تتواصل مأساة جماهير شعبنا العربيّ في سوريّة عموما وفي حلب خصوصا هذه الفترة العصيبة التي تشهدها المدينة، ولقد تعمّق الوضع الكارثي في حلب مع تأكيدات دوليّة على أنّ قرابة مليوني مواطن فيها يعانون نقصا حادّا في الأغذية والأدوية وغيرها من الضّروريّات.
لقد خصّ نظام الإجرام والطّائفيّة الأسديّ حلب بمنهى غطرسته وصبّ على أهلها جام حقده، واستفاد من بطش حليفه الرّوسيّ الضّلع الامبرياليّ الصّاعد فضلا عن ثقل الحضور الفارسيّ الصّفويّ ومختلف الميليشيّات الإرهابيّة والطّائفيّة المرتبطة به كحزب الله اللّبنانيّ وغيرها. ولقد سوّق نظام زمرة الخيانة الأسديّة على ضوء الدّمار الهائل والجرائم الفظيعة التي ارتكبها بحقّ أهالي حلب، وروّج لنصر عدّه الحزام الملتفّ حوله نصرا استراتيجيّا ساحقا الأمر الذي سمح لرأس النّظام لإعلانه قانون عفو شامل عن المسلّحين الذين يسلّمون أسلحتهم وليتحدّث عن فتح ممرّات آمنة اتّضح فيما بعد أنّها لم تكن تزيد عن مصيدة أعدّت في دهاليز مكر منظومة الاستبداد والتّقتيل والتّشريد التي تثخن الجراحات بالشّعب السّوريّ الصّابر والرّافض رفضا مطلقا وكلّيا لاستمرار هذا النظام الدّمويّ الذي سقطت عنه كلّ ذرّات الحياء والمسؤوليّة بفعل ما ارتكبه ولايزال من بشاعات ضدّ شعبه، ولم تكن هذه الإجراءات الورقيّة المفرغة من أيّ معنى إلاّ محاولة للتّعمية عن الجرائم المستمرّة من جهة وسعي للظّهور في ثوب البطل المنتصر السّخيّ الكريم وهي صفات لا أثر لها في سياسات النّظام السّوريّ المتهاوي.
قد يتساءل البعض لماذا حلب بالذّات ؟ ولماذا هذا الإصرار على تدميرها؟
وللإجابة على هذين السّؤالين، لا بدّ من التّأكيد على أنّ نظام الأسد يدرك أنّه لم يعد قادرا على لعب أوراق غير القتل والتّدمير، وبالتّالي فإنّ أيّامه باتت معدودة مهما سوّق لخلاف ذلك، كما أنّ فشله في رهانه على عامل الوقت أفقده صوابه وبالتّالي فهو يحرص على إلحاق كبر قدر ممكن من الآلام بالجماهير السّوريّة المنتفضة السّاخطة على النّظام، ويعلم هذا النّظام أكثر من غيره أنّ هامش المناورة لم يعد متاحا كالسّابق خصوصا مع انكشاف كلّ الأكاذيب والأحاييل التي سعى لتثبيتها متنفّلا بدعم روسيّ فارسيّ.
كما ينبغي الإشارة إلى أنّ هذه الخطوات التّصعيديّة الأخيرة في حلب وعلاوة على أهميّتها الاستراتيجيّة في معادلة الصّراع بين النّظام والشّعب حيث من شأن إحداث ثغرات في حلب أن يرمّم معنويّات النّظام المنهارة ويمكّنه بالتّالي من تحقيق تقدّم ميدانيّ في غير حلب، إلاّ أنّه لا ينبغي التّغافل أبدا عن الدّور الفارسيّ الصّفويّ في دفع الأمور في حلب لهذه المرحلة الخطيرة وذلك بالنّظر لما تزجّ به منظومة الملالي من أفواج وأعداد هائلة من نخبة جيوشها لحلب عساها تضمن لحليفها التّقليديّ بعض الدّعم وتفلح في اقتلاع شيئ من التّقدّم.
وليس يخفى في هذا الصّدد حرص العدوّ الفارسيّ للتّنفيس عن هزائمه المدوّية في كلّ السّوح السّوريّة وذلك نظرا للخسائر الفادحة التي يتكبّدها في حلب وفي غيرها لتبلغ جيف نخب الحرس الثّوريّ الإرهابيّ وحدها مبالغ لا تحتملها طهران، زيادة على انحسار المشروع الفارسيّ الصّفويّ وتراجع وتيرة تمطّطه في الوطن العربيّ، وعليه فإنّ الدّافع لاستهداف حلب هو التقاء مصلحتي زمرة الأسد ورعاتها في طهران للتّغطية عمّا يتخبّطان فيه من مشاكل وما يعانونه من صعوبات وعراقيل كبيرة.
هذا، ولا يجب أن يغفل المتابع لحملة نظام الأسد على حلب، عن ربطها بظرفها الزّمنيّ وما تشهده المنطقة والعالم من تحوّلات خاصّة محاولة الانقلاب التّركيّ الأخيرة وما سيتبعها فضلا عن انشغال الإدارة الأمريكيّة بمعارك انتخاباتها الرّئاسيّة القادمة وهو أمر تلازم تاريخيّا بنوع من التّراخي الأمريكيّ في التّعامل مع الأحداث خارجها، وهو ما حاول استغلاله النّظام فارتكب أبشع الجرائم لعلمه يقينا أنّ الاهتمام الدّوليّ لن يتركّز حتما على ما يحدث في سوريّة.
أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 10-08-2016