قرأت عبارة لأحدهم تقول ان العرب غليظي طباع لانهم يأكلون لحم البعير . وهناك من شتمنا ونزل من شأننا لان العرب البدو يشربون ( بول البعير) . في حين يذهب اخرون الى القول عندما يجلدون ذاتهم ان البداوة هي سبب ما تعرضنا ونتعرض له من كوارث ومحن وما يشوب حياتنا من هموم ونواقص أسوة بالبشر المتمدنين المتحضرين في العالم المتقدم .
الرد على الاتهام بالغلظة واسقاطه بسبب أكل لحم البعير سهل علميا لان لحم البعير شأنه شـأن اللحوم الأخرى لا يختلف في تركيبه الا بقدر الاختلافات الجزئية البسيطة في نوع البروتين وبعض المعادن التي تختلف بها كل أنواع اللحوم عن بعضها البعض . والبروتينات أيا كان مصدرها لا تدخل في تكوين المادة الوراثية ولا في تكوين السلوك والسمات والخصال . وهناك من يقول ان لحم البعير أطيب من لحم البقر وألذ وأسهل هضما . أما بول البعير فقد ثبت انه ليس بولا كباقي بول الحيوانات بل هو أشبه ما يكون ب( عصير ) يحتوي على ما لا يحتويه أي بول لاي كائن حيواني اخر وليس فيه مادة اليوريا الا بنسبة ضئيلة وأثبتت العديد من البحوث العلمية الحديثة ان بول البعير دواء للعديد من الامراض.
الحقيقة العلمية المطلقة ان العرب لا يختلفون في تكوينهم الانساني عن شعوب الارض الأخرى والاختلافات الجينية بينهم وبين بعض وبينهم وبين الشعوب الأخرى طبيعية ربانية وليست نوعية. ولا علاقة للخلق العضوي للانسان عربيا كان أو غير عربي , بالسلوك والاخلاق ولا بالرذيلة والفضيلة التي هي ومجمل السمات الاجتماعية تتكون بالاكتساب وليس بالوراثة.
لا توجد جينات أو عوامل وراثية متخصصة بالاخلاق ولا بسلوك الانسان العام فالاخلاق والسلوك العام هو نتاج تعاطي الانسان مع البيئة التي ينشأ و يتربى بها . كما لا يوجد فروق وراثية محسوسة بين البشر بل يوجد فروقات في التدريب على اشغال العقل والتفكير التي هي نتاج بيئة وليس عوامل وراثية. والفروقات الجزئية في الذكاء والفطنة وطرائق التفكير ليست مرتبطة ببشر ينتمون للون بشرة أو هيئة أو لقومية دون أخرى. والاسلام صريح في تشابه البشر من حيث التكوين ( والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) .
وعليه :
فان تشخيصنا لعلل الجهل والتخلف وما ينتج عنها من الكسل وضعف اشغال العقل وبطيء التعلم عند البعض وأية ممارسات أجتماعية أو أخلاقية غير مقبولة عند سواد شعبنا العربي مقارنة بالعالم المتقدم لا علاقة لها بتخلف عربي في القدرات الوراثية ولا بالتكوين الجسدي بل بسبب التخلف في التعليم وضعف الثقافة والمعرفة بأنواعها والانتاج العلمي بسبب تخلف أدواتها ووسائلها المطبقة في المجتمع العربي . وشواهدنا كثيرة لبرهان هذا التعميم فقد شهد العراق مثلا تطورا عظيما في عدد العلماء في حقبة الحكم الوطني (١٩٦٨- ٢٠٠٣) وشهد زيادة تاريخية في عدد البحوث بعد ان توفرت البنى التحتية والفوقية للبحث العلمي والعلاقات العلمية مع جامعات العالم ومراكز البحث والمجلات الدورية المتخصصة في مختلف العلوم والطب والهندسة. وانجبت مصر علماء عظام على مستوى العالم .
ان انتشار التعليم وانتهاء الأمية وتوفر عوامل الحياة المدنية الحديثة والمعاصرة كلها من واجبات الانظمة والدول والحكومات وهي في مجملها ( مدخلات ومخرجات ) تحدد درجة رقي الشعب . كما ان المجتمع والبيئة هي التي تغذي الانسان وتكسبه دينه وما يتفرع عن الدين وتكسبه أخلاقه العامة وسلوكه الشخصي وهذه المنظومة البيئية تبدأ من العائلة وتنتهي بالكيان العام للدولة والمجتمع ولا علاقة للوراثة بها . لقد برهن العلم الحديث ان العوامل الوراثية للانسان متشابهة عموما وان هذه العوامل هي المسؤولة عن نقل وحماية التكوين العام بارادة الله سبحانه ولا توجد عوامل ولا جينات ولا كروموسومات ذكاء عند العرب تختلف عن ما لدى سواهم من الشعوب .
ان تطوير الانسان العربي سلوكا وأداء لواجباته الانسانية يتطلب ثورة عربية جذرية تغيير الانظمة وتوفر عوامل التعلم والتعليم بكل مراحله وتوفر الصحة والخدمات الصحية وتنهي البطالة وشظف العيش والفقر وتعطي الفرص كاملة ومتساوية . عندها لن تكون لنا عودة الى ماضينا التليد الا بقدر ما نفتخر به ونعتز به ولا نرى أنفسنا باية درجة أقل من سوانا من شعوب الارض.
ان مقدار الجريمة والشذوذ والحروب وقتل الانسان والانقلابات عند العرب ليس أكثر مما لدى شعوب أوربا وامريكا بل أقل بكثير وكثير جدا غير ان العرب يعانون من عوامل التغييب والتجهيل والتخلف والقهر والفقر ويعانون من هجمات اعداءهم التي تضعهم في خانات غير خانات البشر وهم في حقيقتهم لا يختلفون الا بدرجة العدوان عليهم وظلم البيئة المتخلفة .
كاظم عبد الحسين عباس
نبض العروبة المجاهدة للثقافة والاعلام