سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

صلاح المختار - حروب تدمير رموزنا


 كنت متيقنا منذ احتلت داعش الموصل بان منارتها الحدباء سوف تدمر ، ان عاجلا او اجلا ، انطلاقا من معرفتنا اليقينية بان من وفر البيئة الطبيعية لنشوء داعش والحشد الشعوبي وكل التنظيمات العاملة باسم الله قد خطط مسبقا لتدمير رموزنا الدينية والقومية واعتبر ذلك هدفا جوهريا لابد منه ، وجعل تدمير رموزنا بهذه الاهمية يعود لنفس الموضوع ولكن
معكوسا فالرموز بالنسبة للصهيونية الامريكية وللصفوية الفارسية كيان مقدس ومن نبع قدسيته تفرض ضررورة تجريد الاخر من اهم عوامل متانة نسيجة الحضاري والاجتماعي بتدمير رموزه بالحرب الضارية والتي لم تتوقف ابدا بل تزداد ضراوة كلما زادت كوارثنا ، كما بالشيطنة والتزييف .

 ليس سرا ان الرموز الدينية تلعب دورا خطيرا في خطط الصهيونية عموما والصهيونية الامريكية خصوصا ، ومجرى الصراع معها منذ ما قبل السطو على فلسطيننا قدم لنا ادلة على تلك الحقيقة فالثقافة الصهيونية هي ثقافة الرموز وثقافة المنظمات السرية او شبه السرية كالماسونية هي ثقافة الرموز ، وثقافة الشوفينية الفارسية هي ثقافة الرموز ، يضاف الى ذلك ان ثقافة القوميات العنصرية في اوربا هي ثقاقة الرموز التي تذكّر بالعدو التاريخي دائما والاسبان مثلا يحتفلون سنويا بهزيمة العرب في الاندلس ويحملون اعلام عرب الاندلس في الشوارع ، وبهذا التذكير نرى ان تدمير رموز الاخر او العدو المستهدف جزء مقوم – اي اساسي – من ستراتيجيات الصهيونية بكافة فروعها العلنية والسرية وستراتيجيات الشوفينية الفارسية منذ سقوط امبراطورية كورش .

 اذا دمرت رموز العربي فانك تجرده من خلفيته التاريخة وتحول ماضيه الى ذكريات شفهية سوف تندثر بمرور الوقت وتتحول الى قصص قد تصدق او تكذب بينما رموز الصهيونية والفرس ورغم انها اسطورية وملفقة اسندت على قواعد مادية ملفقة وهو ما نراه واضحا في تلفيق اساطير التوراة حول الاثار اليهودية في فلسطيننا والتي مضى اكثر من نصف قرن والصهاينة ينقبون فيها ولم يتركوا شبرا واحدا الا وحفروه للعثور على ما يدل على صدق الرويات التوراتية ولكن هيهات ان تتحول الاسطورة الملفقة الى حقيقة مادية .

  الفشل الصهيوني والاوربي والايراني في العثور على ادلة تدعم اساطيرهم يزيد من اندفاعاتهم لتدمير رموزنا مادامت الرموز شاهد لا يدحض على صدق رواياتنا القومية والدينية ، بل ان توالي الاكتشافات الاخرى في مجالات اخرى تدعم رموزنا القومية والدينية واخرها ماكشفته الخريطة الجينية من ان العرب غطوا اوربا والقارة الامريكية واسيا بهجراتهم منذ ما قبل العصر الجليدي الاخير ، فزاد في اصرار ثلاثي التلفيق الرمزي العالمي ( الصهيونية والغرب والفرس ) على تدمير  او تشويه رموزنا .

وكلنا نعرف الان ان السعي للعثور على ادلة تاريخية تدعم وجهات نظر ثلاثي التلفيق الرمزي هي التي جعلت الغزو الامريكي للعراق يتميز بارسال خبراء اثار وعلماء تاريخ من المخابرات الامريكية والموساد مع القوات الامريكية الى بغداد لنهب المتحف ثم الاتجاه نحو بابل – التي كتبت فيها التوراة الاصلية - واور – التي ولد فيها ابراهيم الخليل – اضافة لقصص الخلق والطوفان والاساطير المذهلة ، واحتلال المواقع الاثارية لمدة خمس سنوات والقيام بحفريات متواصلة ليل نهار فيها لاجل العثور على ما يدعم تلفيقاتهم الرمزية ولكن عبثا فما عثروا عليه كان تأكيدا لصحة رموزنا الدينية والقومية ولهذا حاولوا التعتيم على ما عرفوه .

  وحينما غزت القوات الامريكية المتحف العراقي في اليوم الاول للاحتلال ، وليس بعد اكماله ولهذا التوقيت اهمية كبيرة ، سرقت الاثار التي حددت مسبقا ثم طلبت القوات الامريكية من الرعاع الذين جلبتهم معها بقيادة احمد الجلبي دخول المتحف ونهب ماتبقى فيه او تحطيمه في عملية تعيد التأكيد الحاسم على ان الحرب الاكثر خطورة هي حرب تدمير الرموز ، ولهذا فان تلفيق القاعدة في العراق ثم تلفيق داعش وانتقالهما الى سوريا اقترن بظاهرة ملفتة للنظر وهي ان هذه التنظيمات والتظيمات التابعة لاسرائيل الشرقية كالحشد الشعوبي كانت تتعمد تدمير الاثار العربية والاسلامية او سرقتها وبيعها وتحطيم نماذج منها . وهذا ما حصل في سوريا والعراق وحيثما حلت داعش والحشد الشعوبي .

  ونكرر : السبب في حرب الرموز هو ان فقدان رموزنا الدينية والقومية السابقة على الاسلام يجردنا من اهم الادلة على صدق رواياتنا لتاريخنا ولماضينا فالاثار والمخطوطات تحسم الجدل وتؤكد او تنفي قصة ما ، وبما ان الهدف السوبرستراتيجي هو تدمير الامة العربية بمحو هويتها القومية فان تدمير الرموز الدينية والقومية هدف رئيس يسبق اكمال محو الهوية وتدمير الامة ، فامة بلا رموز يمكن التشكيك بهويتها ورواياتها التاريخية وبذلك ينهار تاريخنا ويتحول في السرديات الغربية والصهيونية والفارسية الى قصص مختلقة مثل تاريهخم ورموزهم .

  عملية تدمير منارة الحدباء في الموصل خطوة اساسية وحاسمة في حرب الرموز والهويات ، وتوقيت التدمير له دلالة فلم تدمر مع قبر النبي شيت ولا مع تدمير بقية الرموز في الموصل بل اجل الامر لحين وصول داعش الى مرحلة الهزيمة ليكون تدمير المنارة رسالة واضحة للعرب كلهم تقول بان اخر رموزكم الحضارية في في نينوى قد دمر وانتهى كما دمرت او نهبت اثاركم من بابل واور وبغداد وتدمر في سوريا ، او كما خطط لتدمير الاهرامات في مصر ، وبذلك فقدتم مصادر مادية مهمة من تاريخكم .

 هل جوهر الموضوع  هو من دمر المنارة ؟ هل هو داعش ام قوات التحالف اي امريكا او قوات حكومة بغداد ؟ لا يهم من دمرها لان الكل ابناء حضن واحد وهذه الاطراف ان اختلفت او اتفقت فانها تمثل معسكرا متحدا ضدنا عندما يتعلق الامر برموزنا العربية والاسلامية ، وتدمير منارة الحدباء ضربة مخططة مسبقا وجهت لهويتنا القومية والدينية وعمل حربي يدخل في اطار الحرب السرية الاكثر خطورة وهي حرب الرموز .

  نعم سيعاد بناء المنارة الحدباء لكنها لن تكون الاصل وهنا يكمن الجرح الذي لن يندمل بسهولة والخيار الوحيد الباقي لنا هو زيادة اليقين بان معركتنا هي فعلا وواقعا ام معاركنا كلها مادامت تشمل كل مظاهر حياتنا وبقاءنا خصوصا رموزنا الاعتبارية وليس نظمنا السياسية فقط ، اذا لم نواصل النضال بكافة اشكاله وضد كافة اعضاء نادي تلفيق الرموز فلن يكتب لنا البقاء،  فلا مساومات مع من لم يترك شيئا من مصادر هويتنا  القومية الا وناشته مدافعه ونغوله بكافة الوانهم.

          Almukhtar44@gmail.com

                      22-6-2017

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018