كاظم عبد الحسين عباس
معضلة النظام العربي الراهنة تبدأ في العراق وتنتهي في العراق وأول أوجهها أن النظام العربي قد تورط بالاعتراف بسلطة الاحتلال في العراق وهو يعلم أنها سلطة غير شرعية. والاعتراف بسلطة الاحتلال في العراق سابقة خطيرة في الأمة إذ لم يسبق لا لجامعة الدول العربية ولا للأقطار العربية منفردة أن تعاطت مع سلطة تشكلها قوات غازية سجلت احتلالها للعراق رسمياً في الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
المحنة الأخرى التي تواجه القمة العربية أنها غير قادرة على الإفصاح عن يقين تضمره الصدور من أن سلطة الاحتلال هي إيرانية الجنسية والهوى ومحكومة من الولايات المتحدة الأمريكية. ومع اليقين الرسمي العربي بهوية السلطة الفارسية ممثلة بحزب الدعوة وما يسمى بـ (الائتلاف الشيعي) وهو يقين لسنا نحن
مصدره بل مصدره أطراف بالعملية السياسية ترتبط بصلات وثيقة بعدد من الحكومات العربية منها على سبيل المثال لا الحصر أياد علاوي وطارق الهاشمي وخميس الخنجر وأسامة النجيفي. وبوسعنا أن نحيل قادة الأمة إلى عائلة الشابندر (غالب وعزت) على سبيل المثال من حيث كونها من المؤسسين والمنظرين لحزب الدعوة غير أنهم غادروه بعد ما أسموه انحراف وفساد وسمعة سيئة جلبها (للشيعة) بعد تسلمه للسلطة الاحتلالية حيث سيؤكدون كما فعلوا مراراً على الفضائيات أن سلطة المنطقة الخضراء إيرانية.
نقطة أخرى تتحدى القمة العربية والنظام العربي عموماً ولا نجافي الوقائع إن قلنا إنه يهرب منها إلى الأمام ألا وهي قضية ترتيب الأرجحيات والأولويات في العمل العربي المشترك المطلوب بإلحاح. فالنظام العربي وقمته العتيدة يناقضون أنفسهم بالإصرار على تأكيد المؤكد ألا وهو اعتبار قضية فلسطين هي القضية المركزية.
ونحن لا نرى ضيراً في هذا الترجيح بعد احتلال العراق وإخراجه عملياً من موازنات الأمن والقوة القومية لكن بشرط:
أن نرى القمة والنظام العربي تقدم ما يثبت أنها تعمل لإنهاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية لشعب فلسطين على كامل أرضه. ونزعم إنه مطلبنا نحن كشعب عربي أن تتحرر فلسطين وتنفذ قرارات القمم العربية السابقة بشأنها وبخلافه فإن إثارة الأرجحية للقضية الفلسطينية إن هو إلا إعلان عن إرادة ليست عربية وضحك على الذقون.
لكن المؤكد أن هذا الترجيح لا يتعدى أطراف اللسان ولا يجد صداه الميداني ونحن نرى إنه يوضع على جدول أعمال القمة لسبب واحد فقط هو تقويض المد والقناعات الشعبية العربية المتصاعدة لجعل تحرير العراق قضية ملحة ومركزية للعرب لأن القناعات الحق التي لا يمكن لمنصف ولموضوعي أن يقفز من فوقها ألا وهي أن تحرير العراق وعودته سيداً مستقلاً واحداً هو شرط لتحرير فلسطين ولا يستطيع العرب أن يحاربوا ولا يؤثروا سياسياً ودبلوماسياً ما لم يكن العراق محرراً وأحد أطراف الصراع إلى جانب أشقاءه.
إن أي حوار عربي في القمة عن كون العراق محتل من أميركا وإيران وأن السيادة التي يدعيها حكام الخضراء تدحضها آلاف الوقائع والأدلة، سيفضي إلى القناعة بضرورة ترجيح تحرير العراق وهذا يعني ضمناً طرد سلطة الاحتلال من القمة العربية ومنح مقعد العراق في الجامعة العربية إلى ممثلين عن شعب العراق من مقاومته البطلة التي يعرفها كل قادة العرب. (ومع استحالة أن يحصل شيء من هذا الآن، فإننا نرى أن وجود حكومة الاحتلال في وقائع القمة هو خطوة مهمة لنفوذ إيران إلى الجسد العربي كما تنساب الأفعى بين حبات الرمال وتمضي قدماً في تحقيق برنامجها التوسعي بكل ما متاح لها من وسائل نراها في العراق وسوريا ولبنان وكلها مجاورة للأردن وقريبة منه حيث تنعقد القمة).
إن الموقف الشعبي العربي الواسع الذي يتبنى منهجية وضع تحرير العراق كأولوية قومية ملحة يتقاطع تماماً مع الموقف الرسمي العربي الذي يغض الطرف عن العملية السياسية الاحتلالية تماماً كما يغض الطرف عما تقوم به سلطة الخضراء من قتل وتدمير وتهجير وإقصاء يفوق كثيراً ما مارسته العصابات الصهيونية في فلسطين منذ عام ١٩٤٨ وأن إيران تقوم بتنفيذ عملية إبادة لطيف من الشعب العراقي يمثل نصف العراقيين أو أكثر إحصائياً على ذات الطريقة التي اتبعها إسماعيل الصفوي في إيران بالقتل والتهجير وما يعرف بالتغيير الديموغرافي للمدن العراقية كما حصل في ديالى وصلاح الدين ويحصل الآن في الموصل وعديد مدن الأنبار وكركوك. ويغض الطرف أيضاً عن الدلالات العميقة التي أتخذها الاحتلال من اجتثاث وحل الجيش العراقي والقوى الأمنية وتبني دستور يمزق البلاد وقوانين واجراءات مشرعه تقتل وتهجر وتعتقل على الهوية المذهبية التي أدت بجملتها إلى تقويض الأمن الاجتماعي والسلم ونشرت الطائفية كفتنة بغيضة مدمرة. ((إن غض الطرف من قبل النظام العربي والقمة العتيدة عن جرائم الغزاة والمحتلين ومن تبعهم وارتزق في جنبات سلطتهم يعيد إلى الأذهان ما فعلته عصابات الصهيونية وينذر بعراق محتلاً استيطانياً من إيران ومقسم وتحكمه شرائع الغاب والحروب الأهلية وهنا تبرز المسؤولية التاريخية التي يتحملها العرب إزاء ما يجري في العراق وما سيتبعه ويترتب عليه من نتائج كارثية إن لم يوضع العراق منهجياً وعملياً على خط التحرير وتدعم القمة والأشقاء العرب هذا الخط)).
القمة تنعقد وبعض الأطراف العربية تناور في العراق لحماية هذا المكون أو ذاك وتعمل لتحقيق مطالب فئوية. هذا إقرار منها بالظلم الذي يلحق بالعراقيين جراء سياسة المحاصصة وتزوير الانتخابات وسيطرة أحزاب إيران التي يحسبها البعض خطأ على أنها عراقية. غير أن الخطأ الأفدح هو أن تقاد بعض الأطراف العراقية إلى المطالبة بحق (جزئي) في الوقت الذي يعاني فيه شعب الجنوب والفرات الأوسط بكوارث اجتماعية واقتصادية وإرهابية غير منظوره بسبب الممارسات الإرهابية للاحتلال الإيراني. هذا يعني شاء من شاء وأبى من أبى أن هذه الأطراف إنما تساعد ضمناً على تكريس جرائم الدستور الاحتلالي وقوانين بريمر .
إن على القمة أن تناقش محنة العراقيين كحزمة واحدة تتضمن:
تغيير الدستور الاحتلالي
إلغاء المحاصصة الطائفية والعرقية. إعادة المهجرين إلى ديارهم.
إعادة تأسيس وهيكلة الجيش والقوى الأمنية على أسس وطنية.
إعمار ما دمره الغزو والعملية السياسية.
معالجة جذرية لمناهج الفساد الذي حول العراق إلى دولة فاشلة.
وإذا ما تناولت القمة هذه النقاط في حواراتها فإنها ستضع البلسم وتكشف الحقيقة وتنير دروب إعادة العراق عربياً سيداً قومي الهوى والسلوك.
القمة العربية تنعقد في ظرف عربي بالغ التعقيد وشواهده اقتتال وثورات دموية لا طائل من ورائها وانحدار مريع لمستويات دخل الإنسان العربي ومستويات المعيشة وتراجع في التعليم الأساس والعالي وتدهور في الصحة.
القمة تنعقد وعيون العرب صارت عالقة في طهران وواشنطن وروسيا وأوروبا والصين تنتظر منها فرجاً لن يأتي ولا توجد عاصمة عربية واحدة تجتمع حولها أنظار العرب لتنقذ الوضع الكارثي للأمة.
إن على القمة طرد حكومة الخضراء كما طردت نظام بشار.
وعليها أن تجد من يمثل العراق وسوريا وليبيا النازفة لحين تحررها وعودة الحياة العربية المستقرة لها.
وعلى القمة أن تتخذ موقفاً يستجيب لدواعي أمن الخليج وينهي كوارث اليمن وذلك بإنهاء الاختراق الإيراني وتغول نظام ولاية الفقيه عبر أذرعه (العربية) المعروفة والتي تعلن صراحة وجهاراً عن ولاءها وانتماءها واعتياشها على نظام الملالي في طهران.
القمة مطالبة بتوجيه رسالة واضحة لإيران تطالبها فيها بالانسحاب من أرض العرب وترك الشأن العربي لأهله ووقف بث ونشر الفتنة الطائفية والعودة إلى خلق علاقات جيرة وشراكة سلمية طيبة مع العرب.
على القمة أن تخاطب إيران بوقف برامج بناء قوتها على حساب العرب وأن تثبت أنها جارة ومسلمة عبر معاونة العرب رسمياً وليس عن طريق أذرع تمزق الموقف العربي وتكرس الادعاء الفارغ لإيران على حساب الفعل الحقيقي المنظم ضد الصهيونية.
على القمة أن تبلغ إيران بإثبات عداءها للكيان الصهيوني وان تغادر المناورات وأساليب التحريك المخادع أو أن تترك العرب يديرون شؤونهم ويرتبون بيتهم ومتطلبات تحرير أرضهم.
على القمة أن تطالب إيران بالاعتراف باستقلال الأحواز والانسحاب من الجزر الإماراتية وسحب وإيقاف عمل أحزابها الطائفية وخلاياها النائمة والمستيقضة في الكويت والبحرين والسعودية وأن تنهي مظاهر التكوين المليشياوي الذي أنهك الأمن وأنتج الإرهاب وسلط التهديد للعرب انطلاقاً من بؤر معروفه في العراق أولها وأخطرها.
ترى.. هل ستواجه القمة واجباتها الحقيقية هذه أم أنها ستستمر بالهرب إلى أمام وتكتفي بمعانقة القاتل حيدر العبادي الذي أحال الموصل بميليشياته وتحالفاته المجرمة إلى أطلال ينعق فيها بوم الموت والحزن والشقاء بحجة داعش التي صنعتها أطراف احتلال العراق؟.
نتمنى ان تتقدم القمة في مواقفها لحماية الأمن القومي العربي من الخطر الفارسي الى أمام . على ان لا يكون ذلك التقدم الى الخلف . ونؤكد هنا اننا لا ندعوا الى شن حرب على ايران بل نطالب بموقف سياسي حازم وواضح وصريح .