﷽
قد يبدو مصطلح الجريمة السياسية المنظمة غريبا نوعا ما، فالجرائم السياسية هي التي تصطبغ دوافعها وأسبابها وأهدافها بصبغة سياسية. أما الجريمة المنظمة فهي التي يرتكبها عدد من الافراد المنظمين ضمن مجموعة أو عصابة يترأسها شخص ما ، وتخطط لتحقيق أهداف محددة كالكسب المالي من خلال قيامها بعمليات القتل والاختطاف والابتزاز وغيرها من النشاطات الاجرامية.
أما في عراق اليوم فان كل شيء غريب، فنجد الجرائم المبتكرة انواع وأنماط ، ولعل ما يبرز منها اليوم هو الجرائم السياسية المنظمة لتحقيق أهداف سياسية خطيرة باعتماد أساليب الجرائم المنظمة بغية نشر المزيد من الترويع والخوف لطبقة أو جهة محددة من المجتمع. وهكذا نرى ما يجري اليوم من استهداف للأطباء ولمدراء المدارس يدخل في هذا الاطار. فمن المعروف ان الجهل والفقر والمرض هي من أخطر أمراض المجتمع ، وهي المعيار الاساسي لتقييم المستوى الحضاري للدول والشعوب ، وهكذا اضحى ايصال العراق الى المستوى الأخطر من هذه الامراض من أهم اولويات أعداءه. فسرقت ثرواته وعمت البطالة في صفوف ابنائه وأضحى (أغنى دولة وأفقر شعب) بعد أن تجاوزت موازنته السنوية المائة وأربعين مليار دولار. وعزف بعض الطلبة عن استكمال تعليمهم بسبب ارتفاع تكلفتها ، فضلا عن صعوبة العلاج داخل مستشفيات العراق لتكلفتها من ناحية وضعف خدماتها من ناحية اخرى. وهكذا أخذ الحال يتفاقم سلبا كلما تقادمت السنين العجاف منذ الاحتلال ولحد الآن.
ولما تبين للأعداء أن العراقيين بالرغم من كل ما اصابهم من قتل وتشريد وترهيب وتسليب وعنف وغياب الامن والاستقرار والخدمات الاساسية ، فان مازال العديد من العوائل تتنافس وتتدافع لإلحاق ابنائها بالتعليم ، بنفس الوقت الذي اندفع الأطباء لتقديم الخدمات الطبية بالقدر الذي يتمكنون منه على وفق المبادئ الانسانية التي أقسموا على تبنيها لمعالجة ابناء جلدتهم بكل اخلاص ، مثلما تألق العديد من مدراء ومديري المدارس للحرص على غرس التربية والتعليم في عقول ونفوس ابنائهم الطلبة. عند ذاك جاءت الصفحة الجديدة من خطط الأعداء ، وذلك بتشكيل العصابات الاجرامية لإرهاب الاطباء ومدراء المدارس على طريق السعي لإفراغ البلد منهم وتكريس المزيد من الامراض الاجتماعية.
فالإدارة المدرسية من أهم المفاصل بعد العائلة القادرة على التصدي لتأثيرات القيم والتقاليد لوقاية وتحصين الطلاب ضدها والتي يسعى الاعداء لغرسها في نفوس الجيل الجديد ، تلك القيم التي دخلت مجتمعنا ، بل دخلت بيوتنا بشكل مباشر ودون استئذان في عصرنا الحالي من خلال وسائل التكنولوجيا في عصر التكنولوجيا والتقنيات ، عصر المفاجآت وثورة المعلومات ، عصر العولمة والتحديات ، وعصر الاتصالات. هذا العصر الذي شهد متغيرات حادة وتطورات جادة في شتى مناحي الحياة ، فجعلت العالم عبارة عن ما يسمى بالقرية العالمية الواحدة.
والإدارة المدرسية هي المفصل الأكثر احتكاكا بالشريحة المستهدفة من الطلاب. وهي الأكثر معرفة بالأساليب الواجب إتباعها لمجابهة هذه التحديات ، من خلال غرس منظومة الأخلاق والقيم والمثل والمبادئ والتقاليد الاجتماعية الاصيلة ، فضلا على الجوانب التعليمية. ومدير المدرسة هو المسؤول الأول عن جميع الأنشطة الإدارية والفنية والمالية ، بما فيها طرق التدريس وتأمين الموارد المالية وتطوير العمل ومتابعة جميع الأنشطة المدرسية والثقافية والاجتماعية والرياضية والإشراف على تنفيذها. ولعل أهم ما في هذه النشاطات يكمن في التخطيط السليم لإدارة المدرسة في كافة المجالات ، بما في ذلك العمل على كشف ميول الطلاب وقدراتهم واستعداداتهم الفطرية وتنميتها ، ومساعدتهم على تنمية مختلف جوانب شخصياتهم الروحية والعقلية والخلقية والنفسية والجسمية والاجتماعية بصورة متزنة. وكذلك تبصيرهم بفلسفة المجتمع وقيمه وتقاليده الأصيلة والتي تسهم في تحصين الطالب ضد كافة التحديات التي تستهدف المجتمع بأسره. فهو المرشد والموجه والمخطط والمشرف والمتابع لكل الجوانب. ولعل مناظر التحدي لطلبة الثانوية العامة وهم يخوضون الامتحانات الوزارية الاخيرة في صيف تجاوزت الحرارة فيه عن الخمسين درجة مئوية ، دون أي وسائل للراحة فلا كهرباء ولا ماء ولا كراسي مريحة قد أرعبت الأعداء واستفزتهم ليبتكروا هذه الجرائم المنظمة ذات البعد السياسي لاستهداف الطبيب ومديري ومديرات المدارس والله المستعان.
للطلاع على اعداد المجلة زيارة موقع المجلة
www.alssadaa.net
للطلاع على اعداد المجلة زيارة موقع المجلة
www.alssadaa.net