اغتيال الشّهيد مازن فقهاء: هل يستوعب العرب الدّرس هذه المرّة؟
أقدمت العصابات الصّهيونيّة آخر الأسبوع الماضي على اغتيال أحد أبرز
قادة كتائب عزّ الدّين القسّام الجناح المسلّح لحركة حماس في قطاع غزّة الشّهيد مازن فقهاء.
وتمثّل حادث الاغتيال في إقدام مجموعة مجهولة على استهداف الشّهيد المغدور بوابل من الرّصاص من مسدّسات مجهّزة بكواتم الصّوت بمنطقة " تلّ الهوى " في غزّة، وتحمل العمليّة الإرهابيّة الغادرة الجبانة بصمات الموساد الصّهيونيّ ووحدة المستعربين المختصّة في التّسلّل وسط التّجمّعات المدنيّة والاندساس في القرى والمدن الفلسطينيّة بشكل طبيعيّ وتعقّب المقاومين الفلسطينيّين والعرب واغتيالهم بالرّصاص أو بأشكال أخرى متنوّعة ناهيك عن بقيّة مهمّاتها في الرّصد وجمع المعلومات ورفع التّقارير للأجهزة الاستخباريّة والأمنيّة والعسكريّة الصّهيونيّة.
كان الشّهيد مازن فقهاء أحد الأسرى المحرّرين في إطار صفقة الجنديّ الصّهيونيّ الأسير جلعاد شاليط، ومن المعلوم أنّه ألقي عليه القبض من طرف الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة إثر اتّهامه في الضّلوع في تدبير عملّيتين فدائيّتين متلاحقتين استهدفتا الصّهاينة وهما عمليّتي مفرق "جات" جنوبي القدس و"صفد" سنة 2002، كما تمّ نفيه من الضّفّة الغربيّة للقطاع بعد تحريره.
وتأتي عمليّة تصفية الشّهيد البطل مازن فقهاء في إطار السّياسة العنصريّة والتّصفويّة التي تعتمدها العصابات الصّهيونيّة وملاحقتها للفعل والفكر المقاومين في فلسطين بعدما تكفّل حلفاؤها المعلنون والمخفيّون على تصفيتهما بدورهم في بقيّة ربوع الوطن العربيّ الجريح، كما أنّها لا تخرج عن دائرة الانتقام من أصحاب الأرض وعقابهم على استمراريّتهم الدّؤوبة في بذل الغالي والنّفيس والتّضحية بكلّ ممكن ذودا عن الأرض والعرض وتشبّثا بالحقّ والحيلولة دون تمرير الافتراءات والرّوايات الصّهيونيّة الكاذبة ومزاعمها المعروفة، ناهيك عمّا تحمله العمليّة السّافرة من رسائل تروم من خلالها سلطات الغصب الصّهيونيّة تثبيط عزائم الشّباب العربيّ عموما والفلسطينيّ خصوصا وبثّ نوازع اليأس والجبن والخوف فيه وذلك بترهيبهم بأنّ مصير كلّ من يفكّر في اتّباع نهج المقاومة لن يشذّ عن مصير الشّهيد مازن فقهاء وعشرات الآلاف من الشّهداء الذين سبقوه على درب النّصر والتّحرير.
هذا، ولا يجب في هذا الصّدد التّغافل عن توقيت العمليّة ومدلولاتها، إذ استهدف الشّهيد البطل مازن فقهاء في الوقت الذي تعيش فيه الجماهير العربيّة على وقع المجازر البشعة المرتكبة في أكثر من قٌطر عربيّ وأزيد من مدينة عربيّة في ليبيا وسوريّة واليمن والأحواز العربيّة وخصوصا حرب الإبادة الشّاملة التي تتعرّض لها الموصل في شمال العراق.
لقد استغلّت العصابات الصّهيونيّة المجرمة أفضل استغلال ما آلت إليه الأوضاع العربيّة في العشريّتين الأخيرتين وخاصّة غزو العراق واحتلاله وما تلاه من هزّات عنيفة في أغلب أقطار الوطن العربيّ الكبير، وتقيم هذه العمليّة الرّعناء وما سبقها من عمليّات مشابهة أو اوسع خلال السّنوات الفارطة الحجّة على قراءتنا لما يجري في الوطن العربيّ ودوافعه وغاياته التي لا تزيد كلّها عن تثبيت التّفوّق النّوعيّ الشّامل للكيان الصّهيونيّ الغاصب على حساب العرب بعد معاودة تفتيتهم وتشظيتهم وإغراقهم في الحروب الأهليّة والصّراعات الطّائفيّة والعرقيّة المغلوطة وهو الإطار الذي تتعرّض له الأمّة لحملة إبادة عرقيّة واسعة وعمليّة التّغيير الدّيموغرافيّ المتسارع خصوصا في الأحواز والعراق وسوريّة. وما استفراد الصّهاينة بفلسطين وتسارع وتيرته منذ 2003 إلاّ ترجمة لكلّ المخطّطات الشّيطانيّة التي وضعتها الامبرياليّة الأمريكيّة والصّهيونيّة العالميّة وحليفها الفارسيّ الصّفويّ في ظلّ العجز شبه الكامل والصّمت العربيّ الرّسميّ المطبق.
إنّ عمليّة اغتيال الشّهيد القياديّ بكتائب عزّ الدّين القسّام في هذا الظّرف الدّقيق الذي تمرّ به الأمّة العربية لا يمكن أن يتواصل معها الرّهان العربيّ على سياسة التّفاوض وكلّ ما ترتّب عن اتّفاقيّات أوسلو سيّئة الصّيت والسّمعة، وهو ما يحتّم على القمّة العربيّة أن تحسم موقفها نهائيّا وتراجع كلّ قراءاتها وأن تتّخذ إجراءات تتوافق مع مسؤوليّة الحكّام العرب الأخلاقيّة والقوميّة والسّياسيّة والقانونيّة تجاه الأمّة وعلى رأسها قضيّة فلسطين وقضيّة العراق والأحواز العربيّة ناهيك عن بقيّة الملفّات الحارقة الأخرى كسوريّة وليبيا واليمن، وعلى العرب أن يغادروا سياساتهم المألوفة وقراراتهم المجترّة، وهو ما يحتّم إقدامهم على خطوات اقتحاميّة شجاعة تتمثّل أساسا في الانخراط الواعي والمسؤول في الفعل المقاوم العربيّ وخاصّة المقاومة الفلسطينيّة والأحوازيّة والمقاومة العراقيّة، ودعم المقاومة العربيّة بكلّ السّبل سياسيّا ومادّيا وإعلاميّا وقانونيّا وتسليحيّا، ذلك أنّ أعداء الأمّة لا يمكن التّعامل معهم حصرا عبر الوسائل الدّيبلوماسّة وغيرها من الأمور التي ثبت فشلها.
أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 28-03-2017