كاظم عبد الحسين عباس
احتمال واحد من اثنين لا ثالث لهما: إما الشعب العربي على خطأ أو أن حكامنا لا يعرفون ولا يأبهون لرأي الشعب وحاله وهذا في تقديرنا أهم النتائج التي خلصت لها قمة عمان المنعقدة في أواخر أيار ٢٠١٧م. ثمة مساحة شاسعة بين نبض الشارع وتطلعات العرب وهمومهم ومشاكلهم وبين القمة هي ليست جديدة بكل تأكيد لكنها بدت هذه المرة على ألسعة الخطيرة المخيفة غير المسبوقة. والأخطر من ذلك بدت القمة على أنها في أعظم قدراتها على غض الطرف عن الواقع والارتقاء بنظرها إلى سماء عالية بعيداً عن الواقع وكما توقعنا في عملية هروب إلى أمام بخفة الغزال وجسارة النمور.
نعم لقد كانت الدبلوماسية الترفة والانفصام التام عن الواقع العربي هي سيدة الموقف والتجاهل هو المتحكم في التعاطي مع جوهر معضلات العرب.
فاعتبار القضية الفلسطينية هي القضية المركزية هو بديهة عربية مذ وطأت أقدام الغزاة المستوطنين أرض المقدسات ودنستها واغتصبتها وأقامت عليها دولتها. ولم تقف المركزية العتيدة المعتقة عائقاً أمام تكريس الاحتلال وبناء دولة (إسرائيل) وفرضها أمراً واقعاً بقوة السلاح وبهزيمتنا في معارك تاريخية وهزيمتنا حتى في المعارك التي انتصرت فيها جيوشنا ووأد ما أنجزته مقاومتنا العربية الفلسطينية التي لم يشهد سفر البشرية كله مثيلاً لها. ولولا مقاومة شعب الجبارين وليس المركزية المزعومة لماتت فلسطين منذ زمان بعيد ولصار اسمها واسم شعبها ممنوع من الذكر على أي لسان.
وإدانة إيران أمر طيب ولكنه يبدو نشازاً وغير ذي قيمة فعلية وغير ذي معنى جدي ولا حقيقي ما دامت سلطة الاحتلال قائمة في بغداد وتنفذ أهم مرتكزات الغزو الاستيطاني الفارسي الإيراني القومي الطائفي أو بالأصح المتغطي بالطائفية للأمة العربية.
القمة العربية لا يعنيها تظاهرات واعتصامات شعب العراق التي تدين السلطة في طول البلاد وعرضها. والقمة العربية لا يعنيها قتل المعتصمين العراقيين السلميين في الفلوجة والرمادي وسامراء وتكريت والدور والحويجه ولا يعنيها بعد ذلك المعارك النازية التي شنت على بغداد في حزامها وعلى الأنبار بكل مدنها وقراها وكذا صلاح الدين وديالى وبعض مدن كركوك وما يشهده العالم الآن من المجازر الوحشية في الموصل. القادة العرب مسحورين بأداء الحكومة العراقية التي تقاتل بضعة آلاف مقاتل أجنبي تحت مسمى داعش فهجرت ستة ملايين عراقي لا يزال جلهم في العراء واعتقلت ما لا يقل عن ٨٠٠ ألف عراقي أثناء مقاتلة البضعة آلاف وقتلت عشرات الآلاف من الأبرياء جلهم تحت أنقاض بيوتهم.
القادة العرب لا يحسبون نسبة الدواعش الذين سلطتهم أميركا وإيران وحكومة الاحتلال إلى الملايين المتضررة في أول حرب من نوعها تستهدف بضعة آلاف وتوقع ملايين الضحايا!!.
القادة العرب لا يعرفون من صنع الإرهاب الذي دمر العراق ولا أسباب صناعته. ولم يسأل أي منهم نفسه ولا سأل زملاءه ملوك ورؤساء وأمراء وسلاطين لم ينشط الإرهاب في العراق وسوريا واليمن السعودية والجزيرة وحتى في بعض الوقائع في الأردن بشكل خاص: أي لا يعرفون لم نشط الإرهاب في المشرق العربي برمته. وبالتالي فإن الاستنتاج الواقعي هنا هو أن شعب العراق في ضفة والقمة في ضفة أخرى بعيدة. لا يوجد تماس ولا تلامس ولا احتكاك بل عزلة تامة هي التي نعبر عنها في أدبياتنا الكثيرة بـ (اغتيال عروبة العراق وسحبه خارج أحضان الأمة).
شعب العراق على غلط وحكومة الاحتلال المحكومة هي السليم والحق الذي لا يعرف الباطل إلى مساراتها منفذ من وجهة نظر القمة أو بناءً على ما رشح عنها.
وشعب الأحواز الثائر المقاتل الذي بدأت تتصاعد ثورته الجسورة تدريجياً على خطأ وأمره خارج التغطية قدر تعلق الأمر بالقمة بل أن بعض قادتنا يرفضون فتح ملف الأحواز أصلاً.
وشعب اليمن الذي ينزف دماً ويتضور جوعاً ويقتتل أبناءه في جيشين وميليشيات متقابلة وتتدخل فيه معظم دول العالم لا حق له أيضاً في أن يوضع حد لمأساته في القمة ومن قبل من بأيديهم الحل والربط والمهم أن تتصافح الدبلوماسية وتنجح المجاملات وتزدهر الاتيكيتات التي تليق بقادتنا.
أما الليبيون فهم مجرمون لأنهم هم من استقدم الناتو بقضه وقضيضه ليسقط نظام الرئيس القذافي. هم الليبيون من اختار هذا المستقبل والحاضر المخضب بأنهار الدماء والتفتت والتشرذم والبؤس بعد أن كان هذا الشعب لا يعرف إيجار البيوت ولا بيت فيه بلا سيارة ولا عائلة إلا وعندها (حوازه.. أي قطعة أرض زراعية تدر ذهباً) ولا يعرف البطالة..
عاشرنا عديد القمم العربية منذ بدايات وعينا في الستينات وإلى قمة عمان المباركة الأخيرة.. لكننا لم نشهد انفصاماً تاماً بين ما تعانيه الأمة من كوارث وبين القمة ولا تنصلاً للقمم السابقة عن الخوض في جوهر المشاكل كما تنصلت القمة العمانية ولعل قمة بغداد التي جرت تحت ظلال الاحتلال خارج التقييم أصلاً. كما أننا لم نر استخفافاً بهيبة الأمة عبر قمتها كما استخف وفد حكومة الاحتلال سواءً عبر كلمة حيدر العبادي التي لم تحتوي كلمة صادقة واحدة عدى أسمه بل احتوت تزويراً وكذباً وتدليساً لا يليق بالعراق ولا بالرمزية الممنوحة للعميل الإيراني الدعوجي حيدر العبادي واستخفاف وزير خارجية العبادي إبراهيم الأشيقر الذي كان يعبث بمنخره كما يعبث ابن شوارع هايف أو طفل مصاب بانحراف الجيوب الأنفية.
اذا كان هذا منطق قادة الأمة فقرأ على الأمة السلام لأنها ستبقى نائمة كما نام قادتها وتركوا حل قضاياها لأحلامهم . ومن هذا المشهد تأكيد على ان القادة ليس بيدهم الحل بل الحل بيد الشعب العربي من خلال مواصلة النضال والمقاومة المسلحة لطرد المحتل أينما كان شكله . والخونة والعملاء الذين يساهمون في تنفيذ مخطاطات المحتل مهما استخدموا اغطية ومسميات .