من الإجحاف أن تناقش (النوايا) في قرار تتخذه قيادة دولة بصيغة قانون غير مسبوق هدفه المعلن الصريح هو الإقرار بالحقوق القومية للكرد من شعبنا العظيم. وإذا كان من بين تلك النوايا التي قد يحاورها البعض تقوية سلطة الدولة عبر ترسيخ الوحدة الوطنية وإنهاء معضلة كانت تهدد البلاد وسلامتها ووحدتها فإن هكذا نية يجب أن تمجد بموضوعية وبالاعتماد على ما أنتجه القانون على أرض الميدان فعلاً وواقعاً.
قانون الحكم الذاتي بنياته وبوقائع تطبيقه كان انتقالة محورية تاريخية بالعراق قطعت الطريق على التدخلات الأجنبية التي طالما ركبت موجة التمرد الكردي للنفوذ إلى الشأن العراقي وزعزعة الأمن والاستقرار فيه ومن ثم تحجيم التطور في أطره العامة. وبعد إصدار قانون الحكم الذاتي عام ١٩٧٠ تمكنت الدولة من تطوير شمال العراق في كل الميادين أكثر من أي جزء آخر من العراق وحصل شعبنا الكردي على كامل حقوقه القومية والثقافية.
كانت إيران الشاه والكيان الصهيوني هما حصانا طروادة في استغلال الأوضاع غير المستقرة في شمال العراق وتغذية التمرد وهذه حقيقة يعرفها القاصي والداني وليست سراً نذيعه أو تكهناً أو توقع نسوقه لأغراض معينة. وإيران الخميني والكيان الصهيوني هما من يشاركان أميركا وبريطانيا في احتلال العراق بعد مضي ٤٧سنة على قطع دابر مؤامراتهما وغلق منافذ تدخلهما في مبادرة قيادة العراق للحكم الذاتي لأكراد العراق التي هندسها القائد الشهيد الخالد صدام حسين رحمه الله تعبيراً عن عقيدة ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي التي نصت في العديد من أدبيات وسياقات التعبير عن تفرد البعث الناتج عن تفهمه العميق والموضوعي لمعضلات الأمة النابع من كونه ابن العروبة أرضاً وتاريخاً.
لقد أنتج بيان ١١ آذار ١٩٧٠ بيئة إيجابية ساعدت الدولة المركزية على تغير واقع شعبنا الكردي حيث بنيت عشرات القرى الحديثة وعبدت آلاف الكيلومترات من الطرق بين هذه القرى متحدية وعورة المنطقة وجبالها الشماء واعتمدت اللغة الكردية كلغة ثانية للبلاد وأتيحت وسائل إعلام للأكراد وانتهت البطالة تماماً وبنيت المدارس والمستشفيات وطورت المدن وأقيمت المصانع وانتقلت الزراعة إلى مستوى جديد غير مسبوق هذا فضلاً عن إقامة مؤسسات تشريعية وأخرى تنفيذية تضاف إلى مشاركة الأكراد في السلطة المركزية وعلى أعلى المستويات. ودخلت الأحزاب الكردية في الجبهة الوطنية والقومية التي أقامها البعث لإدارة البلاد بعد نجاح واستتباب ثورته المجيدة في ١٧ تموز ١٩٦٨.
وكتأكيد لقناعات البعث بأن الشعب الكردي هو جزء من تكوين الأمة العربية فقد فتحت أبواب الانضمام إلى الحزب فصار آلاف الأكراد بعثيين وما زال الكثير منهم رفاق لنا في العقيدة والنضال والإيمان بوحدة الوطن والأمة.
ثمة حقيقة معروفة نسوقها بشقين للتوضيح:
الشق الأول: أن القضية التي تمتد لها أيادي الأجنبي استغلالاً وتآمراً تظل ذيولها قابلة للاستخدام مجدداً وهذه هي جدلية الصراع بين الوطني وبين التبعية للخارج أياً كانت مبرراتها. وكما أسلفنا فإن التمرد الكردي كان نقطة واهنة في جسد العراق دخلت عليها إيران التي لا تغادر أطماعها المشؤومة بالعراق وكذلك الكيان الصهيوني الذي يرى في العراق مصدر تهديد دائم لوجوده الاغتصابي لأرض العرب.
الشق الثاني: أن هناك طبيعة إنسانية تغلب وتسود عند كثير من البشر هي أنه كلما حصل أكثر كلما طمع للمزيد. وللأسف كانت هذه الطبيعة هي السمة التي ميزت بعض القوى الكردية في علاقتها بالوطن.
لقد كان بيان آذار في نياته وتطبيقه منجزاً عملاقاً للشعب العراقي غير أن توزع بعض القوى الكردية بين العلاقة الخطيرة مع إيران وأخرى متصلة بشكل أو بآخر مع المخابرات الصهيونية قد كانت عتلات عرقلة لمسيرة تطبيق البيان ومسارات تطوره وهذا ليس سر أًو اتهام فأثار هذا التوزع وتداعياته لا زالت إلى الآن وبعد كل ما جرى للعراق ولبيان آذار ما زالت تطفح على مشهد الحياة السياسية لشعبنا الكردي.
تحية مباركة لقادة العراق الرئيس الأب المرحوم أحمد حسن البكر والشهيد الخالد الرئيس صدام حسين الذين قادا فرح العراق وشعبه وزهو حزب البعث العربي الاشتراكي في إنجاز أول برهان تاريخي لإنسانية الحركة القومية العربية والقدرة على حل المعضلات باقتدار حين تتوفر الشجاعة والإرادة الوطنية.
تحية لحامل راية تواصل نضال البعث الوطني والقومي الرفيق الأمين وقائد جبهة الجهاد والتحرير المجاهد عزة إبراهيم.
تحية لشهداء شعب العراق عرباً وكرداً وأقليات أخرى وتحية لشراكة الدم التي حمت العراق وبرزت أعظم ما برزت في قادسية صدام المجيدة.
عاش العراق حراً سيداً واحداً وسيندحر الاحتلال المركب بقوة وإصرار وتضحيات مقاومتنا الباسلة.
البروفيسور كاظم عبد الحسين عباس