علي نافذ المرعبي ـ باريس
قبل يومين من ذلك التاريخ، أواخر آيار 1967، أبلغني المناضل الشهيد تحسين الأطرش بتظاهرة ستنطلق عقب صلاة يوم الجمعة المقبل من الجامع المنصوري الكبير، إحتجاجاً على زيارة الاسطول السادس الامريكي لمرفأ بيروت، وأن الحكيم سيقود
التظاهرة، وكانت هذه أول تظاهرة سأشارك بها وأنا فتى في أول العمر، وكنت أنتظر وصول يوم الجمعة بفارغ الصبر. كان التوتر وقتها على أشده بين العرب والعدو الصهيوني، كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر طلب سحب البوليس الدولي من الحدود بين غزة وسيناء من جهة و مع فلسطين المحتلة من جهة ثانية، ثم أعلن عن إغلاق مضائق تيران أمام البواخر العادية.
أيضاً، كان حزب البعث العربي الاشتراكي خارج السلطة في العراق، وكان مطارداً من جماعة ردة 23 شباط 1966 في سوريا، وفي لبنلن كان مناضليه ملاحقين من المكتب الثاني وكافة الأجهزة الأمنية.
في ذلك اليوم الجمعة الأخير من شهر أيار 1967 (قبل حوالي أسبوع من حرب حزيران 1967) بدأ مناضلي الحزب بالتجمع بالباحة الداخلية للجامع المنصوري الكبير، وعقب الصلاة كانت الجموع كبيرة وأرتفعت اللافتات المنددة بزيارة الاسطول السادس الامريكي، و وقف الحكيم على المصطبة المرتفعة قليلاً أمام الجموع، وبدأ خطابه المناهض للسياسة الامريكية، داعياً إلى وقوف الشعب العربي ألى جانب مصر، مطالباً السلطات اللبنانية بإلغاء زيارة الاسطول السادس الامريكي لمرفأ بيروت، لأنها زيارة مشبوهة في ظل ارتفاع التوتر بين العرب والعدو الصهيوني، وسط تصفيق حاد من الحضور وهتافات مدوية لفلسطين (يا فلسطين مين لباكي..غير البعث الاشتراكي) وأقترب أحد الشباب (من بيت الحدبا كما أتذكر) قرب الحكيم وصرخ قائلاً: "أمة عربية واحدة" لتجييه الجموع المحتشدة: "ذات رسالة خالدة."
وإبتدأت الجموع بالخروج من الباب الثاني المؤدي إلى ساحة النجمة و الدفتردار، وسط الهتافات المدوية ولدى وصولنا أمام ساحة مبنى الحرس البلدي هوجم المتظاهرين من الدرك والأمن والمكتب الثاني، وبدأت الاشتباكات بالأيدي وعصي اللافتات من المتظاهرين وأعقاب البنادق والكرابيج والعصي من القوى الأمنية.
في هذه اللحظات كنت قريباً من الحكيم، عندما لمحت ألقاء أصبع ديناميت مشتعل (زرنيخ) ملفوف بالمسامير عليه، والشباب يصرخون: حكيم إنتبه. بكل شجاعة وبأم عيني شاهدت الحكيم يركل أصبع الديناميت بقدمه إلى حفرة الصرف الصحي العميقة.
تكاثرت أعداد القوى الأمنية بتعزيزات كبيرة وصلت لهم، حيث استطاعوا تفريق المتظاهرين واعتقال العديد منهم، وفي مقدمة المعتقلين المناضل الراحل الدكتور عبد المجيد الرافعي.
في ذلك اليوم سطرت طرابلس العروبة، بقيادة إبنها البار الحكيم. صفحة جديدة مشرقة من تاريخها المشرف، المدينة التي كانت عنواناً للعروبة في لبنان كله