مثّلت سوريّة في هذه الأيّام أحد أكبر عناوين الاهتمام الدّوليّ، بعد أن تصاعدت تطوّرات الملفّ السّوريّ بشكل لافت ومثير سياسيّا وعسكريّا على الصّعيدين الدّاخليّ والخارجيّ.
ورغم محافظة الوضع الميدانيّ محلّيّا على ما غلب عليه من مراوحة في ذات المكان حيث يتواصل الصّراع بين النّظام وأعوانه وحلفائه وبين كلّ القوى المناهضة له من أبناء الشّعب السّوريّ وغيرهم على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، ورغم
استمرار تعقيدات المشكل السّوريّ وتشعّباته للحدّ الذي استحال على السّواد الأعظم من المتابعين الولوج لحقيقة ما يجري هناك ومحاولة قراءته قراءة متوازنة موضوعيّة وسليمة قدر الإمكان، فإنّ ذلك لم يحل دون توالد تفاهمات دوليّة جديدة كثيرة بخصوص المسألة السّوريّة بطريقة غير مسبوقة بل ولم تكن في الحسبان أصلا. حيث شكّلت سوريّة في الآونة الأخيرة دافعا حيويّا ومهمّا في رسم ملامح تفاهمات وتقاربات دوليّة متداخلة ومتشابكة تتوزّع بين الثّنائيّة والمتعدّدة يشترك قطب الواحدة منها في الأخرى، ويظهر للعلن منها فقط ما يضمن القبول بها لدى الرّأي العامّ على الأقلّ العربيّ والسّوريّ.
ففي قراءة سريعة لهذه التّفاهمات سنجد تفاهما ثنائيّا بين الأمريكان والرّوس، وتفاهما ثنائيّا بين روسيا وإيران وآخر بين روسيا وتركيا وبين تركيا وإيران، كما تضاعفت التّفاهمات المتعدّدة والتي انبثقت في أغلب الأحيان من تلك الثّنائيّة ليصار اتّفاقيّات روسيّة إيرانيّة تركيّة من جهة، وأمريكيّة أوروبيّة عربيّة من جهة أخرى.
أمّا ما يميّز جميع هذه الاتّفاقيّات هو تنتقض مصالح مكوّناتها وتصارعها في أغلب الأحيان خصوصا في سوريّة، حيث يتمسّك شقّ منها ببقاء رأس النّظام المجرم في وريّة في منصبه والإبقاء على دوره في قادم التّسويات بينما يشدّد الآخرون على استحالة تحقّق ذلك ورفض أيّ دور للنّظام السّوريّ مستقبلا.
إنّ هذا العرض لطبيعة هذه التّفاهمات الجديدة والتّطرّق للتّضارب بينها يدلّل على أنّها مجتمعة لا تقيم أيّ اعتبار لمعاناة الشّعب العربيّ في سوريّة بل إنّ كلّ الغرض منها هو البحث عن طريقة ترضي الجميع خصوصا في اقتسام مغانم الكعكة السّوريّة خصوصا فيما يتعلّق بالاكتشافات الطّاقيّة الهائلة التي يتوقّع خبراء الطّاقة وخصوصا الغاز أنّ مخزون سوريّة منه إذا ما تمّ استثماره سيكون مهمّا ومؤثّرا في السّوق العالميّة. وبالتّالي فما هذا التّهافت المحموم على إيجاد اتّفاقات بهذا الكمّ المهول إلاّ من باب رأب الصّدع الذي هزّ علاقات تلك القوى الكبرى خصوصا ومعها القوى الإقليميّة الحاضرة ومن ثمّ إعادة توحّدها على المخطّطات الاستراتيجيّة التي أعدّت للمنطقة العربيّة سلفا.
لقد بات معلوما أنّ الوضع السّوريّ إنّما هو منصّة متقدّمة لتقسيم المنطقة العربيّة على أسس مذهبيّة وطائفيّة وإنشاء كنتونات ضعيفة مهترئة تتقاذفها الصّراعات والحروب الأهليّة، ويتمّ ذلك بالتّزامن وبالبناء على مع ما يستجدّ في الساحة العراقيّة المجاورة. وتصطدم القوى الكبرى في هذا الشّأن بمصالح القوى الإقليميّة التي رعت بطرق مختلفة هذا المخطّط وعملت على إنجاحه مثل تركيا وإيران اللّتين ترفض كلّ منهما إقامة كيان كرديّ في سوريّة والعراق.
وبالتّالي، نخلص ممّا تقدّم إلى أنّ كلّ التّراتيب والتّفاهمات الدّوليّة المعلنة والمسكوت عنها خصوصا تلك التي يشترك فيها الكيان الصّهيونيّ، إنّما هي بحث عن ضمان مصالح الأقوياء بعد ان اختلفوا في كلّ شيء واتّفقوا فقط على تخريب سوريّة وتهديد وحدتها التّرابيّة وسلامة أراضيها وتقتيل شعبها بعد تجريب آخر مكتشفات مصانع الموت عندهم.
هذا ويتوجّب التّأكيد على أنّ المشهد العام يشي ب:
* محاولة الانقلاب في تركيا نجحت في زيادة التّقارب التّركيّ الرّوسيّ الذي يعني ضمنا تقاربا تركيّا إيرانيّا بما سينتج عنه من مسارات جديدة لإيران ولتركيا في التّعاطي مع كارثتي العراق وسوريّة.
* ارتباك في العلاقة التّركيّة السّعوديّة والخليجيّة على أقلّ وصف وتقدير من جهة أخرى.
وثمة مسار آخر لا يجوز تجاهله في هذه الخبطة هو محور الدّولة الكرديّة التي صارت فزّاعة وشمّاعة للانتقالات النّوعيّة والحادّة في حركة السّياسة اليوميّة للمنطقة.
كما قلنا... العرب هم المهدّدون ليس بدماءهم وثرواتهم فقط بل وفي ارضهم ما داموا بعيدين عن بناء القوّة التي يحسب لها الجميع حسابا عند وضع نظّارات تكبير حروف الاستهداف والاستهانة بالأمّة العربيّة.
أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في
17-08-2016