شهد العراق بعد الحرب العالمية الأولى
وهزيمة "الدولة العثمانية" احتلالاً بريطانيا مباشرا (الانتداب) وأعقبه ثورة العشرين (أيار-تشرين الأول عام ١٩٢٠) التي أدت فيما بعد الى جلاء الإنجليز بعد إقامتهم لحكم ملكي تحت مسمى المملكة العراقية الهاشمية الموالية لهم حين قرر وزير المستعمرات الجديد، ونستون تشرشل أن هناك حاجة إلى إدارة جديدة في العراق ، ونادى لعقد مؤتمر موسع بالقاهرة في
اذار١٩٢٠ ، ناقش المسؤولون البريطانيون مستقبل العراق. فأراد البريطانيون السيطرة على العراق من خلال وسائل غير مباشرة، عن طريق تثبيت مسؤولين سابقين لهم علاقة ودية بالحكومة البريطانية. وقرروا في نهاية المطاف تثبيت فيصل بن الحسين (فيصل الأول) ملكا على العراق عام ١٩٢١
وهذا السيناريو البريطاني على الساحة العراقية لا يلبي طموح الشعب وتطلعاته القومية في وحدة عربية (جغرافية وسياسية) تعيد للعرب مجدهم ورفعتهم وتعزز من وجودهم في الساحة العالمية كأمة حية تعيد إنتاج ذاتها لتعود وتأخذ دورها مجددا على سكة تاريخ الشعوب لتلعب دورها الرائد الذي غيبه قصرا بعد سقوط الدولة العباسية، سيطرة الشعوبيين على الأمة ومقدراتها، بحجج شتى ومضمون موحد؟؟
ومع خيبة الأمل في الشارع العراقي، ما دفع بعض الضباط ( عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف) تموز عام ١٩٥٨ للقيام بعمليات انقلاب متعاقبة متوازية الأفكار والمبادئ متقاطعة فيما بينها في شعار مشترك وهو؛ الانقلاب بهدف التحكم بالسلطة والقبض على مقاليد الحكم و التفرد والاستئثار وإهمال أهم مرتكزات أي حكم وعنينا به الشعب والمؤسسات، مما أدى إلى تأسيس "الجمهورية العراقية" و دون الخوض في تفاصيل هذه الانقلابات وعددها ومن قام بها وأبعادها الإقليمية والدولية، وصولا إلى ثورة١٧-٣٠ تموز المجيدة عام ١٩٦٨ بعد أبعاد عبد الرحمن عارف الذي خلف شقيقه عبد السلام عارف في تولي رئاسة الجمهورية .
أما لماذا سميناها ثورة، وليس انقلابا على انقلاب سابق ؟
عدة أسباب وجيهة تجعلنا نصر بوضوح لا لبس فيه
بان ثورة١٧-٣٠ تموز هي ثورة جادة تحمل في طياتها عبق التاريخ العربي ومنجزاته الحضارية والرسالية بكل ما تحمله من أهداف سامية تضخ منتجاتها الإنسانية في أرجاء المعمورة دون استثناء أو تمييز أو استعلاء !!!!!
اما من ناحية ما تتضمنه من انقلاب، فهذا صحيح نظريا ويمكن تلخيصه في شقين :
الأول: أن كل ثورة هي نتاج عقيدة و فكر تحرري تقدمي غايته الانقلاب على الأعراف والتقاليد الفاسدة والتغيير والإصلاح والقضاء على الفساد بكل أوجهه وبناء الإنسان والمؤسسات كافة وانشاء البنى التحتية عموما والحفاظ على الثروات الوطنية وتقوية المنظومة الدفاعية من جيش وقوى أمنية مع تطوير المصانع العسكرية حتى نقلل من الاعتماد على الخارج في التسليح ولكي لا نرتهن بتوجيهات تلك الدول ومصالحها .
ثانيا: الانقلاب على الذات التي هي أهم مرتكزات وصفات وسمات البعثي التي تمكنه من الاندماج النفسي والفكري لتحقيق ذاته الانقلابية بالتوازي مع مفهوم التقيد بتوجيهات القيادة والانطلاق بما يختزنه من قيم أخلاقية إنسانية مجردة نحو مجتمعه وبيئته وحتى عائلته، لتكريس وبناء مجتمع تقدمي قائما على مفهوم نبذ التقاليد الرجعية والخرافات الهدامة والتبعية بمختلف أشكالها ومسمياتها وتحريره من كل ما يجرده من انسانيته ووجوده وكيانه .
إن ثورة تموز المجيدة التي فجرها شباب آمنوا بربهم ووطنهم وأمتهم العربية هم رجال اتخذوا من البعث فكرا وطريقا نحو تحقيق أسمى غاية في أصعب مهمة ألا وهو استنهاض الشعب وتوعيته وبذل أقصى الجهود في ميدان التنمية البشرية .
والمنجزات التي حققتها ثورة تموز العظيمة لهو خير دليل على صدق نوايا هذه الثورة التي واجهت المستحيل لكي يكون العراق المدد الأول في النهضة العربية ورائدها بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ وفي زمن الحكم الوطني العربي البعثي حقق العراق ما عجزت عنه كل أنظمة المنطقة بما فيها الأقطار العربية من نهضة علمية وعمرانية و زراعية ومصانع وسدود وجسور وتأميم للنفط وتعليم واستشفاء مجاني ومجالات أخرى
لا مجال الآن لحصرها .
بالمقابل وعلى الحدود الشرقية قامت ثورة داخلية أهلية سرقها ملالي حاقدين يتخذون من الإسلام غطاءً ومنطلقا لتصدير الشر والظلام والتمدد والسيطرة على البلدان المجاورة يراودهم حلم اقامة امبراطورية فارسية انتقاما من العرب الذين تسببوا في سقوط امبراطوريتهم القديمة والذي أدى لاعتناقهم الإسلام
كرها لا حبا بعدما انكسرت شوكتهم وزال ملكهم، أما على الصعيد الداخلي فإن ما يسمى ثورة إسلامية تحت راية الولي الفقيه قامت على قهر الأقوام الأخرى من غير الفرس والتي تشكل في مجموعها دولة إيران الحالية، كذلك فإن الحياة في إيران تشهد أزمات معيشية متلاحقة نتيجة فساد الملالي الذين تتشكل منهم الطبقة الحاكمة التي استولت على الأخضر واليابس بحجة نصرة الإسلام والمرجعية وآل البيت والمظلومية وشعارات حق إنما يراد بها باطل لارتباط هؤلاء العضوي بالصهيونية واتفاقهم على هدف واحد استهداف العرب واحتلال أوطانهم .
وأول من نبه وعانى من هذا المخطط الشرير، العراق الذي ظل سدا منيعا في وجههم حفاظا على الأمن القومي العربي وكحارس أمين للبوابة الشرقية وصولا حتى احتلال العراق وسيطرة إيران عليه.
ولأنها ثورة، فسوف تبقى شعلتها في ثناياها، ونعد أمتنا بأنها شعلة لن تنطفئ
وأنها تستمد طاقتها من المقاومة المستمرة
التي لن تهدأ ولن يهنأ لها بال حتى تعود الأمور إلى طبيعتها وينهزم المشروع الصهيوني الفارسي في العراق وسائر الوطن العربي، وتعود الأمة أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة .
أبو محمد عبد الرحمن
نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام