كاظم عبد الحسين عباس
لا نظن أن ثمة مدرك واعي كان ينتظر من المالكي غير إدانة قمم السعودية ومهاجمة التوجه السعودي للمواجهة مع إيران وما أسماه بمحاولة نقل المعركة إلى الداخل الإيراني. وتعبيره (نقل المعركة للداخل الإيراني) يجب أن يسوق معلباً إلى أدعياء القومية الذين ما برحوا ينفون خروج إيران من حدودها ويقللون من خطورة احتلالها للعراق وتدخلها في سوريا وبلاد عربية أخرى. ولم يخفق نوري العجمي في التنويه بقوة إيران وإلى احتمالات إخفاق السعودية.
يهمنا هنا أن ننظر بعين واعية إلى أن تصريحات نوري المالكي تؤكد وجود تحرك فعلي للمملكة ضد إيران وان إيران وأعوانها قلقين فعلاً من نتائج قمم الرياض وان يستثمر النازفة دماءهم بحراب إيران هذا التحول لصالح مقاومتهم وتحديهم للاحتلال الفارسي للعراق.
وحين يتحدث نوري المالكي عن (مشروع إسلامي) في العراق وعن استهداف هذا المشروع فنحن متأكدين أنه إنما يقصد المشروع الإيراني لأنه يعرف تماماً أن لا وجود لمشروع إسلامي في العراق لأن العملية السياسية الأمريكية التي فتحت الأبواب أمام إيران وحزب الدعوة و(الائتلاف الوطني المتكون من أحزاب وميليشيات إيرانية وموالية لإيران) لشراكة الاحتلال الأمريكي وخدمته وليس لإقامة مشروع إسلامي.
إن نوري في حديثه عن مشروع إسلامي في العراق يثير الشفقة فعلاً فالإسلام كما عرفناه فتح الكون ولم يكن يوماً خادماً يشرب الماء ويأكل وينتخب ويصير برلمانياً ووزيراً بأمر السيد الأمريكي أو غير الأمريكي ولا يمكن لمسلم حقيقي إلا أن يستهجن مشروعاً إسلامياً بتمكين غزاة محتلين أمريكان وبريطانيين وصهاينة وعجم فرس تنخر عظامهم الخرافة وجحور الكهنوات. إن تعارض نوري المزعوم مع أميركا هو نكتة سمجه مثلما أن حديثه عن مشروع إسلامي لحزب الدعوة في المنطقة الخضراء التي تأوي قاعدة أمريكية قوامها ١٢ ألف جندي أمريكي وادعاءه بأن المشروع قد ولد عام ٢٠٠٥م هو مغالطة تثير السخرية لأن العالم كله يعرف أن مجلس الحكم الذي أسسه بريمر عام ٢٠٠٣ بعد الغزو مباشرة قد ضم كل الأحزاب التي تعاقدت مع الغزاة عقودا رسمياً لإدارة العملية السياسية الأمريكية ومنها الدعوة والمجلس وان الأطراف الأخرى كلها دون استثناء قد قبلت الاحتلال الأمريكي وقبلت أن تكون محض موظفين عنده.
أما حديث نوري عن إخفاقات الحكومة واتهاماته العجيبة لرفيقه حيدر العبادي بالضعف فهي الأخرى تؤشر بوضوح معرفة المالكي بقرب نهايتهم كأدوات تحركها يد المحتل متعدد الجنسيات. فالعبادي نتاج وممثل حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي وهو من يمثل الائتلاف الإيراني الذي يعتبر المالكي أحد أقطابه فضلاً عن أن نوري نائب رئيس جمهورية العبادي ويتحمل وزر الإخفاق المحسوب عليه حزبياً وإدارياً وعقائدياً (إن أردنا الإشارة إلى العقيدة الفارسية التي ينتمي لها العبادي ونوري على حد سواء).
ومن اللافت ان نسمع نوري يحذر من سقوط مدن ومحافظات ومناطق في جنوب العراق بسبب ترهل الأمن وإخفاق حكومة العبادي التي تضم في جنباتها وزراء من شلة نوري نفسه وخاصة وزارة الداخلية التي يفترض أن تكون هي المسؤولة عن الأمن. ورغم أن نوري لم يحدد المناطق المؤهلة للسقوط ولا بيد من ستسقط غير أن تصريحه بهذا الأمر يقرأ من باب الجزع واليأس وفقدان الحكمة والتقية دفعة واحدة. فإذا كانت جيوش وشرطة وحشد وميليشيات إيران كلها التي يقودها العبادي غير قادرة على توفير الأمن ونوري هو من أسسها مع الأمريكان ومع إيران فهذا له معنى واحد: إن مشروعه الإسلامي الذي يدعيه لا يمتلك الأرضية المناسبة في العراق وتنقصه الجذور والأصالة والشعبية وهذا ما نحن متأكدون منه وفضحناه خلال سنوات الاحتلال كلها وبدون توقف.
والمضحك حقاً أن ينوه نوري، بزلة لسان أو متعمداً، باحتمالات متساوية إلى أن توجيه الاتهام بأن مقاتلة داعش هو مؤشر إخفاق لحكومتهم. فنوري هنا يقلل من أهمية قتال داعش متناقضاً مع كل العالم وأوله أميركا التي لولاها لما عرف لنوري ولا لحزبه ولا (لشيعة إيران) أسم لا في العراق ولا في سواه ولما سمع العالم عن مشروع إسلامي مخنوث تلده أرحام العاهرات ويتبناه الخائن العميل نوري وحزبه وائتلافه. وهنا يقع نوري في إشكال جدي مع حشده الشعوبي ومع مئات آلاف من الرقاب التي سقطت من على رؤوسها وهي تقاتل داعش بل وحتى مع الفرس الذين يقودون معارك الحشد الفارسي ويسقط لهم مئات القتلى لإرضاء أميركا وحلفها الدولي الذي يوفر الغطاء الجوي لجرائم الحشد الوحشية التي يرتكبها في الموصل الآن ضد المدنيين العزل والبنية التحتية للمدينة وارتكبها قبلاً في المحافظات العراقية الثائرة بذريعة وعلى شماعة داعش.
ترى .. هل أن نوري هنا في هذه الجزئية ينفس عن بعض دواخله العاشقة لداعش التي كان أول من أطلق لها العنان بعد أن ساهم في خلقها؟
ونقطة أخرى يتطرق لها المالكي بوقاحة وصلف يليق برجال المافيات والعصابات والقتلة المستهترين: فنوري يدين الفساد المالي المستشري في حكومة العبادي في محاولة بائسة للنأي بنفسه عن مسؤوليته الكبرى عن تفشي الفساد ونهب ثروات البلاد إبان سنوات سلطته المحكومة.
ويدعي أنه هو الذي اشترى السلاح وليس العبادي ويتجاهل أن السلاح الذي اشتراه قد قدمته جيوشه على أطباق من ذهب لداعش في الموصل وغير الموصل.
ويقول للعالم أنه سلم الخزينة وبها ملايين الدولارات في حين أن العبادي قد أعلن انه تسلم الخزينة فارغة. ترى من فيهم الكاذب والذي سرق الخزينة قبلاً أو بعداً.؟
محصلة الحاصل: نوري المالكي في حواره مع الأخبار اللبنانية قد أعترف بخطايا وجرائم العملية السياسية التي سير هو بذاته أكثر من نصف سنواتها كرئيس لوزراء الإجرام والخيانة. واعترف بأن إيران على صفيح ساخن بعد مؤتمرات السعودية وتنتظر الويل والثبور الاتي والله خير المنتقمين. واعترف ضمناً وعلناً أن العملية السياسية (المشروع الإسلامي) يسير إلى مقبرته وهو يعني مشروع إيران في احتلال العراق وبلاد العرب تحت حماية أميركا لأن في العراق عملية سياسية أمريكية قذرة ولا صلة للإسلام بها لا من قريب ولا من بعيد تماماً كما أن كل الأحزاب المتوظفة فيها هي أحزاب للخيانة والفساد والعمالة والانتفاع بالحرام والباطل ولا صلة لها بإسلامنا الحنيف ولا بمذاهبنا الكريمة. نوري يصرخ لأنه أتقن أن حقبة الحماية الأمريكية توشك على الانتهاء وان أميركا تسير باتجاه تغيير نمطها في إدارة عمليتها السياسية.