لفت نظر الامام الشافعي
دائماً اكره الخطأ،لكن لا تكره المخطئ
دائماً اكره الخطأ،لكن لا تكره المخطئ هذه الدراسة كتبت وارسلت لجريدة القدس العربي التي نشرت مقال السيد عبدالحليم قنديل ردا على طروحاته لكن الصحيفة لم تنشر الرد وانتظرت اكثر من ثلاثة اسابيع املا نشره لكنها مع الاسف لم تنشره والرد بالنسبة للصحافة الحرة حق مشروع في الاعلام الذي يؤمن حقا بحرية الرأي ويمارسها فعلا لا قولا او بصورة انتقائية ، لذلك اقتضى نشر هذا التوضيح .
صلاح المختار
كلما كتب السيد عبدالحليم قنديل عن العراق قدم لنا انطباعات ممهورة بأغراء الصواب منسوخة بنزعة النفي ! فكيف يحصل ذلك التناقض البارز ولماذا ؟ يقول في مقالته المنشورة في القدس العربي بتاريخ 5-12-2016 تحت عنوان غريب هو ( نعي العراق ) يختاره من تأسره الانطباعات المنتزعة من اطروحات غيره وليس الحقائق المفحوصة (قبل شهور من غزو أمريكا واحتلالها للعراق، كتبت أن صدام حسين ـ أيا كان الرأي فيه ـ قد يكون آخر رئيس لدولة كان اسمها «العراق»، وقد تحققت النبوءة السوداء، وليتها ما تحققت. ورغم أن صدام كان ديكتاتوريا دمويا بحسب التقاليد العراقية فإن مشهد شنقه بدا كأنه شنق للعراق نفسه، فلم يفزع الرجل لقدر الشنق، ولا لخسة الأمريكيين الذين سلموه لخصومه، وصار استقباله الأسطوري الشجاع لحبل المشنقة حدثا يروى على مر الأجيال، ومات وهو يحتضن مصحفه، ولسانه يهتف لفلسطين والعراق، وكأنه كان يدرك أن العراق يذهب كما ذهبت فلسطين،) . ابرز ملاحظة هي ان الكاتب يجزم مسبقا وقبل اي فحص متأن بزوال العراق بل انه يبشر بذلك !
ويتابع (كانت سيرة الدم تواصل أشواطها إلى النهاية، وكانت «دموية» صدام من العلامات الكبرى لعراقيته الأصيلة، فقد كان العراق دائما حقلا تزهر فيه الدماء) . يضيف الكاتب الى الجزم المسبق تعميم دموية العراقيين وانها طبع اصيل فيهم نافيا لاي مرحلية او حدود او سبب بيئي له زمن لظاهرة ما مع ان كل الظواهر نسبية ومرحلية وليست مطلقة !
بتأثير قوة الصواب يعترف في مقالاته بالانجازات الضخمة للنظام الوطني الذي اسقطه الاحتلال الامريكي والتي نقلت العراق من التخلف والفقر والامية والضعف والتشرذم السياسي الى التماسك الشعبي والتقدم العلمي والتكنولوجي وازالة الفقر والامية كليا وفي جميع العراق فعاد العراق قوة اقليمية مهابة ، وليس ادل على تلك الحقائق من اضطرار امريكا، وهي الدولة التي لا تخوض الحرب الا بعد ان تحدد العدو وترى انه كيان مهم وكبير ولذلك لابد من خوض حرب ضده فجمعت اكثر من اربعين دولة لشن الحرب العالمية الثالثة على العراق والتي بدأت في عام 1991 ومازالت مستمرة حتى الان ، وان تقطعت ، وما عودة امريكا الى العراق الان الا مواصلة للحرب فيما لو عادت بعقلية قطف ثمرات كل ما دمرته اسرائيل الشرقية -ايران - والتي سلمتها العراق في عام2011 كي تكمل ما بدأت به وعجزت عن اكماله وهو المرجح .
كما انه يعترف بمزايا قائد فريد - هو الشهيد صدام - دخل التاريخ من اوسع ابوابه واكثرها فخرا وايجابية خصوصا بختام حياته يوم اعدامه . لكن السيد قنديل يقع في فخ استخدام وسائل نفي تنميطية لكل ما اعترف به على انه ايجابيات العراق ونظامه الوطني ونراه مأسورا بالغام لم يصنعها هو او عربي اخر وانما اخذت من مفاهيم غربية جاهزة ، استشراقية اصلا وترويجات مخابراتية غالبا ، سبق طرحها منذ اكثر من قرن من الزمان وابرز هذه الالغام جعل العراق ، تنميطا وتضليلا ، مركزا للدموية والعراقي ليس الا انسانا يحب الدماء والاستبداد ويمارس تقاليده الدموية كما قال السيد قنديل مباشرة !!
فهل حقا ان العراقي دموي ومستبد بالطبع والاصل وانه يمارس تقاليده الدموية بغض النظر عن البيئة الحاضنة له ؟ هل الدموية سمة عراقية كما يقول ام انها ثمرة بيئة تاريخية مصطنعة او نتاج واقع يفرض العنف والدم على اي انسان وفي اي حضارة ومن اي لون ودين ؟ وهل هذه السمة مقتصرة على العراقيين من دون غيرهم من العرب والاجانب ام انها قابلية جينية تجعل الانسان مستعدا للعنف وسفك الدماء مثلما هو جاهز لحب التعايش والسلام ؟ وهل وصل الشقيق المصري الان الى ما وصل اليه العراقي ؟
لنحدد اولا وقبل كل شيء مصدر لغم ان الطبيعة العراقية دموية : انه نتاج ثقافة غربية اوربية اصلا فالغرب خصوصا بريطانيا هي التي روجت هذه الاطروحة الزائفة عن طريق من اطلق عليهم وصف المستشرقين الذين وضعوا تنميطات نظرية ولصقوها بالعراقيين خصوصا وبالعرب عموما مثل دموية العراقيين ونزعة الاستبداد لدى العرب وعبوديتهم للجنس والبطنة ...الخ كما ورد في كتب عديدة ومنها كتاب روفائيل بطاي الكاتب الاسرائيلي من جهة ، وكان ل(لثأر من بابل) من جهة ثانية دور كبير في هذه الاطروحة من اجل تصوير العراقيين كبشر متوحشين وقتلة ولا يعرفون الا لغة الدم وهذا ما قامت به لاحقا مراكز البحوث خصوصا الامريكية والتي اعتمدت في صياغة مفاهيم تشيطن العربي عموما والعراقي خصوصا على تلك الاطروحة الملفقة !
بل ان يسار اوربا وليس يمينها الاستعماري فقط روج ايضا لاطروحة (الاستبداد الشرقي) بنقلها من حالة تاريخية نتجت عن ظروف جغرافية معينة هي قسوة بيئة الصحراء التي اضفت القسوة والصلابة والتحمل على التكوين النفسي للانسان وميله الى مركزية قوية تصل حد الاستبداد ولم تكن طبيعة اصلية فيه كما يكرر السيد قنديل ، فماركس وانجلز ايضا تناولا ما اسمياه ب( الاستبداد الشرقي ) في كتابهما ( في الاستعمار) فصار اليمين الغربي ونقيضه اليسار الغربي يعتبران الاستبداد الشرقي حقيقة مطلقة ومقتصرة على الشرق مخفين ام الحقائق وهي ان الانسان هو انسان سواء كان في الشرق او في الغرب وان سلوكه هو نتاج البيئة ولذلك تم تجاهل استبدادية ودموية اوربا ثم امريكا ، وهي الاسوأ في التاريخ وروجت نظرية دموية واستبداد الشرقيين فقط .
لننظر الى العالم كما هو الان وكما كان منذ بضعة قرون لنرى منابع ومراكز الدموية والاستبداد الاشد خطورة : اوربا خاضت حروبا عبثية لعدة قرون وغاصت بالدم اكثر مما نواجه الان فالحروب الدينية كانت تستمر عقودا وتميزت بدموية فريدة وغير مسبوقة فيها وفي اغلب العالم ، وكان الاوربيون هم افضل مطوري ادوات القتل والتعذيب في القرون الوسطى والتلذذ بقتل البشر بطرق فيها فنون وجنون لم نعرفها نحن العرب حتى الان ! بل ان تاريخ الحروب في العالم القديم والحديث شهد على ان الغرب ممثلا باوربا وفرعها المشوه قيميا وسلوكيا امريكا هو الممارس الاكثر تطرفا وتفننا في القتل والابادة الجماعية والحروب والتعذيب ووصل الى حد ممارسة جرائم غير مسبوقة مثل غسل ادمغة بشر كي يقتلوا الاخرين ويبيدوا الملايين !
ولو نظرنا الى العالم الان ماذا نرى ؟ الجهة التي تمارس اقسى واخطر اشكال العنف وتسفك الدماء بلا حدود هي امريكا ومعها بعض الدول الاوربية خصوصا بريطانيا فتاريخ العالم الحديث ومنذ عهد الاقطاع الاوربي هو تاريخ التوحش المفرط لاوربا والتي ربما بزت كل من سبقها في تاريخ الانسانية في حجم القتل واساليبه المروعة وهو ما سجل في امريكا اللاتينية على يد الاسبان وفي امريكا الشمالية على يد البريطانيين والفرنسيين وفي الاندلس على يد الاسبان ضد المسلمين والعرب واليهود هناك ، وفرنسا في الجزائر والتي سبقت داعش والقاعدة في قطع الرؤوس ، ثم جاءت الحربين العالميتين لتؤكدا ان الاوربي والامريكي هما اكثر اصناف الجنس البشري حبا لابادة الاخر والتمتع بقتله جماعيا وفرديا وكان استخدام القنابل الذرية ضد اليايان احد ابرز اشكال التلذذ بقتل الاخر .
العنف كما السلمية ليسا طبعا بشريا وانما هما امكانية بشرية موجودة داخل كل انسان وهذه الامكانية تنتقل الى فعل عندما تتوفر البيئة المناسبة لها لكنها تبقى كامنة لحين بروز بيئة تنميها فالبيئة الهادئة الخالية من الرعب او قليلة القلق تنمي النزعة السلمية والتعايش بينما وجود الخوف والعدوان ينميان امكانية استخدام العنف ، ومصر الان وهي تشهد ما شهده ويشهده العراق من عنف نرى فيها نفس العنف الذي مورس ويمارس في العراق وذروته قطع الرؤوس بلا رحمة وهو عمل يمارسة مصريون عاديون الان مثل العراقي والسوري اللذان وجدا نفسيهما في بيئة تحد او بتأثير غسيل دماغ يندفع لقتل الاخر بحماس .
اذن هل هناك فرق بين دموية العراقي خصوصا والعربي عموما ودموية الامريكي والاوربي ؟ نعم..... ثمة فرق جوهري بينهما فالعراقي العادي يمارس العنف عندما يكون تحت ضغط تحد خارجي بالاصل كالاحتلال او العدوان الخارجي من دولة في الاقليم او من خارجه وعليه مواجهته مثلما يكون مستعدا للعنف في حالة وجود تحد داخلي ، وهذا امر طبيعي ، فهو هنا رد فعل مصطنع وليس فعلا اصليا ، وكلما امتد زمن استمرار العدوان الخارجي او الداخلي والتهديد به وتفاعلاته الداخلية كلما ترسخت عوامل انبعاث العنف وتحول الى طبيعة ثانية . اما الغربي والامريكي بشكل خاص فهو يمارس العنف كفعل اصلي طبيعي نابع من تكوينه النفسي وليس رد فعل اضطراري ودون وجود تهديد حقيقي من قوى احتلت او كانت تريد احتلال اوربا ، دافعه نزعة انانية مرضية للاستحواذ على ما لدى الاخر من مال وثروات طبيعية رغم انه شبعان لدرجة التخمة ولا يعاني من العوز والفقر والذي يدفع للسرقة ،
لهذا فان دموية الغربي الامريكي والاوربي تمثل التوحش في اكثر اشكاله قسوة ودموية وهي اصل الدموية المعاصرة ومحركها ومغذيها ، وهو هنا يتميز عن العراقي في انه يمارس دمويته بلا مبرر ولا حاجة فرضت عليه بينما العراقي والعربي مسالم وكريم وطيب ويقدم الخدمات المجانية للاخر لكنه عندما يتعرض للخطر يرد عليه بعنف تقرره درجة ونوع ذلك الخطر . فهنا نحن بأزاء عراقي يمارس العنف الطبيعي والوسيلي المشروع بينما الامريكي والاروبي يمارسان العنف الغائي غير المشروع والمفروض بقوة نزعة مرضية متطرفة التوحش . يتبع .
Almukhtar44@gmail.com
30-3-2017