كاظم عبد الحسين عباس
نعي وندرك ان الأمم الحية عرضة للكوارث الطبيعية والمصنوعة وللعدوان الخارجي والغزو والاحتلال والاختراق كما نعي ان من المحتمل أن تصاب الأمة بأمراض ومنها أن يخون بعض أبناءها أو أن يقع بعضهم في شراك مصنوعة له باتقان فيتورط ومن ثم تأخذه العزة بالأثم أو أن يعادي بعضها بعضا اخر من ابناءها فيقدر عليه أو يستعين على شقيقة بابن عمه أو بأجنبي . ونعي وندرك ان الأمم فيها رؤى سياسية واقتصادية وعلاقات
متنوعة ومتباينه وفيها اعتناق متنوع لأديان وأحزاب وحركات وتيارات وغيرها . وادراكنا هذا يقودنا الى صياغة مواقفنا تحت ارهاصات وظروف مختلفة ولنا أن نزعم اننا نضع سقف اللحمة والقواسم القومية المشتركة في الدم ومعتقدات السماء والجغرافية والتاريخ فوق كل التفاصيل والجزئيات التي أشرنا اليها بتكثيف هنا.
ونقولها بوضوح ..اننا نرى ان الوقوف على أطلال الأمس وجراحها ومسبباتها وعوامل وقوعها لا يفضي الى شئ ولا ينجز للامة خطوات مهمة للامام أو للخروج من محنها وانتكاساتها وما تمر به من أخطاء أو ما يفرض عليها من مواقف مؤلمة ومريرة. بل اننا نرى ان عبور الجراح وتجاوز محطات الأخفاق وصدمات التامر الداخلي والخارجي هي الأجدى والأنفع دون أن نغلق صفحات العبرة والأعتبار والنقد والمراجعة في وقتها ومكانها وحيثما أقتضت وسنحت الحالة المقترنة بالفرصة . ان عبور النكسات والنكبات يتطلب الحكمة والصبر والخبرة والأرادة وحضور روح التسامح وكبح ارهاصات الثأر والضغينة . وتاريخنا العربي الأسلامي خاصة والايماني عامة يعج بالتجارب والمواقف الجمعية والفردية التي تعاوننا في تكريس هذا المنحى وهذا الاتجاه والتوجه والمنهج .
ان تحديد أولويات الأمة لا يكفي أن ينطلق من معاقله الثائرة المؤمنة الطاهرة النقية فقط بل يتوجب أن يتم العمل على ايجاد الأرضيات للاقناع والقبول بهذه الاولويات والأرجحيات ومن ذلك : نعادي من ونصاحب من .. نقاتل من ونهادن من …وواجبات توطين أرجحيات الأمة وأولوياتها تقع على عاتق القوى الخيرة القومية والوطنية والايمانية الوسطية البعيدة عن التطرف والغلو الذي عادة ما ينتج عن أو يغذى من خارج روح وجسد الأمة . ان القوى الخيرة في الأمة تتحمل واجبات نشر قيم الشراكة واللقاء وتقليص مساحات التناقض والابتعاد وسوء التقدير ونقص الفهم .
لقد تبنى حزبنا العظيم حزب البعث العربي الأشتراكي هدف وحدة الأمة عقائديا وفكريا وفي ميادين التحقيق أينما وكيفما لاحت الفرصة. وأجتهد البعث ومفكريه ومناضليه ليس في تحقيق عينات مختلفة من الوحدات الجزئية بين قطرين عربيين أو أكثر فحسب بل وأجتهدوا في بناء صيغ ومنظومات وحدوية مختلفة ومتنوعة لكي لا تتخشب الأمة عند صيغة الوحدة الاندماجية التي قد تتضاءل فرصها لأسباب ذاتية وموضوعية وبذلك قدمت نظرية العمل البعثية التي تصدى لها البعث في العراق عموما والقائد الشهيد الرئيس صدام حسين بشكل خاص صيغ نظرية وعملية تتنوع بين الفيدرالية والكونفدرالية والوحدات عبر تجمعات تضم ما يتيسر ضمه من أقطار تحت خيمة الأمة الواسعة . وبارك الحزب وعاون في وحدة شطري اليمن وفي التجمع الخليجي وثبت في موقفه من وحدة الارض العربية في وقائع معروفة في المغرب العربي . والحزب على علم ودراية كاملة بتنوع ونوع الانظمة العربية ومشاكلها الداخلية والموضوعية و يعرف نمط السياسات التي تنتهجها مختلف الانظمة الا انه لم يضع خطا أحمر لصلة دولة البعث بها ولا في علاقة الحزب معها الا في الحالات التي كانت تستدعي الضرب على الانوف في ما يستوجب التحذير والايقاظ والتنبه الى ما هو ضار في الأمة ومخرب لمشتركات حياتها عندما كان البعث يقود السلطة في العراق.
الان وقد فقدت الأمة تلك التجربة القومية الرائدة في العراق وبعد أن فقدت العروبة فقدا كاملا العراق في عوامل قوتها وعوامل وموجبات صراعها مع أعدائها التقليديين والمستجدين لا بل صارت سلطة الاحتلال وقدراتها ضد الأمة مع ايران التي تحتل العراق فان السياسة الحكيمة والنظرة الشمولية والابعاد القومية الثابتة في منهج البعث ولم يبق الا البعث في العراق تحت مطارق لم يسلط مثلها على حزب في الكون كله فان واقع النضال والصراع القومي يتطلب:
اولا : حماية البعث في العراق من الهلاك الذي صمم له بالغزو والاحتلال ومنتجاتهما من أجتثاث وحظر وتصفيات جسدية وتهجير وأقصاء وقطع أرزاق واعتقالات وغيرها . ان بقاء البعث في العراق قد صار ضرورة حياتية يدركها كل عربي مسؤول أو من سواد الشعب وهي ضرورة للعرب وللانظمة الان ومستقبلا .
ثانيا : صياغة سياسة تتسم بالحكمة وسعة الصدر والصبر مع الأنظمة العربية لتنويرها وتشجيعها وخلق فرص متجددة أمامها للخروج من شرنقة ما قد حصل وادمى العراق ووجه لها سهام وحراب وخناجر فارس والصهيونية والجشع الامبريالي كنتيجة لما حل بالعراق.
ثالثا: تشجيع الانظمة العربية على استيعاب المتغيرات المهلكة للأمة وهذا يقترن طبعا بما تفرزه السياسة العدوانية الايرانية والصهيونية على حد سواء من أطماع توسع واحتلال ونفوذ طفيلي على خيراتنا وثرواتنا يبرهن للعرب يوميا صحة ما قلناه دوما .
رابعا: الثبات على موقف الحزب القومي في رفض احتلال أو تهديد أي قطر عربي ليس انطلاقا من مشاعر وأحاسيس مجردة بل من ثوابت وحدة الارض والانسان وواجب الدفاع عنهما بغض النظر عن الموقف والتقييم العام لهذا النظام أو ذاك.
وتأسيسا على ما ذهبنا اليه من متاح من التوضيح وبيان المواقف النظرية والعملية فاننا ندعو الى حماية وحدة الارض العربية والوقوف بوجه التشطير والتفتيت والى تنوير الانظمة وتحذيرها للحفاظ على الحد الادنى من المشتركات وعدم الانجرار الى التقاطعات والخلافات والاحتراب الاعلامي والسياسي والعسكري وعدم الانخراط في علاقات ثنائية مع بعض أو مع أجنبي تؤدي الى شللية في الواقع المتدهور أصلا .
اننا ندرك حجم النفوذ الفارسي المؤذي لامتنا وهو نفوذ أخطر وأخبث من الصهيونية لاسباب معروفة وتحدثنا عنها كثيرا وندرك بالتالي خطورة أن ينساق نظام عربي وراء تبعية أيا كانت مسوغاتها للنظام الايراني المجرم بحق أمتنا . ومن هنا فاننا ندعو الى ردم أية هوة و محاصرة أي خلاف ووقف ولملمة أي جرح حصل أو يحصل لانه ان لم يتم ذلك فان الذي يجري الان هو نجاح فارسي في الاختراق والتفريق عواقبه وخيمة لطالما حذرنا منها .
ونرى أيضا أن تجد الانظمة العربية طريقها للانتهاء من تحديد نوافذ ايران وأدواتها التي تهدد بها الامة عموما والمشرق العربي ومنه الخليج خصوصا ووضع حلول ومعالجات سريعة وحاسمة لها . ان انهاء الطائفية وأذرعها بكل السبل المتاحة أمر حاسم في هذه الحقبة لانها هي الاخطر في قدرات العداء الفارسي للعرب وبلدانهم وفي أكلهم لأكبادهم وأكباد بعضهم البعض .
وأخيرا نؤكد على ان حزب البعث العربي الأشتراكي هو ضرورة تاريخية حاسمة للحفاظ على توازنات ومشتركات الامة من جهة وفي نهجه الذي يسعى به بالمقاومة وبالسياسة لاعادة العراق حرا مستقلا سيدا الى أذرع موازنات وتوازنات الصراع وفي سعيه الحثيث لبناء قوة أئتلافية شعبية عربية عبر جبهة قومية عريضة تفعل فعلها في التأثير على الانظمة العربية تنويرا وتقويما وضغطا ايجابيا لصالح قضايا الامة .