يمر بسوريا ايضا ، وهذا الترويج خدع البعض نتيجة عدم معرفة حقيقة انتاج الغاز وصلته بالنفط من جهة وكميات الغاز العالمية ومن يملكها من جهة ثانية وتكلفة مد انانبيب الغام من جهة ثالثة . لذلك لابد من اسقاط كل معلومة ملفقة لمنع تضليل الناس . واول القول واهمه ان الغاز ليس سبب الصراعات الحالية للاسباب التالية :
1-اذا قبلنا نظرية ان الغاز هو سبب الصراعات فان ذلك يكلفنا كثيرا جدا وهو اسقاط لكل ثقافتنا وتثقيفنا الوطني والقومي الصحيحين منذ قيام الكيان الصهيوني ويفقدنا حقوقنا الثابتة خصوصا في فلسطين وحتى الان فقد عرفنا وعرف العالم كله وبصورة رسمية بوجود مقررات للمؤتمر الصهيوني الاول في عام 1897 والذي عقد في سويسرا وقرر اعتبار فلسطين وطنا لليهود وبدأت بعده الخطوات التنفيذية وابرزها غزو بريطانيا لفلسطين لاجل تسليمها لليهود وصدر وعد بلفور وتبنت اوروبا تقرير او خطة بنرمان القائمة على منع العرب من تحقيق اي شكل من اشكال الوحدة بينهم ومن تحقيق تقدم علمي وتكنولوجي وفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه بأقامة كيان يهودي عازل بينهما ، ودعمت بريطانيا الهجرة اليهودية وقيام الكيان بقرار من الامم المتحدة وتوسعه عبر الحروب وصولا لما نحن فيه الان خصوصا كوارث ما يسمى بالربيع العربي فكل هذه التطورات جذرها المخطط الصهيوني الغربي .
اذا قبلنا الان نظرية ان الصراع الحالي سببه الغاز وليس المخطط المعروف فاننا نقوم عمليا بانكار وجود مخطط قديم جدا حدد ورسم مايجري الان . وهنا لابد من التساؤل : من له مصلحة جوهرية في هذا الانكار الواضح مهما نفينا ؟ الرئيس هو الصهيونية والغرب الاستعماري حيث نبرأهما من جرائم ما يجري منذ اكثر من قرن مع ان الدور الصهيوغربي ثابت ومعترف به ، بل ان قادة صهاينة يتفاخرون الان بالقول ب(انهم يقتلون العرب باياد عربية) . ما يجري الان هو حلقات مترابطة تكمل الثانية الاولى وليس احداثا متفرقة عشوائية . ولهذا علينا ان نختار بين نظرية حرب الغاز وبين واقع الغزو الصهيوني الغربي لفلسطين واقطارنا وثرواتنا وتدمير اقطارنا وتهجير ملايين العرب .
2-نعم تصاعدت قيمة الغاز واخذت قيمة النفط تتراجع ولكن هل فعلا اصبح النفط اقل اهمية من الغاز ؟ الجواب هو كلا فعصرنا مازال عصر النفط ويحتاج الغاز لفترات طويلة كي يصبح استهلاكه مواز لاستهلاك النفط لاسباب عملية صرفة فحتى لو افترضنا ان النفط يتراجع فان تحوله الى سلعة بائرة يحتاج على الاقل لنصف قرن وهي فترة تأكل المصانع والالات التي تعتمد على النفط ناهيك عن المصالح الكبرى للشركات النفطية العملاقة التي لن تستسلم بسهولة ولعل انسحاب امريكا من اتفاقية كيوتو حول المناخ خير دليل على قوة الاستمرارية .
3- والنفط ليس طاقة تشغيل فقط كي تتراجع قيمته بل هو مادة اساسية في الصناعة البتروكيمياوية الضخمة والتي تعوض عن تراجع دور النفط كطاقة ، فيبقى سلعة ستراتيجية مهما تراجعت قيمته كطاقة .
4-تعاظم اهمية الغاز بصفته طاقة نظيفة سوف يجبر اطرافا كثيرة متنجة للنفظ او مستهلكة له كي تبحث عن تكنولوجيا جديدة تقلل تلويث النفط الى اقصى درجة ممكنة وهذا امر ممكن طبعا ، فكما ان الفحم مازال مستعملا حتى في امريكا رغم صعود النفط والغاز والطاقة الشمسية فان النفط لن ينتهي كطاقة مهما تراجعت قيمته هذه ، والسبب هو ان منتجي الغاز عددهم محدود ، كما سترون ، ومن ثم فان احتكار الغاز والتحكم في سوقه بصورة تلحق الضرر بالاطراف الاخرى سوف يخلق صراعات اكثر خطورة مما جرى ويجري مادامت كل دولة تريد الاحتفاظ بمواردها وتعظيمها وليس فقدانها وتراجعها .
5- وماذا عن الترويج لاكتشاف (اكبر حقول الغاز في العالم ) في البحر الابيض المتوسط بين سوريا ولبنان واسرائيل الغربية وقبرص ؟ ان صحت هذه المعلومات فسوف تجبر روسيا وامريكا ومن معهما على اعادة النظر في خطي الغاز الاصليين المفترضين كسبب للصراعات الحالية ، فكيف سيحصل ذلك ؟
6-هناك معلومات غربية عن وجود مكامن عملاقة للغاز في المنطقة الغربية من العراق ويفسر الصراع الامريكي الايراني على المنطقة – في احد اسبابه الجوهرية - من خلال هذه المعلومة فكم هذا مهم بالنسبة لنظرية الغاز هو سبب الصراعات ؟
7- يمكن نقل الغاز بالسفن بحرا – كما تفعل قطر - حتى لو كانت كلفته اعلى لأي جهة بالعالم وهو في هذه الحالة افضل من خوض صراعات وحروب حول انابيب غاز تمد عبر دول ، فالحروب سوف ترفع كلفة الغاز بصورة تجعل العودة للفحم ضرورية وليس لمواصلة استهلاك النفط فقط . وفي هذا السياق هناك طريق اخر لانابيب الغاز وهو الاردن ثم اسرائيل مادامت كافة اطراف الصراع لها صلات قوية باسرائيل الغربية . فنظرية الغاز سبب الحرب خاطئة لان الذي ينقل غاز بناقلات بحرية لا يفرق عنده كثيرا ان ينقل من سواحل متقاربة نسبيا .
8- يؤكد ما ذهبنا اليه خبير الطاقة العالمي الاستاذ عصام الجلبي وزير النفط العراقي في العهد الوطني بقوله (سيبقى النفط يمثل العنصر الأساسي في سلة الطاقة والعهود قادمة مع التاييد بان دور الغاز بازدياد الا ان مشاكل نقله والعوامل الجيوسياسية لخطوط الأنابيب او تكاليف التسييل والنقل ستبقي استغلال الغاز اكثر ضمن حدود الدولة المنتجة). ويدعم ما سبق من زاوية التكلفة والطاقة الانتاجية الخبير العراقي في شؤون الطاقة الاستاذ سعد الله الفتحي مختصرا المسألة بعنوان هو ان الخط القطري عبارة عن اضغاث: (الوضع الحالي في الخليج يثبت بان خط الغاز القطري الى اوربا عبر سوريا يوجد فقط في ذهن الذين يبحثون عن توضيح سهل للمأساة السورية )ويتابع الفتحي (..... الخبير القطري المستقل ناصر التميمي يؤكد ان البنية التحتية الموجودة في قطر ليس لديها غاز كاف لبيعه لاوربا من خلال خط انابيب على اعتبار ان اغلب العقود حاليا مع اسيا بينما الطلب داخل قطر في زيادة ، ونفس المنطق حول خط الغاز القطري ينطبق على الخط الايراني لنفس السوق ) وطبعا يركز على ان تكلفة الخطين القطري والايراني غير اقتصاديتين حتى لو تقررا .
Giant pipelines can be such pipedreams By Saadallah Al Fathi, Gulf News June 11, 2017
9-لو اخذنا الارقام الخاصة بانتاج الغاز العالمي لوجدنا ما ينسف تلك النظرية حيث تشير الى ان احتكار خطوط الغاز صعب جدا مادامت هناك عدة بلدان تملك غازا بكميات مهمة ، فاذا وضعنا امريكا وروسيا وهما اكبر منتجين للغاز كما يوضح الدول الاتي فاننا امام بلدان متقاربة في كميات غازها ولا تستطيع ايا منها تحقيق احتكار عالمي كامل ، وكالتالي : إنتاج الغاز الطبيعي بمليار (م³) : روسيا 654 الولايات المتحدة 545 الاتحاد الأوروبي 197 كندا 187 إيران 111 قطر133النرويج 114 الجزائر85 هولندا 76 السعودية 75 الهند 72 الصين 69 تركمانستان 68أوزبكستان65 ماليزيا 64 إندونيسيا 56 المكسيك 55 الإمارات العربية المتحدة 48 مصر 47 . ما معنى هذه الارقام للانتاج العالمي للغاز ؟
مع الاخذ بنظر الاعتبار متغيرات تحصل في ارقام الانتاج بين فترة واخرى الا ان هذه الارقام تؤكد حقيقة جوهرية وهي ان العالم لن يشهد احتكار خطوط الغاز بسهولة ابدا مادامت دول عديدة تملك غازا بكميات مهمة وليست قليلة وهذا يتطلب اتفاقا عالميا على تصدير الغاز تماما مثلما اجبرت الدول المنتجة للنفط على انشاء اوبيك . والا فالبديل هو الحروب التجارية وربما العسكرية وهو خيار تريد كافة الدول المنتجة للغاز تجنبه لانه يشكل انتحارا حقيقيا لها .
وامريكا تهتم اولا وقبل كل شيء بمنع تغلغل روسيا في اوربا عبر تصدرير الغاز الروسي لها لكنها ايضا تدرك حقيقة ان روسيا يتمركز هدفها الرئيس حول اعتراف امريكي بها كشريك مساو لها– وهنا نرى السبب الرئيس للصراع الامريكي الروسي وليس الغاز - ولهذا نلاحظ ان الرئيس بوتين يكاد لا يلفظ اسم امريكا الا وربطه بمصطلح ( الشريك ) وهو ما ترفضه امريكا التي تريد جعل روسيا تابعا وليس شريكا فالصراع الرئيس بينهما حول الشراكة وليس حول تصدير الغاز حتى لو استخدم الغاز كوسيلة ضغط مؤقتة وليس دائمة .
اذا التقرير الذي يربط الحرب في سوريا والصراع بين روسيا وامريكا بالغاز ليس سوى عمل مخابراتي رخيص حتى لو صيغ بلغة ممتازة ، وهدفه هو منح صفة مقاومة امريكا لمن لا يستحقها عمليا ونظريا وهما بشار وخامنئي ولو دققنا في اصل هذا الترويج سنرى انه صادر عن المخابرات السورية والايرانية . اذا يجب ان لا يغيب عن البال ابدا ان السبب الجوهري والاصلي للحروب التي شنتها امريكا والصهيونية والصراعات الحالية في الاقطار العربية مع اسرائيل الشرقية سببها وجود مخططات قديمة تحدّث كل فترة دون فقدان صلتها العضوية بالاصل وهو ما وضعته الصهيونية من خطط في موتمرها الاول وتنفذها بدعم اوربي اولا ثم امريكي مازال قائما حتى الان .وتلعب الطاقة دورا رئيسا بالاصل في الازمات وليس مؤخرا .
ولعل البحث عن المستفيد من كوارث الاقطار العربية يوصلنا الى الاسرائيليتين الغربية والشرقية اولا ثم امريكا ، فتلك القوى لا تنام وتستيقط لتتذكر مثل معظم قادة العرب نسيان غلق باب الوطن او تركه بدون حارس ، ولا تخرج الى غابة مكتظة ب)الوحوش الكاسرة( وهي ناسية الفأس في مخازنه ، كما يفعل قادة عرب ، بل هي تملك عيونا متوقدة حتى وهي نائمة وتشك حتى بخيالاتها فتضع خططا لمنع تلك الخيالات من التحول الى خطر حقيقي لهذا توسعت في فلسطين اسرائيل الاولى مثلما توسعت اسرائيل الثانية في الاحواز وبقية الاقطار العربية وفوقهما توسع (المهندس الاعظم ) ليصل غرف نوم قادتنا .
Almukhtar44@gmail.com
14-6-2017