تستقبل جماهير الأمة العربية ويحيي أبناؤها الأحرار هذه الأيام ذكرى نصر آب العظيم في يوم 08-08-1988 الخالد يوم سحقت فيه قوات العراق المسلحة البطلة جحافل العدوان الفارسي الصفوي الإيراني الخميني الغادر، وهو التاريخ المكتوب بأحرف من ذهب في جبين العرب والإنسانية بعد رضوخ الخميني وانصياعه لإرادة العرب وشعب العراق العظيم وقيادته المناضلة وجيشه الباسل
وتجرع السم الزعاف وانقاد للقبول بقرار وقف إطلاق النار الذي لطالما تنصل وتهرب منه متوهما أنه قادر على النيل من سيادة بلاد ما بين النهرين أرض التاريخ والحضارات العملاقة والأمجاد المحفورة في وجدان الإنسانية.
لقد كتب في هذا اليوم وهو يوم الأيام كثيرا وبين المؤرخون والعسكريون والسياسيون وحتى الأدباء والشعراء عظمته كل من زاويته وحسب اختصاصه، كما تراوحت تناوله بين التوثيقي والتحليلي والعاطفي والتعبوي، وهو ما يجعل من مهمة الخوض فيه مجددا أمرا عسيرا بسبب الخشية من الوقوع في التكرار وبالتالي إصابة القارئ بشيء من الملل.
ولكن، وإذا تمعنا جيدا في ثنايا هذه الذكرى العبقة وغصنا في ملابساتها وما يحيط بها، وإذا ما سحبناها على واقعنا العربي اليوم، فإننا سنخلص إلى اضطرارنا للكتابة عن هذا اليوم وفيه، بهذه المناسبة وحتى بدونا.
فيوم الأيام كان حصيلة نضال ومقاومة وجهاد ملحمي أثثته جماهير شعبنا في العراق الأشم جنبا لجنب مع قيادته الوطنية والقومية المناضلة ونظامه الوطني الغيور الجسور وجيشه المغوار، وهو ثمرة التّخطيط المدروس المتأني والعبقري للقيادتين السياسية والعسكرية لرد العدوان البربري الفارسي الخميني الجائر على العراق ائتمارا بتوجيهات الدوائر الامبريالية والصهيونية التي ناصبت العرب العداء دوما وخصت العراق بأعلى مراتبه مناوءة وتآمرا لما استشعرته من خطر المشروع الفكري والسّياسيّ الوطني والقومي ذي الأبعاد الحضارية والإنسانية للنظام الوطني العراقي بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي.
لقد كان العدوان الفارسي الشعوبي على العراق يهدف لتعويق المسار التنموي الشامل وإحباط بوادر القفزة النوعية الهائلة التي حدثت بها كل القرارات والسياسات المتبعة منذ انتصار ثورة تموز المجيدة، وهي الخطوط الحمر التي لا ينبغي للعرب الولوج إليها ولا التفكير في تجاوز عتباتها. وليس يخفى على عاقل أو منصف أن ذلك العدوان كان السبب الرئيس والمحوري الوحيد الذي ساندت من أجله أمريكا وأوروبا والصهيونية العالمية الخميني ومكنته من سرقة ثورة الشعوب الإيرانية وجرفها عن مسارها والانحراف بمطالبها.
جاء العدوان الخميني على العراق بدعم امبريالي وصهيوني وأمريكي للقضاء على إحدى التجارب الفذة الفريدة في تاريخ العرب للحيلولة دون بلوغها مراتب النضج والانطلاق في مسيرة لم الصف العربي وتطوير حياة الأمة وتغييرها تغييرا يصب في وفاض أبنائها بعيدا عن الوصاية الأجنبية والتبعية للآخر أيا كان، وفي انضباط صارم ودقيق للمصلحة القومية العربية العليا.
واستغلت إيران الخميني الدعم الغربي ناهيك عن الفوارق الكبيرة في موازين القوى بينها وبين العراق، فتهيأ للإرهابي الخميني أن استهداف العراق سيكون بمثابة نزهة بسيطة يمكنه بعدها تنفيذ برامجه التوسعية الاستيطانية الشعوبية على حساب كل العرب، وهي التي تفنن في إخفائها بخطاب ديني بائس ظاهره الانتصار للإسلام والمسلمين وباطنه تخريب وتدمير للعقائد وإذكاء للفتن الطائفية والصراعات المذهبية الملغومة والمغلوطة لصرف أنظار الأمة عن الاستحقاقات الحقيقية والرهانات المصيرية الكفيلة بتخليصها من واقعها المأزوم والمتردي وأعلاها حتما تعبئة الطاقات والموارد لتحرير الأراضي المغتصبة كافة وفي مقدمتها فلسطين السليبة.
إلا أن شجاعة شعب العراق ونظامه وحكمة قيادته وصمود حزبه العملاق المغوار حزب البعث العربي الاشتراكي وجيشه البطل والتشبع بالمخزون القيمي والموروث الفكري والحضاري العربي ومن بينها رفض العدوان والذل ومحاربة الطغاة والجبابرة والذود عن الحياض والأعراض بلا فتور أو تخاذل شكلت كلها عناصر النصر المؤزر في يوم الأيام وهي العوامل التي تغافل عنها الإرهابي الخميني لعنجهية فيه وغرور وعنصرية عجلت في اندحار قطعانه من غربان الشر الصفراء.
وإننا وإذ نحيي هذه الأيام هذه الذكرى العطرة الغراء فإننا نعيش احتدام التكالب الفارسي الإيراني الصفوي على العرب وتعاظم التهديدات الجدية وتكشف النوايا العدوانية الحقيقية لنظام الملالي وأطماع دهاقنة الفرس في بلادنا العربية كافة، للحد الذي بات هؤلاء المجرمون يتبجحون باحتلالهم وسيطرتهم على أربع عواصم عربية كبرى ويجاهرون باستعادة امبراطوريتهم الفارسية الغابرة السحيقة وعاصمتها بغداد. ويترافق هذا المنحى التوسعي الاستعلائي الفارسي مع استهدافات مباشرة وخطيرة لعدد من الأقطار العربية وخاصة دول الخليج والسعودية رأسا للحد الذي بات اندلاع صراع بين عاصمة الشر طهران والرياض أمرا منتظرا ولا غرابة فيه علاوة على سلسلة الجرائم الوحشية السادية المرتكبة فارسيا في العراق واليمن وسورية والأحواز العربية ولبنان ناهيك عن خلخة الأمن لكل من البحرين والكويت وغيرها ومظاهر التمطط غربا لحدود المغرب العربي كتونس والجزائر.
وفي هذه الأثناء، تصاعدت في المقابل موجة من الاستفاقة العربية الرسمية تمثلت في بوادر عزم على التصدي للمشروع الفارسي ونزعة الملالي التوسعية وفتنتهم الطائفية التي يتقصدون من ورائها تخريب النسيج الاجتماعي العربي وتمزيق اللحمة الشعبية في الأقطار العربية إضافة لسياسات التغيير الديموغرافي والتهجير القسري للسكان الأصليين في العراق والأحواز وسورية تمهيدا.
وحتى يكتب لمثل هذه البوادر والجهود النجاح، لا مفر لكل العرب رسميين ونخبا ومنظمات وجمعيات وأفرادا من الاقتداء بصناع نصر يوم الأيام في العراق الأشم منذ تسعة وعشرين عاما، وليس أمامهم إلا استلهام العبر والدروس منه مع وجوب السير على خطى شعب العراق وقيادته وتوفر الحزم والتصميم والإيمان الصلب والإرادة المتينة والوعي التام لكون الفرس أعداء جديون وحقيقيون للعرب لا يقلون خطرا عن الصهاينة، وما عليهم بالتالي إلا الاستعداد الجيد للمنازلة متى انطلقت بكل ما تقتضيه من تحشيد وإعداد عسكري واقتصادي وبشري ولوجيستي وغير ذلك.
فهل يفعلها العرب مجددا لنعيش يوم الأيام من جديد؟
للطلاع على اعداد المجلة زيارة موقع المجلة
www.alssadaa.net