سعد بن ابي وقاص سعد بن ابي وقاص

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

د . عبدو شحيتلي - في الذكرى السنوية الثامنة والعشرين على رحيله: ميشيل عفلق سيرة وقدوة فكرية ونضالية

د . عبدو شحيتلي 
كانت الولادة في حي الميدان في دمشق عام 1910 حيث أنهى دراسته الثانوية وتشكل وعيه الوطني والقومي، قبل سفره الى فرنسا لمواصلة الدراسة في آداب السوربون وهو في الثامنة عشرة من عمره، وهناك انخرط في النشاط الطلابي المنظم بطابعيه السياسي والأدبي- الثقافي، واصبح عضواً في جمعية الثقافة العربية والجمعية العربية السورية
.
تعرف في باريس على آراء نيتشه، وماركس، وديستوفسكي، وتولستوي، وبرغسون، واندريه جيد، وغيرهم، فتزاوج في فكره الاتجاه المعاصر الذي تجسده كتابات هؤلاء المفكرين والفلاسفة مع شغفه بالتاريخ، وهو مجال تخصصه فتبلورت عنده رؤية جديدة لتاريخ الأمة العربية وحضارتها، وواقعها، وما يحمله من امكانيات للتحرر والنهضة.
لقاؤه بالطلبة العرب من المشرق والمغرب، ومحاوراته معهم عززت قناعاته بوحدة الأمة العربية، وبضرورة وجود عقيدة واحدة، وعمل سياسي منظم يجسد وحدة الوجدان العربي، ويتفاعل مع مشكلات الواقع السياسي العربي.
تعاهد مع صديقه صلاح الدين البيطار، طالب الفيزياء في السوربون، على تجسيد هذه الأفكار في عمل سياسي وطني منظم، وعادا الى سوريا ليتم تعيينهما في ثانوية التجهيز الأولى التي كانت أكبر مدارس المدينة وأهمها عام 1932. ومنذ تعيينهما شرعا في التبشير بأفكارهما التي شكلت أطروحات الحزب الأولى.
نشر عدداً من القصص القصيرة والقصائد التي تبين ملامح إبداعية عنده في هذا الميدان، ولكنه انصرف عنها الى تكريس حياته للعمل الفكري والسياسي الذي يبشر بالقومية العربية ورسالة الأمة واستعدادها للدخول في مرحلة ثورية تحررية ذات افاق حضارية وإنسانية.
لاقت أفكاره استجابة واسعة من طلاب المدارس والجامعات والنخب الثقافية، الأمر الذي سمح بتأسيس أول جماعة سياسية ذات طابع قومي، يختلف عن سائر التنظيمات القطرية السورية، بإسم الإحياء العربي عام 1941. وقد استفاد هذا التنظيم الناشىء من مناسبة الإنتخابات النيابية العامة سنة 1943 ليعلن عن مبادئه الأساسية حيث أعلن الأستاذ عفلق عن ترشحه لهذه الإنتخابات في بيان حمل لأول مرة شعار الحزب : أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. 
كان لا بد لهذا الإنخراط في العمل الفكري والسياسي والنضال اليومي من التفرغ، لذلك قرر الأستاذان عفلق والبيطار الإستقالة من مهنة التدريس والتفرغ للعمل الحزبي، وفتح اول مكتب للحزب في دمشق عام 1945، وفي هذا التاريخ تم تنظيم أول حفلة قسم حزبي حيث بلغ عدد الحزبيين المئات، وفي تموز من العام 1946 بدأ إصدار جريدة البعث اليومية، وكل ذلك مهد لمؤتمر الحزب الأول في نيسان 1947 حيث أقر دستور الحزب ونظامه الداخلي وانتخب عفلق عميداً له. 
وفي نيسان 1948 قاد عفلق وزميله البيطار المتطوعين البعثيين في حرب فلسطين، وبعد عودته اعتقل وحكم عليه بالسجن لمدة ستة اشهر ليبدأ تاريخاً من النضال ضد الديكتاتورية العسكرية في سوريا حتى اسقاطها عام 1954، وبداية عصر نضالي متميز للحزب في عروبته ومشرعه النهضوي التحرري بمضمونه الإجتماعي، توَّجه الحزب بالوحدة مع سوريا عام 1958. 
في الخمسينات بدأت أفكار الحزب وتنظيماته تنتشر بشكل واسع في الأقطار العربية، ولكن فشل الوحدة وأحداث عهد الإنفصال الممتدة بين العامين 1961 و1963 تركت أثرا سلبياً على الحزب الذي حل تنظيمه في سوريا من اجل الوحدة، وتعرض الأستاذ عفلق ورفاقه للإضطهاد قبل ان يعود الحزب الى الحكم في سوريا عام 1963، ولكن التكتل العسكري الذي نشأ في هذه الفترة ابعد الحزب عن مبدئيته وقيمه العقائدية ليجعل همه الوحيد السلطة ومنافعها، وذلك منع الحزب من تقويم تجربته والاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها، فبات السعي إلى السلطة فوق العقيدة والمبادىء، والنظام الداخلي وأحكامه، وفوق القيادة القومية للحزب ورجالاته التاريخيين. وفي العام 1966 اطاح هذا التكتل العسكري بالعقيدة والمبادىء والحزب وقيادته، فغادر الأستاذ عفلق سوريا الى لبنان لكي تبدأ مرحلة جديدة في النضال عنوانها حماية الحزب من المؤمرات التي تستهدفه من الداخل والخارج. ولم يطل الأمر قبل أن يعود الحزب التاريخي الأصيل الى ساحة الفعل في السياسة العربية والدولية بعد ثورة تموز في العراق عام 1968.
كان الأستاذ عفلق على صلة بالرفاق في العراق ولكن مقره بقي في بيروت، وبعد أن بات واضحاً أن السلطة في العراق تعبر في سياستها وخططها وبرامجها عن توجهات الحزب غادر لبنان نهائياَ ليستقر في العراق حيث مركز الأمانة العامة والقيادة القومية لحزب البعث العربي الإشتراكي. وهو يقول إن قرارت تاريخية ثلاثة اقنعته بان عقيدة الحزب ومبادئه هي ما يوجه السلطة في العراق وهذه القرارات هي تأميم النفط، وإعطاء الحكم الذاتي للأكراد، وعدم التردد والمشاركة السريعة والفعالة في حرب تشرين.
مارس الأستاذ عفلق دوره الريادي في الأمانة العامة والقيادة القومية، ورافق النضال القومي والتحرري العربي من خلال الدعوة الى العمل الجبهوي، وجعل العرق قاعدة وملجأ لكل المناضلين الأحرار وبشكل خاص تنظيمات الثورة الفلسطينية، وتوجيه تنظيمات الحزب في الأقطار الى التلاقي مع القوى التحررية على اختلاف اتجاهاتها في مواجهة العدو الصهيوني وكل اشكال التدخل الإقليمي والدولي التي تستهدف نهضة الأمة العربية وانبعاثها، وكانت محاضراته في مدرسة الإعداد الحزبي ومواقفه في المؤتمرات الحزبية، وخطابه السنوي، وحضوره في المناسبات، وزياراته الميدانية حتى وفاته في حزيران من العام 1989 دليلا وهادياً للعروبة في نقائها وانخراطها في النضال الذي يجسد الإيمان الذي يزداد عمقا بنهوض الأمة كلما ازدادت المؤامرات وبدا الظلام الحالك مسيطراً من كل الجهات. ولعل الفكرة المركزية التي تمحور حولها خطابه الأخير في ذكرى تاسيس الحزب والمتعلقة بديمقراطية العروبة شكلت رؤية مستقبلية يؤكدها كل من يناضل اليوم من اجل نهضة الأمة العربية وتحررها. 
إنه القائد القدوة الذي علم البعثيين والوطنيين بشكل عام أن البعث حزب يحكم ويدير السلطة في القطر الذي يحكمه باتجاه الأهداف الكبرى للأمة، ولكنه ليس حزباً للسلطة، لذلك كانت السلطة تدول اما الحزب فيبقى، ولذلك هو حزب عصي على الإجتثاث.

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

سعد بن ابي وقاص

2018