في ضوء نتائج معركة الموصل والاعلان عن تحريرها من عصابات داعش الاجرامية ، والتي خلفت اخطر المآسي في التدمير الهائل للبنى التحتية التي فاقت آثار الزلزال بدرجاته العظمى ، والقتل الجماعي للابرياء الذين لا حول لهم ولا قوة الا الدعاء للخلاص من جرائم التنظيم الداعشي الارهابي من ناحية ، والقصف الجوي والمدفعي والصاروخي للقوات الدولية والعراقية والحشد الشعبى التي لم ترحمهم ولم تتخذ الحدود الدنيا من الاجراءات الاحترازية والوقائية لهؤلاء الابرياء ، فضلا عن ذلكم النازحين الذين تجاوزوا المليون مواطن ممن أعزهم الله بقيم الكرامة والكرم والدين والاخلاق الرفيعة ليفترشوا الارض ويلتحفوا السماء في أسوء محاولة لاذلالهم.
في ضوء كل هذه النتائج ، هل يمكن قياس هذا الاعلان عن النصر بالقضاء على المجرمين القتلة من التنظيم الارهابي مع المخلفات الكارثية لهذه الحرب؟
يشير الفقه الإسلامي إلى آداب الحرب بإعتبارها القواعد والمبادئ المنظمة للسلوك الإنساني ، يحددها الشرع لتنظيم حياة الإنسان خلال وقت الحرب بما يضمن عدم الاعتداء أولاً , ومن ثم الحفاظ على البشر الذين لا علاقة لهم بالحرب , بل ذهب أكثر من ذلك في ضمان الحفاظ على الحيوان والشجر، وهي قواعد ملزمة وثابتة. أما في القانون الدولي ، فآداب الحرب تعني مجموعة القواعد الإنسانية التي تستهدف حماية الأشخاص المدنيين والمصابين ، ويتمثل ذلك في مجموعتين معروفتين من الاتفاقيات الدولية المنظمة للحرب ، المجموعة الأولى تبنتها مؤتمرات لاهاي للسلام التي عقدت في عام 1899م ، وعام 1907م ، وأما الثانية فتتضمن 4 اتفاقيات أبرمت في جنيف سنة 1949م لحماية ضحايا الحرب وهي مستمدة من تعاليم الشريعة الإسلامية.
وأن الفارق الواضح عن القواعد الإسلامية إن هذه القواعد القانونية الوضعية غير ملزمة للدول ، ولذلك تفتح الباب على مصراعيه كي يعتدي القوي على الضعيف ، وهناك كذلك الفارق الجوهري الآخر بين الشريعة الإسلامية التي تنشد العدل والخير والسلام وتساعد على ذلك من خلال تعاليمها السامية وبين القوانين الوضعية ذات الثوب المثقوب بكثير من الثغرات والنوافذ التي يستغلها أصحاب القوى. وعلى هذا الأساس اختلفت دوافع الحرب في الشريعة الإسلامية عنها في القوانين الوضعية وتتباين كذلك الآداب حال الحرب، سواء من ناحية طرق إعلانها ، أو سبل معاملة الفئات غير المقاتلة أو غير المشتركة في الحرب، والذين أطلقت عليهم الشريعة الإسلامية وصف "أهل الممانعة والمقاتلة" كالنساء والصبيان والشيوخ والمسنين والرهبان والفلاحين والتجَّار والصنَّاع والأجراء وأصحاب العاهات والمرضى ونحوهم ، وكما اتسمت الشريعة الإسلامية بالنظرة الإنسانية ، فهي أيضاً حرمت الاعتداء على الأشجار الخضر والحيوانات وعدم تخريب العمار والنهي عن عقر الشاة أو البعير إلا للأكل.
ومن هنا جاءت أدبيات القتال في الإسلام منسجمة مع هدي السماء ، خالية من روح العدوانية و البغي ، ومستشعرة ضعف الضعيف ، وحافظة لحقوق أهل الذمة والعهد. والأسير في حروب المسلمين لا يؤذى ، بل يوعد بخير ويتم التعامل معه على أفضل وجه. ومن أدبيات حروب المسلمين ألا يهاجموا العدو إن هم سمعوا صوت الأذان و المؤذن يوحد الله. ومن أدبيات القتال في الإسلام أن لا سرقة ولا غلول من المحاربين وإن انتصروا.. وفي الحروب المعاصرة نهب للثروات وسرقات للمقدرات ، بل استعمار كامل يتجاوز إهدار الطاقات المادية إلى إهدار الطاقات المعنويّة.
وجميع هذه الادبيات كانت معتمدة في الجيش العراقي الوطني وشواهدها التفصيلية عديدة في كافة الحروب التي خاضها على المستويين الوطني والقومي ، فالفكر الاسلامي العسكري كان واحدا من أهم مصادر العقيدة العسكرية العراقية.