في مثل هذه الظّروف العصيبة وشديدة التّعقيد التي تمرّ بها الأمّة العربيّة، ووسط تنامي الأخطار المهدّدة لوجود العرب ومصائرهم، تنعقد في تونس الدّورة 25 للمخيّم. هذا المخيّم الذي يشرف عليه ما يسمّى بالمؤتمر القوميّ العربيّ إشرافا مباشرا، يحرص القائمون عليه حرصا شديدا على تمرير ما أٌنيط بالمؤتمر القوميّ العربيّ من مهامّ جديدة بعد نجاح مجاميع معيّنة بالتّغلغل
داخله والتّنفّذ فيه والمسك بتلابيبه جميعها.إذ ليس يخفى على أحد، ما آل إليه حال المؤتمر القوميّ العربيّ وقد غدا منبرا يسيطر عليه أعوان إيران الفارسيّة الصّفويّة الخمينيّة وأقطاب المبشّرين بمشروعها العامل على ابتلاع الوطن العربيّ، ولقد تنبّه كثير من المناضلين والمفكّرين القوميّين ومنهم من داخل المؤتمر نفسه إلى هذه الحقيقة مبكّرا وفضحوا إرهاصات تلك التّهديدات وتجلّياتها المعقّدة والعصيّة على البسطاء من حيث استشعار تداعياتها ورصد التّوجّه الجديد للمؤتمر وهو توجّه غريب شذّ عن المهامّ الأصليّة التي نهض لها من راودتهم فكرة تأسيسه.
لقد كان منتظرا من هذا المؤتمر تأجيج جذوة الانتماء لهذه الأمّة وتعزيز مناعتها وبثّ وبسط المشاكل القوميّة العربيّة للجماهير بعيدا عن مغالطات النّظام الرّسميّ العربيّ وحساباته وكذلك في محاولة لتصويب الأمور قدر الإمكان، كما كان مأمولا منه أن يكون فضاء متقدّما للبحث والاستشراف والتّفكير في حلول ناجعة وعلميّة لما صارت إليه حالة العرب خصوصا بعد الزّلزال المدمّر الذي ضرب خيمتهم المنيعة وقاعدتهم الإقليم ألا وهي العراق منذ العدوان الثّلاثينيّ لحدود الغزو الأمريكيّ البربريّ له ولحدّ السّاعة، ولم يكن بالتّالي المؤتمر تجمّعا يراد من خلاله التّداعي سنويّا لتبادل القبل واللّقاءات الرّوتينيّة الباهتة، لأنّه فكرة وعزم وإطار ثوريّ بالأساس، ولو على المستوى النّظريّ.
عرف المؤتمر القوميّ العربيّ إذن، هزّات عنيفة بداخله تمثّلت في سيطرة نغول إيران عليه وإن اعتمد بعضهم تقيّة سياسيّة ومناورات نضاليّة تكتيكيّة، وتحوّل إلى ما يشبه أحد فروع مجمع تشخيص مصلحة النّظام في إيران، ولا يجد المتتبّع لحيثيّاته والمسار الذي اتّخذه في السّنوات الخمس الأخيرة على الأقلّ أدنى صعوبة في تحسّس ذلك. وليس من الفائدة الإطالة للبرهنة على ذلك، إذ يكفى أن نستذكر المنحى التّبشيريّ بالمشروع الفارسيّ والذي نضحت به بيانات المؤتمر وتنظيرات رعاته وخصوصا معن بشور وأمثاله وليس آخرهم زياد الحافظ وتشديدهم على أنّ إيران تمثّل قطبا رائدا ودافعا لقاطرة المقاومة العربيّة علاوة على أنّها حليف استراتيجيّ في معادلة الصّراع العربيّ الصّهيونيّ، منكرين مستخفيّن بالحقيقة الاحتلاليّة الاستيطانّة لنظام ولاية الفقيه ومتغاضين عن النّزعة الإجراميّة العنصريّة الشّوفينيّة الحاقدة التي تسم تعاملها تاريخيّا مع العرب، ويحرص هؤلاء في بياناتهم وسرديّاتهم دوما على تبييض الوجه القبيح لإيران وذلك بصمتهم بل وبتسويقهم أحيانا كثيرة لجرائمها المدوّية في الأحواز العربيّة وفي العراق الذي تحتلّه احتلالا مباشرا وتعبث بما أبقاه الاحتلال الأمريكيّ فيه ناهيك عن الجزر الثّلاث الإماراتيّة وما تسعى إليه من تقويض أمن الجزيرة العربيّة في كلّ من البحرين والسّعوديّة واليمن، فضلا عمّا تخطّط له في مصر والسّودان والمغرب العربيّ، كما لا يتورّع هؤلاء في التّقليل من حجم غطرسة إيران التي تتواتر تأكيدات كبار جنرالاتها وملاليها وسياسيّيها في تصريحاتهم على عزمهم ومضيّهم في إحياء امبراطورّيتهم الفارسيّة وعاصمتها بغداد وكذلك تبجّحهم بنجاحهم في احتلال أربع عواصم عربيّة كبرى والسّيطرة عليها سيطرة مطلقة.
إنّه وأمام هذا الانحراف والزّيغ المفزعين اللّذين طبعا أداء المؤتمر القوميّ العربيّ، انسحب منه كثير من أعضائه البارزين والمؤثّرين بل ومنهم أعضاء مؤسّسون، وكان ذلك سعيا لدقّ نواقيس الخطر على مسامع من ظلّت تساوره بعض الشّكوك أو تتقاذفه آمال التّغيير من الدّاخل - وهي حجّة يتذرّع بها البعض من الأحبّة الذين نعرف ونقرّ لهم بالنّزاهة والمبدئيّة ، رغم ضعفها وانعدام إمكانيّة تحقّقها -، كما سعى المنسحبون منه لسحب البساط من تحت أقدام عرّابي المشروع الفارسيّ وفضحهم على الملأ.
إنّه والحال كذلك، لا يمكن البتّة انتظار نتائج ولا مخرجات لهذا المخيّم الشّبابيّ ذات أبعاد ومضامين مخالفة أو متصادمة أو رافضة للخطّ العامّ الجديد لمؤتمر معن بشور وزياد الحافظ، إذ لا يعقل أن يشذّ الفرع عن سياسات الأصل، بل إنّ تداعي البعض للدّفاع عن هذا المخيّم أمر غريب ومستهجن في آن، حيث لا يعقل أن يدينوا ممارسات الفرس من جهة، ثمّ ينبرون مدافعين عن فضاء لا أحد يمكنه أن ينفي عنه تبعيّة وولاء وانصياعه انصياعا تامّا للفرس ودهاقنتهم.
وعليه، فإنّ هكذا مخيّم لا معنى ولا مدلول ولا آمال نضاليّة تعلّق عليه، ولن يكون في أحسن الأحوال أزيد عن المخيّم أو الملتقى السّياحيّ الذي يتداعى له بعض الزّوّار صادف أن حمل روّاده صفات الانتماء لأحزاب قوميّة من بعض الأقطار العربيّة.
إنّ هذا ليس زعما ولا رجما بالغيب، حيث يقتضي تمخّض المخيّم عن قرارات أو لوائح أو منتجات شروطا عديدة أهمّها استمراريّة العمل النضاليّ وهو ما لا يتوفّر فيه نظرا لغياب الاستمراريّة وحتّى المتابعة، فنحن لم نرصد توصيات أقرّتها مخيّمات سابقة سيعكف المتواجدون في تونس على تقييمها وتطويرها وبالتّالي رفع توصيات ومقرّرات جديدة، كما يمثّل عدم استقرار الوفود ولا أعضاؤها عائقا إضافيّا، وكذلك ومن خلال المتابعة لنشاطات هذا المخيّم، تظلّ كلمة المشرف العامّ على هذا المخيّم أحد اكبر أسباب الجزم بأنّه لن يتوافق مع طبيعة مثل هذه اللّقاءات الشّبابيّة الثوريّة وإن نظرّيا، فلقد مثّلت كلمة مجدي المعصراوي وهو نائب زياد الحافظ الأمين العامّ للمؤتمر القوميّ العربيّ خطّة توجيهيّة للشّباب في مخيّمهم هذا، وكانت الكلمة متخلّفة جدّا مقارنة بالوضع القوميّ العربيّ الرّاهن.
ففيها، عاود المشرف العامّ على المخيّم الشّبابيّ القوميّ ما دأب عليه المؤتمر القوميّ العربيّ بعد حياده عن مهامّه كما أسلفنا، وجاءت توصياته مؤكّدة ولو ضمنيّا على ضرورة عدم المساس من إيران ومصالحها وأجنداتها التّوسّعيّة التّخريبيّة في الوطن العربيّ، وظلّت الأحواز العربيّة خارج كلّ سياقات الاهتمام بل ولم تذكر أصلا باعتبار ولاء هذه الجماعة الأعمى لإيران، وقفز المعصراوي في كلمته تلك على مظلمة العصر الجديدة عراق الأمّة العريق الأشمّ وأنكر صاحبنا كلّ السّجلّ الإجراميّ الفارسيّ فيه كما تجاهل بسبق الإضمار والتّرصّد حقيقة جديدة ثابتة ليس بوسعه تفنيدها وهي ارتقاء الصّراع العربيّ الفارسيّ لمرتبة الصّراع الوجوديّ تماما كما هو الحال مع الصّراع العربيّ الصّهيونيّ المفتوح، وهي كلمة بدورها تنبع من الرّسائل المتعدّدة التي حبّرها عرّاب المشروع الفارسيّ الصّفويّ معن بشور قبيل انعقاد المخيّم في تونس، مشدّدا على أنّ أهمّ ما فيه هو قطعا تزامنه مع إحياء ما يسمّيه بذكرى انتصارات وليّ نعمته المندوب الصّفويّ في لبنان المجرم حسن نصر الله على الكيان الصّهيونيّ.
فهذه النّقطة تحديدا، هي جوهر الخلاف والتّناقض الحادّ بين الرّؤية والنّظريّة القوميّة العربيّة الثّوريّة الأصيلة وبين التّحريفيّين الجدد الذين بات مشكوكا في مدى التصاقهم أصلا بالقضيّة الفلسطينيّة والصّراع العرابيّ الصّهيونيّ، فلقد أصبحت فلسطين في أدبيّاتهم تلك الشّمّاعة الأفضل للتّعمية عن دورهم الحقيقيّ المشبوه، حيث لا يلهجون بفلسطين إلاّ ليقرنوها بالفضل الإيرانيّ الفارسيّ في دعم قضايا الأمّة العربيّة وعلى رأسها فلسطين، وهو فضل لا يمكن أن يتشدّق به إلاّ من باع عرضه وذمّته في بزارات مصارف الفرس وقبض بالتّومان حدّ التّخمة.
كنّا سننحني إجلالا وإكبارا، لو تجرّأ أحد الشّباب المتواجدين أو مجموعة منهم، وقاطعوا تلك الكلمة الرّديئة الصّفراء المخاتلة، وواجهوا مشرفهم العامّ بحقيقة الوضع القوميّ العربيّ الرّاهن، وقارعوه بالحجج والبراهين، وانتصروا للأحوازيّين وهم يعانون الاغتيالات المتواصلة والتّجويع والمحاصرة والتّنكيل اليوميّ، وبمأساة العراق قضيّة العرب المركزيّة الأهمّ والأوكد في عصرنا هذا، ولو فضحوا جرائم الإرهابيّ قاسم سليماني وكلّ الميليشيّات الفارسّية الطّائفيّة المنشرة كالجراد في بلاد ما بين النّهرين، وكنّا سنصفّق كثيرا لأحدهم لو واجه المعصراوي هذا بما تحيكه إيران ونغولها في الوطن العربيّ من الأحواز إلى اليمن مرورا بالبحرين والسّعوديّة والإمارات وفضح مخطّطاتها في الشّطر الإفريقيّ من الوطن العربيّ الجريح..
كنّا سنتوّج أحدهم لو فاضت فيه حماسة الشّباب واندفاعه وسنمتنّ له عرفانا وجزاء على هبّته..
لكن ويا للخيبة، صّفق الجميع وطربوا وانتشوا ثمّ انصرفوا لالتقاط صور الذّكرى.
إنّ هذا المخيّم، لا معنى ولا مدلول له وشباب الأحواز والعراق وفلسطين غائبون عنه..
عن أيّ مخيم قوميّ يتحدّث البعض وهو يخلو من شباب العراق الأصلاء؟؟
ولا يحدّثنّنا أحدهم عن الظّروف الاستثنائيّة لأنّنا نعلم أنّ لو قدّر الرّفاق في العراق الأشمّ الصّامد أنّ في هذا المخيّم أدنى فائدة - إلاّ إذا كان منتجعا أو ملتقى سياحيّا - لما تخلّف عنه شباب ما بين النهرين.
أنيس الهمّامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة
تونس في 16-08-2016
لجنة نبض العروبة المجاهدة
تونس في 16-08-2016