سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

صلاح المختار - الاصولية البعثية ماذا تعني ؟ 2

                               
ليس ثمة شك في ان قدرة البعث على تحقيق الهدف الجوهري وهو القضاء على التشرذم بكافة اشكاله ولاي سبب نشأ تعتمد على ما يتميز به فكريا وتنظيميا من جهة ، وعلى امتلاكه شعبية منظمة استقطبت شرائح اجتماعية مؤثرة تمثل الكتلة الرئيسة في الامة من جهة ثانية ، فمن دون وجود هوية توحيدية لا يمكن مقاومة التشرذم بنجاح لانها البوصلة الهادية ، ومن دون تنظيم جماهيري منتشر في الاوساط الشعبية لايمكن تحويل النظريات الى تطبيق ميداني ملموس .  لهذا علينا ان ندقق هوية البعث التكوينية ، والتي تشكل جوهر الاصالة البعثية ومصدرها ، لنرى كم هي توحيدية وتنقض كافة النوازع التفتيتية :
1-الميزة الاساسية للبعث هي انه حزب قومي عربي في المقام الاول فهو يؤمن ايمانا راسخا بان  العرب امة واحدة وهدفه الرئيس والاهم هو تحقيق الوحدة العربية بكافة مستوياتها النظرية والعملية بكافة الطرق فالوحدة من منظور البعث هي الضمانة الاساسية لنهضة العرب وتقدمهم وحصانتهم بوجه كافة التحديات ، وهي لذلك اول واهم عوامل نقض التشرذم العربي المبرمج .
والقومية في البعث ليست مفهوما عنصريا او عرقيا بل مفهوما حضاريا ثقافيا يتحدد فيه العربي بمن يتحدث العربية ويخلص للعرب وهو التعريف المحمدي المعروف ، ولهذا فان عوامل التنافر العنصري التي تشكل احد مصادر التشرذم تزول في ظل البعث . قوميتنا العربية تمنع بحكم طبيعتها الانسانية كل اشكال التشرذم مثل الطائفية او العرقية او المناطقية وتعبر فوق ، وتتعالى على، كافة هذه الفروع المكونة للشعب ، فتعيده الى طبيعته الوجودية الانسانية كوجود منسجم تربطه صلات مشتركة ومتفوقة على ماعداها ضامنة للانسان مكوناته الفرعية دون السماح لها بالطغيان على الهوية الوطنية والقومية .
2- (الاشتراكية دين الحياة وظفر الحياة على الموت )  كما وصفها بعبقرية فذة القائد المؤسس ميشيل عفلق محددا بدقة متناهية الهوية الدنيوية للبعث ، فهي دين الحياة بمعنى انها رسالة دنيوية وليست دعوة دينية رغم ان جوهرها الحضاري والثقافي هو الاسلام ، ودين الحياة يقصد به اسلوب العيش فالاشتراكية هي الضمانة لجعل الحياة تزدهر في ظل العدالة الاجتماعية ، وبدون العدالة الاجتماعية تتحول الحياة الى بؤس ومظالم نتيجة الاستغلال والتمييز الطبقيين ، ولهذا فالاشتراكية بازالتها للفقر والتمييز الطبقي تحرر الانسان من الحاجة التي تجبره على ممارسة كافة اشكال الانتهازية والكذب والفساد والافساد ، وتبني مجتمعا دنيويا عادلا .
الاشتراكية القومية توفر للانسان حاجاته المادية وبيئة اجتماعية وثقافية يحقق بها تطلعاته الروحية فلا يبقى للموت الا العظام النخرة واللحم الجاف كما قال القائد المؤسس . فالاشتراكية بهذا المعنى مكون اساس لاصالة البعث وهويته وهو مكون توحيدي لانه يزيل اغلب اسباب التشرذم من المجتمع.
3- ولتحقيق الوحدة يجب ان يصبح الحزب انموذجا لها بتنظيمه القومي وعلاقاته الرفاقية فمن غير الممكن اقامة الوحدة العربية بدون الطليعة الثورية التي تفهمها وتناضل من اجلها ، وهذه الطليعة ليست تجمعا يضم كتلا مختلفة ، كالاتحاد الاشتراكي الذي اسسه المرحوم ناصر ليكون منافسا للبعث فاندثر ، بل هي طليعة ترعرت ونشأت في بيئة قومية عربية ثورية مركزية – اي الحزب - وبناء على برنامج قومي نضالي واضح تنفذه قيادة قومية منتخبة تعمل بروح الفريق المنسجم والقيادة الجماعية ، معتمدة على النهج القومي في عملها العقائدي والتنظمي اخذة بنظر الاعتبار البيئة المميزة  لكل قطر عربي  .
تميز البعث بتلك السمة الاساسية مبكرا ولهذا فان التنظيم القومي ليس ظاهرة شكلية وفرعية فيه بل هو ظاهرة عضوية كعضوية اي فرع في جسد الانسان وتكمن رمزيتها في انها تجسد الوحدة العربية بصورة مصغرة ، وبهذا المعنى فان عضوية التنظيم القومي احد اهم مداميك قيام بناء الحزب وبدونه تنتفي الصفة البعثية عن اي تنظيم مهما اقترب من عقيدته نظريا ويصبح محض تنظيم قطري ، وكما اشرنا التجربة الناصرية حاولت تقليد البعث بأقامة تنظيمات ناصرية في اقطار عربية لكنها فشلت لان تنظيمها كان يفتقر لسمة العضوية وقام على تجميع المتناقضات وهو ما جعلها تعتمد على شخص ناصر وعندما مات ماتت معه بينما بقي البعث رغم موت مؤسسيه وقادته الاصليين .
وتطورات العالم في القرن الجديد عززت النزوع نحو التفتيت والعودة للاصول التكوينية حتى داخل الانسان الواحد الذي يتعرض للتمزق الداخلي وفقدان اي بوصلة رئيسة ما عد الذات الانانية فزاد العالم تعقيدا وخطورة بطريقة ومستوى غير مسبوقين في التاريخ ، وهو ما عظم اهمية التنظيم القومي وعززها فلا يصمد امام عواصف الشرذمة هذه للفرد والمجتمع الا القوي والكتل الكبيرة التي توفر احد اهم عوامل البقاء وكسر موجات العواصف . ولهذا فان الاصالة البعثية وفاعليتها الثورية تستمد حيويتها وديمومتها من عضوية التنظيم القومي وتعزيزها وتعميق صلاته.

ابو زهير, [17.06.17 15:13]
4- الحرية في عقيدة البعث بكافة تعبيراتها خصوصا الديمقراطية احد اهم شروط تفتج الطاقات الانسانية الخلاقة لان القمع والاستبداد يقتلان القدرات الابداعية . وبما ان التشرذم يجد مناخه الامثل في القمع والاستبداد والفساد والاستغلال فان توفير الحرية للانسان واقترانها بالاشتراكية والمنعة عبر التوحد يزيل اغلب عوامل التشرذم . وما جرى ويجري من حروب وازمات وافقار وظيفته قتل منابع الحرية من خلال اصطناع تحديات تفرض الطوارى وربما الاستبداد لتحرم الطليعة الثورية من فرص اقامة الديمقراطية والعمل على ازدهار الحريات .
5- المواطنة هي المعيار الاساس في التعامل مع ابناء الشعب وليس الدين والطائفة والاثنية والمناطقية او القبلية ، دولة البعث دولة مدنية وليست دولة دينية ورجال الدين مجالهم الدعوة والتربية الدينية وليس حكم الدولة وان كان من حق رجل الدين بصفته مواطنا مثل غيره المشاركة في العمل السياسي وفي مسؤوليات الحكومة ولكن ليس بصفته رجل دين او ممثل لدين او طائفة. ومدنية دولة البعث هي التي ضمنت اثناء الحكم الوطني زوال مشاعر التمييز الديني والطائفي والعرقي وغيرها فمنعت ظهور عوامل التشرذم .
6-  البعث حزب ايماني وضد الالحاد ولهذا قال القائد المؤسس ميشيل عفلق ( العروبة جسد روحه الاسلام ) وواضح وبلا اي لبس في هذه المعادلة العبقرية ان العروبة بدون الاسلام وهو روحها لاقيمة لها وبالمقابل فان الاسلام اذا فقد جسده اي العروبة  صار نظرية معلقة في السماء ليس هناك من يوصلها للارض وان حاول غير العرب ايصالها نواجه امثال خميني الفارسي والمودودي الهندي وغيرهما وتلاميذهما العرب من الشعوبيين الذين نظروا للتطرف الاسلاموي بكافة اشكاله وكانوا وراء موجات التشرذم المصطنع .
7-النظام في ظل البعث ديمقراطي شعبي تعددي دستوري يضمن توازن الحكم والسلطات .
هنا نجد انفسنا امام المكونات الاساسية الواضحة للاصولية البعثية والتي تشكل بعناصرها المندمجة بنيويا الرد الحاسم والفعال على الظاهرة التشرذمية التي ولدت اصوليات تعمل كلها ضد الهوية القومية والوطنية وتمزق الشعب وتبدد قواه الاجتماعية ـ ويشكل التمسك بتلك الاصولية قارب النجاة الوحيد للامة العربية من كوارثها وازماتها الحالية وردا طبيعيا على المخطط الصهيوغربي فارسي لتقسيم وتقاسم الاقطار العربية على اسس طائفية وعرقية ومناطقية وقبلية وغيرها .
بالاصولية البعثية لا نضمن فقط فولاذية بنية الحزب بل ايضا نقدم للامة العربية بكل قطر فيها اداة ثورية لاتقهر تحفظ هويتها القومية بكافة مكوناتها ونضمن الوحدة الوطنية في كل قطر ونعززها ونوفر جهازا ثوريا مقاتلا عسكريا مثلما هو بنّاء ومبدع في الثقافة والفن والعلوم والتكنولوجيا ، وهذه السمات هي ما تحتاجه الامة العربية لمواجهة التحديات المميتة والتغلب عليها . ولدينا الدليل الواضح وهو تجربة البعث في العراق والتي قدمت انموذجا لنظام وطني عراقي وقومي عربي واشتراكي تقدمي اعتمد الشريعة الاسلامية كمصدر رئيس للتشريع في ان واحد وبانسجام طبيعي لم يهدده الا الغزو الخارجي ، وكانت قاعدة قوة  النظام الوطني هي اجتثاث عوامل التشرذم بالمنجزات المادية والروحية التي ازالت مصادر التشرذم وهي الفقر والامية  والتمييز  فكان طبيعيا ان تتجمع ضده كل قوى الشر .
البعث بتميزه عن غيره من التنظيمات القومية والوطنية بانه منتشر في اغلب الاقطار العربية ويلعب دورا مهما واحيانا اساسيا في تطور الاحداث فهو الاقدر من غيره على توحيد التيارات المناهضة للشرذمة خصوصا بوجود الانضباط العالي للتنظيم البعثي وهو ما يمكنه من تجاوز المحن وعمليات الاجتثاث ويواصل  النضال من اجل توحيد الامة وحماية وحدة القطر الوطنية . ولعل ادوار البعث التاريخية خير دليل حيث انه بادر بمقاومة صهينة فلسطين عند بدأها بانخراط البعثيين في مقاتلة المهاجرين اليهود ووحد العرب في عام 1956 عندما وقع الاعتداء الثلاثي على مصر فخرجت الملايين تدعم مصر وناصر وهو من رفع هتاف (من المحيط الهادر الى الخليج الثائر لبيك عبدالناصر) ، وتطوع رفاق بعثيين في الثورة الجزائرية ، وكان احد الطرفين الرئيسيين في تحقيق وحدة مصر وسوريا عام 1958 وكان البعثيون في فلسطين من بين مؤسسي فتح والمقاومة الفلسطينية .
 والبعثيون ثوار تموز هم الذين اقاموا النظام العربي الوحيد الذي نجح في انهاء الفقر والامية واعاد بناء الانسان في ظل رفاهية انتاجية وليس استهلاكية وانشأ جيش العلماء والمهندسين واقام اقوى الجيوش العربية عدة وخبرة واسس الصناعات الثقيلة واحيا الزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء ، وانتقل للاختراعات العلمية والتطوير التكنولوجي وحقق انجازات ارعبت اعداء الامة العربية ومن بينها اختراع طريقة ثالثة لتخصيب اليورانيوم وصنع قمرا صناعيا ودبابة بابل ومدفعية ثقيلة وبنى مشروعا نوويا دمر وهو في طور النشوء . بأختصار حول البعث العراق الى انموذج يفتخر به كل عربي يزوره وكل انسان يراه ، وهذه الانجازات هي السبب الحقيقي لغزوه وتدمير

ابو زهير, [17.06.17 15:13]
ه والذي كان الحل الوحيد للقضاء على قدرة نظام عربي على احباط مؤامرات متواصلة لقوى عظمى وكبرى ووسطى لعدة عقود ومنعه العوامل الرئيسة لشرذمة العراقيين والعرب ببدائله الاصيلة ، بينما نجحت الصهيونية الامريكية في تصفية نظام ناصر من داخل مصر لانه كان بلا حزب قومي توحيدي رغم وطنيته وقوميته وصدقه  .
واذا نظرنا للواقع الميداني الان سنرى المقاومة العراقية للغزو الامريكي والايراني وهي احدى اهم انجازات البعث من حيث الاعداد المسبق والتنفيذ ، ونرى انبعاث البعث مجددا رغم كل الضربات المدمرة التي وجهتها له الصهيونية الامريكية واسرائيل الشرقية ووصلت حد استشهاد اكثر من 170 الف بعثي ، وهو رقم مذهل يزيد على عدد الاعضاء الاحياء لمجموع الاحزاب العراقية واكثر من اعضاء اي حزب عربي ، فشهداء البعث وحدهم حزب جماهيري لا نظير له وهو حزب يمنح البعث ، المتسم بالانبعاث والتجدد الدوريين ، قدرات هائلة على الصمود ومواصلة المقاومة بكافة اشكالها حتى تحقيق التحرير الكامل للعراق من كافة غزاته .
الان كل القوى العراقية واغلب القوى العربية والاقليمية والدولية تحاور البعث او تحاول ذلك بعد 14 عاما من الغزو والعزل والاجتثاث وما تعرض له من كوارث لم يتعرض لها حزب اخر ، فما السر في تجدد البعث وانبعاثه كلما اغتيل ؟ ولم غيرت اغلب القوى مواقفها منه ؟ السر هو العقيدة القومية الاشتراكية مقرونة بالتنظيم القومي العضوي واللذان يشكلان مصدر ديمومة البعث وخلوده .
Almukhtar44@gmail.com
 17-6-2017

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018