أَيَكْتُبُنا التّاريخُ، أمْ نحنُ نَكْتُبُهْ؟
وَنحنُ نُبوغُ الحَرْفِ نَبْنيهِ، نُعْرِبُهْ
نُصَرِّفُهُ نَشْتَقُّ مِنهُ سِنِينَهُ
فَتاريخُنا اثْنانِ البَكُورُ وثَيِّبُهْ
أَتاريخُ أَنْظِرْ، وانْتَظِرْ لَسْتَ مَاضِياً
وَنَحنُ بِكَ الوَقْتُ الَّذي لَسْتَ تَحْسَبُهْ
وإنّا، وَقَدْ باءَ الزَّمانُ بِأَهْلِهِ
بِأَيْمانِنا، نُرْضي الزَّمانَ، وَنُغْضِبُهْ
نُسَطِّرُ أَحْلاماً، وَنَقْرَأُ يَقْظَةً
لِنَبْلُغَ مَجْداً لا يَخيبُ مُعَقِّبُهْ
وما المجْدُ إلاّ صَحْوَةٌ وَمَسيرَةٌ
وَكَالمُطْلَقِ المَجْهولِ أُشْرِعَ مَلْعَبُهْ
وفي القَوْلِ لِلمَعْنى قَوامٌ، وكِسْوَةٌ
فَمَنْ ذا يُعَرِّيهِ ومَنْ ذا يُحَجِّبُهْ؟
أنُوْليْهِ بَغْياً، ما تَوَلّى بِكِبْرِهِ
ونُولي لهُ ما لا نَزالُ نُجَرِّبُهْ؟
عِطاشاً رُوِينا، أمْ كُفِيْنا بِعَلْقَمٍ
تُعَتِّقُهُ الأيّامُ والدَّهْرُ يَسْكُبُهْ؟
تَصُولُ، تَجُولُ الكَأسُ في قَدَرِ الوَرى
على قَدْرِ دَنِّ الوَعْدِ يَصْفو فَنَشْرَبُهْ
وَأَبْناءُ شَمْسٍ نحنُ، أمْ نَحنُ ظُلَّةٌ
تَفَيَّأُ خَطْوَ الوَهْمِ الَّذي ضَلَّ مَوْكِبُهْ؟
وَخُضْنا دُروبَ الظَّنِّ نُهْدى أَنَهْتَدي؟
وَقَدْرِكَ لا يَخْفى عَلَينا تَذَبْذُبُهْ
رَضِينا وهَلْ يَرْضى البَيانُ بزائِفٍ؟
مَتى الجَهْلُ أَوْحى فالبَيانُ يُكَذِّبُهْ
وعَبْدُ المجيدِ الرّافِعيُّ كِتابُنا
بَلى مَتْنُهُ أَغْنى عَنِ السَّعْي مَذْهَبُهْ
ومِثْلُكَ مَنْ ضَنَّ الزَّمانُ بِمِثْلِهِ
تُناهِزُ دَهْراً بَيْدَ أنَّكَ تَصْحَبُهْ
أَمَدْرَسَةٌ للبَذْلِ أنتَ، ومَرْجِعٌ
أمِ البَذْلُ، كُلُّ البَذْلِ أنتَ تُكَوْكِبُهْ؟
لكَ الوَعْدُ أَرْسى، في الجِباهِ، بَيارِقاً
نَطَقْنَ بِخَفْقٍ، في العُيونِ، تَرَقُّبُهْ
حِكايَاتُنا تَحْكي حِكايَتَكَ الَّتي
تَطوفُ بكَ، اسْتَجْدَتْكَ ما أنتَ تَطْلُبُهْ
وَرُبَّ سُؤالٍ جالَ فيهِ جوابُهُ
يُبَلْسِمُهُ المَجْروحُ والجُرْحُ يَنْسِبُهْ
أليسَ رَسُولَ الطِّبِّ، والطِّبُّ مُنْجِبٌ
وكانَ طَبيبَ الشَّعبِ، والشَّعْبُ مُنْجِبُهْ؟
وأنْقى مِنَ الطِّيْبِ انْتَسَبْتَ لطَيِّبٍ
وَفَرْعُكَ في صُلْبِ النِّضالِ يُطَيِّبُهْ
وكُنتَ كما البَعثُ ارْتِقاءً، وَصِبْغَةً
فأينَ الدَّعِيُّ الفَذُّ، أينَ تَقَلُّبُهْ؟
طَليْعَةَ لبنانَ انتَصِرْ لِعُروبَةٍ
تَرى فيكَ بَرّاً ضَجَّ فيها تَوَثُّبُهْ
وَزُفَّ لها لُبنانَ رَوْضاً لِرَوْضَةٍ
وَأَسْرِ لها الإيمانَ وَحْياً تُعَرِّبُهْ
رَوَيْتَ الفُراتَيْنِ اقْتِداراً، وَحِكْمَةً
أما، ذاكَ جُرْحٌ، في العِراقِ، يُعَذِّبُهْ؟
ونادَتْ فِلَسْطينُ السَّبايا سَبيَّةً
فَرَجَّعَ وادي النّيلِ آهاً تُؤَنِّبُهْ
فَما بالُنا والحَقُّ فينا إمامُنا
نُبَدِّلُ عِلْجاً بالإمامِ وَنَنْدُبُهْ؟
أَلا رُبَّ جيلٍ يَنْبَري فَيُعيدُهُ
لِدَوْحَتِنا يَوماً فَيَنْجَعُ مَأْرَبُهْ
ويَوْمٍ لَهُ الأديانُ نَصْرٌ مُؤَزَّرٌ
وأقْطارُنا، في البُعْدِ عْنْهُ، تُقَرِّبُهْ
بَذَلنا لَهُ مِلْءَ الجِراحِ مَدى يَدٍ
وَأَقْلامُنا، في دَفْتَرِ القَهْرِ، تَشْطُبُهْ
وإنّا، وإنْ جادَ الزَّمانُ، أوِ اكْتَفى
نُحَبِّرُ عَهْداً بالدِّماءِ، ونَكْتُبُهْ.
الشاعر الأستاذ رياض عبيد