2-الكذب والتلفيق ينقض العلم مثلما يهدم الاخلاق ، وبناء عليه نجد اننا امام بديهية لا يمكن التخلص من جبريتها وهي ان العالم او المثقف ، ولانه غير الجاهل او الامي ، اذا كذب نسف صدقيته وزرع الشك لدى الناس عموما في كل ما يقوله حتى لو كان
صحيحا ، والسبب هو انه اذا اصيب احد بداء الكذب فانه يصبح (طبيعة ثانية ) مكتسبة لديه يمارسها كما يمارس اي شيء اخر بلا تردد وفي كافة المجالات وليس في مجال واحد حينما يرى ان ذلك يخدم اهدافه الشخصية او العامة مع ملاحظة ان المثقف يتعمد جعل الكذب يبدو كأنه حقيقة ولهذا يتعمد اعداد الكذب بطريقة مدروسة .
وهنا نرى النتيجة : من يزور احداث الحاضر لابد انه يزور ويكذب اكثر حول الماضي لان ذلك اسهل بكثير لغياب امكانية رؤية الماضي بتفاصيله وملابساته واضطرارنا لرؤيته من خلال المؤرخ او الراوي ، فالذي يزور الان وبحضورنا ونحن نعرف الحقائق هل يمكن تخيل سوى انه عندما يتناول الماضي يكذب بوقاحة اشد ؟ وتأسيسا على هذه البديهية نشير الى ان من كتب التاريخ هو الاوربي الغازي والمستعمر ولخدمة استعماره وليس لاظهار الحقائق ولكي يكسب معركة ترويج الاكاذيب كان لابد له ان يتظاهر بالموضوعية العلموية من خلال اعلان تسعة حقائق موضوعية ودس كذبة واحدة معها لامرارها .
ولو نظرنا الى واقعنا الان ماذا نرى ؟ نرى وعد بلفور الذي قام على كذبة وقحة وهي (ان فلسطين ارض بلا شعب وتعطى لشعب بلا ارض اي اليهود ) ! رغم ان الشعب العربي الفلسطيني كان موجودا في فلسطين منذ الاف السنين وقبل وصول اي يهودي اليها من مصر الفرعونية ، فلفقت الكذبة هذه لاقناع العالم بان ارضا بلا شعب اذا عطيت لشعب بلا ارض فانها ستفيد الشعب الذي لا ارض له ولن يلحق الضرر باحد !!! وهذه الكذبة تسببت في اخطر صراع في الوطن العربي وموت الملايين بسببه وتهجير قسري لاكثر من خمسة ملايين فلسطيني وحدوث حروب وازمات طاحنة .
الاكاذيب الاخرى التي مهد بها لغزو العراق بلغت العشرات وكانت ابرزها اتهامه بامتلاك اسلحة دمار شامل وفبركة افلام واعداد شهود زور ومواد سامة لاثبات ذلك ثم اتهامه بوجود علاقة مع بن لادن ، وغيرها ولكن ثبت وباعتراف الحكومة الامريكية والبريطانية - واخر شواهد ذلك تقرير تشيلكوت - والذي اعترف بان تلك الاتهامات كانت اكاذيب لفقت عمدا لتوفير حجج غزو العراق ! وما يجب الانتباه اليه ان هذه الاكاذيب المعاصرة اقترنت بتلفيق ادلة تبدو صحيحة في البداية ولمن لا يعرف الحقيقة ودعمها بطرق تكنولوجية وعلمية لاجل منع الاعتراض ودحض حجج من يعترض .
من ابرز سمات الغرب ، بقادته وخبراءه واعلامييه ومؤرخيه، تلفيق الاكاذيب وتزوير الوقائع فهل ممارسة الاكاذيب وبصورة منتظمة امامنا الان ونحن الشهود على كذب التلفيقات تمنح الغرب شهادة الموضوعية عندما يكتب التاريخ او يقدم الحقائق العلمية دون الشك بصحتها او بطرق عرضها ؟ كل تاريخ الاستعمار الغربي من غزو امريكا الشمالية وامريكا اللاتينية وجنوب افريقيا واستراليا وابادة ملايين السكان الاصليين عمدا وغزو فلسطين والعراق وتفجير اخطر كوارثنا وهي ما سمي ب( الربيع العربي ) نقول كل تاريخ الغرب يؤكد بان الكذب هو احد اهم اعمدة سياساته ونظرته اليه على انه ضرورة اساسية لكسب الحرب . ولهذا فان ما كتبه تحت تسمية التاريخ والعلم هو في الواقع ليس التاريخ الحقيقي ولا الحقيقة العلمية ، بل الصورة التاريخية الملفقة او الصورة العلموية المضللة والتي تخدم الاستعمار وتلحق ضررا بالشعوب المضطهدة من قبله خصوصا انه يمتلك وسائل غسل ادمغة المليارات من البشر الان عبر الانترنيت وغيره .
واذا كنا لايمكننا ان نثق بمن يزور الحاضر او الماضي القريب الذي عشناه فهل يمكننا تجاهل انه مستعد اكثر لتزوير الماضي الابعد وهو الاكثر غموضا بحكم بعده الزمني واخفاء ما يعرفه عنه من حقائق لاتخدمه وهو الذي يملك وسائل التنقيب والبحث ومتفوق علينا وعلى غيرنا في امتلاك تلك الوسائل ؟
3- ومن مظاهر التزوير لتاريخنا الحضاري ولاصولنا تعمد طمس دورالعرب فيه ، فمثلا عندما يأتي ذكر عالم اصله غير عربي عاش وابدع في ظل الدولة العربية المتقدمة في العهدين الاموي والعباسي وكلاهما جزء من تاريخنا القومي المشرف ، يتعمد المؤرخ او الخبير الغربي القول بانه كان (فارسيا) او (افغانيا) ! رغم انه عاش في الوطن العربي وتربى وابتكر وابدع بفضل الحضارة العربية ولغتها وثقافتها ! والمفارقة البارزة هي ان نفس الخبير او المؤرخ الغربي عندما يتناول مبدعا عربيا في اصله يقول (العالم المسلم) ويتجنب ذكر هويته العربية وينسبه لدينه ليس حبا بالاسلام بل كرها بالعرب ، وهذه ملاحظة جوهرية تفضح الهدف العنصري او الاستعماري للمستشرقين والخبراء الغربيين .
وما يكشف بصورة حاسمة تعمدهم تزوير هوية المبدعين في التاريخ العربي من العرب او من ابدع من غير العرب بفضل ولادته او عيشه طوال عمره في الوطن العربي وتشبعه بما قدمته له الحضارة العربية من علم ومصادر وتربية وجود امثلة معاصرة تدعم حجتنا وتحسم بقوة لا راد لها مسألة هوية المبدعين في عصور النهوض القومي العربي الاموي والعباسي ، ففي منطقة تسمى وادي السيليكون Silicon Valley وتقع في ولاية كاليفورنيا الامريكية وهي منطقة خبراء المعلوماتية الاشهر في العالم والذين تفتخر بهم امريكا وهم مصدر تفوقها التكنولوجي ، تزيد نسبة ذوي الاصول الاجنبية وغير الامريكية عن 80% وهم من اصول هندية وباكستانية وعربية ومنهم مؤسس شركة ابل ستيف جوبز واصله عربي سوري ، ولكن هل ينظر العالم كله خصوصا الغرب الى هؤلاء على انهم عرب وباكستانيين وهنود ؟ ام انه يعتبرهم امريكيين حتى اذا ذكرت اصولهم ؟ الجواب واضح جدا فهؤلاء ابدعوا وقدموا انجازاتهم التكنولوجية والعلمية في امريكا وتحت تأثير بيئتها المشجعة ولولا البيئة الامريكية المشجعة على الابداع لما ابدعوا وطوروا بنفس المستوى .
فهل يختلف الانسان الذي ابدع في ظل الحضارة العربية في مختلف مراحلها اذا كان من اصول فارسية او افغانية عن ستيف جوبز كي يشار الى انه كان فارسيا او افغانيا ليجرد العرب من اي فضيلة ؟ هنا نلاحظ العداء العنصري او الاستعماري للعرب متجليا في انكار حقيقة ان من ابدع اثناء عصور الحضارات العربية كان عربيا –حتى لو كان من اصل غير عربي - لانه ولد وعاش في بيئة عربية وكتب بالعربية وابدع فيها فكان عربيا بالانتماء الحضاري الاختياري ولم يعد فارسيا او افغانيا تماما مثل السوري الاصل ستيف جوبز والاف الهنود والباكستانيين في وادي السيلكون والذين اصبحت هويتهم امريكية ولم يعودوا هنودا او عربا .
5- هناك حقيقة تاريخية بارزة جدا لابد من معرفتها وهي ان مئات الالاف من العرب هاجروا في مراحل مختلفة من الجزيرة العربية والعراق وسوريا الى العالم الخارجي لنشر الاسلام وقبله لاغراض اخرى كما اثبتت الخرائط الجينية المشار اليها ، وهؤلاء استقروا في مختلف القارات والبلدان ومنها بلاد فارس وافغانستان وشبه القارة الهندية ووصلوا الصين شرقا واسكندنافيا غربا واندمجوا في تلك المجتمعات ، ولكنهم كانوا يعملون ويعيشون مستخدمين اللغة العربية في انتاجهم الفكري والعلمي ، وقرات كتابا يقتصر على ذكر اسماء العوائل العربية في الهند دون شروح ويقع في اكثر من 300 صفحة وهؤلاء هاجروا الى الهند في حقب مختلفة ومنهم من عرفني بنفسه - اثناء عملي الدبلوماسي في الهند - قائلا انه من سلالة عمر بن الخطاب او من نسل ابو بكر الصديق او من نسل ال البيت .
المستشرقون الغربيون وغلاة الفرس والصهاينة عملوا على طمس كل عمل وانجاز حضاري قام به العرب في التاريخ بطرق ذكية مرت على من ظنوا بان اغلب علماء ومبدعي الحضارة العربية كانوا من اصول غير عربية رغم ان عشرات الالاف من العرب اطلقت عليهم اسماء مدنهم غير العربية او اسماء الدول غير العربية التي عاشوا فيها مع انهم عرب بالاصل مثل اطلاق لقب (الفارسي) على عوائل عربية عاشت في بلاد فارس او لقب الافغاني على عوائل عربية اخرى عاشت في افغانستان ...الخ . المسألة هنا هي ان الغربي والفارسي عندما يكتب عن تاريخ العرب يتعمد تشويه صورتهم بطرق عديدة منها انكار الاصل العربي للكثير من العلماء والمبدعين الذي ظهروا في بلدان غير عربية في عصور مختلفة .
6-ومن حيل المستشرقين الغربيين الاخرى استخدام تسمية اسطورية لوصف حالات تاريخية واقعية فالسامية تسمية لقصة اسطورية وليست واقعة تاريخية لهذا تستخدم لوصف اللغات العربية والاعمال التي قام بها العرب ونسب كل انجازاتهم الى الساميين وليس للعرب واعتبارهم مجرد جزء من الساميين وليس كلهم مع ان كل من وصف خطأ بانه سامي كان عربيا بما في ذلك اليهود لان اليهودية ديانة وليست قومية وهو ما تؤكده الخرائط الجينية والواقع الفعلي لليهود الاصليين وليس لمن حسب عليهم لاحقا .
7- عربت الاندلس بسرعة لسبب عملي وهو ان العرب استقروا في الاندلس في هجرات سابقة للفتح الاسلامي بالاف السنين لهذا استقبل عرب الاندلس العرب الفاتحين على انهم ابناء عمومتهم وقومهم . وهذا ينطبق على مصر والمغرب العربي ايضا فلولا وجود هجرات متعددة قبل ظهور المسيح بالاف السنين لما وجدت اللغة العربية بكافة لهجاتها مجالا للانتشار في تلك الاقطار .
8- ان وجود الابقار والحيوانات ذات الاصول العربية والخطوط والكتابات العربية في بريطانيا يدحض ما ورد في الدراسة الاخيرة من ان بريطانيا حافظت على اصولها الجينية لان العرب وصلوا اليها بموجات متعاقبة وكبيرة واستقروا فيها .
9-احدى اهم الحقائق هي ان الحضارات العربية لم تبدأ بسومر وبابل والفراعنة والفينيقيين وقرطاجة فتلك حضارات حديثة نسبيا اذا ما قورنت بحضارات سادت ثم بادت خصوصا في جزيرة العرب عندما كانت منطقة خضرة ومياه واخطر واهم تركاتها التي تثبت وجود حضارات مزدهرة فيها هي اللغة العربية التي تتألف من 12 مليون كلمة بينما الانكليزية 600 الف كلمة والفرنسية والروسية والالمانية اقل بكثير فهل يمكن ان تكون هذه اللغة لغة صحراء ومنطقة جدب ام لغة حضارات مزدهرة اذا تذكرنا ان كل كلمة لاتخترع وتضاف الى اللغة الا اذا كان هناك مايقابلها ماديا ؟
10-الفكرة المركزية : العلماء الغربيون لا يستطيعون تبديل الحقائق مثل وجود الجينات العربية في اكثر اوربا ولكنهم يستطيعون تزوير التسميات لاجل انكار الاصل العربي لمصر والسودان والمغرب العربي فيطلقون اسم شمال افريقيا بدل اسم المغرب العربي ، مستبدلين الهوية بالمكان وهو استبدال مضلل ، ثم يقولون ان جينات هذه الاجزاء من الوطن العربي شمال افريقية وان الجينات العربية قليلة هناك في تجاهل تام لما اعترفوا به وهو ان الجينات العربية تسود حتى الان في اوربا بين الرجال وبنسبة اكثر من 80 % فكيف تسود في اوربا من دون ان تسود اولا في المغرب العربي مع انه المعبر الوحيد للعرب الى اوربا ؟ ! هذه هي اللعبة المموهة بغطاء علموي . انه (صدام الحضارات) طبقا للمفكر الامريكي صموئيل هنتنغتون بكل ما يعنيه المصطلح من معنى وتطبيقات ميدانية.
Almukhtar44@gmail.com
14-5-2017