إنكار المقاومة العراقيّة وتجاهل الأحواز العربيّة دليل كذب ادّعاء محاربة أطماع إيران
موقف نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تصاعدت مظاهر الشّدّ والجذب بين إيران وبعض الأنظمة العربيّة الرّسميّة في السّنوات الأخيرة
وعاشت جماهير الأمّة نتيجة لذلك على وقع تبادل الاتّهامات بين الجانبين لتتراوح بين التّهديدات والتّحرّشات وغير ذلك من مظاهر عمليّة قضم الأصابع على شاكلة السّياسات المتبعة بين القوى العالميّة الكبرى، وانقسم العرب بين مؤيّد لهذا الفريق وناصر للآخر.
وتعود أسباب هذا التّوتّر وتصدّع العلاقات بفعل ما تحسّسته الأنظمة العربيّة من تهديدات إيرانيّة جدّيّة ومحاولاتها المتكرّرة لخلخلة أمن كثير من الأقطار العربيّة سواء المشرقيّة أم المغاربيّة، ناهيك عن ثبوت ضلوع إيران في كثير من العمليّات التي ضربت عددا من بلاد العرب إمّا مباشرة أو غير مباشرة خصوصا عبر إيوائها للإرهابيّين المارقين العاملين على إثارة البلبلة في الدّاخل العربيّ أو زرّاع الفتنة الطّائفيّة ومكرّسيها ومغذّيها علاوة على تدريبهم ودعمهم بالسّلاح والمال والخبرات وكلّ ما يحتاجونه لتنفيذ مؤامراتهم التي تصبّ في وفاض إيران رأسا وتعود عليها بالمنفعة وفق ما يخدم مصالحها ومخطّطاتها التّوسّعيّة الاستيطانيّة الشّعوبيّة في الوطن العربيّ كاملا، كما تعالت الأصوات العربيّة في استفاقة شجّعناها وأيّدناها رغم تأخرّها زمنا طويلا عملا بالقول المأثور " أن تصل متأخرّا أفضل من ألاّ تصل أبدا " وهي التي سعت على التّركيز على الجرائم الإيرانيّة في اليمن وسوريّة والمغرب الأقصى وخصوصا احتلال الأحواز العربيّة واحتلال العراق.
لقد اعتقدنا أنّ المواقف العربيّة المدينة لاحتلال الفرس للأحواز وللعراق، وتشهيرهم بانتهاكاتهم السّافرة لجماهير شعبنا في ذينيك القٌطرين العربيّين ورفضهم لكلّ السّياسات العنصريّة بحقّ الأرض والبشر والتّاريخ هناك المبنيّة أساسا على طمس الهويّة العربيّة وتغيير معالمهما الحضاريّة ناهيك عن الإبادة العرقيّة المتّبعة بدقّة والتّغيير الدّيموغرافيّ إنّما هي بدايات استعادة للحسّ القوميّ وما يستتبعه من إجراءات شجاعة وقرارات جريئة وخطوات اقتحاميّة كفيلة بترجمة هذه التّصوّرات على أرض الواقع، وخلنا ملاحقة نغول إيران في اليمن مثلا وقطع بعض الأقطار العربيّة لعلاقاتها مع نظام الملالي وتعليق التّبادل الدّيبلوماسيّ والتّجاريّ إرهاصات ومقدمة تحوّلات جذريّة في الفعل العربيّ الرّسميّ، إلاّ أنّ تتابع الأيّام كشف أمورا عكسيّة وحدّث بعدم جدّية الأنظمة العربيّة الرّسميّة في تصدّيها للتّمطّط الفارسيّ في الوطن العربيّ.
إنّ أهمّ وأخطر ما يدلّل على بطلان ادّعاءات العرب الرّسميّين حول مساعيهم لصدّ الأطماع الإيرانيّة ومخطّطات الفرس الإجراميّة نضحت به فعاليّات القمّة العربيّة الأخيرة بالبحر الميّت حيث بدا الانقسام واضحا وجليّا بين العرب في هذه النّقطة تحديدا كما تناولت القمّة المسألة الفارسيّة بخجل شديد وسطحيّة أشدّ، وبلغت ذروة استهتار العرب بتلك الفاصلة الخطيرة بتجاهل القضيّة الأحوازيّة وبالقفز على المأساة العراقيّة برمّتها وخصوصا إنكار المقاومة العراقيّة وهي التي تعتبر الرّقم الأصعب والأشدّ خطورة في معادلة الصّراع العربيّ الفارسيّ بأكمله.
كشفت قمّة البحر الميّت إذن على سطحيّة قرارات العرب وعدم مقدرتهم على تحديد السّبل المثلى لقصم ظهر عدوّهم الذين عجزوا للآن على تقدير خطره عليهم وفشلوا في تشخيص طبيعة نواياه الاستيطانيّة التّوسّعيّة على حسابهم فشلا ذريعا.
أولم يدرك العرب الرّسميّون بعد أنّ كلّ ما تعانيه الأمّة العربيّة اليوم من محن وكوارث إنّما مردّه الأوّل والرّأسيّ احتلال العراق احتلالا مزدوجا من قبل أمريكا وإيران؟ ألا يعلمون أنّ تحرير العراق بوّابة العبور لشطّ الأمان ومنصّة مفصليّة لحرمان إيران من كلّ وسائل تغلغلها وإجهاض أجنداتها التّخريبيّة؟ ألم يستوعبوا بعد أنّ تحرير العراق بعوائده تلك لا يتحقّق بدون انخراط العرب انخراطا واعيا وكلّيّا في مشروع المقاومة العراقيّة التّحرّريّ الوطنيّ والقوميّ والإنسانيّ وبالتّالي توفير كلّ مستلزمات استمراريّتها وتصعيد ضرباتها لحين تحقيق التّحرير النّاجز وبلوغ أهدافها التي سيكون خراجها للعرب بكلّ تأكيد؟
ثمّ متى يستوعب العرب أنّ دعم انتفاضة الأحواز العربيّة ودعم نضالات شعبها والعمل على استعادتها للحاضنة العربيّة سيحرم العدوّ الفارسيّ من خزّان الثّروة وسيعمّق من أزماتها الدّاخليّة اجتماعيّا واقتصاديّا ما من شانه أن يعجّل بتفكّك منظومة الشّرّ والتّآمر والرّذيلة في بلاد فارس؟
ألهذه الدّرجة يبلغ الاستهتار العربيّ مداه حتّى يهمل القادة العرب استراتيجيّة الأحواز العربيّة في دفع إيران للتّلاشي والانكفاء والانزواء للدّاخل؟
إنّ ما اتاه العرب الرّسميّون لفاجع حقّا وصادم ومخيّب للآمال، إذ تعمّدوا التّخلّي عن قطرين عربيّين عزيزين واستراتيجيّين وفسحوا المجال كاملا لإيران لابتلاعهما وهو ما سيوفّر للفرس مرونة أكبر سهولة أعظم في التهام بقيّة العرب.
أنيس الهمّامي
نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
تونس في 31-03-2017