كاظم عبد الحسين عباس
لا يوجد تطابق تام في السياسة ولا يوجد تناقض نهائي فيها. هذه العبارة تتضمن قدراً كبيراً من المطاطية التي تسمح بلي عنقها لمن شاء و كيفما شاء ومتى ما شاء. غير ان الحقائق التي تفرز بوقائع وأفعال ومنتجات ميدانية هي التي تدخل الصدقية والواقعية عليها فتظهر النتيجة تطابقاً جزئياً أو تناقضاً محدوداً.
سياسياً: يتعرض العرب الآن وبلادهم إلى حرب إبادة يقتل فيها من يقتل ويلغي فيها من يتبقى حياً انتمائه العربي لكي يعيش. هذه الحرب ليست جديدة بل بدأت بعد الحرب العالمية الثانية وأول غيثها كان إعلان الوزير البريطاني بلفور تأسيس الدولة العبرية على أرض فلسطين العربية وثاني محطاتها الخطيرة كان إسقاط شاه إيران وتولية خميني بنظام أصولي تماماً كما الصهيونية وعابر لحدود إيران مثلها وتحت ذات الستار الصهيوني وهو الدين والمذهب. وغزو العراق هو المحطة الأكثر وضوحاً في تقريب تحقيق الأهداف الخمينية من جهة والصهيونية من جهة أخرى.
لماذا؟
لأن الاستنتاج الأعظم الذي خرجت به القوى الدولية المحركة للقطبين الصهيوني والفارسي هو أن ليس لأي منهما منفرداً ولا متعاضداً متكاملاً أن ينتصر في الصراع الذي دام عدة عقود على العروبة وأهلها بل ان العراق قد قدم دلالات قطعيةإلى ممكنات انتصار العرب ودحر المشروع العدواني ذي الذراعين. هذا ليس مدح موالي للعراق الذي أنهت دوره عملية الغزو والاحتلال بل ان العرب كلهم الآن حكاماً ومحكومين قد أدركوا هذه الواقعية ولو بعد أن سبق السيف العذل ووقع الفأس بالرأس.
إذا أهملنا التشابه العقيدي بين الخمينية والصهيونية وكيانيهما في فلسطين المغتصبة وفي إيران والذي قد يتحاور فيه المتحاورون ويتفقون أو يختلفون، وركزنا على نتائج سعي كل منهما على الأرض، سنجد بدون مبالغات ولا تأطير سياسي ان كليهما ينهك العرب ويسيطر عملياً على أرضهم ويسخر ثرواتهم لمصالحه. وكلاهما يقزم العروبة ويحتقر أهلها. وكلاهما يكفر ويشيطن ويلغي إنسانيتنا. وكليهما يتعكز في عدوانه واحتلاله وتوسعه على القوى الكبرى والعظمى. وكلاهما يوجه إعلامه وقدراته الاقتصادية والإعلامية باتجاه هدف تيئيس العرب وإشغال سوادهم الأعظم بلقمة عيش شحيحة وأمن مفقود وأنظمة حكم غير متوافقة لا مع ذاتها ولا مع الأمة.
إيران استثمرت غزو العراق ونتائجه المدمرة لتبسط سيطرة قاتلت من أجلها ٢٣ سنة قبل أن تأتي أميركا وبريطانيا والماسونية والصهيونية وتسهل لها الطريق فاحتلت العراق بكل أنواع الاحتلال الموصوفة في قواميس السياسة وجندت واشترت الجهلة والمغيبون وعديمي الإدراك وأنصاف المتعلمين وأرباع المثقفين والمافيويين والمتعصبين لتضمهم إلى أحزابها وفيالقها وتحول العراق إلى نصفيين:
نصف نائم.
ونصف نازح ومهجر.
وما بين النصفين قلة ظلت تقاتل بشراسة وتقاوم المشروع الفارسي الذي فرضته طائرات ودبابات وجيوش الغزاة.
ومن العراق فتح الغول الفارسي فمه الكريه ليقضم العروبة ويمزق عراها وبين طيات ومسامات التغول والشراهة والعدوان الخميني الفارسي المتستر بالدين والمذهب انتشرت الخطط والغايات والأهداف الصهيونية تشتري الأرض والبيوت والفنادق وتؤسس لوجود صهيوني متداخل وتحت ذات العباءة الاحتلالية لاستعمار ينمو بذكاء وخبرات ميدانية ويستثمر الفوضى وتوزع العراقيين بين الأمواج المتلاطمة والعشوائية وانعدام الرؤية واختلاط الألوان. ويتدخل الفاتيكان ليفرش بعض الأرضيات للوجود والانتشار الصهيوني في محافظة ذي قار وبابل وبغداد والموصل على سبيل المثال..
إيران تحرك خطوات الإمام المهدي المنتظر لتقرب ساعة فرجه وتعصف بعقول من يصدقها من جهة.. والصهاينة ينبشون التاريخ في أور والكفل وبين الكوفة والنجف وفي سهل الموصل وكركوك وقلب بغداد ليبنوا معابدهم ويظهروا الباطن في جوف مخططهم الأسود لاحتلال العراق كلاً أو تقاسماً مع (دعاة المهدي).
الأدلة على ما نقول ليس لها عد ولا حصر والصهيونية ذاتها بدأت تفصح عنها بوضوح لا لبس فيه متوزرة بعباءة نبي الله إبراهيم عليه السلام وذو الكفل وآثار أور وغيرها.
فليكرمنا بعض العرب بسكوتهم …
فاحتلال العراق واغتيال حماته ومن صانوا عرضه وأرضه وأديانه وعروبته قد انتهى إلى هذه النتائج الأولية التي تعزز بثبات وبعمل ممنهج من إيران ومن (إسرائيل) وكما قلنا كل بغطاء وحجاب مزيف.
وإذا أراد العرب الرسميون والشعب على حد سواء أن تبقى لهم باقية وتقوم لهم قائمة وتحرر كل مقدساتهم المسلوبة والمغتصبة فلا طريق أمامهم إلا ان يجدوا طريقهم إلى البعث ورجاله ومن معه من الأحرار ليمدوهم برباط الخيل والقوة ليطردوا الفرس والصهاينة من العراق...
وإلا ..
فليشهد التاريخ أن البعث والبعثيين سيقاتلون حتى يكتب الله أحد أمرين.. النصر أو الشهادة، والشهادة لعمري نصر لهم، وموت لمن يظنون أنهم اشتروا الحياة الدنيا وهم في ظلال مبين.