إطلالة الرّفيق عزّة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ على جماهير الأمّة
لقد انطلق الرّفيق القائد عزّة إبراهيم من العراق ثمّ سوريّة ثمّ دول المغرب العربيّ والسّودان ثمّ مصر فليبيا فتونس.
ففي مستهلّ حديثه عن العراق، وكما أشرنا إلى ذلك سابقا، فصّل أبعاد المؤامرة الكونيّة التي استهدفت العراق ونظامه الوطنيّ بقيادة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ والتي انتهت بالغزو الأمريكيّ الصّهيونيّ إلى الاحتلال الإيرانيّ الفارسيّ الصّفويّ بعد أن سلّمت الولايات المتّحدة الأمريكيّة بلاد ما بين النّهرين للفرس عقب اضطرارهم للفرار من الجحيم العراقيّ عام 2011 بفعل الصّمود الأسطوريّ لحزب البعث ومقاومته الباسلة مع بقيّة الفصائل
الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة وبفضل الرّفض الشّعبيّ الواسع للاحتلال وما انجرّ عنه رغم كلّ المحن التي تعصف بجماهير العراق. وتحدّث الرّفيق القائد عزّة إبراهيم عن الرّهانات الأمريكيّة من الاحتلال والتي كانت تسعى لتثبيت احتلال العراق لمدّة خمسين عاما بالتّمام والكمال، كما كانت تعمل على تفكيك وتمزيق النّسيج المجتمعيّ فيه وتقويض وحدته التّاريخيّة والحضاريّة الإنسانيّة حيث تعكّز الاحتلال على إذكاء النّعرات الطّائفيّة والصّراعات المذهبيّة والعرقيّة والمناطقيّة والعشائريّة، ناهيك عن السّعي المذموم لتقسيم العراق وهو الأمر الذي كان سيسرّع في تحقيق المخطّطات الشّيطانيّة للاحتلال والقاضية بإنهاء الدّور الرّياديّ والفعل الطّلائعيّ للعراق وطنيّا وقوميّا وإنسانيّا وخاصّة إخراجه من معادلة الصّراع العربيّ الصّهيونيّ ومن ثمّ تعميم مشروع ما سميّ بالفوضى الخلاّقة وهي الفوضى المدمرة واقعا واستنساخها في بقيّة الأقطار العربيّة الأخرى للوصول للهدف الأهمّ وهو اجتثاث العروبة من جهة وتثبيت التّفوّق النّوعيّ للكيان الصّهيونيّ والمضيّ قدما لإعلان الدّولة اليهوديّة على أنقاض فلسطين السّليبة ومن بعد يتمّ المرور لإنشاء ما يعرف بــ " إسرائيل الكبرى " من الفرات إلى النّيل كما تقضي بذلك العقيدة التّلموديّة الصّهيونيّة.
وفي العراق دوما، تحدّث الرّفيق القائد عزّة إبراهيم في حواره للصّحفيّة التّونسيّة صوفيّة الهمّاميّ والمنشور في جريدة " الشّارع المغاربيّ " عن الكوارث التي حلّت بالعراق منذ الغزو إلى الآن وهو الأمر الذي اعترف به العالم بأسره ولم يعد أقطاب العمليّة السّياسيّة القذرة المتهالكة يتحرّجون أيضا من التّصريح به، وأوضح أنّ هذه الكوارث تضاعفت وتوالدت منذ استيلاء الفرس الصّفويّين على العراق حيث عمّ في بلاد الرّافدين شتّى أنواع الظّلم والعدوان والقتل والتّهجير والتّشريد والتّدمير وتخريب كلّ أنواع الحياة، ولم يكتف بذلك بل إنّه وصّف تلك الكوارث بغير المسبوقة عبر التّاريخ واستدلّ بالأرقام ليضفي على حديثه الطّبع الموضوعيّ والعلميّ فرصد قتل أكثر من مليوني عراقيّ وتهجير أكثر من عشرة ملايين آخرين ومليوني أرملة وما بين 7 و8 ملايين يتيم ناهيك عن تدمير الدّولة العراقيّة ومؤسّساتها الحضاريّة وبالتّالي تدمير كلّ معالم الحياة في العراق ونهب ثرواته ومقدّراته.
ولم يكتف الرّفيق القائد عزّة إبراهيم باستعراض الواقع العراقيّ وتشخيصه، بل إنّه شدّد على أنّ كلّ هذه القتامة التي تميّز المشهد هناك لم تفتّ في عضد شعب العراق ولم تنل من تصميمه على خوض حرب التّحرير الشّعبيّة ورائدتها المقاومة العراقيّة الباسلة بقيادة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وحلفائه، ووعد بمواصلة الكفاح والجهاد لحين تحرير العراق تحريرا ناجزا وإعادته لأمّته وشعبه حرّا عربيّا موحّدا، وحيّى في هذا الصّدد مرارا شعب العراق واستبساله وصموده ضدّ الأعداء كما حيّى فضائل المقاومة وأثنى على دورها التّاريخيّ الرّساليّ وهو الدّور الذي يتوقّف عليه لا مصير العراق فحسب بل وكلّ العرب وحتّى الإنسانيّة.
هذا ويبقى أحد أهمّ ما جاء في حديث الرّفيق القائد عزّة إبراهيم عن العراق، تشديده على حقيقة الصّراع فيه حيث أكّد أنّ ما يجري هناك ليس حربا طائفيّة وأنّ من يتصارعون اليوم هم أحزاب سياسيّة تستخدم الدّين والطّائفيّة والعنصريّة غطاء وخدعة لتمرير مخطّطاتها المشبوهة وأنّها دمى تحرّكها إيران صاحبة التّاريخ الأسود الطّويل في صناعة الطّائفيّة والعرقيّة، واستنكر ضلوع وسائل إعلاميّة عربيّة وانخراطها في ترديد هذه المغالطات، كما نفى نفيا قاطعا وجود الحرب السّنّية – الشّيعيّة، لأنّ في العراق احتلالا فارسيّا صفويّا مدعوما أمريكيّا، وهذا الاحتلال يلاقي صدّا شعبيّا عراقيّا متصاعدا، وحمّل مسؤوليّة إدخال داعش إلى العراق للفرس والأمريكان ليصوّروا للعالم أنّ في العراق حربا طائفيّة بين السّنّة والشيّعة لا حرب تحرير بين الشّعب والغزاة وعملائهم.
أمّا عن سوريّة، فلقد جدّد الرّفيق القائد عزّة إبراهيم التّذكير بالخيانة التّاريخيّة للنّظام الأسديّ وهي الخيانة التي انطلقت بارتداده وانقلابه على حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وقيادته القوميّة وتقتيل جزء منها وسجن جزء آخر بمن فيهم الأمين العام للحزب ومؤسّسه الرّفيق ميشيل عفلق ناهيك عن تخلّيه عن مشروعه الوطنيّ والقوميّ التّحرّريّ الإنسانيّ واستبداله بنزعة طائفيّة وفئويّة شكّلت خرقا للمصلحة القوميّة العربيّة الاستراتيجيّة العليا وتمثّلت أولى صفحات الغدر بتخندقه مع إيران الخمينيّة زمن عدوانها الإرهابيّ على العراق طيلة السّنوات الثّماني ومدّها بمختلف العون والإسناد ثم مشاركته في العدوان الثّلاثيني بداية تسعينات القرن الماضي ضدّ بلاد الرّافدين علاوة على ما قام به من تصفية للجيش العربيّ السّوريّ العظيم وقتل ضبّاطه وسجنهم وتحجيمه للحدّ الذي صار معه عصابة بيد النصيريّة، وهو ما تواصل بعد خلافة المجرم بشّار الأسد لوالده حيث وثّق من عرى التّحالف الغادر مع منظومة ولاية الفقيه وسلّم سوريّة أرضا وشعبا للفرس الصّفويّين للحدّ الذي غدا معه كلّ من المجرمين الإرهابيّين قاسم سليماني وحسن نصر الله الحكّام الحقيقيّين لسوريّة قبل أن يلتحق بهما بوتين وروسيا ما جعل من بشّار الأسد وزمرته مجرّد عنوان بلا مضامين ولا جدوى أو فاعليّة وهو الأمر الثّابت والمقرون بمئات الحجج والوقائع التي تثبت ذلك ولعلّ أشهرها على الإطلاق استفراد كلّ من روسيا وإيران بمخرجات الحوار حول سورية مع الأتراك واكتفاء النّظام الأسديّ المجرم بدور المتابع شأنه شأن أيّ طرف آخر كأنّ الأمر لا يعنيه بل وحدث أن تجرّأت روسيا على تقديم نسخة من دستور جديد يفرض على سوريّة ويجردها من هويّتها وسيادتها. وأسقط الرّفيق القائد عزّة إبراهيم عن العلاقة بين نظام الأسد وإيران أيّ صبغة تحالفيّة أو تعاون كما تصرّ عليه إيران، ونبّه إلى أنّ الحقيقة تتمثّل في احتلال سورية من طرف إيران احتلالا مباشرا عسكريّا وسياسيّا واقتصاديّا وثقافيّا وإعلاميّا، وأكّد أنّ الأمر لا يتوقّف في خطورته عند هذا الحدّ بل تعدّاه لتطبيق سياسة التّغيير الدّيموغرافيّ الواسع وتهجير السّكّان الأصليّين واستبدالهم بأقوام وافدين أغلبهم فرس وأفغان وهي ذات السّياسية العنصريّة التّوسّعيّة الشّعوبيّة التي تتّبعها إيران في الأحواز العربية وفي العراق خاصّة.
ولكن لم يخف الرّفيق القائد إيمانه ويقينه بأنّ نصر الشّعب العربيّ في سوريّة أمر حتميّ وضروريّ ذلك انّ النّصر حليف الشّعوب المجاهدة والمكافحة من أجل حرّيتها وسيادتها دوما.
أمّا عن أقطار المغرب العربيّ، فلقد تحدّث الرّفيق القائد عزّة إبراهيم خصوصا عن ضرورة اتّعاظ هذه الأقطار ممّا جرى ويجري بالمشرق العربيّ من عدوان امبرياليّ استعماريّ صهيونيّ فارسيّ صفويّ سافر يدمّر كلّ معالم الحياة، ودعاهم لأخذ العبر ممّا حدث بالسّودان من تقسيم وتفتيت بسلخ جنوبه وهو ما قد يحصل للمغرب الأقصى في ظلّ التّهديدات الجدّية والمتصاعدة بمحاولات تقسيمه وسلخ الصّحراء العربيّة وهو ما قد يحصل في الجزائر وتونس أيضا.
وفي هذا الإطار، عاود التّأكيد على أنّ المخطّطات التّآمريّة التي يحيكها الأعداء التّقليديّون للأمّة لم تكن مقصورة على العراق او المشرق العربيّ بل إنّها تشمل كلّ العرب وتستهدف العروبة وهو ما اكّد عليه حزب البعث العربيّ منذ زمن بعيد وخاصّة بعد قدوم الخميني.
ففيما يخصّ تونس مثلا، كان تقييم الرّفيق القائد عزّة إبراهيم لأوضاعها شديد الوضوح حيث اعتبر انّها لا تزال تراوح في مكانها، فإمّا ان تعود لما كانت عليه زمن بن علي أو إلى الأسوأ بعد فشل مشروع الإسلام السّياسيّ فيها رغم ما يتميّز به أصحاب ذلك المشروع في تونس بانفتاح على الحياة أكثر من غيرهم.
وطالب الرّفيق القائد عزّة إبراهيم في المقابل قوى الشّعب التّونسيّ الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة بالوقوف صفّا واحدا ضدّ الإرهاب وضدّ التّدخّل الخارجيّ كما دعا لوجوب توحّد الموقف الوطنيّ القوميّ بين الشّعب والسّلطة للدّفاع عن تونسوللنّهوض بمسيرتها التّنمويّة الحضاريّة، هذا ولقد أرجع ما تشهده تونس من أحداث وتهديدات إرهابيّة حصرا للتّدخّل الأجنبيّ.
ونصح الرّفيق القائد عزّة إبراهيم تونس الحكومة أوّلا ثمّ المعارضة لضرورة الانتباه إلى الأخطار المحدّقة بتونس وأن يوحّدوا الصّفّ ويعبّئوا شعبهم لمواجهة أيّ طارئ قد تتعرّض له تونس.
وأمّا عن ليبيا، فلقد تحدّث عن خطط المخابرات الغربيّة والصّهيونيّة وكيفيّة استخدامها للمنظّمات والأحزاب والجماعات كاستخدامها للقوّات الخاصّة والمحمولة جوّا وتنقّلها بها من ميدان لآخر للقيام بعمليّات خاصّة وسريعة بالغة الأهميّة هدفها إثارة الحروب وخلق الفوضى وتمزيق المجتمعات وتقسيم الأوطان، وأشار إلى التّدريب والإعداد الجيّد والمحكم لهذه الفرق، في إشارة للنّشاطات المتزايدة للتّنظيم الإرهابيّ داعش بعد ما يحدث في العراق وسوريّة. وواصل حديثه عن ليبيا بمطالبة الفرقاء والمتخاصمين والمتحاربين اللّيبيّين كذلك بضرورة توحيد صفوفهم وقطع علاقاتهم بالخارج ووجوب العودة إلى ليبيا الحرّة المستقلّة الموحّدة والعودة إلى شعبها وإعادة المسؤوليّة إليه وكذلك القيادة حتّى يختار قيادته ونظامه وحكومته منهم أو من غيرهم وفق الأسس الدّيمقراطيّة الشّعبيّة ووفق التّعدّديّة الحزبيّة وتداول السّلطة.
وفي إجابته عن السّؤال حول الأهميّة القصوى التي أولاها لمصر في خطابه الذي ظهر فيه صوتا وصورة بمناسبة الذّكرى التّاسعة والسّتّين لتأسيس حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ، والتي بلغت مداها حدّ المطالبة باستعداد الشّباب العربيّ للدّفاع عنها ضدّ أيّ طارئ قد تتعرّض له، فلقد أرجع ذلك لثقل مصر في الأمّة وتاريخها وتقدّمها، وفسّر أنّ أكثر ما يهمّ البعث هو عروبة مصر ووحدتها الوطنيّة واستقرارها وتقدّمها ناهيك عن وزنها البشريّ المهمّ حيث من المرجّح أن يبلغ عدد سكّانها في السّنتين المقبلتين مائة مليون من أبناء العروبة ثمّ لموقعها في وطن الأمّة وخصوصا جيشها الوطنيّ القوميّ الكبير البطل الذي يمثّل أحد أذرع الأمّة القويّة والأمينة.
ولم يفت الرّفيق القائد استعراض ما تعرّضت له مصر العروبة من تآمر غربيّ امبرياليّ صهيونيّ منذ عهد القائد القوميّ الكبير جمال عبد النّاصر لحدود ما سمّي بالرّبيع العربيّ، كما وضّح أنّ الاهتمام بمصر إنّما هو من جوهر العقيدة القوميّة العربيّة الثّوريّة الأصيلة التي يرفع البعث لواءها، وأنّه ليس معزولا عن مواقف البعث من بقيّة الأقطار العربيّة الأخرى، حيث وكما دافع البعث عن فلسطين والأحواز وسوريّة واليمن والسّودان والعراق وليبيا فإنّه يدافع عن مصر بالقدر ذاته وكذا يقف نفس الموقف مع بقيّة الأقطار في المغرب العربيّ.
أمّا فيما يتعلّق بحديثه ونصاحه لحكّام العرب سواء في المغرب العربيّ أو المشرق، فلقد جدّد الرّفيق القائد عزّة إبراهيم دعوته لهم لضرورة الإنصات للنّصائح التي ما انفكّ البعث يقدّمها لهم منذ تأسيسه لليوم وعلى كلّ مراحل الصّراع الذي تخوضه الأمّة، وذكّرهم بأنّهم أضاعوا الكثير بسبب تعنّتهم وتشبّثهم بالمحافظة على مصالحهم بعيدا عن مصالح جماهير الأمّة كما دعاهم وبإلحاح لمغادرة التّعويل على الأجنبيّ في الوقت الذي أدار لهم ذلك الأجنبيّ ظهره دوما وخاصّة ما حدث مع الإدارة الأمريكيّة التي سمحت لإيران بتغوّلها في العراق ومنه نجحت في التّغلغل إلى بقيّة السّاحات العربيّة.
ولقد نبّه الرّفيق القائد عزّة إبراهيم القادة العرب لضرورة التّصدّي الحازم للمشروع الإيرانيّ الفارسيّ الصّفويّ التوسّعيّ، وخصّ تونس ودول المغرب العربيّ لأهمّية استباق مخطّطات الفرس في التّمطّط والتّنفّذ في أوطانهم وحذّرهم من مغبّة التّخاذل في ذلك لما فيه من تفويت الفرص التّاريخيّة لضمان الاستقرار والتّوقّي من الإرهاب، وأعرب في نفس السّياق عن ثقته بالشّعب العربيّ في تونس وإمكانيّاته وقدرته على طرد المستعمرين والغزاة وأنّه سيطرد حتما كلّ من يحاول النّيل من حريّته وأرضه.
كما أسهب الرّفيق القائد في دعوته لحكّام تونس ومن خلالهم حكّام العرب كافّة لتلبية مطامح الجماهير والإنصات لهمومها وتطلّعاتها، ووضع أمامهم الحقيقة بلا مخاتلة وصارحهم بأنّه ليس للأمّة وأقطارها ودولها غير الشّعب منقذا، فهو الطّاقة التي لا تنضب في عطائها وأدائها وإبداعها، كما شدّد على تجنّب إقصاء أيّ فرد او مواطن من الشّعب بكلّ مكوّناته وطبقاته وفئاته وخاصّة مؤسّساته الشّعبيّة والمهنيّة وقواه السّياسية الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة.
هذا وكان الحوار التّاريخيّ والإطلالة المتميّزة للرّفيق القائد عزّة إبرهيم على الجماهير من تونس علاوة على هذا الثّراء والتّنويع والتّناول العميق لكلّ ما يتعلّق بواقع الأمّة حبلى بالدّروس والعبر.. فما هي أهمّها يا ترى؟
يتبع
أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 16-05-2017