؟
إنّ هؤلاء الموتورين المنبتّين، يظنّون أنّ البعث لقمة سائغة أو قد يصيّره طول أمد الحرب كذلك، وهي لعمري الخطوة التي ستعجّل بدقّ الإسفين الأخير في نعوشهم.
إنّهم المدفوعين دفعا من قبل رعاتهم في طهران البغي والرّذيلة، يدركون جيّد الإدراك أنّ قانونهم هذا ولد ميّتا لأنّه ثمرة زيجة حرام وتخبّط في رحم أصفر قذر. وهم يعلمون يقينا أنّ شيفرة قانونهم التي استلموها من الملالي ومجرمي ولاية الفقيه، إنّما تحدّثهم بأنّ هذا التّشريع المبتذل يتوجّب تجريبه في بغداد ليتمّ تعميمه إن نجح - مع استحالة ذلك- حيثما تمكّن الفرس من تثبيت أقدامهم داخل الوطن العربيّ.
ولقد أفصح المجرم العميل حيدر العبادي عن ذلك - ولا ندري إن كانت فعلته تلك زلّة لسان أم لتأصّل الغباء فيه – حيث قال في أحد تصاريحه حرفيّا " إنّه سيسمح بالتّعامل والتّحالف مع حزب البعث السّوريّ، أمّا البعث العراقيّ فلا بدّ من حظره ".
هنا تحديدا، وفي هذا التّصريح الذي أهمله كثيرون للأسف، تختزل أغلب تفاصيل مرامي قانون حظر البعث في العراق.
فبأيّ بعث سوريّ يلهج هذا المأجور إن لم يكن ذلك استحضارا وشكرا وتثمينا فارسيّا للعصابة الأسديّة الخائنة لكلّ أدوارها الخيانيّة المتآمرة على المصالح العربيّة القوميّة والملتزمة بالأجندا الفارسيّة حصرا؟؟ وعن أيّ بعث سوريّ يهذي العبادي الصّغير إن لم يكن ذلك تدليلا على هلع الفرس وفزعهم ورعبهم من ذلك البعث الأصيل الذي أذاق رجاله البررة وقاداته الميامين الأفذاذ دجّالهم الأكبر السّمّ الزّعاف ذات يوم مشهود؟؟
هو البعث القوميّ الإنسانيّ الرّساليّ المستهدف عبر قانون حظر البعث في العراق، وهو المشروع العربيّ التّحرّريّ السّاعي لتخليص العرب جميعهم من ربق الاستعمار وحمايتهم من سيطرة الأجنبيّ وضرب دابر الطّامعين سواء كانوا فرسا أم أمريكيّين أم صهاينة أم غيرهم، وهو تاريخ العرب وحضاراتهم ولسانهم وعقيدتهم المستهدف من كلّ هذا.
فهل يفعلها العرب هذه المرّة، ويكفّروا عن خذلانهم للبعث زمن الاجتثاث، ويتصدّون للحظر الخائب هذا؟
أم أنّهم سيركنون للانتظار ويستقلّون الرّبوة كعادتهم دوما؟؟
وليعلم الجميع عربا وفرسا وصهاينة، أنّه وكما أفشل البعث قانون الاجتثاث الأمريكيّ الأصليّ، فإنّه وبنفس الحرفيّة والذّكاء والفطنة والصّبر والمثابرة سيجهض نسخته المشوّهة والمقلّدة الصّادرة من طهران، وسيكون الفشل قدرا حتميّا لقانون الحظر هذا.
وإنّ البعث والعرب لمنتصرون وإن كره الكارهون، فقط لأنّ الله معنا، والتّاريخ معنا، والحقّ معنا.
أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 03-08-2016