يعتبر الانضباط العسكري واحدا من مآثر الجيش العراق الوطني ، فكان بمثابة العمود الفقري له ، وهو الميزة الأساسية التي تميزه عن باقي مؤسسات المجتمع. وقد برهنت التجارب ان الجيوش النظامية عالية الانضباط هي التي حققت الانتصارات المؤزرة في مسارح العمليات وهكذا كان جيش العراق الوطني ، جيشا منضبطا بامتياز. وتكمن اهمية الانضباط العسكري في انه الوسيلة الرئيسية
التي بواسطتها يتمكن القادة والآمرين من السيطرة على مرؤوسيهم وضمان تنفيذ الاوامر العسكرية بسرعة ودون تلكؤ وفقا لمبدأ وحدة القيادة. وكان الانضباط العسكري في طليعة قيم شرف الجندية العراقية ، فهو من أهم متطلبات العمل ألاحترافي العسكري ، وبه تميز المقاتل العراقي عن الآخرين. والانضباط يمثل في معناه الأوسع إرادة العسكري بوضع حياته في خدمة وطنه ، وفي خدمة الأهداف الوطنية العامة ، والحفاظ على الثوابت الوطنية التي تشكل الوحدة الوطنية واحدة من أهمها ، ومن هذا الباب فان العسكري العراقي كان مستعدا لتنفيذ كل المهام التي توكل إليه مهما كانت ، واثبت تأريخ المعارك التي خاضها سواء في الدفاع عن العراق ، أو في المعارك التي خاضها دفاعا عن الامة العربية.ومن باب آخر فانه لا يختلف اثنان على أن الضبط العسكري في الجيش العراقي كان يعد ركيزة أساسية من ركائز البناء العسكري. ويتوقف عليه مستوى التحلي به وممارسته وتطبيقه في حياة الفرد والجماعة. لذا فأنه من غير الممكن ، بل ومن المستحيل التحدث عن تنظيم وتسليح وجاهزية فنية وقتالية ومستوى عالٍ من التدريب والتأهيل وروح معنوية عالية واستعداد قتالي ، دون وجود المستوى المطلوب من الضبط العسكري ، ناهيك عن صعوبة حسم الأعمال القتالية في أية معركة حديثة مشتركة أو تقليدية. ليس هذا فحسب ، بل وحتى أثناء تنفيذ التدريب اليومي أثناء السلم.
والانضباط يعني الطاعة، وهو ذو صلة وطيدة بالصبر. فالإرادة والثقة التي يخلقهما الانضباط العسكري تسهمان في تعزيز سمة الصبر لدى الفرد وهو الدواء الأمثل لأصعب داء. داء الأزمات والأهوال والصعاب ، وشهدت بذلك كافة المعارك التي شاركت بها هذه الوحدات العسكرية ضمن الجيش العراقي الوطني.
وكان يتم بناء الانضباط العسكري على أسس المحبة والاحترام والشعور بالواجب والمسؤولية والألفة والإخلاص والثقة بين الجنود وضباط الصف والضباط والقادة ، كما كان الانضباط العسكري في الفرد مستنداً على ثقته بنفسه وسلاحه ووحدته وقواته المسلحة والقيادة الحكيمة والواعية.
وإذا ما ربطنا بين الانضباط العسكري وبين مفهوم الالتزام في الاسلام لوجدنا ان كثير من المفردات الضبطية التي كانت معتمدة في الجيش العراقي الوطني ، هي من اصول وقيم الدين الاسلامي الحنيف. فقواعد اداء التحية في الاسلام مثلا تفرض على الصغير أداؤها للكبير ، وتؤدى ايضا من الأقل شانا الى الاعلى شأنا اجتماعيا. أما في ادأب الحديث فان الاسلام يؤكد على الاستماع والانتباه وعدم المقاطعة. وهناك العديد من المفردات في الارث الاسلامي، كترتيب الجلوس وغيرها وكلها مفردات تتواءم من مفردات الضبط العسكري.
أما مفردات الانضباط العسكري فالتحية العسكرية كانت رشيقة ، انيقة ، دقيقة ، وموحدة. وهي تمثل التعبير العسكري عن الاحترام والاهتمام والالتزام بالسياقات العسكرية. وهي فاتحة الحديث وباب الدخول للأرفع رتبة ومنبع التميز. أما غطاء الرأس(البيريه)، والتي كان يجب على العسكريين ارتداءها باعتبارها مكملة لنظام الهندام العسكري. ولا يجوز دخول الاقل رتبة الى الاعلى بدونها. كما لا يجوز نزعها في الفضاءات والشوارع والساحات. ولا تصح التحية العسكرية بدونها. كما ان الهندام كان موحدا ويتميز بالأناقة والنظافة والتوحيد. كما ترتيب الجلوس كان يجب ان يكون حسب الاقدمية والرتبة والمنصب. وفيما يخص التوقيتات فقد تميز جيش العراق بالدقة المتناهية في الحياة العسكرية ، فلا يجوز مثلا التأخر عن التعداد او عن المحاضرات واللقاءات او التوقيتات المحددة في البرنامج اليومي للمعسكرات. كما كان هناك بعض القواعد الضبطية الاخرى ومنها ، عدم تناول المشروبات والطعام قبل مباشرة قائد او امر الوحدة العسكرية، مع عدم وضع ساق فوق ساق امام الاقدم رتبة ومرتبة ، وعدم مد يد المصافحة او التقبيل للأرفع رتبة إلا اذا بدأها هو.
من المقالات المنشورة في مجلة صدى نبض العروبة في عددها 26 في 12 تموز
2017للطلاع على اعداد المجلة زيارة موقع المجلة
www.alssadaa.net
من المقالات المنشورة في مجلة صدى نبض العروبة في عددها 26 في 12 تموز
2017للطلاع على اعداد المجلة زيارة موقع المجلة
www.alssadaa.net