صرح ناطق باسم مكتب الثقافة والإعلام القومي في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي بما يلي:
شهدت علاقات المملكة العربية السعودية مع الحكومة الحالية في العراق في الآونة الأخيرة تطورات أثارت جدلا واسعا بين اوساط الحركات الوطنية والعربية في أقطار شتى من وطننا العربي وخصوصا في العراق .
فقد اتخذت الحكومة السعودية الشقيقة للأسف عدة خطوات تقارب وعلى نحو مفاجئ و متسارع مع النظام السياسي العميل الموالي لإيران في العراق لم تقتصر على الميدان الدبلوماسي وما يقتضيه من مبادلات ومجاملات وعلاقات بروتوكولية، بل تعدتها الى الميادين السياسية والاقتصادية وحتى الى المجالات العسكرية والأمنية. حيث استقبل كبار المسؤولين في المملكة رموزاً من حكومة أحزب ايران ومليشياتها الإرهابية في العراق بحفاوة وترحيب واهتمام لم يحظ بها أي عراقي وطني محب لبلاد الحرمين الشريفين وحريص على دورها العربي الاسلامي الريادي منذ أكثر من 27 عاماً، سواءٌ كان رسميا (قبل الاحتلال) أو غير رسمي بعد عام 2003.
وَمِمَّا أثار شيئا من الغبار حول هذه الخطوات تصريح لوزير الخارجية السعودي في معرض الترحيب بزيارة رئيس حكومة احزب ايران وعصاباتها الطائفية المجرمة في العراق الى السعودية تضمن اشارة للعهد الوطني قبل الاحتلال تخلو من اللياقة الدبلوماسية بدون وجود اي مسوغ لها على الإطلاق. ثم تبعته تهنئة قدمها رئيس الأركان السعودي الى وزير دفاع حكومة احزاب ايران بـ "النصر" الذي حققته في معارك الموصل التي أسماها "معارك الشرف والبطولة "، وهي المعارك التي دمرت فيها قوات الحكومة وحليفاتها الموصل، وقتلت ودفنت اكثر من خمسين ألفا من سكانها تحت ركام أحيائها المنكوبة، وشردت اكثر من مليون منهم بذريعة اخراج عصابات داعش الإرهابية التي سبق أن أدخلتها هي نفسها عام ٢٠١٤ للتنكيل بأهلها مرتين: بإخضاعهم أولا لسطوة وقمع وتوحش عصابات داعش الارهابية، ومن ثم لجعلهم هدفا لحملة قصف وحشية على يد قوات الحكومة ومليشياتها، وذلك للانتقام من هذه الحاضرة العربية الاسلامية العريقة التي أنجبت عشرات الألوف من مقاتلي وقادة جيش العراق الوطني وفصائل المقاومة الوطنية العراقية.
وَمِمَّا يزيد الأمر غرابة ان بعض هؤلاء الذين احتفى بهم الأشقاء في المملكة لم يخفوا حقدهم عليها ولَم يكفوا ألسنتهم عن توجيه سيل من الشتائم البذيئة على قادتها والتهديد بغزو أرضها الطاهرة واحتلال الحرمين الشريفين وتقديم الدعم لأعدائها من عصابات ومرتزقة الحوثي.
وإذا كان مسوؤلو حكومة المملكة، بخطوات التقارب هذه مع النظام الموالي لايران في العراق، قد صدقوا ما أعلنه بعض أقطابه من تصريحات معتدلة ورغبة في فك عزلتهم العربية وفي اتخاذ موقف الحياد ازاء النزاعات الاقليمية (ويقصدون النزاع الايراني مع السعودية)، فإن هذا اسلوب قد خبره العراقيون، ويعرفون اقترانه بالتهيؤ للانتخابات المقبلة والسعي لخداع وكسب الملايين من ابناء جنوب العراق الساخطين على ايران وأحزابها الدينية الطائفية الحاكمة والفاسدة. وعليه فمن الضروري للمسئولين الأشقاء في المملكة العربية السعودية الانتباه لحقيقة جوهرية في سلوك هذه الأحزاب. فسعيها لعدم التصادم مع التوجه الجديد لإدارة الرئيس الأمريكي ترمب الذي اعلن عن نيته التصدي لهيمنة ايران وأحزابها الدينية الارهابية الفاسدة على العراق لا يعني أبداً ان تقطع صلاتها الرحمية والعقائدية المصيرية بإيران وبمشروعها التوسعي الارهابي الطائفي ضد البلاد العربية والإسلامية وفي المقدمة منها بلاد الحرمين الشريفين.
ونحن نقول هذا لأننا نخشى على بلاد الحرمين الشريفين وعلى دورها الريادي في الامتين العربية والإسلامية خشيتنا على سورية واليمن والبحرين والكويت بعد أن زاد المشروع التوسعي التخريبي الإيراني تغولاً، منذ ان بدأ تنفيذ مشروع اسرائيل لإسقاط العراق- السد الكبير الحامي للامة العربية والإسلامية، وفق المخطط الذي نفذته اميركا وبريطانيا منذ عام 1990 لإنهاك العراق ومحاصرته تمهيدا لإسقاطه بالغزو والاحتلال في عام 2003 .
ونود التأكيد على ضرورة ان لا يُساء فهمنا هنا، فنحن لسنا ضد قيام علاقات ودية طبيعية وقوية بين الدولتين الشقيقتين الجارتين المملكة العربية السعودية والعراق. فهذا ما كانت القوى الوطنية العراقية وما تزال تطلبه من ممثلي المملكة الشقيقة، وهو بالضرورة يعني في هذه المرحلة تعزيز صمود شعب العراق بوجه هيمنة ايران ومخططاتها الارهابية الرامية لتفتيت شعب العراق وتغيير ولائه الوطني وهويته الدينية. ولا يتم ذلك الا من خلال عدة سبل منها تقديم العون المادي للملايين من سكان المحافظات التي استهدفتها ايران ودمرتها وشردت أهلها، والحفاظ على كرامة وحياة الملايين من أبناء العراق النازحين الذين شردتهم عصابات داعش ومليشيات ايران، واحتضان عشرات الألوف من كوادر العراق الوطنية المشردة، وأخيرا تقديم كافة اشكال الدعم للأطراف الوطنية العراقية الحقيقية الممثلة لهذه الملايين وغيرها ماديا وإعلاميا وسياسيا.
وهذا بالطبع شيء، وتقديم تزكية وشرعنة مجانية للنظام الطائفي الارهابي المرتبط ارتباطا عقائديا ومصيريا بالنظام الايراني شيء آخر مختلف تماماً. فهذا النظام المتسلط على العراق قد اقترف بحق العراقيين جرائم منكرة فقتل اكثر من مليونين من العراقيين، وشرد منهم اكثر من ثمانية ملايين داخل العراق وخارجه، ودمر جميع المدن في المحافظات الست التي احتضنت المقاومة الوطنية ضد الاحتلال ثم احتضنت الثورة الشعبية بين عامي 2012 و2014 ضد حكومة الهيمنة الايرانية برئاسة المجرم الارهابي القاتل نوري المالكي.
ونحن لا نتمنى ولا نريد لكثير من الأوساط الشعبية العربية الواسعة ان تشكك في سلامة موقف المملكة وحكومة خادم الحرمين الشريفين من النظام الصفوي الارهابي الدموي الفاسد المتسلط على شعب العراق. فهذا النظام لا يخفي ارتباطه الكامل والمصيري بإيران العدو الأول للعرب والمسلمين وفي مقدمتهم بلاد الحرمين الشريفين والداعم والمحرك لعصابات حزب الله وفروعه الارهابية في الكويت والبحرين وشرق المملكة ولعصابات الحوثي في اليمن التي لا تخفي نواياها الشريرة لطعن بلاد الحرمين الشريفين من الجنوب. وهو لا يستحق من العرب والمسلمين الشرفاء حكاماً ومنظمات مجتمع مدني ومثقفين إلا الادانة لجرائمه المنكرة والتصدي لسياساته الاقصائية الطائفية المعادية للعرب والمسلمين.