بعد الفراغ من صلاة التراويح اقترب الشاب ( محروم ) من والده الحاج (مظلوم) قائلا له...ياوالدي سمعت كثيرا عن الديك الهراتي لكنني لم أفهم أصل الحكاية..هل لك ان تحدثني عنه ؟. اعتدل والده قليلا في جلسته ثم أردف ..ولو انني متعب قليلا لكن سأروي لك ماطلبت وعليك بعدها ان تذهب الى السوق لتتبضع لنا بعض حاجياتنا ..
الديك الهراتي يامحروم ( وهو يكمل ) " أصله من مدينة (هرات) المشهورة في خراسان في ايران وهو اكبر من الديك العراقي حجما وليس له عرف وعيونه حمراء ويمتاز بذيله المنخفض الى الاسفل وبالزائدة الصغيرة فوق رأسه ، وعرف البغداديون من اسماء هذه الديكة : بك وبطل العراق وابن الرافدين وبغدادي ومحبوب وزيدون والبطل. وهناك مصطلحات خاصة لها علاقة بالديك الهراتي ومنها (المكاسرة) وتعني : ان يبدأ النزال بوضع الديكين المتكاسرين في (البوجة )التي تحاط بجمهرة كبيرة من الهواة مشاهدين ومرتهنين ويعلو الصياح تشجيعا خلال المناقرة والهراش بالقدمين عندما يقفز احدهما على الاخر وهما ينفشان ريش عنقيهما التي اطلق عليه اللغويون اسم (البرائل) . أما (البوجة ) فتعني : ساحة السباق – الحلبة - وهي دائرة مرسومة على الارض يتراوح قطرها بين 5-6 أقدام. وهناك ( الملاشي ) : وهو مساعد الديك حيث يقوم بتنظيف منقاره ومداواة جراحه بعد انتهاء المكاسرة . والحكم وهو المسؤول عن انفكاك الديكين المتكاسرين اذا اشتبكا ومسؤول عن اعلان نتيجة الفوز. ولايحدد وقت للمكاسرة فهي تستمر احيانا ساعة او اكثر يعلن بعدها الحكم (التعادل ) وتعاد دراهم المراهنة الى اصحابها .اما نتيجة الفوز فتتوقف على انهزام احد الديكين وخروجه من البوجة فيعلن الفوز عندئذ للديك الذي ظل في البوجة. وكان لهواة مكاسرة الديكة مقاه خاصة انتشرت في الاعظمية وفي محلة الفضل وباب الشيخ بالرصافة وسوق الجديد بالكرخ وغيرها حيث يختلف الهواة على مقهى التبانة في الفضل وكَهوة الجول في محلة باب الشيخ وكَهوة النتكة في محلة الصدرية . وكانت هذه الهواية معروفة في بغداد منذ القرن الخامس الهجري وقد توارثها البغداديون جيلا عن جيل (1).
وما أن أنهى الحاج حكايته حتى شعر أنه بحاجة للإسترخاء وفجأة غط في نوم عميق ..وبعد وقت قصير استيقظ ليجد نفسه وقد تحول الى ديك كبير..سبحان الله..ماهذا انه في قفص كبير وسط ديكة ودجاجات سوداوات اللون..صاح بهن ..ما بالكن تتشحن بالسواد وبعولتكن مطأطئوا الرؤوس..تقدم منه ديك كبير الحجم يبدو يائسا ثم نبس..لقد امتلأت المزرعة بالديكة الهراتية القادمة من ( هرات ) فلم يبقوا على حالنا حال ..فلا طعام ولا شراب ، وأكثر من ذلك أذلونا أمام دجاجاتنا لأننا لا نستطيع قتالهم...( صرخ مظلوم)..ويحكم كل هذه الديكة الطويلة العريضة ولاتستطيعون الدفاع عن عرضكم ومالكم ..أي نوع من الديكة أنتم؟. في هذه الأثناء تقدمت منه دجاجة سوداء وقالت له..لقد عاث الهراتية في مزرعتنا فسادا وشتتوا شملنا منذ عقد ونيف من السنين.. ( هنااقتربت منه دجاجة صغيرة والدموع تترقرق في مآقيها وقالت بصوت متلعثم ).. أيها الضيف ..لقد خطفوا ديكي شريك عمري وكل يوم تأتي مجموعة لتخطف وتقتل بل وتسرق مايحلو لها وفي كثير من الأحيان يقتلون فراخنا وأزواجنا أمام أعيننا ولا ديك واحد (أخو خيته يفك حلكَه)..احتج مظلوم ورفرف بجناحيه وهو يهتف ....(ياكَاع انشكَي وبلعيني) ..يجب ان تضعوا حدا لهذا الظلم الذي خيم عليكم من سنين طوال ..ياديكة القرية اتحدوا ضد الهراتية.. الى متى تبقون على هذه الحال من الفرقة والضعف والتفكك.. اما يكفي انهم جعلوكم تتقاتلون فيما بينكم ، اما يكفي أنهم أضاعوا تأريخ سلالتكم وهيبة قريتكم الكبيرة ، ألم ..( فجأة شعر بزوجته وهي توقظه من نوم عميق وهي تربت على كتفه وتصرخ بصوت عال) يبو ..يبو...اكعد يمعود مظلوم ...الحكَ ابومحروم.. انت حلمان وصاير ديج بالفراش وابنك محروم خابر يكَول انخطفت من ناس يخوفون عبالك ( ديوجة هراتية) ويريدون مني عشر دفاتر لو يكتلوني!!!!!!!.
1- عزيز الحجية، مهارشة الديكة ،بغداديات عزيز الحجية،1/2/2009